المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > اشتباكات السويداء: إسرائيل تحرك ورقة الطائفية للضغط على الإدارة السورية في ملف التطبيع
اشتباكات السويداء: إسرائيل تحرك ورقة الطائفية للضغط على الإدارة السورية في ملف التطبيع
- يوليو 16, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
شهدت سوريا خلال الساعات القليلة الماضية، تصعيدًا أمنيًا خطيرًا للغاية، تمثل في اندلاع اشتباكات طائفية في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، مما خلف فوضى أمنية استغلتها إسرائيل لتكثيف أعمالها العدائية ضد الدولة السورية؛ حيث قررت تل أبيب التدخل وقصف مواقع القوات الأمنية التابعة للجيش السوري، وذلك تحت شعار “حماية الطائفة الدرزية”، وتثير هذه التطورات مجددًا مخاوف عدة حول الحسابات الإسرائيلية الكامنة وراء دعمها لدروز سوريا، وكيفية استغلالها للعامل الطائفي في خدمة أهدافها التوسعية، المتمثلة في ضم أجزاء من الجنوب السوري:
أولًا؛ مواجهة سورية إسرائيلية على أرض السويداء:
بدأ التوتر الأمني الذي تشهده محافظة السويداء في الوقت الراهن، يوم الأحد 13 يوليو 2025، وذلك مع اندلاع اشتباكات ومواجهات عسكرية دامية بين عشائر بدوية مسلحة وفصائل درزية.[1]
وقد أسفرت هذه المواجهات التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة الراهنة إلى مقتل 116 فردًا؛ 64 من سكان الدروز بالسويداء و52 من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام والمسلحين البدو، وذلك وفقًا لبيان المرصد السوري لحقوق الإنسان الصادر صباح اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025.[2]
1- وزارتي الدفاع والداخلية يقتحمان السويداء:
مع استمرار الاشتباكات، أعلنت السلطات السورية تدخلها المباشر لفض النزاع وفرض الأمن والنظام داخل محافظة السويداء، وبالفعل بدأت القوات السورية من وزارتي الداخلية والدفاع، التحرك نحو المحافظة منذ مساء يوم الأثنين 14 يوليو الجاري، ودخلتها رسميًا صباح اليوم الثلاثاء، وذلك للمرة الأولى في عهد النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع.
ووفقًا للمتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، فإن دخول وانتشار القوات السورية في السويداء جاء بدافع حماية المواطنين، وتوحيد القوة بيد الدولة فقط؛ لأنها الضامن الوحيد للوحدة السورية، وليس بغرض السيطرة على المحافظة، موضحًا التالي[3]:
تتحمل التيارات الانعزالية في السويداء المسؤولية عما يحصل هناك، وذلك لرفضها الحوار ومحاولتها مصادرة القرار السياسي والعسكري، وفرض خطاب يُقصي الآخرين، ويضع المحافظة في حالة عداء مفتعل مع الدولة السورية.
تحاول هذه التيارات احتكار التمثيل، وتمنع أي انفتاح وطني جامع، وتضغط على الأفراد تحت شعارات لا تمثل المصلحة العامة، بينما الحل الحقيقي يكمن في فتح مسارات الحوار مع كل المكونات، وتمكين المؤسسات من أداء دورها، ورفع الصوت المدني الحقيقي في وجه خطاب الفوضى والعنف.
تقف الحكومة السورية على مسافة واحدة من جميع أبناء الشعب السوري، وتتعامل وفق معايير السيادة والشرعية والقانون.
تقتضي إعادة سلطة القانون، سحب السلاح من الجميع دون استثناء، فعملية سحب السلاح ستشمل كل ما يوجد خارج إطار مؤسسات الدولة، أيًا كانت الجهة التي تحمله، وذلك بوصفه سلاحًا غير شرعيًا، ويُعد تهديدًا لوحدة البلاد وسلامة مجتمعها، وبالتالي، فإن الدولة ترفض بشكل قاطع أي وجود مسلح مستقل، سواء كان لفصائل عشائرية أو لفصائل محلية، تحمل طابعًا مذهبيًا أو سياسيًا.
وبعد فترة وجيزة من دخول المحافظة، أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وقفًا تامًا لإطلاق النار في السويداء بعد الاتفاق مع وجهاء المدينة، منوهًا أنه سيتم الرد فقط على مصادر النيران، والتعامل مع أي استهداف من المجموعات الخارجة عن القانون.[4]
كما أكد أبو قصرة أنه بعد وقف إطلاق النار، وضبط السلوك العسكري، والانتهاء من عمليات التمشيط، سيتم تسليم أحياء المدينة إلى قوى الأمن الداخلي، مشيرًا إلى أن الجيش السوري بدأ بالفعل في سحب الآليات الثقيلة من السويداء.
وجدير بالذكر أن؛ انتشار الجيش السوري في محافظة السويداء جاء بمباركة درزية؛ حيث رحبت هيئات روحية درزية بدخول القوات الحكومية، داعيةً الفصائل المسلحة إلى التعاون معها، وعدم مقاومة دخولها، وتسليم سلاحها لوزارة الداخلية، ومن بينهم الشيخ الدرزي البارز حكمت الهجري، الذي دعا إلى فتح حوار مع الحكومة السورية، لعلاج تداعيات الأحداث، وتفعيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع أبناء المحافظة.[5]
ولكن سريعًا تراجع الدروز عن هذا الموقف؛ إذ أعلنت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز في سوريا، يوم 14 يوليو الجاري، رفض دخول أي جهات إلى المنطقة، ومنها الأمن العام السوري وهيئة تحرير الشام، متهمة تلك الجهات بالمشاركة في قصف القرى الحدودية، ومساندة “مجموعات تكفيرية” باستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة، مطالبة بـ”الحماية الدولية الفورية كحق لحماية المدنيين وحقنًا للدماء”.[6]
2- تدخل إسرائيلي ضد القوات السورية:
وجدت إسرائيل في أحداث السويداء، وخاصةً مع تغير الموقف الدرزي على النحو سالف الذكر، فرصة لإيجاد حجة للتدخل في الشأن السوري، والعودة إلى سياسة الاعتداء على الأراضي السورية بالجنوب، تحت شعار “حماية الأقلية الدرزية؛ حيث:
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إسرائيل كاتس، أنهما أصدرا تعليمات للجيش بضرب القوات السورية والأسلحة التي جرى نشرها في السويداء، استنادًا إلى مخالفة هذا الأمر لسياسة نزع السلاح المتفق عليها، والتي تحظر إدخال قوات وأسلحة إلى جنوب سوريا بما يشكل تهديدًا لإسرائيل.[7]
تُرجمت هذه التعليمات فوراً من خلال غارات استهدفت القوات الحكومية السورية، إذ ضرب الجيش الإسرائيلي آليات عسكرية للقوات السورية في السويداء، منها دبابات وناقلات جند مدرعة وقاذفات صاروخية.
أكدت أوساط إسرائيلية رسمية، أن القصف الجوي للدبابات السورية بالقرب من السويداء، ما هو إلا “محاولة للدفاع عن الدروز الذين يتعرضون لمذبحة من البدو، إذ تربطهم أواصر قربى مع عشرات الآلاف الدروز من مواطني إسرائيل، ولذلك على تل أبيب التزام أخلاقي تجاههم”.[8]
أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الثلاثاء 15 يوليو الجاري، أن الضربات التي نفذها الجيش في جنوب سوريا، تحذير واضح للنظام السوريلعدم استهداف الدروز، مشدد على أن “إسرائيل لن تسمح بالإساءة للدروز في سوريا، ولن تقف مكتوفة الأيدي”.[9]
قامت تل أبيب بنشر سرية من حرس الحدود، على الحدود السورية عقب أحداث السويداء، لمنع الاضطرابات وامتدادها عبر الحدود،وأفادت مصادر مطلعة بأنه من المتوقع وصول سريتين احتياطيتين إضافيتين قريبًا، وذلك وفقًا للتطورات.[10]
ثانيًا؛ دوافع إسرائيل من التدخل تحت ذريعة “حماية الدروز”:
لا شك أن وراء التحرك الإسرائيلي تجاه الطائفة الدرزية في سوريا، تقف الكثير من الدوافع التي ترتبط بمختلف الاصعدة؛ سواء الأمنية أو السياسية، والتي تتعدى الغطاء الإنساني الذي تروج له تل أبيب، وفيما يلي أبرز هذه الدوافع:
1- الضغط على الحكومة السورية لقبول التنازلات التي تطالب بها إسرائيل في الجولان؛ يبدو أن المحادثات الأخيرة التي استضافتها أذربيجان بين إسرائيل وسوريا بشأن التطبيع بينهما، لم تمض على النحو الذي ترغب فيه تل أبيب، ولذلك قررت تحريك ورقة الطائفة الدرزية مجددًا، بعد هدوء دام على نحو شهرين.
ووفقًا لمصادر مطلعة على المحادثات؛ فأن إسرائيل لا تبدي حماسة للتطبيع، ما دامت دمشق ترفض التنازل عن فكرة الانسحاب الكامل من الجولان، حيث[11]:
رفضت إسرائيل الموقف السوري بأن يكون التطبيع “خفيفًا”؛ أي يقتصر على الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، بل تريد تل أبيب تطبيعًا “عميقًا”،مقابل البقاء في قسم كبير من هذه المناطق.
قرر الجيش الإسرائيلي عقيدة أمنية جديدةتنص على إقامة 3 دوائر مع سوريا؛ الأولى داخل الحدود الإسرائيلية، أي المنطقة التي تحتلها إسرائيل في الجولان، ويرابط فيها الجيش الإسرائيلي بقوات كبيرة وتحصينات شديدة، والثانية بإقامة حزام أمني على طول الحدود بعرض 3-5 كيلومترات، ويُحظر فيها وجود أي مسلحين، والدائرة الثالثة منطقة منزوعة السلاح تمتد من دمشق وحتى الجنوب والجنوب الغربي.
أقامت إسرائيل 9 مواقع عسكرية حصينة في الحزام الأمني المذكور، وتصر على التمسك والاحتفاظ بها.
2- إرضاء الطائفة الدرزية في الداخل الإسرائيلي؛ لطالما كان الدروز ورقة جيوسياسية لا تغيب عن طاولة القرار في تل أبيب، وخاصةً دروز الجولان المحتل، وذلك نظرًا للعلاقة المعقدة والمتشابكة التي تجمع بين الطائفة الدرزية في الجنوب السوري المتاخم للحدود الإسرائيلية، ودروز الداخل الإسرائيلي، ولذلك تهدف تل أبيب من تعهدها بحماية دروز سوريا إلى كسب تأييد وود الدروز في أراضي فلسطين المحتلة، وهذا يتضح من الترحيب الكبير الذي أبداه الزعيم الدرزي في إسرائيل موفق طريف، بتحركات تل أبيب نحو سوريا، والتي جاءت تحت شعار “حماية الدروز”، مطالبًا بحماية دولية لدروز دمشق.[12]
3- شرعنة التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري؛ تحاول تل أبيب تصوير انتهاكها السافر للسيادة السورية، على أنه تدخل شرعي ومبرر، يأتي تحت شعار “مبدأ الحماية الإنسانية”، وهذه الذريعة تبقي الباب مفتوحًا أمام إسرائيل للتدخل في سوريا في أي وقت هي تريده، ووفقًا لحسابات المصلحة الإسرائيلية، أي أنها تتخذ العامل الإنساني كغطاء لتحركاتها السياسية والعسكرية.[13]
كما أن تقديم إسرائيل لنفسها على أنها الراعي الأمني والعسكري للدروز، بدلًا عن السلطات السورية، يوفر لتل أبيب الفرصة لتعزيز الروابط مع الأقلية الدرزية في سوريا، وبالتالي فتح قنوات اتصال مع بعض مكونات المجتمع المحلي السوري، وهذا يتيح لها التأثير في التوازنات الداخلية للدولة السورية، أي بمعنى أوضح؛ يخلق لإسرائيل عمقًا استراتيجيًا في دمشق، يخدم أغراضها الأمنية والسياسية والعسكرية، ويُستدل على ذلك من التصريحات الصادرة عن مسؤولي تل أبيب؛ حيث:
أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في 11 نوفمبر 2024، أن “إسرائيل موجودة في منطقة هي أقلية فيها، ولذلك تحالفاتها الطبيعية هي الأقليات الأخرى مثل الدروز في سوريا ولبنان، والأكراد في كل من سوريا والعراق وإيران وتركيا”.
أكد زعيم حزب “معسكر الدولة” الإسرائيلي المعارض بيني جانتس، يوم 2 مايو الماضي، أن “لدى إسرائيل التزام أخلاقي ومصلحة أمنية في الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها الدروز في سوريا، وعدم السماح للجماعات المتطرفة بتعزيز سيطرتها ونفوذها في البلاد”.