المقالات
الأردن يقطعُ الطريق على الإخوان: منعطفٌ حاسمٌ في السياسةِ والأمنِ الوطنيِ
- أبريل 27, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد/ آية أشرف
باحث في برنامج الإرهاب والتطرف
أعلنتْ السلطاتُ الأردنيةُ في الثالثِ والعشرين من أبريل الجاري عن قرار بحظر جميع أنشطة جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن واعتبارها جمعيةً غيرَ مشروعةٍ ومنحلةٍ قانونيًا ومنع الانتساب والانضمام إليها أو الترويج لأفكارها بشكل مباشر أو غير مباشر واعتبار ذلك أمر يُعرض للمسائلة القانونية، وقد جاء هذا القرار على لسان وزير الداخلية الأردني “مازن الفراية” بعد أزمة “خلية الفوضى” التي كشفتْ عن مخططٍ وصفتهُ السلطاتُ الأردنيةُ بالتخريبيِ مرتبط ببعض الأفراد المنتمين للجماعة يهدف بشكل أساسي زعزعة الأمن الوطني الأردني وإثارة الفوضى والتخريب داخل المملكة، شَمِلَ هذا المخططُ برنامجًا لتصنيعِ الصواريخِ والطائراتِ المُسيرةِ محليةِ الصنعِ والمستوردةِ بالإضافة لحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية، علاوة على ذلك استقطاب وتجنيد وتدريب عناصر من داخل الأردن وخارجه للانضمام لنشاط الخلية، وعليه يعكس هذا القرارُ تحولٌ جذريٌ في سياسيةِ المملكةِ الأردنية تجاه جماعة “الإخوان المسلمين” ومن هذا المنطلق يسلط التقرير الآتي الضوء على تداعيات هذا القرار وردود الأفعال المختلفة سواء من قِبلِ الجماعةِ وأذرعهِا داخل الأردن أو من قِبل الحكومة الأردنية.
الإخوانُ في الأردن: الخلفيةُ التاريخيةُ
قبلَ البدءِ بتحليلِ تداعياتِ وحيثياتِ قرارِ المملكة الأردنية الهاشمية بحظر جماعة ” الإخوان المسلمين” داخل أراضيها من المهم التطرق للخلفية التاريخية لنشاط الجماعة في الأردن والذي بدأ عام 1945م كجمعيةٍ خيريةٍ على يد الشيخ “عبد اللطيف أبو قورة” متأثرًا بأفكار “حسن البنا” مؤسسِ الجماعةِ في القاهرة، وبالفعل أخذ نشاط الجماعة يتبلور خاصة بعد حصول الأردن على استقلاله عام 1946م انطلاقًا من أفكارٍ دعويةٍ للجهادِ ضد الاستيطان الصهيوني في فلسطين وذلك بمباركة من القيادية الأردنية ممثلةً في الملك “عبد الله الأول” الذي حضرَ الاجتماعَ التأسيسيَ الأولَ للجماعة ، الأمر الذي أرسى أساسًا راسخًا وقويًا للعلاقة بين الجماعة والقيادة الأردنية، وعليه بدأت الجماعة في ممارسة نشاطها داخل الأردن لا سيَّما بعد رفع مستوى عملها من مجرد جمعية خيرية إلى جماعة إسلامية متعددة الوظائف عام 1953م مما ساعدَ الجماعةَ في توسيعِ أنشطتِها داخل المملكة سواء على المستوى الجغرافي أو على المستوى التعبوي الشعبي والرسمي، كما انخرطت مبكرًا في المسار السياسي الأردني وقدمت مرشحين في البرلماني الأردني سواء مستقلين عام 1951م و 1954م أو تحت مظلة الجماعة بدأً من عام 1956م ([1])، وعلى هذا الأساس مرتْ الجماعةُ في الأردن بمراحلَ مختلفةٍ وصولًا للمرحلة الحالية التي تُعدُ الأبرزَ طوالَ تاريخِها في المملكة الهاشمية، نستعرضها كالآتي:
1- شريكٌ سياسيٌ فعالٌ
حملَ فِكْرُ الفرعِ الأردني للإخوان طابعًا محافظًا جمعها مع القيادة الأردنية آنذاك تجاه النفوذ الغربي واصطفت الجماعة مع النظام في مواجهة موجات المعارضة التي تعرّضَ لها لا سيَّما الموجةُ القوميةُ واليساريةُ؛ إدراكًا من الجماعة لخطورة هذه الموجات على مشروعها خاصة بعد مآلاتها على الفرع المصري للجماعة، كان لهذا التقاربِ من النظامِ الأردني أثرٌ إيجابيٌ واضحٌ في مكانة الجماعة ونشاطها داخل المملكة، ففي الوقت الذي حظرت في السلطات الأردنية الأحزاب السياسية عام 1956م كانتْ الجماعةُ تمارسُ عملهَا بشكلٍ طبيعيٍ ولم تتأثرْ صفتُها لا سيَّما أنها في هذا الوقت كانت تمارس العمل السياسي تحت مسمى أنها جماعة غير حزبية، الأمرُ الذي وفّر لها فرصاً واسعةً للانتشارِ والتأسيسِ لمؤسساتٍ راسخةٍ كجمعية المركز الإسلامي الخيرية.
استثمر الإخوان بطابعهم المَرنِ الذي تميز به فرع الأردن كافة الفرص التي فرضها الواقع المحلي والإقليمي والدولي بشكل إيجابي لأبعد الحدود لا سيما الفرص التي فرضتها نكسه 1967م التي شكّلتْ ارتدادةً للمشروع القومي العربي من جهة وعززت المشروع الفدائي الفلسطيني في العالم العربي وفي الأردن على وجه التحديد من جهة أخرى، وتمكنت من عزل نفسها بشكل استراتيجي عند اندلاع الاشتباكات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية في السبعينيات وفضلت في ذلك التوقيت التركيز على الحياة العامة والسياسة المحلية مما عزز من خبرة أعضائها بشكل كبير على المستوى السياسي وتمكّنَ عددٌ منهم من الوصولِ لمناصبَ قياديةٍ رفيعةٍ في الحكومة كمنصب وزير التربية والتعليم والأوقاف التي أتاح لها التغلغل بشكل أعمق في المجتمع الأردني ونشر أفكارها من خلال المناهج التعليمية ولعل أبرز من تولى هذا المنصب كان القيادي “إسحاق فرحان” عام 1970م ثم القيادي “عبد اللطيف عربيات” في الفترة من 1982م إلى 1985م فضلًا عن ترأس القيادي “هزاع المجاري” لمجلس الوزراء الأردني فضلًا عن انخراطهم في الحياة النيابية الأردنية بشكلٍ فعالٍ ومؤثرٍ وصولًا لرئاسة برلمان الأردن، هذا الوضعُ المميزُ للإخوان في الأردن منحهم ثقةً وثقلاً شعبياً واسعَ النطاقِ حتى أصبحوا القوى المجتمعية الأكثر تأثيرًا في المجتمع الأردني لا سيَّما النقاباتُ المهنيةُ واتحادات الطلاب في مختلف الجامعات الأردنية.
2- قوةٌ مجتمعيةٌ يجبُ تحجيمها
مع احتدام الوضع السياسي في المنطقة تحديدًا في الثمانينات بدأت العلاقة بين السلطات الرسمية والجماعة تمرُ بتقاطعاتٍ مغايرةٍ عن المعتاد لا سيما على خلفية الموقف الرسمي الأردني تجاه القضية الفلسطينية وهو الموقف الذي بدأت الجماعة تعلن معارضتها له صراحةً، إلا أن هذه المعارضة الصريحة لم تصلْ حدَّ تحدي شرعية الملك أو الوقوفِ بشكلٍ حادٍ أمام قرارته بل يمكن وصفها بأنها كانت في إطار التفاعل السياسي المقبول من النظام آنذاك وعزز من ذلك رغبة النظام في تجنّبِ الدخولِ في صداماتٍ مع الجماعة، بل سمحَ لها بمزيدٍ من الانفتاحِ الذي عززَ قاعدتَها الجماهيريةَ التي وصلت ذروتها عام 1989م الذي خاضت فيه الجماعة الانتخابات البرلمانية وحصلتْ على دعمٍ شعبيٍ غير مسبوقٍ مكّنها من الفوز ب22 مقعد من أصل 80 مقعد، وفي إطار التذبذب في العلاقة بين الجماعة والدولة قادتْ الجماعةُ بعددٍ من الاحتجاجاتِ الطلابيةِ المعارضةِ لبعض القضايا المتعلقة بالوضع الداخلي للأردن ومكنتها قاعدتها الشعبية الواسعة لأن تصبحَ جبهةَ المعارضةَ الرئيسيةَ في البلاد، تحول هذا التذبذبُ إلى صداعٍ واضحٍ بالتزامن بداية “مفوضات السلام العربية الإسرائيلية” في هذه الفترة وتحديدًا عام 1991م التي اعتبرها الإخوان وغيرهم من الفصائل والجماعات المُمثِلة للتيار الإسلامي أنها مساسٌ بالهوية الإسلامية وهويةِ الدولة في حد ذاتها وفي هذا الإطار أخذتْ الجماعةُ تعبّرُ عن رفضها لهذه المفاوضات وبدأتْ في حشْدِ الرأي العام واصدار الفتاوى التي تحرمها بشكل قطعي، وهنا بدأت العلاقة مع الدولة تأخذُ منحىً جديداً حاولتْ المملكةُ الأردنيةُ إدارتَه بدقةٍ فعملتْ على إعادةِ رسْمِ وتقليصِ الدور الذي يمارسهُ الإخوان في الداخل الأردني مع العمل على تجنب الدخول في مواجهات دينية ومفارقات فقيهة معهم ، وعليه أصدرت الدولة قانون “الصوت الواحد” الذي يقلص من الدور النيابي الذي يمارسه الإخوان في الأردن بالإضافة إلى سلسة من الإجراءات الأخرى على المستوى الإداري والتنظيمي عملت على الحد من شعبية الجماعة في النقابات والجامعات والمساجد والحياة العامة بشكل عام، وعلى الجانبِ الآخرِ استمرتْ الجماعةُ في رفضهِا لموقفِ المملكة تجاه اسرائيل الذي تبلور فيما بعد بمعاهدة “وادي عربة” وعبرت عن ذلك الرفض من خلال صوتها النيابي والشعبي داخل البرلمان، استمر هذا النمط من المعارضة حتى عام 1997م العام الذي قاطعت فيه الجماعة العمل النيابي ردًا على سياسيات التشديد والتضيق التي تُمارسُ ضدها لا سيما بعد التغلغل الأمريكي في المنطقة والذي كان له دورٌ بارزٌ في تقليصِ نفوذِ الحركات الإسلامية بشكلٍ عامٍ بما فيها الإخوان في الأردن خاصة بعد توجيهِ تُهمٍ للجماعة بالعمل كذراعٍ سياسيٍ لحركةِ المقاومةِ الفلسطينية “حماس” ما رأته السلطات على أنه قد يتعارض مع أوليات الدولة الوطنية آنذاك.
استمرت هذه التوترات مع الجماعة مع الحفاظ على بعض قنوات الاتصال السياسي حتى عام 1999م وتولي الملك “عبد الله الثاني” الحكم والذي حملَ عهدهُ بدايةً جديدةً فيما يتعلقُ بعلاقة الدولة مع الإخوان ارتبطت بشكل كبير بمخاوف أمنية أدت إلى تحول ملف الإخوان من مجرد كونهِ ملفَ معارضةٍ سياسيةٍ إلى ملفٍ أمنيٍ بحت، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بين الدولة والجماعة وصاحبهُ توقّفٌ شبه كامل لقنوات الاتصال التي كانت تجمع بين كلا الطرفين خاصة بعد قرار إبعاد قيادة حركة “حماس” من الأردن، والجدير بالذكر أن هذا القرار لم يحدثْ صدْعاً في العلاقة مع الدولة فحسب، بل أثارَ خلافاتٍ داخليةً في الجماعة حول أولية الأمن الأردني أم القضية الفلسطينية، ذلك بالتوازي مع عدد من الأزمات المحلية التي عمقت من حدة هذا الصدع سواء على مستوى الجماعة في الداخل أو على مستوى علاقاتها مع الدولة والملك حتى الفترة من 2011م وحتى 2013م المرتبطة بالربيع العربي إذ طالبتْ الجماعةُ بإصلاحِ النظام وتعديلِ الدستور وتنسيقِ الجهودِ بين الفصائل السياسية المختلفة والجدير بالذكر أن الجماعة التي قادتْ الثورةَ في الأردن وعلى الرغم من الصدمات المتكررة والصدع العميق في علاقتها مع النظام والملك لم تطالبْ بإسقاطِ نظامه أو تحدي شرعيته بل استمرت في تنظيم التظاهرات السلمية المطالبة بإصلاحات جدية في الحياة السياسية والأوضاع الداخلية في الأردن ([2]).
وفي عام 2014م أصدرتْ السلطاتُ الأردنيةُ قانونَ الجمعيات الأردني الذي أرسىَ لبنودٍ جديدةٍ فيما يتعلق بإجراءات ترخيص الجمعيات في الأردن وبناء على هذا القانون طُلب من الجماعة إعادة تقييم شروط ترخيصها لاستمرار عملها في المملكة، ومن جانبها رفضت الجماعة هذا القانون وهنا بدأت الجماعة تنشقُ على نفسها بشكلٍ واضحٍ خاصةً بعد قيامِ عددٍ من قادة الجماعة بفتح جمعية جديدة تحت مسمى “جمعية جماعة الإخوان المسلمين” كبديل عن الجماعة القديمة ورفعت في عام 2016م قضية أمام القضاء الأردني لاستملاك ممتلكاتها سواء مقار أو مكاتب وبالفعل اعتبر النظام الأردني هذه الجمعية بديلًا عن الجماعة الأساسية، وفي عام 2020م أصدرَ القضاءُ الأردنيُ حكماً بحلِّ الجماعةِ ونقْلِ جميعِ ممتلكاتها للجمعية الجديدة وحزبها المرخص “جبهة العمل الإسلامي” الذي بدأ يمارسُ أدواراً نيابيةً وسياسيةً وحاول جاهدًا إعادة العلاقة مع السطلة إلى طورها الأول ([3]).
3- تهديدٌ أمنيٌ يجبُ اقتلاعه
حاولتْ الجماعةُ في ثوبِها الجديدِ التركيزَ على البعد المحلي الداخلي في خطابها الشعبي والرسمي بدلًا من التركيز على القضايا الكبرى التي كانت تركز عليها سابقًا على رأسها الفضية الفلسطينية، استمرَ هذا الوضعُ إلى أن أطلقتْ المقاومةُ الفلسطينيةُ عمليةَ “طوفان الأقصى” التي أعادت الزخم في المنطقة ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقط بل أيضًا فيما يتعلق بوضع وصوت الإخوان في الأردن؛ فقد كان “طوفان الأقصى” فرصةً مناسبةً للإخوان عملوا على استغلالها للعودةِ مرةً أخرى على الساحة الأردنية لا سيَّما على المستوى الشعبي من خلال قيادة المظاهرة المناصرة لغزة فضلًا عن تبنيها خطابًا موحدًا يطالبُ بإعادةِ تقييم العلاقة مع إسرائيل مع استمرارِ العملِ بمبدأ عدمِ رفْعِ السلاحِ في وجهِ الدولةِ أو تحدي شرعية الملك، هذا التطور الذي أفرزه الواقع الإقليمي ساهم في تعزيز شعبية الجماعة وظهر ذلك في انتخابات 2024م التي حصل فيها حزب “جبه العمل الإسلامي” الذراع السياسي للجماعة على 31 مقعد أي 22.5% من مقاعد البرلمانية و 44.8% من إجمالي المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية هو الأمر الذي أثبت استمرار فعالية الإخوان في الأردن على المستوي الشعبي على وجه الخصوص رغم حالة التذبذب في علاقة الجماعة بالسلطة على مدار تاريخها المرتبط بتاريخ الأردن الحديث، خاصة إذا تعلقَ الأمرُ بالقضية الفلسطينية، وبالرغم من فعالية الجماعة على المستوى الشعبي إلا أن تصاعدَ الأحداثِ في المنطقةِ ذهبَ إلى منحى أكثر جوهرية في علاقة الجماعة بالدولة لا سيما بعد الكشف عن مخططات تخريبيةٍ للجماعة في الداخل الأردني انتهت بأزمة “خليه الفوضى” التي تم الكشف عنها مؤخرًا، دفع هذا المنحى بإعلان التنفيذ الفوري لقرار محكمة التميز الصادر عام 2020م بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعةً محظورةً في الأردن في سياق التشديد الأمني والقانوني على نشاط الجماعة التي أثرت وتغلغلت بقوة في المجتمع الأردني طوال أكثر من ثمانية عقود([4]).
والجدير بالذكر أنه بالرغمِ من صدور قرارٍ بحل الجماعة عام 2020م استمرَ الوجودُ والنشاطُ السياسيُ للجماعة من خلال ذراعها السياسي الممثل في حزب ” جبهة العمل الإسلامي” مع غض النظر الرسمي عن نشاط الجماعة الداخلي في خطوة يمكن تحليها من منطلق عدم رغبة السلطة الأردنية في اتخاذ إجراءات متشددة تجاه الجماعة بل آثرت أن تُبقيهَا في إطارٍ مقننٍ، إلا أن تطورَ شبكةِ علاقاتِ الجماعة لا سَّيما على المستوى الخارجي وتحولِها إلى خطرٍ يهددُ أمنَ الأردن الداخلي وسيادته الخارجية دفعَ المملكةُ إلى قرارِ الحظرِ الذي يمكنُ اعتبارهُ أنه جاء مدفوعًا بتراكمات من القلق الرسمي تجاه نشاط الجماعة الداخلي والخارجي.
توقيتُ القرار
جاءَ قرارُ حظْرِ السلطات الأردنية لنشاط فرع جماعة ” الإخوان المسلمين “في المملكة في توقيتٍ حَرِجٍ وسياقٍ إقليميٍ معقّدٍ للغاية أدّى إلى تصاعد القلق على المستوى الرسمي من نشاط الجماعة لا سيما بعد الكشف عن شبكة تحالفاتها المباشرة وغير المباشرة مع عدد من الجماعات المسلحة المنتشرة في المنطقة، وتضاعفَ هذا التعقيدُ بعد ردودِ الأفعالِ التي أثارها هذا القرارُ لا سيَّما ردُّ فعلِ حركة “حماس”، الأمر الذي دفع نحو إعادة تقييمٍ كاملٍ لملف الإخوان والنظر في نشاطها الداخلي والخارجي، وعليه يكتسب توقيت هذا القرار أهمية خاصة لعدد من الاعتبارات أهمها:
-
ارتباطهُ بتطوراتٍ أمنيةٍ خطيرةٍ؛ إذ يأتي القرار بعد يوم واحد من مطالبة حركة “حماس” بالإفراج عن متهمين في قضيه “خلية الفوضى” التي وُجّهت فيها اتهامات لـ16 شخصاً بالمشاركة في مخططات تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة.
-
تفعيلُ حكمٍ قضائيٍ سابقٍ فالقرارُ ليس مستحدثًا من قِبلِ القضاءِ الأردني بل يمثّلُ تفعيلاً لحكمٍ قضائيٍ موجود بالفعل وهو الحكم الخاص بحل الجماعة عام 2020م واعتبارها منحلةً حكماً وفاقدةً لشخصيتها القانونية والاعتبارية، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية.
-
تصاعدُ التوترِ بين السلطة والجماعة؛ يشير توقيت القرار إلى وصول العلاقة بين الطرفين إلى مرحلةٍ حرجةٍ بعد فترة طويلةٍ من المرونة النسبية في التعامل مع الجماعة، حيث اعتبرت السلطات أن الجماعة لم تقابلْ المرونةَ الرسميةَ بضرورة وضْعِ حدٍ لتصرفات بعض قياداتها وأعضائها.
ردودُ الأفعال
باعتباره قراراً يمثّلُ تحولًا استراتيجيًا في سياسة المملكة تجاه جماعات الإسلام السياسي ككل وليس فقط فيما يتعلق بالإخوان المسلمين فقد أثار القرار ردود أفعال وتداعيات متباينة تعبر عن مدى خطورة هذا القرار على مستويات مختلفة ([5]):
على المستوى المحلي
بدأت السلطاتُ الأردنيةُ فور الإعلان عن القرار بتنفيذ إجراءات أمنية لتفتيش عدد من المقرات المستخدمة من قبل الجماعة، بما في ذلك مقر حزب “جبهة العمل الإسلامي” وعليه قامت:
-
بتنفيذِ حملةٍ أمنيةٍ واسعةٍ تضمنتْ إغلاقَ مقرات الجماعة في المراكز الرئيسية والمحافظات، وإزالة اللافتات التي تحمل اسم الجماعة وشعارها، ومصادرة الممتلكات، مع احتمال وصول الأمر إلى ملاحقة قياديين خاصة أن بيانَ الإعلانِ عن القرار أكد على تورطِ عددٍ من قيادات الجماعة وعائلاتهم في عمليات تهدف لزعزعة أمن المملكة.
-
التحذير من التعاطي مع الجماعة فقد أصدرتْ الحكومةُ تحذيراتٍ صارمةً للقوى السياسية ووسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والجمعيات، من التعامل أو النشر لكل ما يتعلق بالإخوان المسلمين، مما يشير إلى نية السلطات في قطع أي امتدادات اجتماعية أو إعلامية للجماعة.
-
تشديد المراقبة الأمنية على كافة أنشطة الجماعة والمنتسبين إليها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك في إطار الكشف عن المخططات المنسوبة للجماعة خاصةً في ظلِ دعوةِ بيانِ الجماعةِ في الخارجِ لعناصرِ فرع الأردن بالوقوف أمام القرار ومواجهته بشكلٍ حاسمٍ وهو ما يشكّلُ نقطةً سلبيةً أخرى تدين الجماعة وتقلل من موقفها في الداخل الأردني.
وبالرغم من محورية هذه التداعيات على المستوى الداخلي في الأردن إلا أن أخطرَ جوانبِ هذا القرار هو انعكاساتهُ المباشرةُ على الحياة النيابية الأردنية في ظل وجود 31 نائباً في البرلمان الأردني ينتمون لحزب “جبهة العمل الإسلامي” الذراع السياسي للجماعة، ويمكن تحليل هذه التداعيات على النحو التالي:
المأزقُ القانونيُ للنواب الإسلاميين
يضعُ القرارُ النواب الـ31 المنتمين لحزب “جبهة العمل الإسلامي” في موقف قانوني حرج، إذ أنهم يواجهون خيارين صعبين:
-
الاستمرارُ في الانتماءِ للحزب مما قد يعرضهم للمساءلة القانونية بموجب قرار حظر الجماعة الذي يحظر الانتساب إليها أو الترويج لأفكارها، مما قد يؤدي إلى تجريدهم من مقاعدهم النيابية.
-
فكُّ الارتباطِ بالحزبِ والجماعة ما يعني إعادة تموضع سياسي قد يفقدهم جزءاً من قاعدتهم الشعبية التي انتخبتهم على أساس انتمائهم الحزبي والفكري.
تأثيرُ القرارِ على التوازناتِ البرلمانيةِ
سيؤدي قرار الحظر إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية داخل البرلمان، حيث:
-
احتماليةُ إضعافِ الكتلة الإسلامية التي كانت تمثلُ كتلةً معارضةً منظمةً وقادرة على التأثير في القرارات البرلمانية.
موقفُ حزب جبهة العمل الإسلامي من القرار
على الرغم من تجنّبِ قيادة الحزب الإفصاح عن التصور المستقبلي لعمل الحزب في ظل هذا القرار إلا أنه يمكن استقراء بعض المواقف المحتملة:
-
الاستمرارُ في العملِ السياسيِ مع الالتزام بالقانون بالتالي فصل الحزب بين هويته السياسية وارتباطه التنظيمي بجماعة الإخوان المسلمين، مع التأكيد على التزامه بالعمل ضمن الأطر القانونية المتاحة.
-
المقاطعةُ والتصعيدُ فقد يلجأ الحزب إلى خيار مقاطعة العملية السياسية، واعتبار القرار تضييقاً على الحريات السياسية وتقييداً للعمل الحزبي، مما قد يدفعه إلى التصعيد السياسي.
-
اللجوءُ للقضاء قد يلجأُ الحزبُ إلى المسار القضائي للطعن في القرار، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على الحزب كشخصية اعتبارية مستقلة عن الجماعة.
وبشكلٍ عامٍ تشيرُ التطوراتُ الحاليةُ إلى أن الأردن يمر بمرحلةِ إعادةِ تشكيل للمشهد السياسي، في ظل تأكيد رئيس مجلس النواب “أحمد الصفدي” أن “الأردن دولةُ مؤسساتٍ راسخةٍ يسود فيها القانون على الجميع ولا توجدُ جهةٌ خارجة عن سلطة وقوة الدولة وأن مجلس النواب يقف مع كل الخطوات التي أعلنها وزير الداخلية من أجل الحفاظ على أمن واستقرار المملكة” ، هذا الدعم البرلماني للقرار يشير إلى وجودِ توافقٍ مؤسسيٍ على مواجهة ما تعتبره الدولة تهديداً للأمن الوطني مما قد يعززُ من صلابة الموقف الرسمي في تنفيذ القرار رغم التداعيات المحتملة على الحياة النيابية والسياسية في الأردن([6]) .
في ظلِ هذه المعطياتِ من المرجّحِ أن تشهدَ المرحلةُ القادمةُ مزيداً من التطورات على صعيد إعادة هيكلة المشهد السياسي والحزبي الداخلي في الأردن، بما يتناسب مع التوجهات الرسمية لتحقيق “سيادة القانون” ومنع أي محاولات لتقويض أمن واستقرار المملكة ذلك على المستوى المتوسط والطويل المدى إلا أنه على المستوى القريب وفي حال صدور قرار بحلِّ الحزبِ فإن القانونَ الأردنيَ لا يُلزم حل البرلمان بل ينص على توزيع مقاعد هذا الحزب على الأحزاب الأخرى بناء على نسبة كل حزب.
التداعياتُ الإقليميةُ المحتملةُ
يحملُ القرارُ أبعاداً إقليميةً يتوقف مدي تأثيرها من جهة على درجة مرونة الأطراف المتحالفة وذات المصالح المتقاطعة مع الجماعة وعلى رأسها حركة “حماس”، ومن جهة أخرى على درجة تصاعد الاحداث في المنطقة وغزة والضفة الغربية على وجه التحديد:
-
العلاقةُ مع حركة حماس فيرتبطُ توقيتُ القرار بمطالبة حركة حماس بالإفراج عن متهمين في قضية “خلية الفوضى”، مما قد يشير إلى توترات محتملة في العلاقة بين الأردن وحماس، خاصة مع الإشارة إلى وجود تدريبات لعناصر أردنية في الخارج.
-
تماشي القرار مع سياسات دول إقليمية يأتي القرارُ الأردنيُ في سياقٍ مشابهٍ لإجراءاتٍ اتخذتها دولٌ عربيةٌ أخرى تجاه جماعة الإخوان المسلمين، مما قد يعزز التنسيق بين الأردن وهذه الدول في مجال مكافحة ما تعتبره تهديدات أمنية مشتركة.
-
التأثير على الحركات الإسلامية في المنطقة فقد يمثّلُ القرارُ رسالةً للحركاتِ الإسلاميةِ في المنطقةِ بشأن حدود العمل السياسي المسموح به، خاصة في ظل ما وصفته السلطات بمحاولات “إثارة الفوضى والتخريب”.
-
يقفُ هذا القرارُ كحجرِ عثرةٍ أمام مخطط التهجير الذي تتبناه اسرائيل في المنطقة، فإن استمرار عمل جماعة الإخوان في الأردن بمخططاتها التي كانت تسعى لتنفيذها داخل المملكة يعدُ فرصةً وذريعةً لمزيدٍ من الفوضى التي توفرُ لليمين الإسرائيلي المتطرف مزيداً من الفرص لتنفيذ مخططات التوسع في المنطقة.
التداعياتُ على المستوى الدولي
برغم من التداعياتِ المحدودة للقرار على المستوى الدولي إلا أنه قد يكونُ له انعكاساتٌ على صورة الأردن الدولية فقد يُنظرُ إلى الأردن على أنه جزءٌ من سياسةٍ أمنيةٍ متشددةٍ تجاه المعارضة السياسية، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كانت تعتبر من أكثر الحركات الإسلامية اندماجاً في العملية السياسية، أو قد يعتبرهُ البعضُ الآخرُ خطوةً جريئةً من الأردن لحظرِ واحدةٍ من أخطر الجماعات التي تحملُ الفكرَ الإسلاميَ المتشدد بل قد ينظر له البعض أنه قد جاءَ متأخرًا لا سيَّما في ظل تصنيف الجماعة في العديد من دول الجوار الأردني بتصنيف إرهابي، ومن المتوقع أن تراقبَ المنظماتُ الحقوقيةُ الدوليةُ تطبيقَ القرار وتأثيرَه على الحريات السياسية في الأردن، خاصة مع تأكيد وزير الداخلية على حظر الانتساب إلى الجماعة وترويج أفكارها بشكل إعلامي أو على وسائل التواصل الاجتماعي الشخصية.
الخاتمة
إن تاريخَ علاقةِ الإخوان المسلمين في الأردن مرتبط بشكل لا يمكنُ فصلهُ بالتركيبة المجتمعية للمملكة فهو متعمقٌ ومتجذرٌ لأبعد الحدود، إلا أنه على مدار هذه العلاقة لم يتسمْ بوتيرةٍ متسقةٍ بل مرَّ بمراحلَ مختلفةٍ من الشدِّ والجذبِ أخطرها ما يحدث الآن، إلا أن ما يمكن ملاحظته بوضوح هو أن العلاقةَ بين الفرع الأردني للجماعة والسلطات الرسمية الأردنية مميزة بشكل كبير عن سلوك الأفرع الأخرى للجماعة في علاقاتهم مع محيطهم المحلي الشعبي والرسمي على حد السواء وهو الأمر الذي جعل السلطات الأردنية تؤخرُ تنفيذَ قرار الحل إلى الآن بالرغم من عديد محطات التقاطع بين الطرفين، إلا أن عدمَ استجابةِ الجماعةِ لتحذيرات المملكة ومرونتها دفع إلى هذا القرار في شكله النهائي الذي يمثلُ انتهاءَ مرحلةِ المرونةِ من قِبلِ المملكة تجاه الفواعل المهددة لأمنها والبدء في مرحلة أكثر حزمًا في التعامل مع هؤلاء الفواعل ولعل البيئةَ الإقليميةَ والدوليةَ توفر للمملكة كافة المبررات لمثل هذا الإجراء بل وقد يمهد لتصنيف الأردن للإخوان كجماعة إرهابية، وعلي صعيدٍ آخر يقفُ هذا القرارُ عائقًا أمام تحويل الأردن لساحةٍ من الفوضى كما هو الأمر في سوريا ولبنان واليمن لذلك كان هذا القرار حاسمًا لمنْعِ انزلاق الأردن في وضعٍ أمنيٍ خطيرٍ لا سيَّما في ظل وقوعها على تماس مع إسرائيل التي تطمحُ لأي فرصة من فُرصِ الفوضى للتوسّعِ في المنطقة.
المصادر:
[1] ) سعود الشرفات، التجربة الهجينة للإخوان المسلكين في الأردن بين الأبعاد الدينة والاعتبارات السياسية، STRATEGIECS، 20 نوفمبر 2021، متوفر على: https://strategiecs.com
[2] ) تاريخ “إخوان الأردن” من العمل الخيري إلى التسليح السري، إندبيندنت عربية، 24 أبريل 2025، متزفر على: https://www.independentarabia.com
[3] ) الإخوان المسلمون في الأردن تاريخ من التحالف والتوتر والانقسام،نبض، 23 أبريل 2025، متوفر على: https://nabd.com
[4] ) هل تجاوزت جماعة الإخوان المسلمين الخطوط الحمراء في الأردن، مهد واشطن للسياسات، 22 أبريل 2025، متوفر على: https://www.washingtoninstitute.org
[5] ) ما تداعيات حظر جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، France 24، 24 أبريل 2025، متوفر على: https://www.france24.com
[6] ) رئيس مجلس النواب الأردني يعلق على قرار “حظر الإخوان”، سكاي نيوز عربية، 23 أبريل 2025، متوفر على: https://www.skynewsarabia.com