المقالات
اتفاق الشراكة (الأمريكي – الأسترالي – البريطاني) وتأثيره على الشرق الأوسط
- أكتوبر 31, 2021
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: رؤى تحليلية
إعداد السفير/ محمد العرابى
وزير الخارجية الأسبق
تم النشر بمجلة اراء حول الخليج بعدد شهر نوفمبر 2021 م
مقدمة
هناك مقولةٌ تاريخيةٌ تذهب إلى أنه إذا وُجد شخصٌ واحد بالعالم عُرف السلام، وعندما يُوجد شخصان يُعرف الصراع، أمَّا إذا كانوا ثلاثةً فمن هنا يأتي التحالف، ولذا فإن التحالفات كيانات تاريخية موجودة بأشكال متعددة؛ (ثنائية أو ثلاثية، أو متعددة الأطراف)، وهي ظاهرة حتمية تقتضيها طبيعة البيئة الدولية المتغيرة تبعًا لتغير القوى ومراكزها.
خلال شهر سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن تشكيل شراكة أمنية جديدة بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، تسعى لتعزيز الاستقرار بمنطقة المحيطين (الهندي والهادئ)؛ حيث توسعت بعض القوى الكبرى في امتلاك القوة العسكرية والأسلحة بهذه المنطقة؛ ما أثار مخاوفهم من تناميها، ولبناء أحدث النُّظم الدفاعية ضد أي تهديدات محتملة.
فبالرغم من التباعد الجغرافي لهذه الدول، إلا أن المصالح والقيم المشتركة ووحدة الهدف كانت دافعًا رئيسيًّا لانطلاق هذا الحلف، وهذا ليس التحالف الأول الذي يضم الدول الثلاث معًا، بل سبقه انضمامهم لتحالف “العيون الخمس”، وسيتناول الاتفاق الوقوف على أهم بنوده ودوافع عقده، وأهم أهدافه والنتائج المتوقعة من التوقيع عليه على المستوى الدولي والعربي، وأهم الدول الأطراف فيه ومصالح كلٍّ منهم، وهو ما سيتم تناوله خلال السطور التالية.
نشأة التحالف
في 16 سبتمبر الماضي 2021، أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن تحالف ثلاثي عُرف باسم تحالف “أوكوس”، ويضم (الولايات المتحدة الأمريكية- المملكة المتحدة- أستراليا)، ويعتبر التحالف شراكة أمنية ثلاثية جديدة معززة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. AUKUS ؛ حيث تعمل التقنيات الحديثة والقوات الدفاعية معًا؛ لتوفير منطقة أكثر أمانًا تعود بالفائدة على الجميع في نهاية المطاف.
يتم تنفيذ بنود الاتفاقية بعد فترة 18 شهرًا من التوقيع عليها لتحديد كل عنصر من عناصر هذا البرنامج – من القوى العاملة، ومتطلبات التدريب، والجداول الزمنية للإنتاج، وتدابير الحماية، ومنع الانتشار، والإشراف والسلامة النووية – لضمان الامتثال الكامل لكل من التزامات أمتنا بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ووفقًا لتصريح الرئيس الأمريكي، فإن الهدف الأساسي من إنشاء هذا التحالف هو التعامل مع البيئة الاستراتيجية الموجودة بمنطقة المحيط (الهادي والهندي)، مؤكدًا أن مستقبل الدول الثلاث بل مستقبل العالم يعتمد بشكل أساسي على منطقة (هندي هادئ) مستقرة ومزدهرة ومفتوحة الملاحة للجميع.
أهم بنود الاتفاق
جدير بالذكر أن التعاون بين الدول الثلاث سواءً مجتمعة أو بشكل ثنائي بين كلٍّ منهم لم تكن بدايته اتفاق “أوكوس” فقط، ولكن اكتسب “أكوس” لقد اشتملت الاتفاقية على مجموعة من البنود بخصوص التزامات الأطراف، يمكن ذكرها كما يلي: –
- تعهد أمريكي بريطاني لمساعدة أستراليا بتعزيز قدراتها العسكرية على أحدث الطرز العالمية، أولها تزويدها بأسطول غواصات يعمل بالطاقة النووية لأستراليا، على مدار الثمانية عشر شهرًا القادمة، على أن تقوم السلطات الأسترالية بتحديد الآلية التي سيتم اتباعها للإشراف النووي عليها.
- تزويدها بقدرات صاروخية متطورة بعيدة المدى، أهمها صواريخ (كروز توما هوك – بعيدة المدى).
- فتح الأراضي الأُسترالية أمام القوات الجوية الأمريكية
- تقديم الدعم اللازم من الأطراف لمواجهة التحديات التي يواجهها العالم بالقرن الحادي والعشرين، وتعزيز قدرات أستراليا بالدخول والتعامل مع الحرب السيبرانية.
- التأكد من أن كل طرف من أطراف التحالف لديه قدرة حديثة – أحدث القدرات التي تحتاجها – للمناورة والدفاع ضد التهديدات سريعة التطور.
- الحفاظ على الدول الثلاث بـ(القدرات العسكرية والتقنيات الهامة وتوسيع نطاقها)، مثل (الإنترنت والذكاء الاصطناعي وتقنيات الكم والمجالات تحت سطح البحر).
أسباب التقارب الأُسترالي مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا
تمثل أستراليا أهميةً كبرى للولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في سباقها مع الصين وكذلك الأمر بالنسبة لأهمية الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا لأستراليا، تعتبر أستراليا أصغر قارات العالم، وهي أكبر جزيرة في العالم أيضًا بإجمالي مساحة تصل لـ 7.7 مليون كم، ويصل حجم اقتصادها لحوالي 1.4 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف حجم أكبر اقتصاد عربي، وتقع بالمحيطين (الهادئ والهندي) بين السواحل الغربية الأمريكية والصين، ولعل موقعها الجغرافي هو أهم ما يجعلها حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة، كما أنها شاركت بكل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة وبريطانيا خلال القرن الأخير، وكانت جزءًا من بريطانيا حتى نالت استقلالها عام 1901، ومازالت تتمتع بعلاقات طيبة مع بريطانيا حتى وقتنا هذا، ناهيك عن التقارب اللغوي والثقافي والديني بين كلٍّ منهم.
معظم الأنشطة الاقتصادية لأستراليا تعتمد على سلامة المجاري الملاحية بحكم موقعها الجغرافي؛ لذا فإن تأمين المجاري الملاحية يتطلب بالضرورة وجود أسطول قوي لحماية صادراتها ووارداتها، وبالتالي لابد من الاستعانة بحليف جديد يزودها بهذه القوة.
تشكل العلاقة بين أستراليا والصين أحد أهم أسباب التقارب، فقد عمدت أستراليا للاستفادة من التقدم الاقتصادي الصيني بداية عام 1997؛ حيث تزايد حجم التبادل والعلاقات الاقتصادية بينهما لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين عام 2015، كما سعت لتكون جزءًا من مبادرة الحزام والطريق، ولكن تدهورت العلاقات بينهما لإلغاء الحكومة الصينية بعض بنود واتفاقيات التبادل التجاري، واتهام أستراليا الصين بانتهاك حقوق الإنسان لـ”مسلمو الإيغور”، و المطالبة بفتح تحقيق دولي لبحث منشأ فيروس كورونا؛ ما أدى لتوتر العلاقات بين الطرفين، وجعل أستراليا فرصة لابد من اقتناصها.
تدهور الأوضاع بين الصين وأستراليا مؤخرًا واعتبار الصين أستراليا إدارة أمريكية لتقويض قوتها وتشويه سمعتها عالميًّا، ورؤية أستراليا للصين على أنها تريد ابتلاعها والسيطرة عليها بالقوة العسكرية، كجزء من حربها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدت الأوضاع المتوترة بينهم إلى القول: بأن الحرب وشيكة بين الطرفين لا محالة، هذا كله يجعل أستراليا حليفًا مهمًا للولايات المتحدة ولكل دولة تريد مواجهةً غير مباشرة مع الصين.
ما الذي يجعل شراكة “أوكوس” تحظى باهتمام عالمي؟
يعتبر الاتفاق خطوةً كبيرةً؛ لرفض الولايات المتحدة والقوى الكبرى نقل التقنيات العسكرية إلى غيرها لأسباب تتعلق بالقوة والمكانة، كما أن هذا النوع من الغواصات لا تمتلكه سوى 6 دول حول العالم، هم (الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا- فرنسا- الصين- روسيا- الهند) ولم يسبق نقله لأي دولة أُخرى سوى (بريطانيا)، عندما نقلت الولايات المتحدة تكنولوجيا تصنيع الغواصات إليها في عام 1958، وبالتالي ستنضم أستراليا كسابع دولة تمتلك الغواصات، والدولة الأولى عالميًّا التي تُنقل لها تكنولوجيا متطورة لتصنيعها؛ حيث إن الدول الست تمتلك التكنولوجيات المحلية للتصنيع فقط.
لهذا النوع من الغواصات أهميةٌ استراتيجيةٌ تتمثل في أنها مزودة بمحرك نووي، وهي تقوم بأنشطة تجسسيه أو عسكرية، تتطلب وجودها تحت المياه لأطول فترة ممكنة، ولمسافات بعيدة، وتعمل الكثير من جيوش العالم باستخدام الغواصات، ولكنها تعمل بالطاقة التقليدية وبإمكانيات محدودة؛ ما يضع قيودًا على حركتها وأنشطتها، ولكن هذا النوع مزود بالطاقة النووية وبتكنولوجيات متطورة؛ ما يجعلها دقيقة وسريعة بحصد الأهداف، قادرة على المناورة والتخفي، ويصعُب تعقبها.
تأتي أهمية هذا التحالف أيضًا من فكرة رئيسية تقوم على أن التكنولوجيات أنواع ومستويات كذلك هم الحلفاء للدو هم مستويات، فهناك تقنيات تعتبرها الولايات المتحدة شديدة الحساسية للغاية وتمنع مشاركتها مع الغير، حتى لحلفائها، وكذلك تكنولوجيا تصنيع الغواصات التي لم تشارك معها سوى بريطانيا، ومؤخرًا تعهدت بنقلها لأستراليا؛ ما يعني أن الأمر يستحق مشاركة تكنولوجيا بهذا المستوى من الحساسية.
كما يمكننا القول: بأن أهمية “أوكوس” الحقيقية تأتي من بنود الاتفاق غير المعلنة والمتمثلة فيما يلي: –
- تحجيم النفوذ الصيني بمنطقة (الهندي الهادئ)، أو “بحر الصين الجنوبي”، باعتباره منطقةً استراتيجيةً لا تنتهي فيها المناورات بين القوات الأمريكية الموجودة بمنطقة (المحيط الهندي الهادئ) وبين القوات الصينية، وذلك للأهمية الكبرى لهذه المنطقة التي اكتسبتها بعد الحرب العالمية الثانية ومطلع السبعينيات بعد اكتشاف البترول والغاز الطبيعي، إضافةً لمئات الجزر التي يمكن استخدامها كقواعد عسكرية؛ حيث يحتوي بحر الصين الجنوبي وفقًا للوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة على حوالي 11 مليار برميل من البترول، و 190 تريليون قدم من الغاز الطبيعي، ويضم ما يزيد عن 10:12% من إجمالي الثروة السمكية بالعالم، ويقدر حجم التجارة المارة به سنويًّا – وفقًا لنفس المصدر عام 2017 – لأكثر من 5 تريليون دولار، كما تمر منه –عن طريق مضيق ملقا- التبادلات التجارية بين حليفيها كوريا الجنوبية واليابان، ونظرًا لأهميته الكبرى فقد دارت مواجهات بين الولايات المتحدة والصين خلال الفترة من 2016 حتى 2018 تصل لـ 18 مواجهه، وفقًا لتقديرات البنتاجون 2019.
- استمرار الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية بجزيرة تايوان؛ لأن من يسيطر على تايوان يسيطر على العالم؛ لذا تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تزويد أستراليا بهذه التكنولوجيا لاستخدامها حال محاولة الصين استعادة “تايوان”؛ لأن التدخل الأمريكي في هذه الحالة يُتوقع ألا يكون تدخلًا مباشرًا، بل ستستعين بأساطيل دول أُخرى، أو تلجأ لتسليح دول مجاورة للتدخل من خلالها.
- إن وجود هذه الغواصات يُصعِّبُ على الصين القتالَ في حال نشوب حرب بجزيرة تايوان أو منطقة بحر الصين الجنوبي؛ حيث تستطيع الصين إغراق حاملات الطائرات والتصدي لكثير من التقنيات العسكرية الأمريكية، ولكن وجود غواصات تحت الماء تعمل بتقنيات متطورة يصعُب تتبعها ولديها قدرة على المناورة؛ ما يعني إمكانية إلحاق الضرر بالقوات العسكرية الصينية؛ ما يصعب المهمة على الصين مستقبًلا، ويمثل ردعًا لأي محاولة تصعيد بهذه المنطقة.
- محاولة الضغط على الصين لإعادة تشكيل استراتيجيتها بمنطقة المحيط (الهندي الهادئ) بما يتوافق مع التحركات الأمريكية بنفس المنطقة.
- تكتسب هذه الاتفاقية أهمية كبرى؛ لإثارتها غضب حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية وهو (فرنسا)، التي سبق وأن تعهدت لأستراليا بتزويدها بغواصات تعمل بالطاقة التقليدية بإمكانيات متطورة، وقد وقعت الصفقة 2016، وكانت تطلق عليها فرنسا صفقة القرن لضخامتها وأهميتها لكلا الدولتين.
- يأتي هذا الاتفاق كأول اتفاق توقعه المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ ما يعني إمكانية مشاركتها فيه من ضمن أسباب رغبتها بتعزيز مكانتها الدولية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
- تعزيز النفوذ الأمريكي – استراتيجية الرئيس الأمريكي الأسبق (باراك أوباما) – في آسيا، ودعم مكانة واشنطن شرقًا.
موقف فرنسا من “أوكوس” وكيف يؤثر على الاتحاد الأوروبي
كان لأستراليا وجهة نظر باللجوء لفرنسا ومحاولة ضمها لقائمة حلفائها لتوسيع الدائرة أكثر؛ إضافةً لاستقدام أسطول غواصات وفتح الباب أمام شراكات تساهم بحماية صادراتها ووارداتها، فلجأت لفرنسان عام 2016 لعقد صفقة لبناء أسطول من الغواصات ذات الإمكانيات المتطورة وتعمل بالطاقة التقليدية، وتختلف المصادر في قيمة هذه الصفقة من 37 مليار دولار إلى حوالي 105 مليار دولار، ولكن ما اتفقت عليه جميع المصادر أن الصفقة ضخمة، لدرجة أطلقت عليها فرنسا مسمى “صفقة القرن” لأهميتها الاقتصادية، كما أنها تمثل نقطة انطلاق لاستراتيجيات فرنسية لحماية مصالحها بمنطقة المحيط (الهندي والهادي).
ولكن فُوجئت فرنسا بإعلان أستراليا إلغاء الصفقة مقابل عقدها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عبَّر رئيس الوزراء الأُسترالي “موريسون” عن ذلك قائلًا: كان يجب أن تتوقع فرنسا إلغاء الصفقة؛ لأنه أمر طبيعيٌّ ويحدث، كما عبَّر الرئيس “بايدن” في نفس اللقاء بالبيت الأبيض أن فرنسا حليفٌ مهمٌ للولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تتطلع لإقامة تعاون وشراكات معها مستقبلًا؛ لذا قامت فرنسا بسحب سفيريها من (الولايات المتحدة الأمريكية- أستراليا) مع الإبقاء على سفيرها بإنجلترا، معللةً ذلك بأن هذا ما اعتادته من بريطانيا.
ولعل هذه السلوك لا يقف تأثيره على استدعاء السفراء الفرنسيين، ولكن قد تتخذ فرنسا إجراءات أُخرى تؤثر على علاقة الدول الثلاث بالاتحاد الأوروبي، باعتبارها واحدةً من أهم الدول المؤثرة فيه، وما يؤكد إمكانية تأثير فرنسا على الاتحاد الأوروبي هو قرار الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكي دون التشاور بما يكفي مع الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي أيضًا، كما أن توقيت إعلان الاتفاق أتى تزامنًا مع إعلان الاتحاد الأوروبي عن استراتيجيته بمنطقة “بحر الصين الجنوبي”، وهو ما يعتبر التحرك الثاني للولايات المتحدة الأمريكية في نفس الفترة دون وضع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بالاعتبار.
ولعل موقف الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مع الصينيين ورغبتهما بالإبقاء على علاقات طيبة معهم هو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بزمام الأمور دون التشاور معهم، ولكن من المؤكد أن يؤثر على علاقة كلٍّ منهما بالآخر، خاصةً مع تصاعُد العديد من التساؤلات بدول الاتحاد الأوروبي حول “لماذا لم تعرض الولايات المتحدة الأمريكية علينا الدخول في هذه الاتفاقية؟” وقد انتشر هذا التساؤل بكندا؛ لذا وُجِّهت اتهامات لرئيس الوزراء الكندي، بأن كندا تقلص وجودها على الساحة الدولية فترة حكمه، وهو ما يظهر باستبعاد أمريكا لها من الدخول في “أوكوس”، كذلك الحال بالنسبة لـ(نيوزيلاندا) التي تساءلت حول سبب استبعادها من الاتفاق.
موقف الهند وروسيا والصين من “أوكوس”
الموقف الصيني من “أوكوس” يتمثل بإدانة التحالف الثلاثي باعتباره تهديدًا للسلام بمنطقة المحيطين (الهندي والهادئ)، ووصفت الاتفاق بأنه انعكاس “لعقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن والمحصلة الصفرية والنظرة الجيوسياسية الضيقة الأفق” التي “كثَّفت” سباق التسلح الإقليمي وأضرت بجهود منع الانتشار الدولي.
وقد استندت الصين في بيانها إلى أن الحكومة الصينية قد تتهم أستراليا بانتهاك التزاماتها بموجب معاهدة “راروتونجا” الموقعة بين الحكومتين، والتي تتضمن حظر إنتاج أو حيازة أسلحة نووية، وأن امتلاك أستراليا لهذه الغواصات قد يؤدي لصراع محتمل، ويمكننا تحليل رد الفعل بأن الصين تدرك تمامًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم حلفاءها بمنطقة المحيطين لتطويق النفوذ الصيني؛ لذا قد تتجه الصين للرد على هذه الاتفاقية بعقد اتفاقيات مماثلة مع روسيا، فيتوقع قيام الصين بعقد شراكات نووية مع باكستان لمواجهة الهند وتطويقها، أو بتزويد أسطولها البحري بالمعدات، وتغيير استراتيجيتها بالتعامل مع الدول المجاورة والمشاركة معها في “بحر الصين الجنوبي”؛ لمنع أي تصاعُد بهذه النقطة القريبة جدًّا منها مستقبلًا.
بالنسبة للموقف الهندي من الاتفاق والذي ينطوي على الترحيب بالرغم من تأسيس الهند لحركة “عدم الانحياز”، إلا أن موقفها مرحب به لعدة أسباب، أهمها يشير التحالف الجديد إلى عزم سياسي قوي بالولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة من الصين؛ لإنهاء طول أمد الحظر على نقل تكنولوجيا الدفع النووي العسكري حتى لحلفائها؛ لذا قد تكون الهند أحد هذه المحطات لنقل التكنولوجيات العسكرية التي تتفرد بها الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يمهد الاتفاقُ الطريقَ لمشاركة أمنية أكثر قوة بين ثلاثة شركاء استراتيجيين مهمين للهند، وستساهم بسعيها لتحقيق توازن مستقر للقوى بمنطقة المحيطين (الهندي والهادئ)، وهناك من يذهب إلى أن هذا الاتفاق يضعف اتفاق الرباعية الموقع بين الهند والولايات المتحدة واليابان، ولكن بالنظر المشكلات الأمنية المتصاعدة التي تواجهها الهند مع الصين، فإن جميع الإجراءات المصممة لردع الصين، سواء بمشاركة هندية أو بدونها، تعود بفائدة استراتيجية على الهند ويثبت قوتها بمواجهة باكستان؛ ونظرًا لانشغال الهند بالتهديدات البرية من الصين فهي بحاجة إلى شراكات دائمة لحماية جناحها البحري.
وقد تقوم الهند باحتواء فرنسا وإقامة اتفاق معها لحماية منطقة (الهندي والهادي) باعتبارها شريكًا استراتيجيًّا مهمًّا للهند، ولرغبة الهند بتأمين ظهرها مع الإبقاء على “أوكوس”؛ لأنه من المنطقي بناءُ تحالفات صغيرة متداخلة بين الشركاء الراغبين بالمحيطين (الهندي والهادئ) بدلاً من تحالف واحد شبيه بحلف الناتو.
أما عن الموقف الروسي من “أوكوس”، في بداية الأمر جاء رد روسيا عن الاتفاق في شكل تساؤل يبحث عن إجابة بخصوص الدوافع والغايات من إبرام هذا الاتفاق، ومن ثم عبَّرت عن مخاوفها من أن تطوير أستراليا لغواصات تعمل بالطاقة النووية (بمساعدة أمريكية وبريطانية) من شأنه تقويض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية و “يسرع سباق التسلح” بالمنطقة، وبالرغم من اعتبار الاتفاق خطرًا سياسيًّا وعسكريًا، ولكنه ليس تهديدًا بعد.
ولعل أهم ما يفسر هذا الاتجاه الروسي هو رغبة روسيا بالترويج للغواصات التي تعمل بالتقنيات التكنولوجية في المنطقة المحيطة بها أو في العالم عمومًا، وهو ما اقترحه مسؤولون بوزارة الدفاع الروسية عقب الإعلان عن الاتفاق الثلاثي، على المدى الطويل، لن تتجاهل روسيا أيضًا ما هو واضح، فالاتفاق الجديد يوحِّد دولتين مسلحتين نوويًّا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) وأستراليا التي ستصبح قادرةً على حمل السلاح النووي قريبًا.
وقد تؤدي القدرة على التحمل والمدى الموسع للغواصات الأسترالية المستقبلية إلى تشغيلها بغرب وشمال غرب المحيط الهادئ، وهي مناطق ذات نشاط منتظم للقوات البحرية الروسية؛ لذا قد تغيّر روسيا من خطتها للتعامل مع هذه المنطقة فقد تزوّد روسيا أسطولها بغواصات نووية في الوقت القرب، وبالتالي يجب على أستراليا متابعة استراتيجية روسيا عن كثب.
وقد يقوم تحالف بين روسيا والصين لمواجهة التحالف القائم بالمستقبل، وفي حال حدوث أي تصاعدات بالوضع بين روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا أو الصين والولايات المتحدة وبريطانيا فقد يتم النظر لأستراليا على أنها الحليف الأضعف والأهم؛ لذا يتم استخدامه للضغط على الطرف الآخر.
هل يصبح “أوكوس” اتفاقية مفتوحة؟
يعتبر “أوكوس” أحد التحالفات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية كباقي تحالفاتها، فعلى سبيل المثال؛ التحالف الرباعي، تحالف العيون الخمس، وغيرهم، وبالتالي فإن عضويته لا تقتصر على أعضائه المؤسسين بل قد يشمل أعضاءً آخرين متى توافرت شروط الانضمام له؛ لذا قد ينضم للحلف العديد من الدول، على رأسهم بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل (كندا- نيوزيلاندا)، وبعض الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي والتي تتنازع مع الصين لامتلاك الجزر الواقعة بالبحر الصيني، ومنها (الهند- الفلبين- ماليزيا- إندونسيا- بروناي- فيتنام- وغيرهم)؛ لمصلحة هذه الدول بمنطقة المحيط (الهندي الهادي).
هل تتأثر منطقة الشرق الأوسط أم تظل بمعزل؟
قد يؤدي اتفاق “أوكوس” لسباق تسلح بين مختلف القوى الواقعة بمنطقة المحيط (الهادي والهندي) أو الدول التي لها مصالح بهذه المنطقة، وقد يتحول هذا السباق لحرب باردة بحرية من نوع ما في المحيطين (الهندي والهادئ)؛ للأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة، فضلًا عن تمثيلها منطقة سيادة ونزاع على الجزر للكثيرين.
وقد يدفع الاتفاق الاتحاد الأوروبي لتبني نهج (الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي)، والذي تدعمه الكثير من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا، ومن ثم قد تتبعه أحلاف أُخرى، بل قد تنتهي أحلاف وتظهر أُخرى جديدة على غرار “أوكوس”
وباعتبار المنطقة العربية والشرق الأوسط ليست بعيدةً عن هذه التحركات التي يشهدها العالم فقد تكون أشد المتأثرين بهذا الحراك، كما حدث بفترة الحرب الباردة، كان الشرق الأوسط ساحة الحرب، وتزامنًا مع الاضطرابات الداخلية والأزمات التي تعيشها معظمها، فضلًا عن توتر العلاقات بين بعضها على سبيل المثال (المملكة العربية السعودية، إيران، المغرب، الجزائر، وغيرهم).
بالنسبة للوجود الأمريكي بالشرق الأوسط قد تتجه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير نحو آسيا، بالرغم من استمرار المصالح الأمريكية بالمنطقة العربية؛ لذا فهي لن تغادره بشكل نهائي، بل من الممكن أن تتجه نحو آسيا فقط، وبالتالي فقد يؤدي ذلك لاستمرار تصاعد الوجود الصيني بالشرق الأوسط وأفريقيا، خاصةً مع تصاعد علاقاتها بالمنطقة في الفترة الأخيرة؛ لذا قد يعطي هذا التحرك الجديد الفرصة للدول العربية بالتركيز أكثر على مصالحها الداخلية وإعادة البناء، في حال ما لم تُستخدَم دول الشرق الأوسط كأطراف بالحراك الأمريكي الصيني المتصاعد.
ردود الفعل بالشرق الأوسط
أسف إيران على “أوكوس” ردًّا على مثل هذه الخطوة من الدول الثلاث؛ حيث إن هناك دولًا ألقت اللوم على إيران لقيامها بتخصيب اليورانيوم لأسباب إنسانية وسلمية، ولكن هذه الدول قررت الآن بيع غواصات تعمل بالطاقة النووية، وأكدت ضرورة أخذ أستراليا ضمانات كافية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصرحت بأن هذه التحركات تهدد القضايا الرئيسية المتعلقة بنزع السلاح.
وعليه قد تستخدم إيران هذه الاتفاقية كأداة دعائية لاستخدامها للسلاح النووي، وزيادة تخصيب اليورانيوم، وقد تنسحب إيران من اتفاقية حظر الانتشار النووي؛ ما يؤدي إلى المثل في إسرائيل فقد تلجأ لتكثيف أبحاثها المتعلقة بتطوير مفاعلات نووية، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام التوسع الإيراني حال الخروج من الاتفاقية.
ولم تعلن أي دولة أُخرى بمنطقة الشرق الأوسط عن ردود فعل بشأن الاتفاق الثلاثي “أوكوس” حتى الآن، ربما لأن المنطقة تعجُّ بالأحداث المهمة والانتخابات وغيرها.
ختامًا: يمكننا إجمال ما سبق بأن اتفاق “أوكوس” يمهد لتحركات دولية وإقليمية واسعة المدى؛ لأنه جزء من حراك بين القوى الكبرى؛ ولذا ففي كل الأحوال يجب على الشرق الأوسط أن يستعدَّ للتعامل الرشيد مع هذه التغيرات.