في خضمِّ التحولات الجيوسياسية العميقة التي تشهدُها منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل الاستعدادات المكثفة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، يَبرزُ سؤالٌ جوهري حول تأثير نتيجة الانتخابات الأمريكية على هذه المنطقة، ومع اشتداد المنافسة بين المرشّحَين الجمهوري “دونالد ترامب” والديمقراطية “كامالا هاريس”، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل كل منهما مع قضايا الشرق الأوسط، وبأي نهجٍ سيطبقه كلٌ منهم تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، والتهديد الإيراني ومستقبل ملفها النووي، بالإضافة إلى تعامل كل منهما مع منطقة الخليج وغيرها من القضايا الإقليمية المختلفة. في هذا السياق، تُثارُ تساؤلاتٌ حول ماهي انعكاسات نتيجة الانتخابات الأمريكية المقبلة بين المرشحين (ترامب ومنافسته هاريس) على الشرق الأوسط في ظل التوترات الإقليمية الراهنة؟.
أولًا: اختلافات الرؤى تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة
يَمتلكً دونالد ترامب أجندةّ خاصة تجاه القضية الفلسطينية، تنطلق من رؤية خاصة تدور حول عدم اعترافه بالحقوق القومية والسياسية للفلسطينيين، بل واعتبار أن حلَّ الصراع يمكن تحقيقه عبر “السلام الاقتصادي” من خلال التركيز على المصالح الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية فقط، وهذا ما تضمنته “صفقة القرن” التي طرحها في يناير ٢٠٢٠ والتي كانت تحت مسمى “السلام نحو الازدهار”، وقد قيدت هذه الصفقة الفلسطينيين بـ”حكم ذاتي” محدود في بعض مناطق الضفة وغزة، وشجّعتْ التطبيعَ العربي مع إسرائيل[1]، وبالنظر إلى موقفه تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد أظهر تعاطفًا مع إسرائيل واعترف بحقها في الدفاع عن نفسها، لكنه عّبرَ في الوقت نفسه عن قلقه من التأثير السلبي للحرب على صورة إسرائيل العالمية، من خلالِ تصريحاته لصحيفة “إسرائيل هايوم”، حيث شدد ترامب على ضرورة أن تُنهيَ إسرائيل الحربَ بسرعة، مشيرًا إلى أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى فقدان إسرائيل لتأييدٍ دولي كبير. وأكد أن إسرائيل تحتاج إلى أن تكون “حَذِرةً للغاية” في كيفية إدارة الحرب لتجنب عواقب سلبية على المستوى العالمي.[2]
كما انتقد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وبالأخص التي نظمها طلاب جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وأشاد بالقوة التي قمعتها[3]، كما استخدم مصطلح “فلسطيني” بشكلٍ سلبي في انتقاداته، حيث في المناظرة التي جرت مع بايدن ٢٧ يونيو الماضي، أكد ترامب أنه على بايدن تَركُ الإسرائيليين حتى “ينهون المهمة”، واتهمه أنه يتصرف “كفلسطيني”، قائلاً: “لقد أصبح مثل فلسطيني، لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيئ جدًا،[4] كما أنه عندما سُئل عن دعم إقامة دولة فلسطينية، تَهرّبَ من الإجابة، والذي يدل على تردده في تبني موقف ثابت، حيث لم يرغب في الالتزام بموقف إزاء قضية ما زالت في طور التغير.[5]
بينما على الجانب الآخر، فإن القضية الفلسطينية أصبحت تُمثل جزءًا من الصراع الداخلي داخل حزب هاريس الديمقراطي، حيث إن الجناح اليساري يطالبُ بإعادة النظر في السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، والذي دفع بهاريس أن تكون المسؤول الأمريكي الرفيع الأول الذي دعا إلى وقف لإطلاق النار في غزة،[6] وقد وجدت هاريس نفسها أمام هذا التحدي في حادثة مهمة لفتت الأنظار في حملتها الانتخابية، حدث ذلك أثناء تجمع انتخابي في ولاية ميشيغان عندما قاطعها ناشطون مؤيدون لغزة مرددين هتافاتهم ومعربين عن احتجاجهم على سياسة إدارتها، اجابتهم هي بالقول إن طريقهم هذا في عدم تأييدها سيؤدي إلى فوز دونالد ترامب وإن عليهم أن يدركوا ذلك ويدعوها تتحدث،[7] لا يُتوقع أن تشهد سياسة الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل تغيرًا جذريًا إذا أصبحت هاريس رئيسة، لكن يمكن أن يظهرَ هذا التّغيرُ الجزئي في التحركات والأساليب وبالتالي من المُرجح أن تكون هي الأفضل في إدارة هذا الملف عن ترامب.
ثانيًا: العلاقاتُ المصريةُ بين ترامب وهاريس
تَرتبطُ مصر والولايات المتحدة بعلاقات وثيقة وثابتة لم تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تقوم على الشراكة القوية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة كما أن للولايات المتحدة الدورَ القيادي في جميع القضايا العالمية والإقليمية، فإن لمصرَ دورها المحوري في الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم الإسلامي.
وفي سياق الحديث عن العلاقات المصرية بشكل عام مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ذلك يتطلبُ التفريقَ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وانعكاس سياسات كل منهما على العلاقات المصرية الأمريكية، سواء من حيث الأمن القومي أو التعاون الاقتصادي والتنموي؛فإن ترامب خلال فترة ولايته السابقة، كانت علاقاتهُ مع مصر متينة، إذ أبدى دعمًا قويًا للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، واصفاً سيادته بـ” الصديق والحليف الكبير “،[8] هذا الدعم السياسي عزّزَ موقفَ الدولة المصرية على الساحة الدولية، وهو أمرٌ يراه البعض إيجابيًا من حيث الاستقرار الداخلي لمصر.
إضافةً إلى ذلك، كانت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب تقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا لمصر، استمرت مصر في الحصول على هذه المساعدات المالية السنوية التي تتلقاها من الولايات المتحدة دون انقطاع، إذ تشير التقديرات أن مصرَ في عهد ترامب حصلت على ١.٢٣ مليارًا، ٨٩% منها في المجال العسكري، و١١% المتبقية اتجهت إلى المجال التنموي، [9] على العكس من ذلك، فإن إدارة الرئيس جو بايدن عرقلت منح ١٣٠ مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، فمن المُرجّح أن تسيرَ هاريس على نفس خطى الرئيس جو بايدن من خلال إعطاء أولوية قصوى لملفات حقوق الإنسان، وجعل المعونات المالية والعسكرية مشروطة بها.[10]
وبالنظر إلى قضية سد النهضة الإثيوبي، الذي يُعدُ أحدَ الملفات الهامة على أجندة صانع القرار المصري، والذي قد يدفع إلى التساؤل حول موقف كل من ترامب وهاريس تجاه هذا النزاع المائي وأي منهم سوف يكون موقفه هو الأفضل بالنسبة لمصر. بالنسبة لترامب خلال ولايته الأولى، دعا في عام 2020 إلى مبادرةٍ تجمع بين إثيوبيا والسودان ومصر من أجل التوصل إلى اتفاقٍ حول ملء وتشغيل السد، وتَجدرُ الإشارة إلى أنه في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية، من المتوقع أن يستمرَ في الضغط على إثيوبيا لمعالجة مخاوف مصر والسودان بشأن السد.[11]
أما بالنسبة إلى هاريس، فإنها لن تختلف كثيرًا عن ترامب في هذا الصدد، فإنه من المرجّح أن تتبع هاريس نهجًا دبلوماسيًا ولكن أكثر حذرًا مقارنة بترامب، مع التركيز على تعزيز الحوار بين الأطراف المعنية، كما أنها سوف تسعى إلى إعادة مصر وإثيوبيا والسودان إلى طاولة المفاوضات بدعمٍ من الوسطاء الدوليين، بدلاً من التهديد باستخدام القوة.
ثالثًا: العلاقاتُ مع دول الخليج
تلعبُ العلاقات الأمريكية-الخليجية، وخاصةً مع السعودية والإمارات، دورًا حيويًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تساهم بشكل كبير في استقرار منطقة الشرق الأوسط وأمن الطاقة العالمي، فالنسبة لدونالد ترامب خلال فترة ولايته، إتٌبعَ سياسةّ قائمة على تعزيز التحالفات التقليدية مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، حيث وَقّع ترامب مع السعودية في ٢٠١٧ عشرات العقود من صفقات التسليح والتي بلغت نحو ٣٨٠ مليار دولار[12]، بالإضافة إلى توقيعِ العديد من مذكرات التفاهم بقيمةٍ إجماليةٍ تبلغ ١٥ مليار دولار في قطاعاتِ الطاقة، والرعايةِ الصحية، والنفط والغاز، والتعدين،[13]بينما دولة الامارات، فقد وافق الكونغرس في ٢٠٢٠ على بيعِ أسلحةٍ متقدمة لدولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة ٢٣ مليار دولار، تشمل مقاتلات إف ٣٥ وطائرات مسيرة مسلحة،[14] ومن هنا اعتمد ترامب على سياسة “الربح أولاً”، مما أدى إلى خَلْقِ علاقات اقتصادية متينة مع دول الخليج، بالإضافة إلى ذلك، تبنى ترامب نهجًا صارمًا تجاه إيران، مما جعل دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، تعتبره شريكًا موثوقًا في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.[15]
في حال فوز كامالا هاريس، من المتوقع أن تتخذَ الإدارة الديمقراطية نهجًا إلى حدٍ ما مختلف تجاه الخليج. يميل الديمقراطيون، بمن فيهم هاريس، إلى التحول نحو الطاقة المتجددة وتقليلِ الاعتماد على النفط كأولوية في سياساتها، مما قد يضع تحدياتٍ أمام اقتصادات دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط[16]، وبالنسبة للعلاقات الأمنية، من المتوقع أن تُركّزَ هاريس على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التحالفات الدبلوماسية بدلاً من الاعتماد الكبير على الدعم العسكري المباشر. فخِلالَ فترة عملها في مجلس الشيوخ، كانت هاريس تُصوّتُ باستمرارٍ ضد مبيعات الأسلحة للسعودية ودعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الأهلية اليمنية. في عام ٢٠٢٠، صرحت بأن السعوديين كانوا شركاء أقوياء في جهود مكافحة الإرهاب، لكن يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم علاقتها بهم “للوقوف من أجل القيم والمصالح الأمريكية”.[17]
ولكن في حال أي تغيير، لا يمكن تجاهلُ أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وستظل شريكًا استراتيجيًا منذ عقودٍ طويلة مع دول الخليج ومن المتوقع أن يستمر التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة ودول الخليج بغض النظر عن الحزب الفائز، ولكن قد تختلفُ درجةُ هذا التعاون ونوعيتهِ؛ فالجمهوريون يميلون إلى تقديمِ دعمٍ عسكريٍ مباشرٍ أكبر، بينما الديمقراطيون يركّزون على الحلول الدبلوماسية وتعزيز الاستقرار من خلال التحالفات الإقليمية.
رابعًا: استراتيجياتُ التعامل مع إيران
تتمحورُ سياسةُ ترامب تجاه إيران حول فرض أقصى درجات الضغط على النظام الإيراني، وكمرشحٍ جمهوري، يستغل ترامب النقاش حول الاتفاق النووي الإيراني لمهاجمة منافسته هاريس وتبرزُ سياسةُ الضغط القصوى التي اعتمدتها إدارته، حيث فرض ترامب عقوبات اقتصادية صارمة على طهران، مما كان له تأثيرٌ كبيرٌ على الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك تَقليصُ صادرات النفط الإيرانية إلى مستوياتٍ قريبة من الصفر، وخلال فترة رئاسته، لم تتمكنْ إيران من التقدم بشكل كبير في برنامجها النووي، مقارنةً بما حدث خلال فترة ولاية الرئيس بايدن. بالتالي، كانت سياسة ترامب في فرض الضغط بمثابة رادع فعّال لجهود إيران في تطوير برنامجها النووي.[18] ولكن بالنظر إلى الوضع الراهن، من المحتمل أن يُخففَ ترامب من حِدتهِ في التعامل مع إيران، اذا ما حظي بفرصة رئاسية جديدة، حيث قال ترامب في مؤتمر صحفي له في ١٥ أغسطس ٢٠٢٤ “لا أريد أن تكون لدينا علاقاتٌ سيئة مع إيران. وآمل أن تكون لنا علاقاتُ صداقة مع إيران”، مضيفًا أن ذلك “يمكن أن يحدث، ويمكن ألا يحدث”. كما قال أيضًا في حديث آخر لا يمكن أن تمتلك إيران أسلحة نووية كشرط لإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.[19]
وفي هذا السياق، نجدُ أن هاريس، وفقًا للتوقعات، سوف تتبع نهجًا مشابهًا لإدارة بايدن في تعزيز الدبلوماسية مع إيران، ولكن في نفس الوقت أيضًا مشروطٌ بإظهار إيران رغبة حقيقية في التفاوض والتزامها بالاتفاقيات، كما أن هناك توقعاتٍ بأن هاريس ستتبعُ سياسةً متوازنة تشمل ردودَ فعلٍ تجاه الأنشطة الإيرانية العدائية ولكن دون تصعيد مفتوح أو التورط في نزاعات مباشرة. كما صرحت هاريس بأن الولايات المتحدة بحاجةٍ إلى إعادة التفاوضِ بشأن الاتفاق النووي مع إيران، المعروف رسميًا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة ( JCPOA)” وبالنظر إلى محاولة بايدن غير الناجحة لإحياء الاتفاق بعد الانسحاب المثير للجدل الذي قام به ترامب في عام ٢٠١٨ واغتيال الجنرال قاسم سليماني في عام ٢٠٢٠ – واللذان وصفتهما هاريس بأنهما “متهوران” – فإن فرصَها في تأمين اتفاقٍ نوويٍ جديد مع إيران قد تضاءلت.[20]
خامسًا: استراتيجياتُ التعامل مع الحوثي
بالحديث عن سياق الملف اليمني، لقد صرحَ ترامب متحدثًا إلى أنصاره في ميشيغان: “نحن نقصِفُ اليمن، وكل قنبلة تكلف مليون دولار، لكن الشيء الأهم هو أننا نقتل الكثير من الناس”[21]، حيث وجه انتقاداتٍ لاذعةَ لإدارة الرئيس جو بايدن بعد توجيه القوات الأمريكية ضربات إلى مواقع للحوثيين في اليمن، كما انتقد أيضًا الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مواقع في صنعاء والحديدة وصعدة وغيرها من المناطق باليمن، فجر الجمعة ١٢ يناير ٢٠٢٤، ردًا على هجمات حركة “أنصار الله” (الحوثيين) على سفن تجارية في البحر الأحمر، في الوقت ذاته، يركّزُ ترامب بشكلٍ كبير على الأمن الداخلي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بحماية الحدود الجنوبية مع المكسيك، حيث يشير إلى أنه يرى أن موارد الولايات المتحدة يجب أن تكون موجهةً لحل الأزمات الداخلية بدلاً من الانخراط في نزاعاتٍ خارجية جديدة، لكن هذا لن يمنعَ من أنه قد يتبنى موقفًا عدائيًا تجاه الحوثيين، إذا ما مثلوا تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، وقد يدعمُ المزيدَ من الضربات الجوية والتدخلات العسكرية إذا رأى ذلك ضروريًا لحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها .[22]
على الجانب الآخر، نجدُ أن هاريس قد تستمر في استخدام القوة العسكرية ضد الحوثيين، خصوصًا إذا استمروا في تهديد الملاحة في البحر الأحمر أو استهداف مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وقد تكون هذه العمليات مبررة تحت ذريعة الدفاع عن النفس، استنادًا إلى دورها السابق كنائبة للرئيس وعلاقتها بالكونغرس، فإنها سوف تسعى للحفاظ على تواصل وثيق مع الكونغرس حول أي تطورات عسكرية، لتجنب معارضة تشريعية مستقبلية ولضمان دعمٍ مستمر للسياسات الدفاعية. ومع ذلك فإنه من المحتمل أن تُعطيَ هاريس أولويةً أكبر للحلول الدبلوماسية وترجّحها على كافة الهجمات العسكرية.[23]
سادسًا: مستقبلُ الوجود العسكري الأمريكي المنطقة
مع احتدامِ الحرب الإسرائيلية على غزة، وتزايدِ التهديدات التي تشكّلُها أذرع إيران في المنطقة وبالأخص بعد هجوم السابع من أكتوبر، عاد التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة خاصةً وأنه قد تراجع في بداية ولاية جو بايدن، وبالتالي يمكن قراءة مستقبل التواجد العسكري الأمريكي بين ترامب وهاريس على النحو التالي:
1- سوريا والعراق:لقد كانت سياسةُ ترامب تجاه سوريا والعراق واضحة في رغبته بالانسحاب العسكري منهم، متزامنةً مع تقليص الدور الأمريكي في المنطقة بشكل عام[24]، وكان ترامب حريصًا على التنسيق مع إسرائيل لضمان أمنها الاستراتيجي، ولكن في الوقت ذاته، كانت سياستهُ تتعلق بالحدِّ من التورط العسكري مع الحفاظ على النفوذ من خلال قواعد عسكرية محدودة وربما عقود اقتصادية ونفطية، ومن المرجح بأن يستمرَ ترامب في إعادة تشكيل الوجود الأمريكي لتجنب الالتزام المباشر، كما أنه لن يتخذ خطوات كبرى تجاه سوريا والعراق إلا إذا كانت تتماشى مع مصالح إسرائيل، وخصوصًا في ما يتعلق بإيران.
بينما بالنسبة لهاريس وبناءً على التوجه الديمقراطي العام، قد تميلُ هاريس إلى نهجٍ دبلوماسي أكثر من خلال العمل مع الحلفاء التقليديين في المنطقة مثل إسرائيل وأوروبا، ولكن، نظرًا لأن سوريا ليست في أولوياتها، فمن المحتمل أن يكونَ تدخلها محدودًا ولا يُحدثُ تغييرات جذرية بدون وجود دافع كبير أو تغيرات إقليمية كبرى، وبالنسبة للعراق، فإنها قد تُدفعُ نحو تقليل التواجد العسكري االأمريكي هناك، لكنها ستواجه ضغوطًا للحفاظِ على الاستقرار في العراق خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، مما قد يدفعها لإعادة النظر في سياسات التواجد العسكري.[25]
2- ليبيا: لم يُظهرْ ترامب اهتمامًا كبيرًا بليبيا، وكانت سياستهُ تعتمدُ على عدم التواجد بشكل مباشر هناك، مع التركيز على مكافحة الإرهاب بشكل محدود، لذا فمن المُرجح، أنه لن يُحدثَ تغييرات كبيرة في هذه السياسة، أو ربما قد يغير تدريجيًا سياسته تجاه ليبيا بما يخدمُ الأهدافَ الأمريكيةَ من تعزيز تواجدها في المنطقة، على العكس من ذلك هاريس، ستمتلك فيما يبدو مقاربةً أكثر انتباهًا لليبيا نظراً لتزايد النفوذ الروسي هناك، لذا فإن هاريس قد تنظر إلى ليبيا ضمن إطار المنافسة الجيوسياسية مع روسيا. ولكن ضمن نطاق التواجد المحدود، حيث تفضّلُ دعم الجهود الدبلوماسية الدولية عبر الأمم المتحدة بدلاً من نشر قوات عسكرية لحماية مصالحها .[26]
في الختام:
يمكنُ القول إنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية القادمة، وتباينِ التوجهات السياسية للمرشحين، تظلُ السياسةُ الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط قائمةً على أسس استراتيجية راسخة تسعى إلى تعزيز النفوذ الأمريكي وحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية؛ فالولايات المتحدة، منذ عقود، تعتبرُ المنطقةَ ذات أهمية حيوية لأمنها القومي، وتحرص على ضمان استقرارها، وخاصة فيما يتعلق بحماية أمن إسرائيل وضمان تدفق النفط والموارد الحيوية الأخرى، ومع أن الأساليب قد تتباين بين المرشحين، فإن الأهدافَ الكبرى تظل متشابهة؛ فترامب، على سبيل المثال، يُفضلُ نهجًا مباشرًا يعتمد على استخدام الضغوط الاقتصادية والعقوبات واتباع سياسة “الصفقات” التي تقوم على الربح المتبادَل، بالإضافة إلى الحلول الفردية أُحاديةِ الجانب. على الجانب الآخر، تميل كامالا هاريس إلى استخدام الدبلوماسية والقوة الناعمة، مع التركيز على تعزيز التحالفات الدولية وإيجاد حلولٍ عبر التفاوض والمشاركة المتعددة الأطراف، خاصة في التعامل مع التحديات المعقٌدةِ في الشرق الأوسط، هذا التباين في الأدوات يَعكِسُ اختلافات أيديولوجية وشخصية بين المرشحين، ومع ذلك، فإن هذه الاختلافات في النهجِ لا تغيرُ من الطبيعة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية التي تُركزُ دائمًا على حماية المصالح الوطنية.
[4] بسبب كلمة “فلسطيني”.. انتقادات لاذعة تطال ترامب بعد مناظرته، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٢٩ يونيه ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/MnFdY
[5] علي الدين هلال، هل سيختلف تعامل “ترامب 0.2” مع قضايا الشرق الأوسط؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تاريخ النشر : ١١ يوليو ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/xUAfB
[8] ترامب يستقبل الرئيس المصري ويصفه بـ “الصديق والحليف الكبير”، مونت كارلو الدولية، تاريخ النشر: ٣ أبريل ٢٠١٧، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/TnWdK
[9] بالأرقام.. تعرّف على المساعدات الأمريكية لـ20 دولة عربية!، DW ، تاريخ النشر: ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/MQAfi
[15] عهدية أحمد السيد، ترامب أم هاريس؟ والعلاقات الأمريكية الخليجية، جريدة الوطن، تاريخ النشر: ٢٥ يوليو ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/JeKZm
[18] رنا أبتر، التفاوض أم الردع؟… إيران بين هاريس وترمب، صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر: ٣٠ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/OUjxz
[20] روبرت فورد: إيران ضعيفة… ونقطة خلاف أساسية بين هاريس وترمب، المجلة، تاريخ النشر: ٢٦ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/kwKKK
[21] ترامب: كل قنبلة أمريكية تسقط على اليمن تكلفنا مليون دولار، RT Arabic ، تاريخ النشر: ١٨ فبراير ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/PkdXj
[23] بايدن متهم بمخالفته في اليمن.. ماذا يقول الدستور الأمريكي بخصوص شن عمل عسكري خارج الولايات المتحدة؟، RT Arabic ، تاريخ النشر: ١٣ يناير ٢٠٢٤ ، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/QfgIA
[25] بين بايدن وترامب: حدود تأثر الشرق الأوسط بالانتخابات الأمريكية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تاريخ النشر: ٩ مايو ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/rBvXx
