تشهدُ إسرائيلُ واحدةً من أعقدِ أزماتها الداخلية منذ تأسيسها؛ حيث يتقاطع البُعْد السياسي مع الأمني والقضائي، في ظلِّ صراعٍ محتدمٍ بين الحكومة والمؤسسات الرسمية، وفي هذا السياق المضطرب، يأتي قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار؛ ليعكس تصاعد المواجهة بين السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، خصوصًا مع قيام المحكمة العليا، يوم الجمعة 21 مارس الجاري، بتجميد هذا القرار وسط جدلٍ واسعٍ حول تداعياته.
لا تُعدُّ هذه الإقالة مُجرَّد إجراءٍ إداريٍّ، بل تشكل سابقةً خطيرةً تعكس محاولات نتنياهو لتعزيز نفوذه داخل المؤسسات الأمنية والقضائية، في وقتٍ تواجهُ فيه حكومتُهُ انتقاداتٍ متزايدةً؛ بسبب إدارتها للحرب في غزة، وفشلها في تحقيق أهداف إستراتيجية واضحة، وبالتوازي مع ذلك، برزت مساعٍ لإقالة المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، التي اعتبرت قرار إقالة “بار” تهديدًا لاستقلالية المؤسسات الأمنية؛ ما يُعمِّقُ الانقسام السياسي ويزيد من هشاشة الحكومة.
وتأتي هذه التحرُّكات ضمن سياقٍ أوسع من الاضطرابات الداخلية، منذ هجوم السابع من أكتوبر؛ حيث شهدت إسرائيلُ استقالاتٍ وإقالاتٍ متلاحقةً، شملت قيادات أمنية وعسكرية بارزة؛ ما يعكس أزمة قيادة غير مسبوقة، وبينما يحاول نتنياهو فرْض سيطرته على أجهزة الدولة، يتزايد الغضب الداخلي، خصوصًا من قِبَلِ عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس، الذين يرون أن الحكومة تضع مصالحها السياسية فوق الاعتبارات الأمنية والإنسانية.
في ظلِّ هذه التوتُّرات، يبرز تساؤلٌ محوريٌّ حول الدوافع الحقيقية لقرار إقالة رئيس الشاباك، وما إذا كان مرتبطًا باعتباراتٍ أمنيةٍ فِعْليةٍ، أم أنه امتداد لإستراتيجية نتنياهو في تصدير الأزمات وتوجيه الأنظار بعيدًا عن إخفاقاته السياسية.
ملامح المشهد الراهن في إسرائيل
تشهدُ إسرائيلُ – في الآونة الأخيرة – تصدُّعاتٍ داخليةً متزايدةً على الصعيديْن السياسي والأمني؛ ما يعكس حالةً من عدم الاستقرار والتوتُّر داخل مؤسسات الدولة؛ فيما يأتي عرْضٌ مفصَّلٌ لأبرز ملامح هذا التصدُّع:
1- إقالات واستقالات متوالية
منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، تشهدُ إسرائيلُ سلسلةً من الإقالات والاستقالات في صفوف قياداتها الأمنية والعسكرية؛ ما يعكس حالةً من الاضطراب داخل مؤسسات صُنْع القرار، ويُعدُّ أحدثَ هذه التطورات هو إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، من قِبَلِ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في 20 مارس 2025، وهي خطوةٌ أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية.
هذه الإقالةُ تأتي في سياق سلسلةٍ من التغييرات القيادية التي بدأت بعد هجوم 7 أكتوبر؛ حيث في نوفمبر 2024، أقال نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت؛ بسبب خلافات حول إستراتيجية التعامُل مع الأوضاع في غزة، وفي 21 يناير 2025، أعلن رئيس الأركان، الفريق هرتسي هاليفي، استقالته، معترفًا بفشل الجيش في التصدِّي لهجوم حماس، كما شهدت الفترة نفسها استقالة قائد فرقة غزة، العميد آفي روزنفيلد، في يونيو 2024، مُتحمِّلًا المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية خلال الهجوم. [1]
2- مظاهرات شعبية واسعة ودعوات بعزل نتنياهو
مع استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، تشهدُ تلُّ أبيب ومدنٌ إسرائيليةٌ أُخرى موْجة احتجاجات غير مسبوقة ضد حكومة نتنياهو؛ حيث طالب 25 جنرالًا من قادة الأجهزة الأمنية السابقين، ببدْء إجراءات قانونية لعزْلِهِ، مُتَّهِمِين إياه بتهديد الأمن القومي وتجاوُز القانون، وفي المقابل، ردَّ نتنياهو بالإعلان عن عقْد جلستيْن حكوميتيْن، الأولى لإقالة رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار، والثانية لإقالة المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، التي تعارض خطوة إقالة بار، وفجَّرت هذه القرارات غضبًا واسعًا؛ حيث أطلق الجنرالات حملة احتجاجاتٍ كُبْرَى ضد إقالة القيادات الأمنية، تخلَّلتها تظاهرات شارك فيها نحو 40 ألف شخص في تل أبيب ومدن أخرى، كما أُقيمت خيام اعتصام أمام مقرّ وزارة الدفاع ومكتب رئيس الحكومة، في مشهدٍ يعكس اتساع رُقْعة الرَّفْض الشعبي لسياسات نتنياهو.[2]
ورأى المتظاهرون، أن استئناف الحرب في غزة لم يكن سوى وسيلة سياسية لتعزيز موقف نتنياهو داخل الائتلاف الحاكم، مُستغِّلًا دعْم حلفائه من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير؛ لضمان بقائه في السلطة، كما اعتبر قادةٌ سابقون في الأجهزة الأمنية، من بينهم رئيس “الموساد” الأسبق تامير باردو، أن ما يجري هو “حرب نتنياهو من أجل بقائه السياسي”، وليس حرْبًا لتحقيق مصلحة إسرائيل، مُشدِّدِين على أن قرارات الحكومة تتجه نحْو “تصفية الديمقراطية” وفرْض نظام ديكتاتوري، كما دعا رئيس “الشاباك” الأسبق عامي أيالون إلى العصيان المدني، معتبرًا أن الحكومة تجاوزت جميع الخطوط الحمراء.[3]
في هذا السياق، اتسعت رُقْعة الاحتجاجات لتشمل قادةً عسكريِّين وسياسيِّين بارزين، مثل رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت ورئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، الذين اعتبروا أن قرارات نتنياهو باتت تهدد استقرار الدولة.
كما شارك زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، في احتجاجات بتل أبيب، مُندِّدًا بأن حكومة نتنياهو تحاول “جرّ البلاد لحرب أهلية”، وهدَّدَ لبيد، بشنِّ إضرابٍ شاملٍ إذا لم ترضخ حكومة نتنياهو لقرار المحكمة العليا بتجميد إقالة رئيس الشاباك.[4]
ومن جهتها، عبَّرت عائلات المحتجزين في غزة عن استيائها، مُتَّهِمِين نتنياهو، بفتح “أبواب الجحيم” على أبنائهم؛ حيث اعتبرت والدة أحد الجنود المحتجزين، أن “الحرب لن تعيدهم، بل ستقتلهم”، مطالبةً بوقْفها واللجوء إلى صفقة تبادلٍ شاملةٍ.
3- عودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة
وافقت الحكومة الإسرائيلية، الثلاثاء 18 مارس الجاري، بالإجماع، على عودة إيتمار بن غفير إلى منصبه وزيرًا للأمن القومي، رغم المعارضة القانونية لهذه الخطوة، وجاءت المصادقة على إعادة تعيينه بعد استئناف العمليات العسكرية في قطاع غزة، في خطوةٍ تعكس تزايُد نفوذ اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية؛ حيث أكَّدت تقارير عبرية، أن هذا القرار تم اتخاذه رغْم اعتراض المستشارة القانونية للحكومة، التي حذَّرت من تداعياته على توازُن السلطة داخل المؤسسات الأمنية والقضائية.
يُذكر أن، بن غفير كان أعلن استقالته من الحكومة الإسرائيلية؛ احتجاجًا على اتفاق وقْف إطلاق النار في غزة، فيما جاءت عودته للحكومة بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي استئناف عملياته العسكرية في غزة، فجر الثلاثاء 18 مارس، بعد وقْفٍ لإطلاق النار، استمر منذ 19 يناير الماضي.
4- تمرُّدٌ في الجيش الإسرائيلي
بالتزامن مع التطورات السالف ذكرها، تُوجد أزمةٌ داخل الجيش الإسرائيلي، لا سيما في ظلِّ رفْض عددٍ من الجنود استئناف القتال في غزة. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء 19 مارس الجاري، فصْل ضابط الاحتياط في شعبة الاستخبارات العسكرية، ميخائيل مئير، إثْر دعوته العلنية إلى عدم الامتثال للخدمة العسكرية؛ حيث وصف القيادة السياسية الإسرائيلية، بأنها “زمرة خائنة”، تدفع الجيش نحْو حربٍ لا تخدم المصالح الوطنية، وأكَّد مئير، رفضه المشاركة في ما اعتبره “تفريطًا بالأسرى الإسرائيليِّين وإرسالًا للجنود إلى الموت بلا هدف”، مُشدِّدًا على أن قراره كان مدروسًا، رغم إدراكه للعواقب الشخصية والاجتماعية التي قد تترتب عليه.[5]
وفي سياقٍ مشابهٍ، أُقِيلَ ملَّاح الطيران الحربي ألون غور من الخدمة الاحتياطية، بعد رفْضه المشاركة في القتال، مؤكِّدًا أن “الحكومة تجاوزت الخطوط الحمراء” حين قرَّرت استئناف الحرب دون اعتبارٍ لحياة المدنيِّين والجنود، كما تزايدت حالات الرَّفْض داخل صفوف الجيش؛ حيث وقَّع نحو 200 جنديٍّ على رسالةٍ تهدد بوقْف القتال ما لم تتحرك الحكومة نحو وقْف إطلاق النار، معتبرين أن هذه مُجرَّد بداية لحركة احتجاجية قد تتوسَّعُ قريبًا.[6]
دوافع القرار
يمكن قراءة إقالة رئيس الشاباك من عِدَّة زوايا؛ حيث تعكس مجموعة من الدوافع السياسية والأمنية، التي تتصل بشكلٍ مباشرٍ بمصالح نتنياهو في إحكام سيطرته على مفاصل الدولة، ويمكن تلخيص أبرز هذه الدوافع في النقاط التالية:
1- محاولة تصفية الحسابات داخل المؤسسة الأمنية
تأتي هذه الإقالة في إطار نهْج نتنياهو لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية بما يخدم مصالحه الشخصية؛ حيث يرى أن رئيس الشاباك لم يكن على وفاقٍ معه، خاصَّةً بعد أن طالب الأخير بإجراء تحقيقٍ مستقلٍ حول الإخفاق الأمني، في هجوم 7 أكتوبر؛ وعليه يسعى نتنياهو من خلال هذه الخطوة إلى تحييد أيِّ شخصيات قد تشكِّلُ تهديدًا سياسيًّا له.
2- تعزيز الحصانة ضد المحاسبة المستقبلية
مع تصاعُد الضغوط لإجراء تحقيقات حول الإخفاق الاستخباراتي لهجوم 7 أكتوبر، يدرك نتنياهو أن وجود شخصيات مستقلة على رأس الأجهزة الأمنية قد يُعرِّضُه للمساءلة مستقبليًّا؛ لذا يمكن تفسير إقالة رونين بار على أنها خطوةٌ استباقيةٌ؛ لضمان عدم وجود شخصيات قد تتعاون مع لجان التحقيق المحتملة أو تقدم شهادات ضده.
3- تقويض استقلالية المؤسسات الأمنية
مع أن المادة 4 (ج) من قانون جهاز الأمن العام لعام 2002 تنُصُّ على أن “الجهاز سيعمل بصورة رسمية؛ ولن تُلقى عليه مهمة المضيّ بمصالح حزبية سياسية”؛ ما يعني ضرورة الحفاظ على استقلالية “الشاباك” كمؤسسة أمنية[7]، إلَّا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى لاستبدال رئيس الجهاز، رونين بار، بشخصية أكثر ولاءً له. ويثير هذا التوجُّه مخاوف متزايدة من تحوُّل “الشاباك” إلى أداة سياسية تُستخدم لتعزيز المصالح الحزبية بدلًا من أداء دوره الأمني بحيادية.
4- إرضاء الحلفاء المتطرفين
يواجه نتنياهو ضغوطًا من اليمين المتطرف الذي يطالب بتصعيد الحرب على غزة وعدم تقديم أيِّ تنازلات، هذه الإقالة قد تكون جزءًا من إستراتيجية لضمان استمرار دعم هذه الأحزاب اليمينية، خاصَّةً أن رئيس الشاباك المُقال كان قد أبْدَى تحفُّظاتٍ على بعض العمليات العسكرية، وفضل نهْجًا أكثر حذرًا في التعامُل مع حماس وملف تبادُل الأسرى.
التداعيات المحتملة
يطرح قرار الإقالة العديد من التداعيات، التي قد تؤثر على المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي على المدى القريب والمتوسط، ومن أبرز هذه التداعيات مايأتي:
1- تصاعُد الأزمة المؤسسية بين الحكومة والأجهزة الأمنية
تشكل إقالة رئيس “الشاباك” سابقةً خطيرةً في علاقة الحكومة الإسرائيلية بالأجهزة الأمنية؛ ما يعكس أزمة ثقةٍ متفاقمةٍ بين القيادة السياسية والمؤسسات الاستخباراتية، وقد يضعف هذا التوتُّر التنسيق الأمني الداخلي، خصوصًا عقب استئناف الحرب على غزة والتحديات الأمنية المتزايدة في الضفة الغربية والجبهة الشمالية.
وتاريخيًّا، لطالما حافظ “الشاباك” على درجة من الاستقلالية المهنية، لكن تدخُّل نتنياهو المباشر في قرارات التعيين والعزْل يشير إلى محاولة لفرض رقابة سياسية على الجهاز؛ ما قد يؤدي إلى امتناع القيادات الأمنية عن اتخاذ قرارات جريئة؛ خوْفًا من الإقالة أو التهميش، وهو ما سينعكس على الأداء الأمني العام.
2- تراجع فعالية “الشاباك” في التعامُل مع التحديات الأمنية
يُعدُّ جهاز الشاباك أحدَ الركائز الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي، وإقالة رئيسه في خِضَمِّ حربٍ مستمرةٍ قد تؤدي إلى فراغٍ قياديٍّ يُضْعِفُ قدرة الجهاز على التعامُل مع التهديدات الفورية، لا سيما تلك المتعلقة بقطاع غزة، والتصعيد في الضفة الغربية، والتهديدات من إيران وأذرعها، خاصَّةً جماعة الحوثي.
ومن شأن هذه الاضطرابات، بأن تؤثر على سيْر العمليات الاستخباراتية الحسَّاسة، كما أن أيَّ رئيسٍ جديدٍ قد يحتاج إلى فترةٍ لإعادة بناء الثقة داخل الجهاز؛ ما يعيق استجابته السريعة للملفات الأمنية الساخنة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أيَّ تعيينٍ قائمٍ على الولاء السياسي بدلًا من الكفاءة قد يؤدي إلى تراجُع احترافية الجهاز، خاصَّةً إذا تمَّ الضغط على “الشاباك”؛ للتركيز على أهداف سياسية داخلية، مثل مراقبة المعارضين، بدلًا من التركيز على التهديدات الخارجية.
3- تصاعُد الصراع بين السلطة التنفيذية والقضاء الإسرائيلي
تشير خطوة المحكمة العليا بتجميد قرار الإقالة إلى مواجهةٍ جديدةٍ بين السلطة التنفيذية والمؤسسة القضائية؛ ما يعيد إلى الواجهة الأزمة الدستورية التي بدأت مع محاولات حكومة نتنياهو تقليص صلاحيات القضاء، خلال عام 2023.
كما أن رفْض نتنياهو الامتثال لقرار المحكمة قد يُشكِّلُ تحدِّيًا قانونيًّا خطيرًا يُهدد بتفاقُم الأزمة الدستورية، و قد يدفع المعارضة إلى تصعيد تحرُّكاتها السياسية؛ للمطالبة بمحاكمته أو الدَّفْع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة.
على الجانب الآخر، فإن إصرار الحكومة على تنفيذ الإقالة رغْم تجميدها قضائيًّا قد يُعمِّقُ المخاوف من تحوُّل إسرائيل إلى دولةٍ تُدار بقرارات فردية؛ ما يُعزِّزُ المخاوف الداخلية والخارجية بشأن مستقبل النظام السياسي الإسرائيلي.
4- تفاقُم الانقسام السياسي والمجتمعي داخل إسرائيل
تأتي هذه الإقالة في وقتٍ يعاني فيه المجتمع الإسرائيلي من استقطابٍ حادٍّ بين تيارٍ يمينيٍّ داعمٍ لنتنياهو وتيارٍ معارضٍّ، يرى أن سياساته تُهدد الديمقراطية ومؤسسات الدولة، وبالفعل؛ ستؤدي إقالة شخصية أمنية بارزة، مثل رونين بار، إلى احتجاجاتٍ سياسيةٍ واسعةٍ؛ حيث يُنظر إليها كخطوةٍ تعكس نهْجًا سلطويًّا يسعى لتقويض استقلالية المؤسسات لصالح أجندة نتنياهو الشخصية.
وستستغلُّ المعارضةُ الإسرائيليةُ هذه الخطوةَ لتأجيج الرأْي العام ضد الحكومة، خاصَّةً مع استمرار الانتقادات الداخلية لأداء نتنياهو في إدارة الحرب وأزمة السابع من أكتوبر؛ ما قد يجعل سيناريو سقوط حكومة نتنياهو مطروحًا، سواء عبْر الشارع، أو من خلال القضاء والمؤسسات التشريعية.
5- انعكاسات سلبية على صورة إسرائيل الدولية
إسرائيل تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على صورتها كدولةٍ مؤسساتيةٍ تتمتع بجهازٍ أمنيٍّ قويٍّ ومستقلٍّ، خاصَّةً أمام حلفائها في الغرب، لكن هذه الإقالة قد تثير مخاوف دولية بشأن نزاهة الحُكْم في تل أبيب؛ وعليه، من شأن التدخُّل السياسي في الأجهزة الأمنية أن يثير قلق العواصم الغربية، التي قد ترى في ذلك دلالة على انحراف إسرائيل عن المعايير الديمقراطية؛ ما يزيد من الضغوط الدولية على حكومة نتنياهو، خاصَّةً في ظلِّ الانتقادات المتزايدة بشأن الحرب على غزة.
مشهدٌ مفتوحٌ على احتمالات متعددة
في الختام:
تعكس إقالة رئيس “الشاباك” أزمة ممتدة تتجاوز البُعْد الأمني لتصل إلى أزمات سياسية ودستورية متشابكة؛ حيث تكشف عن تصدُّع العلاقة بين القيادة السياسية والأجهزة الأمنية، فضْلًا عن تعمُّقِ الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي؛ ما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام اختبارٍ صعبٍ للاستقرار الداخلي، كما لايمكن فصْل هذه الخطوة عن محاولات نتنياهو المستمرة لإعادة تشكيل مراكز النفوذ داخل الدولة لصالح بقائه السياسي، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة التي يواجهها من المعارضة، والمؤسسات القضائية، وحتى من بعض شركائه في الحكومة.
وفي هذا السياق، يبدو أن نتنياهو يسعى إلى توجيه الأنظار بعيدًا عن إخفاقاته في إدارة الدولة، عبْر تصدير الأزمات الأمنية، وإعادة تركيز الخطاب السياسي على الحرب في غزة، باعتبارها ورقةً لإطالة أَمَدِ حكومته، مستفيدًا من مخاوف الشارع الإسرائيلي، بشأن الأمن القومي، غير أن هذا النَّهْج، وإن كان يمنحه بعضَ المكاسب السياسية المؤقتة، فإنه يحمل في طيَّاتِهِ مخاطر كبيرة؛ حيث قد يؤدي إلى مزيدٍ من الفوضى الداخلية، واحتدام الصراع بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والقضائية، بل وربما إلى تفكُّكٍ تدريجيٍّ في تماسُك حكومته؛ ما يُعمِّقُ حالة عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل على المدى القريب والمتوسط.
[7] “شاباك” في خدمة نتنياهو. رجال قانون: علمتنا تجربة بن غفير أن الوسط العربي هو المستهدف، القدس العربي، 18 مارس 2025، متاح على الرابط: https://shorturl.at/QqLkG
