المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > اختيارهُ جاءَ بالإجماعِ (من قلبِ غزة “السنوار” رئيساً للمكتبِ السياسي لحماس)
اختيارهُ جاءَ بالإجماعِ (من قلبِ غزة “السنوار” رئيساً للمكتبِ السياسي لحماس)
- أغسطس 9, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: آية أشرف
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
في خطوةٍ هي الأخطرُ والأكثرُ مِحْوريةً منذ السابعِ من أكتوبر 2023م أعلنتْ حركةُ حماس عن رئيسِها الجديدِ ” يحيى السنوار” خلفاً “لإسماعيل هنية” الذي اغْتِِيلَ في 31 يوليو الماضيِ في قلبِ العاصمةِ الإيرانيةِ طهران، لِتنقَلِبَ بذلك أطرافُ المعادلةِ رأساً على عقب وتَرسِمُ ملامحَ مرحلةٍ جديدةٍ في قطاعِ غزة وفيما يتعلقُ بالقضيةِ الفلسطينيةِ يكونُ عَرَّابُهَا الجديدُ “السنوار” بفكرهِ وتوجهاتهِ التي تختلفُ بشكلٍ جِذْرِيٍ عن سابقهِ.
وفي هذا الإطارِ يحاولُ هذا التقديرُ تسليطَ الضوءِ على دلالاتِ وأبعادِ الموقفِ في غزة بعد تولي “السنوار” قيادةَ حركةِ “حماس” وذلك من خلالِ التعريج على مسيرةِ “السنوار” في المقاومةِ وظروفِ تَولٌيهِ رئاسةَ الحركةِ خلفاً “لهنية” وردودِ الأفعالِ الداخليةِ والخارجيةِ على هذا الاختيارِ ودلالتهِ على الموقفِ الفلسطيني في خِضَمِّ الحربِ الضاريةِ في قطاعِ غزة وفيما يتعلقُ بملفِ التفاوضِ في المقامِ الأولِ.
من مُخيماتِ اللاجئين إلى رأسِ قمةِ الهرمِ في حماس
وقعَ خبرُ اختيارِ السنوار “أبو أبراهيم” كالصاعقةِ على الأجهزةِ الأمنيةِ الإسرائيليةِ خاصةً وأنها تضعهُ في قمةِ أولوياتِها في حربهِا في قطاعِ غزة فهو الرجلُ الأكثرُ خطورةً بالنسبةِ لأمنِ إسرائيل ومهندسُ هجومِ السابع من أكتوبر جاءَ من مخيماتِ اللاجئين في خان يونس جنوبيِ قطاعِ غزة بعد انتقالِ عائلتهِ من مجدلِ عسقلان أعقابَ نكبةِ 1948م، تلقى تعليمَه في مدارسِ المُخيمِ حتى حصلَ على درجةِ البكالوريوس في اللغةِ العربيةِ من الجامعةِ الإسلاميةِ بغزة، بدأ طريقَهُ للمقاومةِ من خلالِ النشاطِ الطلابيِ تحتَ مظلةِ “الكتلةِ الإسلاميةِ”، ساعدتَهُ علاقاتهُ القويةُ من قادةِ حماس وخاصةً الشيخ ” أحمد ياسين” في الانضمامِ للحركةِ ليكونَ أحدَ أهمِّ وأبرزِ مؤسسيهِا، منذ انخراطِ السنوارِ في مسيرةِ المقاومةِ في الثمانينياتِ عَمِلَ على رفعِ القدراتِ المعلوماتيةِ والاستخباراتيةِ والعسكريةِ لحماس وتطهيرِ الحركةِ؟ من كافةِ العملاءِ فقامَ بتأسيسِِ ورئاسةِ جهازِ ” المجد” هو أشبهُ بجهازِ استخباراتٍ مُصَغّرٍ يتولى مسؤوليةَ الأمنِ الداخليِ ويقومُ بإدوارٍ غايةً في الحساسيةِ كتتبعِ عملاءِ إسرائيلَ داخلَ الحركةِ، فضلاً عن دورِها البارزِ في تأسيسِ أولِ جهازٍ عسكريٍ للحركةِ “المجاهدون الفلسطينيون” ثم تأسيسِ” كتائبِ عز الدين القسام” الجناحِ العسكريِ للحركةِ، هذا النشاطُ الذي دفعَ إسرائيلَ بالحكمِ على “السنوار” بأربعةِ أحكامٍ مؤبدةٍ استطاعَ تجاوزَها بحنكةٍ بعد قيادتهِ لعمليةِ المفاوضاتِ _ من داخلِ السجونِ الإسرائيلةِ_ الخاصةِ بصفقةِ ” وفاءِ الأحرار” التي أُفْرِجَ فيها عن 1000 أسيرٍ فلسطينيْ على رأسِهم “السنوار” مقابلَ الجنديِ الإسرائيليِ “جلعاد شاليط”. ([1])
النشأةُ بين رُكَامِ المخيماتِ في خان يونس وثلاثة وعشرين عاماً في السجونِ الإسرائيليةِ والرغبةُ العارمةُ في الانتقامِ أثقلتْ عقلَ “السنوار” وشخصيتَه حتى استطاعَ إحداثَ صدمةٍ وتَغَيرٍ جِذْريٍ في موازينِ القوى فيما يتعلقُ بالقضيةِ الفلسطينيةِ أو على المستوى الإقليميِ والدوليِ بطوفان السابعِ من أكتوبر، أتقنَ العِبْريةَ بطلاقةٍ له العديدُ من المؤلفاتِ حول العقيدةِ والمجتمعِ الاسرائيليِ التي مكنتهُ من فَهْمِ سراديبِ العقلِ الاسرائيلي، تولى السنوار مناصبَ قياديةً عدةً في حركةِ حماس أبرزُها تمثيلُ “كتائب عز الدين القسام” في المكتبِ السياسيِ لحماس، فكان حلقةَ الربطِ بين الجانبِ السياسيِ والعسكريِ في الحركةِ، كما تولى رئاسةَ المكتبِ السياسيِ لحماس داخلَ قطاعِ غزة لولايتين، وفي 2015م وضعتهُ الولاياتُ المتحدةُ على القائمةِ السوداءِ للإرهابيين الدوليين بجانبِ ” محمد الضيف” وعددٍ من قادةِ الحركةِ.
بين التفاؤلِ والحذَرِ….حماس تختارُ أخطرَ رجالهِا لتولي قيادتها
أثارَ اختيارُ حماس لأخطرِ رجالهِا لتولي زمامَ الحركةِ في هذا المُفْتَرقِ الصعبِ ردودَ أفعالٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ متباينةٍ بين تفاؤلٍ وترقبٍ حذرٍ، كان المتفائلُ من نصيبِ من يَرَوا أن “السنوار” هو الوحيدُ القادرُ على تحقيقِ تقدمٍ في الوضعِ المتأزمِ في القطاعِ، فضلاً عن كونهِ دَفْعَةَ أملٍ للشعبِ الفلسطيني بأن الحركةَ مازالتْ تتمتعُ بتماسِكها وقوتِها حتى بعد اغتيالِ “هنية”، وعليه باركتٰ الفصائلُ الفلسطينيةُ المختلفةُ _حركةُ الجهادِ الإسلامي وحركةُ فتح ولجانُ المقاومة في فلسطين والجبهةُ الشعبيةُ لتحرير فلسطيني والجبهةُ الديموقراطيةُ لتحريرِ فلسطين وحركةُ المجاهدين _ تولي “السنوار” قمةَ الهرمِ في حماس وأعلنت دعمَها له وللحركةِ فيما هو قادمٌ، كما رحّبَ ” حزبُ الله” اللبناني بهذا الاختيارِ ووصفهُ بأنه رسالةٌ قويةٌ وحادةٌ لإسرائيلَ وحلفائِها بأن الحركةَ مُوحدةٌ في قراراتِها، على الجانبِ الآخرِ عَلّقتْ إسرائيلُ على هذا الاختيارِ بأنه مفاجئٌ وصادمٌ ورسالةٌ بأن قياداتِ حماس حيةٌ في غزة وعلى درجةٍ عاليةٍ من الثباتِ، وصَرّحَ وزيرُ الخارجيةِ الإسرائيلي: بأن تَعيينَ السنوار زعيماً للحركةِ سببٌ آخرُ للقضاءِ عليه كونهُ الأخطرَ على إسرائيل، أمريكياً طلب ” أنتوني بليكن” في تصريحاتِه من “السنوار” إبداءَ ما إذ كان مستعداً للعودةِ لملفِ التفاوضِ الذي قد وصلَ لمراحلهِ الأخيرةِ _بناءً على تصريحاتِ البيتِ الأبيض_ من عدمه وأكد أن “السنوار” كان ولا يزالُ الشخصَ الرئيسيَ الذي يمكنهُ اتخاذَ القرارِ بشأنِ وقفِ إطلاقِ النار في القطاعِ حتى تحت ولايةِ “اسماعيل هنية”. ([2])
نقطة ومن أول السطر … لماذا السنوار؟
يُعَدُ اختيارُ “السنوار” كرئيسٍ سياسيٍ لحركةِ حماس أخطرَ التداعياتِ المترتبةِ على اغتيالِ “هنية” كونهُ يتمتعُ بقدراتٓ من طرازٍ خاصٍ على المستوى السياسيِ والعسكريِ وعلى درايةٍ كبيرةٍ بالعقلِ الإسرائيلي وطريقه تفكيره وذو خبرة واسعة في التعامل معه فضلاً عن قُرْبهِ الكبيرِ وشعبيتهِ الشديدةِ بين عناصرِ المقاومةِ والشعبِ الفلسطيني وعلاقاتهِ القويةِ داخلياً وخارجياً، ويأتي هذا الاختيارُ في إطارِ تَحَدٍ قويٍ لإسرائيل يحملُ دلالاتٍ عدةً أبرزُها أن حماس تَدْعَمُ بقوةٍ المقاومين في غزة وتدفعُ بأفضلِ رجالهِا لقيادةِ قرارِها السياسي والعسكريِ من داخلِ شبكةِ الأنفاقِ في غزة علاوةً على ذلك فإن هذا الاختيارَ جاءَ مُؤكِداً على أن الحركةَ لا ترى حلاً للوضعِ المأسويِ الحاليِ في فلسطين وعلى مدارِ أكثرِ من سبعين عِقْداً إلا “المقاومة” وأن التفاوضَ والحلولَ السِلْمَيةَ تأتي بعد اثباتِ الذاتِ بالقوةِ على الأرضِ وهو أسلوبُ ” السنوار” الراسخُ الذي يدورُ حولَ فكرةِ أن القوةَ ليست من أجلِ القوةِ بل من أجلِ إجراءِ مفاوضاتٍ خاليةٍ من التنازلاتِ والضغوطِ مع إسرائيل [3]، وفيما يتعلقُ برسائلِ حماس على إِثْرِ اختيارِها “للسنوار” يمكن تحليليها كالآتي:
على المستوى الفلسطيني:
هذا الاختيارُ الذي جاء بإجماعِ قيادةِ الحركةِ يُعدُ رسالةَ طَمْأنةٍ للشعبِ الفلسطيني بصمودِ الحركةِ وتماسكِها وقدرتِها على تداولِ السلطةِ بشكلٍ سلسٍ في أقلَ من أسبوع، وبعيدٍ عن أي ضغوطٍ خارجيةٍ كالضغوطِ الإيرانيةِ بتنصيبِ أحدِ زعماءِ المكتبِ السياسي أصحابِ التوجهِ الإيراني.
كذلك تُطَمْئِنُ الحركةُ بهذا القرارِ أفرادَ وكتائبَ المقاومةِ في قلبِ غزة؛ حيث إن أيَّ اختيارٍ دون السنوار يمكنُ أن يُتَرْجمَ على أنه تخلي من الحركةِ عن السنوار ورفاقهِ في غزة.
بالنسبة لإسرائيل:
يبعثُ هذا الاختيارُ برسالةٍ للداخلِ الإسرائيليِ مَفاَدُهَا فشلُ الأجهزةِ الاستخباراتيةِ والأمنيةِ الاسرائيليةِ في إدارةِ الحربِ بقراراتٓ عقلانيةٍ خاصةً سياسيةَ الاغتيالاتِ غيرَ المُجْدِيةِ، وُتفندُ الاكاذيبَ التي تُنْشَرُ حول استهدافِ السنوار وقادةِ الصفِ الأولِ للحركةِ في غزة والانقساماتِ الداخليةِ في صفوفِ الحركةِ.
كما توكدُ حماس من خلالِ تنصيبِ السنوار أن الحركةَ قادرةٌ على تَجديدِ دمائهِا بشكلٍ ميسرٓ وأن المقاومةً فكرةٌ وهدفٌ بغَضِ النظرِ عن المسؤلِ عن تنفيذهِ.
تعطيلُ جهودِ المفاوضاتِ التي كان يقوُدها إسماعيل هنية الأمرُ الذي يُنذِرُ بطولِ أمدِ الحربِ، خاصةً في ظلِ سياسيةِ الخداعِ والترويجِ المبالغِ الذي تمارسهُ الحكومةُ الإسرائيليةُ بقيادةِ “نتنياهو” لِكَسْبِ المزيدِ من الوقتِ تخوفاً من الاعترافِ بالفشلِ السياسيِ والعسكريِ في غزة.
وضعُ القدراتِ الاسرائيليةِ في موقفٍ مُحرجٍ حيث إنها تعمدتْ استهدافَ قادةِ الحركةِ خارجَ غزة لتعزيزِ عقيدةِ الرَدْعِ ذاتِ اليدِ الطولى التي تمتلكُها، بعد اختيارِ السنوار فأصبحَ بينها وبين قائدِ الحركةِ وعقلِها المُدبرِ ما يَقِلُ عن 500 كم، لذلك فإن تولي “السنوار” من داخلِ أنفاقِ غزة يوفرُ حمايةً كبيرةً لباقي قياداتِ الحركةِ خارجَ القطاع.