المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > استدامةُ الشراكةِ الإستراتيجيةِ بين الخليج وآسيا الوسطى
استدامةُ الشراكةِ الإستراتيجيةِ بين الخليج وآسيا الوسطى
- أبريل 21, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
تشهدُ العلاقاتُ بين دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِ وجمهوريات آسيا الوسطى تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث بدأت مسارات التعاون بين الجانبين تتخذُ أبعادًا استراتيجيةً تتجاوزُ الطابعَ الثنائيَ التقليدي نحو أطرٍ متعددةِ الأطراف، هذا التقارب يعكس تحولات أوسع في السياسات الخارجية للطرفين، مدفوعة برغبة مشتركة في تنويع الشراكات الاقتصادية، وتوسيع مجالات النفوذ، والتقليل من الاعتماد على الشركاء التقليديين في ظل بيئة دولية تتسم بالتغير وعدم اليقين.
التحرك الخليجي نحو آسيا الوسطى لا يُفهمُ فقط في سياقِ البحثِ عن أسواقٍ جديدةٍ أو فرصٍ استثمارية، بل أيضًا في إطار البحث عن مصادرَ متنوعةٍ للمواد الأولية، وخاصة في مجالات المعادن والزراعة، إلى جانب التعاون في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنقل. في المقابل، تنظر جمهوريات آسيا الوسطى إلى دول الخليج بوصفها شريكًا اقتصاديًا ذا قدرات تمويلية واستثمارية كبيرة، وقادرًا على لَعبِ دورٍ مهم في دعم خطط التنمية الطموحة التي تسعى إليها هذه الجمهوريات بعد عقودٍ من التحديات الاقتصادية والمؤسساتية التي أعقبت استقلالها.
رغم ما تحققَ من خطواتٍ مهمةٍ على مستوى اللقاءات الرسمية وتوقيع الاتفاقيات، لا تزالُ التبادلاتُ التجاريةُ بين الجانبين محدودةَ الحجم، وهو ما يسلّطُ الضوءَ على التحدياتِ المرتبطةِ بالبنية التحتية، وغياب الربط اللوجستي المباشر، وارتفاع تكاليف النقل. ومع ذلك، فإن الإرادةَ السياسيةَ المعلنةَ، والتقارب في الأهداف الاقتصادية، وطرح مبادرات إقليمية ملموسة مثل القمم المشتركة، تُوحي بإمكاناتٍ كبيرةٍ لتوسيعِ هذه العلاقات في المستقبل القريب، خصوصًا إذا ما تمَّ تذليلُ العقباتِ المرتبطةِ بالربط الجغرافي واللوجستي.
في ضوء هذه الديناميكيات، يمثّلُ الاجتماعُ الوزاريُ الثالثُ للحوار الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى، الذي عُقدَ في الكويت بتاريخ 16 أبريل 2025، محطةً جديدةً في مسار الشراكة الناشئة بين كتلتين جغرافيتين تتقاطعان في المصالح، وتتكاملان في الأهداف الاستراتيجية، وتلتقيان في إدراك التحديات المشتركة التي تفرضها تحولات النظام الدولي.
الشراكةُ بين الخليج وآسيا الوسطى في سياق دولي متغيّر
تأتي نتائجُ الاجتماعُ الوزاريُ الثالثُ للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى (أبريل 2025) امتدادًا طبيعيًا للمسار الذي دشّنته قمة جدة في 2023، والتي وضعتْ الأسسَ السياسيةَ والأخلاقيةَ للشراكة بين الجانبين، فقد أرستْ قمةُ جدة رؤيةً طموحةً ترتكز على مبادئ حسن الجوار، والتعايش، واحترام السيادة، وربطت التعاون السياسي بالاقتصادي والبيئي والثقافي في إطار خطة العمل المشتركة 2023–2027. ومن ثم، فإن الاجتماعاتِ الوزاريةَ المتعاقبةَ لن تكونَ إلا محطات تنفيذية لترجمة تلك الرؤية إلى آليات مؤسسية وخطط قطاعية، وقد شكّل الاجتماع الوزاري الثالث في الكويت علامةً واضحةً على أن الشراكة لم تعدْ مقتصرةً على البُعد الرمزي، بل انتقلت إلى مسارات أكثر تقنية وتنسيقًا، شملت قضايا الاقتصاد الأخضر، الأمن الغذائي، التعليم، والطاقة المتجددة، في ظل توافقٍ متنامٍ بين الطرفين على أن التعاونَ بينهما يمكن أن يشكّلَ نموذجًا جديدًا من التحالفات متعددة الأقطاب في النظام الدولي المتغيّر، وهذه النقلة في طبيعة العلاقة تعبّر عن تحولٍ في رؤية الطرفين لبعضهما البعض: لم تعدْ آسيا الوسطى مجرد عمقٍ جغرافيٍ إسلاميٍ لامتداد خليجي، ولم يعدْ الخليجُ مجرد مركزٍ مالي أو سوق مفتوحة أمام المنتجات والاستثمارات، بل بات يُنظر إليه بوصفه شريكًا يمكن البناء معه على أسس توازن المصالح وتعزيز النفوذ في لحظة دولية مضطربة.
تحولاتُ النظامِ الدولي والفراغ الإستراتيجي
تعيش آسيا الوسطى اليوم لحظة مفصلية في علاقتها مع محيطها الدولي فالمنطقة التي ظلت لعقودٍ ساحةَ تنافسٍ روسيٍ-صينيٍ مغلقٍ، باتت تشهد انفتاحًا نسبيًا على أطراف جديدة، في مقدمتها دول الخليج والاتحاد الأوروبي ويأتي هذا الانفتاح في ظل تراجع الحضور الروسي بفعل الانشغال في أوكرانيا، وتزايد الحذر الإقليمي من الهيمنة الصينية الاقتصادية، ما أوجد “فراغًا استراتيجيًا” تسعى عواصم الخليج، بل وأوروبا أيضًأ لملئه بحضور متوازن وغير تصادمي.
التعاونُ الاقتصاديُ والتجاريُ
تمَّ تأكيدُ الأهميةِ الاستراتيجيةِ للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات صناعات الأرض النادرة والمواد الخام الحرجة، مشيرًا إلى امتلاكِ بلاده أكثر من 5,000 رواسب معدنية تُقدّر قيمتُها الإجماليةُ بنحو 46 تريليون دولار أمريكي، وفي هذا السياق، دعا الوزير إلى مشاركة خليجية فاعلة في مشاريع مشتركة تغطي الدورة الكاملة لهذه الصناعات،
وقد بلغَ حجمُ التبادل التجاري بين الجانبين قرابة 10 مليارات دولار، وهو رقم يُعدّ إيجابيًا بالنظر إلى حداثة العلاقةِ وتطورها المتسارع، لكنه لا يزالُ قابلًا للتضاعفِ في حالِ تمَّ تفعيلُ أدوات الاستثمار وتعزيز الربط المؤسسي.
البعدُ الأمنيُ والسياسيُ في ظل التوازنات الإقليمية
لا يمكنُ فهْمُ التقدمِ في العلاقات الخليجية – الآسيوية بمعزلٍ عن السياقاتِ الأمنيةِ الإقليميةِ، فدول آسيا الوسطى، التي تتقاسم حدودًا مع أفغانستان وتواجهُ تهديداتِ التطرفِ العابرِ للحدود، تنظر إلى دول الخليج بوصفها شريكًا مؤثرًا في دعم الاستقرار من خلال مبادرات تنموية ووساطات سياسية، بعيدًا عن الأجندات التوسعية.
في المقابل، تستثمر دول مجلس التعاون في هذا التقارب لتحقيق توازن في علاقتها مع تركيا وإيران، اللتين تسعيان إلى توسيع نفوذهما في آسيا الوسطى، مستفيدتين من الروابط الثقافية والإثنية والتاريخية، لذا فإن الانفتاحَ الخليجيَ على آسيا الوسطى لا يخلو من بُعدٍ جيواستراتيجٍي يهدفُ إلى تحييدِ النفوذِ المنافس، وتوسيع شبكة العلاقات الخليجية خارج الإطار العربي التقليدي.
فلسطين… بوابةُ المصداقيةِ الخليجيةِ
اللافت أن البيانَ السياسيَ الذي قدّمه الأمين العام لمجلس التعاون لم يقتصرْ على ملفاتِ التعاونِ، القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة مركزية تمسّ استقرارَ النظامِ الإقليميِ وتكشفُ عن اختلالاتٍ في منظومة العدالة الدولية، وقد عبّر المشاركون عن إدراك مشترك لخطورة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية، ولا سيَّما محاولاتُ فرضِ واقعٍ ديموجرافيٍ وجغرافيٍ جديدٍ عبر التوسّعِ الاستيطاني وتهويد القدس، وقد عكس البيان الختامي توافقًا سياسيًا بين الجانبين على ضرورة رفض هذه السياسات بوصفها خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ولقرارات الشرعية الدولية، مع تأكيد على أهمية تفعيل أدوات الضغط الدولية لوقف تلك الانتهاكات.
كما مثّلت الإشادة بالمبادرات السياسية الساعية إلى تفعيل حل الدولتين، وخصوصًا المبادرة السعودية “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين”، مؤشرًا على انفتاحِ دولِ مجلسِ التعاونِ ودولِ آسيا الوسطى على تبنّي أُطرٍ متعددةِ الأطرافِ لدعم القضية الفلسطينية، بما يعكس تحوّلًا نحو مقاربة أكثر فاعلية وشمولية في دعم الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، خارج إطار البيانات التضامنية التقليدية.
نحو قمةِ سمرقند – اختبار النيات والتنفيذ
تُعقد القمةُ الثانيةُ المرتقبةُ بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى في مدينة سمرقند في 5 مايو 2025، وتشكل هذه القمة امتدادًا لمسارِ التعاونِ الذي انطلق رسميًا في القمة الأولى التي عقدت في جدة عام 2023، ويأتي هذا اللقاء في سياق تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وبحْثِ آفاقٍ جديدةٍ للتعاون في مختلف المجالات الحيوية.
وتُعد قمةُ سمرقند محطةً مفصليةً في اختبار جدية الطرفين في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقًا، حيث لا يُقاس نجاحها بعدد الاتفاقيات الموقعة، بل بمدى قدرة الجانبين على ترجمة الرؤية الاستراتيجية إلى مشاريع عملية، وتوسيع مجالات التعاون على أسس مستدامة، كما سيكون على الطرفين خلال القمة أن يحددا بوضوحٍ طبيعةَ العلاقةِ المستقبليةِ: هل يسعيان إلى بناءِ تحالفٍ مَرنٍ متعددِ المستويات، أم ستظل العلاقة ضمن إطار تنسيقي دون التزامات سياسية مباشرة؟
وتعكس تصريحات مسؤولي مجلس التعاون، التزامًا واضحًا بدعم هذه الشراكة وتطويرها، مشيرًا إلى التقدمِ الملموسِ في تنفيذ خطة العمل المشتركة للفترة 2023-2027، والتي تشملُ مجالاتٍ متعددةً مثل الحوارِ السياسيِ والأمنيِ، والاقتصاد، والتجارة، والتعليم، والصحة، والثقافة، والإعلام، والشباب والرياضة. كما أكد على أهمية الاجتماعات التنسيقية في تفعيل هذه الخطة وتحديد أولويات العمل المشترك، بما يحقق مصالح الشعوب ويعزز الاستقرار الإقليمي.
وختامًا:
الشراكةُ بين مجلسِ التعاونِ الخليجيِ ودول آسيا الوسطى تعكسُ نُضجًا في الرؤية الإقليمية الخليجية، وقدرة على قراءة تحولات الجغرافيا السياسية بما يتجاوزُ المعادلاتِ التقليدية، وإذا ما أحسن الجانبان استثمارَ اللحظة الجيوسياسية، وتجاوزا الحواجزَ البيروقراطيةَ والرمزية، فإن هذه الشراكة مرشحةٌ لأن تتحولَ إلى أحد أهم محاور النفوذ في أوراسيا خلال العِقدِ القادم.
قائمة المراجع
-
حمد العبدلي، اليحيا: شراكة استراتيجية مع آسيا لاستقرار المنطقة وتنميتها، الجريدة، 16 أبريل 2025، اليحيا: شراكة استراتيجية مع آسيا لاستقرار المنطقة وتنميتها، الدخول 21/4/2025.
-
Asharq Al-Awsat. “GCC-Central Asia Strategic Dialogue Focuses on Strengthening Cooperation.” Asharq Al-Awsat, April 15, 2025. https://english.aawsat.com/gulf/5133235-gcc-central-asia-strategic-dialogue-focuses-strengthening-cooperation.
-
Gulf Cooperation Council, “The GCC and Central Asian Countries Held the 3rd Ministerial Meeting for Strategic Dialogue in Kuwait.” GCC-SG, April 16, 2025. https://gcc-sg.org/en/MediaCenter/News/Pages/news-2025-4-16-8.aspx.
-
Nurmaganbetova, Zhanna. “Central Asia and Gulf Countries to Strengthen Interregional Partnership, Rare Earth Cooperation.” Kazinform, April 17, 2025. Central Asia and Gulf Countries to strengthen interregional partnership, rare earth cooperation
-
Saudi Press Agency,”GCC-Central Asia Strategic Dialogue Ministerial Meeting Issues Kuwait Declaration.” Saudi Press Agency, April 15, 2023. https://spa.gov.sa/en/885fda0640u.