المقالات
استقالة جاستن ترودو: قراءة في الدلالات والتحديات المستقبلية لكندا
- يناير 13, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد: ميار هاني
باحثة في الشأن الدولي
في خطوة مفاجئة، أعلن “جاستن ترودو” استقالته من منصب رئيس الوزراء وزعامة الحزب الليبرالي، بعد عقد من الزمن في السلطة، مشيراً إلى نيته البقاء في منصبه حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب. وجاء هذا الإعلان في سياق مشحون يتسم بتحديات داخلية متزايدة وضغوط خارجية متنامية، خاصةً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة مليئة بالتساؤلات حول مستقبل البلاد واتجاهاتها السياسية. في هذا التقرير، نستعرض دلالات هذا الحدث السياسي المفصلي، ونحلل انعكاساته المحتملة على مستقبل كندا، وذلك على النحو التالي:
دلالات عديدة
أولاً – تراجع شعبية “ترودو” وحزبه:
شهدت شعبية رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، حيث أظهرت استطلاعات رأي أجرتها شركة Nanos Research انخفاضًا كبيرًا في مستوى ثقة المواطنين الكنديين بترودو، حيث بلغت نسبة التأييد له 17.4% فقط، بينما حصل الحزب الليبرالي على تأييد بنسبة 21.3%. فيما أظهرت استطلاعات رأي سابقة تم إجرائها في ديسمبر الماضي أن مستوى الثقة بترودو بلغ 20% آنذاك. في المقابل، ارتفعت نسبة التأييد لزعيم الحزب المحافظ “بيير بولييفر” والتي بلغت 40%، مما يشير إلى تقدم المحافظين في المشهد السياسي الكندي.[1]
ثانياً – تصاعد تأثير التحديات الاقتصادية:
يُعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها تصاعد التحديات الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة، مما أثر على ثقة المواطنين في الحكومة وأدى إلى تصاعد الانتقادات. حيث ارتفاع معدلات التضخم، والتي بلغت ذروتها عند 8.1% في عام 2022، وهو أعلى مستوى منذ عام 1983، مما أثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين. [2] بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وخاصةً أسعار الغذاء والإسكان، مما يؤثر بشكل مباشر على ميزانيات الأسر وتزيد من شعورهم بعدم الأمان المالي.[3]
ووفقًا لاستطلاع أجرته “مؤسسة ليجر”، أفاد 37% من الكنديين بأن أوضاعهم المالية سيئة. وتزداد هذه النسبة بين الفئة العمرية من 18 إلى 34 عامًا لتصل إلى 42%، وتبلغ 43% بين من تتراوح أعمارهم بين 35 و54 عامًا، في حين تنخفض إلى 29% لدى الفئة العمرية الأكبر من 55 عامًا. ترافق ذلك مع تنامي القلق بشأن فقدان الوظائف، حيث أشار 43% من الكنديين العاملين إلى مخاوفهم من احتمالية فقدان وظائفهم خلال عام 2025، وهي زيادة بنسبة 3% مقارنة باستطلاع أُجري في نوفمبر، مما يعكس تصاعد المخاوف الاقتصادية في البلاد. كما كشف الاستطلاع أن 57% من الكنديين يرون أن البلاد تمر بحالة من الركود الاقتصادي، مع تزايد هذا الشعور بين الفئة العمرية 18-34 عامًا، حيث يعتقد 66% منهم أن الاقتصاد في حالة ركود.[4]
كما أدت سياسات ترودو البيئية إلى نفور شريحة من الناخبين، وذلك لعدة أسباب رئيسية، ومنها فرض ضريبة على انبعاثات الكربون في إطار جهود الحكومة لتقليل الانبعاثات الضارة، إلا أن هذا الإجراء أثار استياء المواطنين في المقاطعات التي تعتمد بشكل كبير على الصناعات النفطية والغازية، الذين اعتبروا أن الضريبة تزيد من تكاليف المعيشة وتؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.[5] إلى جانب تأثير السياسات البيئية سلبًا على قطاع الطاقة التقليدية، مما تسبب في فقدان وظائف وأثار قلق العاملين في هذه الصناعات.[6] وهو ما اعتبره العديد من المواطنين أن ترودو يمثل “النخبة الليبرالية”، مع سياسات بيئية تبتعد عن واقع التحديات الاقتصادية اليومية.[7]
ثالثاً –تأزم المشهد السياسي الداخلي:
شهد الحزب الليبرالي بقيادة “ترودو” انقسامات داخلية وتحديات متزايدة في الآونة الأخيرة، وهو ما كشفته الاستقالة المفاجئة لنائبته ووزيرة المالية، “كريستيا فريلاند”، في ديسمبر المُنصرم بسبب خلافات حول استراتيجيات التعامل مع التهديدات التجارية الأمريكية، والتي سبقها استقالة خمسة من الوزراء خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، وهو ما عكس فقدان بعض الوزراء الثقة في قدرة “ترودو” على إدارة القضايا الحرجة. إلى جانب خسارة حزبه الليبرالي ثلاثة مقاعد كانت تُعتبر آمنة خلال الانتخابات الفرعية.[8] فضلاً عن إعلان أحزاب المعارضة نيتها التصويت على حجب الثقة، إذ طالب زعيم حزب المحافظين، “بيير بولييفر”، بعقد جلسة طارئة للبرلمان للتصويت على حجب الثقة عن حكومة ترودو، كما أعلن زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، “جاجميت سينغ”، الذي كان حليفًا لترودو، أن حزبه سيصوّت لصالح إقالة الحكومة في عام 2025، مما يعكس تحولًا في موقف الحزب الذي كان يُعتمد عليه للحفاظ على استقرار الحكومة.[9] وهو ما أدى إلى تصعيد التوترات داخل الحزب وزيادة الانقسامات بين الأعضاء حول كيفية المضي قدمًا، وتعالي الدعوات إلى تنحي “جاستن ترودو”عن قيادة الحزب قبل الانتخابات الوطنية المقبلة.[10] وعليه، اتخذ “ترودو” قراراً استباقياً بالتنحي لتجنب الإنهيار السياسي الوشيك، قائلاً أنه لا يستطيع “أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية”. [11]
رابعاً – تزايد الضغوط الخارجية:
يمكننا القول بأن التحديات الخارجية، وعلى رأسها عودة “دونالد ترامب” إلى رئاسة الولايات المتحدة، فرضت ضغوطًا إضافية على رئيس الوزراء الكندي، وذلك بتهديد “ترامب” فرض رسوم جمركية بقيمة 25% على المنتجات الكندية، وبحسب ما نشره على منصته Truth Social، “ستظل هذه التعريفة سارية المفعول حتى يحين الوقت الذي يوقف فيه المخدرات، ولا سيما الفنتانيل، وجميع الأجانب غير الشرعيين هذا الغزو لبلدنا!”، وهو ما عزز المخاوف في أوتاوا بشأن استقرارها الاقتصادي، بل وساعدت تلك التهديدات بقوة في استقالة، “كريستيا فريلاند”، نائبة رئيس الوزراء وزيرة المالية كما سبق الإشارة.[12]
تحديات مُحتملة
تُعد استقالة رئيس الوزراء الكندي حدثًا محوريًا يحمل في طيّاته تحديات وانعكاسات متعددة، وذلك على النحو التالي:
أولاً – عدم اتضاح معالم القيادة داخل الحزب الليبرالي:
سيظل ترودو في منصبه حتى يتم اختيار خليفة له، مع تأجيل البرلمان حتى 24 مارس 2025 لإتاحة الوقت للعملية الانتخابية الداخلية. ولا يوجد خليفة واضح لترودو في الوقت الحالي، إلا أن عدداً من الشخصيات البارزة في الحزب الليبرالي قد طُرحت كمرشحين محتملين للقيادة، من بينهم وزيرة المالية السابقة “كريستيا فريلاند”، ووزيرة النقل “أنيتا أناند”، والمسؤول السابق في البنك المركزي “مارك كارني”. وتُثار تساؤلات بشأن قدرة زعيم الحزب القادم على توحيد الصفوف واستعادة ثقة الناخبين قبل الانتخابات المقبلة.
ثانياً – تأهب أحزاب المعارضة للتصويت بسحب الثقة:
يُحتمل أن يتم إجراء انتخابات فيدرالية قبل موعدها المقرر في أكتوبر المقبل، مع سعى حزب المحافظين و الحزب الديمقراطي الجديد لإسقاط الحكومة من خلال تقديم سلسلة من أصوات حجب الثقة في مجلس العموم، كما سبق الإشارة، مستغلة غياب وضوح القيادة داخل الحزب الليبرالي وتصاعد التحديات السياسية والاقتصادية. وبالتالي تحتاج الحكومة إلى دعم أغلبية أعضاء البرلمان البالغ عددهم 338 عضوًا لتجنب فقدان الثقة، ومع وجود الليبراليين على بُعد 17 مقعدًا عن تحقيق الأغلبية، يعتمد بقاؤهم على دعم أحزاب أخرى.
ثالثاً – توقعات بتولي المحافظين السلطة وسط تحولات سياسية مُرتقبة:
تشير استطلاعات الرأي الحالية، حال خسارة الحكومة، إلى أن حزب المحافظين المعارض سيحقق فوزًا كبيرًا إذا أجريت الانتخابات اليوم.[13] وبالتالي تكون كندا على أعتاب تغيير سياسي كبير. إذ يُتوقع أن يشهد المشهد السياسي الكندي تحولًا واضحًا نحو اليمين، وذلك من خلال التركيز على تعزيز القيم التقليدية وتقليص دور الحكومة في بعض القطاعات. وقد يسعى المحافظون إلى إعادة النظر في بعض السياسات الاجتماعية التي تبنّتها الحكومة الليبرالية، مع التركيز على تعزيز المسؤولية الفردية وتقليل الاعتماد على البرامج الحكومية. كما يُتوقع أن يتبنى المحافظون سياسات تهدف إلى جذب الاستثمارات من خلال تخفيض الضرائب على الشركات وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. إلى جانب أعلان “بويليفر” عن نيته إلغاء ضريبة الكربون التي فرضتها الحكومة الليبرالية، معتبرًا أنها تزيد من الأعباء المالية على المواطنين وتؤثر سلبًا على الاقتصاد.[14]
رابعاً – تهديدات تجارية محتملة مع واشنطن:
تُعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لكندا، حيث تتجه 75% من الصادرات الكندية إلى السوق الأمريكية. مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتهديده بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على الواردات الكندية،[15] قد تواجه كندا تحديات اقتصادية كبيرة. في هذا السياق، قد يسعى حزب المحافظين، حال توليه السلطة، إلى تعزيز العلاقات مع إدارة ترامب لتجنب حرب تجارية محتملة، وأيضاً تقديم تنازلات في مجالات مثل الدفاع والإنفاق العسكري.
خامساً – المكانة الدولية لأوتاوا:
تشكل استقالة “ترودو”، الذي كان يُعتبر رمزًا للقيم الليبرالية على الساحة العالمية، نقطة تحول قد تؤثر على صورة كندا الدولية. إذ عُرف بدعمه للقيم التقدمية، مما عزز مكانة كندا كدولة منفتحة وملتزمة بالقضايا الإنسانية والبيئية. ومع رحيله، تبرز تساؤلات حول مستقبل السياسة الخارجية الكندية والقدرة على الحفاظ على هذا الدور البارز عالميًا. ستكون القيادة الجديدة أمام تحدٍ كبير للعمل على تعزيز مكانة كندا الدولية وضمان استمرارية التزامها بالقضايا العالمية الأساسية.
الخاتمة:
تُمثل استقالة “جاستن ترودو” منعطفًا حاسمًا في المشهد السياسي الكندي، حيث تُلقي بظلالها على التحديات المتزايدة التي تواجه البلاد داخليًا وخارجيًا، بدءًا من إعادة بناء القيادة في الحزب الليبرالي إلى مواجهة الأزمات الاقتصادية والتوترات الدولية. من المُرجح أن تواجه القيادة الجديدة، سواء بقيادة الحزب الليبرالي أو المحافظين، اختبارات صعبة تتطلب تبني سياسات مبتكرة لإعادة بناء الثقة الداخلية واستعادة الاستقرار. وعلى الصعيد الدولي، سيتعين على أوتاوا الحفاظ على علاقاتها مع الحلفاء التقليديين، والتكيف مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. فمن الضروري أن تُركز القيادة القادمة على تحقيق التوازن بين أولوياتها الداخلية والالتزامات الدولية. إذ تتوقف قدرة كندا على تجاوز هذه المرحلة على وضوح رؤية القيادة الجديدة واستجابتها السريعة للتحديات. فالمسار الذي ستتبناه لن يحدد فقط مستقبل البلاد داخليًا، بل سيعيد رسم دورها وتأثيرها على الساحة الدولية.
المصادر:
[1] روسيا اليوم. “استطلاع: انخفاض نسبة تأييد ترودو إلى 17.4%”، 4 يناير 2025
https://www.rtarabic.com/world/1634295-استطلاع-انخفاض-نسبة-تأييد-ترودو-إلى-174.
[2] روسيا اليوم. “التضخم في كندا يبلغ أعلى مستوياته منذ عام 1983.” 20 يوليو 2022
https://arabic.rt.com/business/1374471-التضخم-في-كندا-يبلغ-أعلى-مستوياته-منذ-عام-1983/.
[3] العربية. “كيف أوصلت الأوضاع الاقتصادية كندا إلى طريق مسدود؟” 7 يناير 2025
[4] مرجع سابق.
[5] France 24. “Canada’s Trudeau on Back Foot Over Carbon Tax.” March 30, 2024. https://www.france24.com/en/live-news/20240330-canada-s-trudeau-on-back-foot-over-carbon-tax.
[6] CBC. “Energy Sector Faces Challenges as Carbon Tax Controversy Grows.” February 12, 2019. https://www.cbc.ca/news/canada/calgary/energy-sector-carbon-tax-controversy-1.5011765.
[7] BBC. “Justin Trudeau: The Elite Liberal Facing Growing Challenges.” January 16, 2019. https://www.bbc.com/news/world-us-canada-46885560.
[8] العين الإخبارية. “جاستن ترودو بين أزمات كندا وترامب ومستقبل الانتخابات.” 7 يناير 2025
https://al-ain.com/article/justin-trudeau-canada-trump-crises-elections
[9] روسيا اليوم. “زعيم المعارضة الكندية يطالب بعقد جلسة طارئة للبرلمان لحجب الثقة عن حكومة ترودو.” 5 يناير 2025 https://arabic.rt.com/world/1630468-زعيم-المعارضة-الكندية-يطالب-بعقد-جلسة-طارئة-للبرلمان-لحجب-الثقة-عن-حكومة-ترودو/
[10] اليوم السابع. “زعيم المعارضة الكندية يطالب بعقد جلسة طارئة للبرلمان لحجب الثقة عن حكومة ترودو.” 21 ديسمبر 2024
[11] الشرق الأوسط. “كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي.” 7 يناير 2025
https://aawsat.com/العالم/5098565-كندا-ترودو-يستقيل-من-زعامة-الحزب-الليبرالي.
[12] CNN. “Trudeau Faces Challenges as Trump Tariff Threat Looms Over Canada.” January 9, 2025. https://edition.cnn.com/2025/01/09/world/trudeau-trump-canada-tariffs-tapper-intl-latam/index.html.
[13] BBC News. “Canada’s Trudeau Faces Leadership Challenges Amid Political Uncertainty.” January 9, 2025. https://www.bbc.com/news/articles/czjdr98n1kxo.
[14] Reuters. “Canada’s Main Opposition Leader Poilievre Rides Wave of Anti-Trudeau Discontent.” January 8, 2025. https://www.reuters.com/world/americas/canadas-main-opposition-leader-poilievre-rides-wave-anti-trudeau-discontent-2025-01-08/.
[15] Reuters. “Trump’s Victory Adds to Trudeau’s Challenges in Canada.” November 6, 2024. https://www.reuters.com/world/americas/trumps-victory-adds-trudeaus-challenges-canada-2024-11-06.