المقالات
إطلاق عمليتي “ردع العدوان” و”فجر الحرية”: كيف نقرأ المشهد السوري؟
- ديسمبر 1, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
يبدو أن الأزمة السورية تعود إلى نقطة الصفر مجددًا، وذلك على خلفية العملية العسكرية المباغتة التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية المسلحة ضد مناطق قوات النظام في الشمال السوري بعد توقف العمليات القتالية بين الجانبين لمدة تزيد عن أربعة سنوات، فضلًا عن استمرار الضربات الإسرائيلية على البلاد وزيادة شراستها خلال شهر نوفمبر المنصرم، هذا إلى جانب تواصل المناوشات بين القوات التركية والكردية، وكل هذا يرسم مشهدًا أمنيًا معقدًا في سوريا، يؤثر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، ويضع مزيد من الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد، الذي يخشى الآن خسارة السلطة في دمشق:
1- إطلاق عملية ردع العدوان:
بعد هدوء دام ما يقارب 5 سنوات، تشهد مناطق الشمال السوري تصعيدًا عسكريًا متسارعًا، إثر قيام هيئة تحرير الشام وبعض جماعات المعارضة المسلحة الأخرى، بإعلان عملية “ردع العدوان” ضد مواقع النظام السوري في ريفي إدلب وحلب يوم 27 نوفمبر الماضي.
وتُعتبر الاشتباكات الحالية بين المعارضة والجيش السوري، هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقية “سوتشي” لوقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في مارس 2020.
وقد حددت فصائل المعارضة السورية الأهداف العامة من هذه العملية؛ في: كسر مخططات النظام عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لمواقع قواته والمليشيات التابعة له، الدفاع عن المدنيين المتواجدين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتأمين عودتهم إلى منازلهم.
2- التطورات الميدانية للعملية:
-
شكلت المعارضة غرفة “إدارة العمليات العسكرية” مع بداية الهجوم، وتضم هيئة تحرير الشام وأخرى من الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة، إضافة إلى عدد من فصائل المعارضة في إدلب، واختارت القيادي حسن عبد الغني متحدثًا بإسمها.
-
أعلنت الفصائل المسلحة السورية الموالية لتركيا في شمال غربي سوريا، يوم 30 نوفمبر، تدشين عملية عسكرية جديدة ضد التنظيمات المسلحة الكردية والجيش السوري، حيث أطلقت عملية “فجر الحرية”؛ بهدف ما قالت إنه “تحرير المناطق المغتصبة من قبل الجيش السوري، ومسلحي حزب العمال الكردستاني”.[1]
-
أسفرت العملية عن سيطرة المعارضة على ريف حلب الغربي بالكامل وعلى كامل محافظة إدلب وعلى مساحات واسعة من حماة منذ بدء الهجوم؛ حيث نجح مقاتلو الفصائل في السيطرة على: مدينة سراقب التي تقع في شرق إدلب بعد انسحاب القوات الحكومية، طريق حلب – دمشق المعروف بـ”M5″، وعلى شريط بطول 730 كيلومترات في حلب وإدلب، فضلًا عن السيطرة على مطار حلب.[2]
-
أعلنت إيران مقتل كيومرث بورهاشمي؛ أحد كبار المستشارين العسكريين في سوريا، خلال هجوم شنته الفصائل المسلحة بمدينة حلب السورية.
-
أسفرت المعارك في شمال سوريا حتى يوم 29 نوفمبر، عن مقتل 254 شخصًا معظمهم من المسلحين، بينهم 24 مدنيًا و144 من هيئة تحرير الشام والفصائل الحليفة لها ونحو 86 من القوات الحكومية، إلى جانب الحديث عن أسر 26 جنديًا سوريًا.
-
سيطرت الفصائل على عدد من الدبابات والعربات والسيارات التابعة للجيش السوري النظامي، إضافة إلى كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة المخزنة على خطوط التماس بين النظام والمعارضة المسلحة، إذ أظهرت المعارضة عشرات القذائف والصواريخ، إضافة إلى أجهزة تشويش حركة الطيران المسير.[3]
-
أدت المعارك العنيفة المستمرة بين المعارضة والجيش السوري إلى حركة نزوح كبيرة، تعددت وجهاتها بين أحياء وسط حلب التي لا زالت واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، وشمال غربي إدلب نحو الحدود مع تركيا، ومناطق أخرى آمنة.
3- أبرز ردود الفعل:
النظام السوري؛ أكد الجيش السوري في بيان له يوم 28 نوفمبر، أن قواته تواصل التصدي للهجوم الكبير الذي شنته “التنظيمات الإرهابية”، وأوقعت مئات القتلى والمصابين بين صفوف المسلحين، مشيرًا إلى أنه استعاد السيطرة على بعض النقاط التي اخترقها المسلحون.[4]
وكذلك عزز الجيش السوري قواته في الشمال بإرسال تعزيزات عسكرية ضخمة، فيما تشارك مع سلاح الجو الروسي في تنفيذ غارات جوية تستهدف خطوط إمداد مسلحي هيئة تحرير الشام على محاور جنوب شرق إدلب وجنوب إدلب وسهل الغاب وريف حماة، مما تسبب في قتل ما يقارب 1000 مسلح خلال الأيام الثلاثة الماضية.[5]
روسيا؛ دعا الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، يوم 29 نوفمبر، السلطات السورية إلى إعادة فرض النظام بصورة عاجلة في محيط حلب، معتبرًا أن الهجوم المتواصل بمثابة اعتداء على سيادة سوريا.[6]
إيران؛ وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، يوم 28 نوفمبر، هجمات الفصائل المسلحة في شمال غربي سوريا على ريفَي حلب وإدلب بأنها انتهاك لاتفاقات آستانة، مؤكدًا أن أي تأخير في مواجهة تحركات تلك الفصائل، سيدخل المنطقة في جولة جديدة من انعدام الأمن والاستقرار.
من جانبه؛ اعتبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن التحركات الأخيرة لتحرير الشام والفصائل الداعمة لها هي “مخطط أمريكي – إسرائيلي”، يهدف لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة، عقب إخفاقات وهزائم إسرائيل أمام المقاومة.
وجدير بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يتوجه في زيارة لسوريا اليوم الأحد 1 ديسمبر 2024، لإجراء محادثات مع السلطات السورية، قبل التوجه إلى تركيا، وذلك في إطار جولة إقليمية لعقد مشاورات حول القضايا الإقليمية، خصوصًا التطورات الأخيرة.[7]
تركيا؛ نفى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، انخراط بلاده في الصراعات الدائرة في حلب، مؤكدًا في الوقت ذاته أنها تتخذ احتياطاتها، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى موجة هجرة جديدة، كما شدد على أن “تركيا لن تسمح أبدًا للبنية الإرهابية في سوريا أن تتحول إلى دولة”.[8]
من جانبه؛ صرح المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كيتشالي، أن الحفاظ على السلام في إدلب والمنطقة المجاورة الواقعة عند نقطة الصفر من الحدود التركية، هو قضية ذات أولوية بالنسبة لتركيا، مؤكدًا أن الغارات الجوية الروسية والهجمات السورية على إدلب في أكتوبر الماضي، هي السبب فيما وصلت إليه الأمور في الوقت الراهن.
في السياق ذاته؛ دفعت تركيا بتعزيزات عسكرية مكثفة إلى منطقة درع الفرات الخاضعة لسيطرة قواتها وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لها في حلب، إلى جانب نقاطها في إدلب، إذ دخل رتل عسكري تابع للقوات التركية من معبر السلامة الحدودي في شمال حلب إلى النقاط التركية المنتشرة في منطقة درع الفرات يوم 27 نوفمبر، تضمن شاحنات محملة بأسلحة ثقيلة ودبابات وآليات إلى النقطة التركية على أطراف بلدة مريمين شمال حلب.[9]
الولايات المتحدة؛ أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سافيت، في بيان يوم 30 نوفمبر، أن اعتماد سوريا على روسيا وإيران، إلى جانب رفضها المضي قدمًا في عملية السلام التي حددها مجلس الأمن الدولي عام 2015، السبب وراء ما يحدث الآن، مشيرًا إلى أنه لا علاقة لواشنطن بهذا الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام، وهي منظمة مصنفة “إرهابية”.[10]
السعودية؛ أجرى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري بسام الصباغ يوم 29 نوفمبر، لمناقشة مستجدات الوضع في سوريا.
مصر؛ أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري بسام الصباغ يوم 29 نوفمبر، تناول التطورات الأخيرة في شمال سوريا، خصوصًا في إدلب وحلب، وقد أعرب الوزير المصري عن القلق إزاء منحى هذه التطورات، مؤكدًا موقف مصر الداعم للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية، وأهمية دورها في تحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب وبسط سيادة الدولة واستقرارها واستقلال ووحدة أراضيها.[11]
العراق؛ أجرى رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد، يوم 30 نوفمبر، لبحث التطورات الأخيرة والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، حيث أكد السوداني أن أمن سوريا والعراق هو أمن واحد، مشددًا على استعداد بغداد لتقديم كل الدعم اللازم لسوريا لمواجهة الإرهاب وكل تنظيماته.[12]
الإمارات؛ أجرى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري بشار الأسد، يوم 30 نوفمبر، لمناقشة الأوضاع في البلاد، وخلال الاتصال أكد الرئيس السوري على أن دمشق مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين وداعميهم، وهي قادرة وبمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما اشتدت هجماتهم الإرهابية.[13]
4- قراءة في المشهد:
-
لا شك أن عملية ردع العدوان تأتي في وقت حساس يحمل في طياته الكثير من الدلالات؛ حيث أنها تأتي في توقيت تشتد فيه الضربات الإسرائيلية على مناطق النفوذ الإيراني في سوريا، وتعرض حزب الله لخسائر استراتيجية كبيرة سواء في سوريا أو لبنان، فضلًا عن انشغال روسيا الحليف الاستراتيجي للنظام السوري بالحرب الأوكرانية، والحديث عن نية ورغبة للتطبيع بين دمشق وتركيا التي كانت الداعم الرئيسي للمعارضة منذ اندلاع الثورة في 2011، هذا إلى جانب فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإثارة الجدل بشأن عزمه الانسحاب من الأراضي السورية.
-
عدم اتخاذ تركيا موقفًا حاسمًا حتى الآن بخصوص الوضع في الشمال السوري، يثير شكوكًا حول ما إذا كانت هذه العملية جاءت بتنسيق بين فصائل المعارضة وأنقرة، للضغط على الرئيس بشار الأسد من أجل إتخاذ خطوات ملموسة فيما يخص ملف التطبيع، والتنازل عن شرط الانسحاب التركي أولًا من البلاد قبل أي لقاء يجمع رئيسي الدولتين.
-
يُلاحظ أن رد الفعل الإيراني والروسي، الحلفين الأساسيين للنظام السوري، جاء أقل بكثير من المتوقع وذلك بالمقارنة مع تحركات موسكو وطهران في أعقاب اندلاع الثورة في 2011.
-
يبدو أن المعارضة السورية رأت في التوقيت الراهن فرصة لتغيير وخلط كل الأوراق فيما يخص مستقبل الملف السوري، إذ تحاول استغلال حالة الوهن والإرهاق العسكري التي تنتاب المليشيات الإيرانية وحزب الله إثر المواجهات مع إسرائيل طوال أشهر طويلة، وانشغال الحليف الروسي بأوكرانيا، وذلك من أجل تحقيق بعض المكاسب الميدانية التي قد تبني عليها مواقفها في أي مفاوضات قد تحدث في الفترة المقبلة، سواء ضمن مسار آستانة لتسوية الحرب السورية، أو ضمن مفاوضات التطبيع التركي السوري.
-
يتضح من ردود الفعل وخاصةً العربية، أن هناك نوع من التأييد والمساندة للرئيس بشار الأسد، انعكس في الاتصالات الهاتفية والبيانات التي أكدت على ضرورة حماية أمن سوريا واستقرارها وسلامة أراضيها، وذلك يُعد مخالف للمواقف العربية في 2011، ويؤشر على الشرعية الإقليمية النسبية التي بات يتمتع بها النظام السوري بعد عودته للجامعة العربية.
وإجمالًا؛ ينحدر الوضع في سوريا من سيء إلى أسوء، وخاصةً مع الانفلات الأمني الذي تعانيه منطقة الشمال السوري، وكأن المشهد يعود للعام 2011 مجددًا، وكل ذلك يدل على أن لا عودة قريبة للدولة السورية، وأن التسوية السلمية للأزمة لا تزال مطلب بعيد المنال، فضلًا عن أنه يشير إلى مزيد من التدهور الإنساني والاقتصادي سيعانيه الشعب السوري، والذي يبدو أن ينتظره مستقبلًا صعبًا.
المصادر:
[1] الفصائل الموالية لتركيا بشمال غربي سوريا تطلق عملية عسكرية جديدة، الشرق الأوسط، 30/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9
[2] معركة «ردع العدوان» في الشمال السوري… شكوك حول دعوة تركية للتفاوض بالنار، الشرق الأوسط، 28/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
[3] عبد الحليم سليمان، من أشعل خطوط التماس بين المعارضة السورية وجيش النظام؟، اندبندنت عربية، 28/11/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/612913/%D8%B3%D9%8A
[4] تقارير: فصائل مسلحة تسيطر على مدينة شرق إدلب وحي «استراتيجي» وسط حلب، الشرق الأوسط، 29/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[5] غارات سورية – روسية على خطوط إمداد ومعاقل «الفصائل» بريفي حلب وإدلب، الشرق الأوسط، 1/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
[6] روسيا تدعو السلطات السورية إلى «إعادة فرض النظام» في ريف حلب، الشرق الأوسط، 29/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%
[7] وزير خارجية إيران يزور سوريا غداً قبل التوجه لتركيا، الشرق الأوسط، 30/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[8] تركيا تحدد أولوياتها في «معركة حلب»: منع النزوح… والتصدي لـ«قسد»، الشرق الأوسط، 30/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9
[9] تركيا تدفع بتعزيزات ضخمة لقواتها في شمال سوريا، الشرق الأوسط، 27/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[10] واشنطن تعتبر فقدان السيطرة على حلب نتيجة لـ«الاعتماد» على روسيا وإيران، الشرق الأوسط، 1/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[11] مصر تُبدي قلقها إزاء أحداث إدلب وحلب وتؤكد دعمها الدولة السورية، الشرق الأوسط، 30/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9
[12] رئيس أركان الجيش العراقي: لا توجد مخاطر على أمننا… وقواتنا الأمنية جاهزة، الشرق الأوسط، 1/12/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[13] الأسد: سوريا قادرة على «دحر الإرهابيين» مهما اشتدت هجماتهم، الشرق الأوسط، 30/11/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-