المقالات
بقلم السفير محمد سالم الصوفي
المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
يأتي الحديث عن تحديات الافرانكوفونية أي الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية عبر العالم في سياق انعقاد القمة الثامنة عشرة لرؤساء الدول والحكومات التي انعقدت أخيرا في جزيرة جربه في تونس بعد تأجيل انعقاد هذه القمة مرتين على التوالي كانت الأولى سنة 2020 والثانية سنة 2021 وتنعقد القمة لأول مرة منذ 2018 أي بعد القمة التي انعقدت في أرمينيا.
وإذا كان القادة والمسؤولون عن المنظمة الدولية للافرانكفونية قد اعتبروا ،في ما صدر عنهم من أحاديث ، أن االأول المكاسب هو أنهم تمكنوا أخيرا من عقد هذه القمة، فإنهم يعترفون بأن أجندتها تطغى عليها معالجة مسائل الساعة وأكثرها هو من النزاعات والخلافات وفي الظرفية لا يمكن إلا أن يعترفوا فيها بأن الافرانكوفونية تشهد انحسارا.
و تدور الأجندة التي عكف عليها قادة الدول والحكومات حول الأزمات والنزاعات في الفضاء الافرانكوفوني، وكان من بين الموضوعات التي شكلت إحراجا للدول الأعضاء هناك الحرب في أوكرانيا وعدم الانسجام الصريح للعديد من الدول الإفريقية مع موقف فرنسا من هذه الحرب وكذلك الوضعية الأمنية في منطقة الساحل وجاءت أخيرا أزمة أخرى هي الأزمة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
فمنذ انطلاق اجتماعات مؤتمر الوزراء المحضر للقمة طغت الأزمة الدائرة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لأن جمهورية الكونغو الديمقراطية تسعى صراحة إلى أن تقوم المنظمة الدولية للافرانكفونية بإدانة رواندا باعتبارها معتدية على أراضي الكونغو الديمقراطية وهو قرار لا يمكن اتخاذه لأنه سيقوض دور المنظمة في تسوية هذا الملف الشائك.
ونظرا لعدم وضوح الموقف تخلف عن القمة رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوفد نيابة عنه وزيره الأول ولم تحسم الدول موقفا صريحا من هذه المسألة.
وعن مظاهر انحسار الافرانكوفونية تقول التقارير والبحوث الميدانية التي جرت تحضيرا لهذه القمة عن وضعية الافرانكوفونية إن عدد الناطقين بالفرنسية يتناقص في بعض الدول ويضربون مثالا على ذلك بكندا حيث يقولون إن عدد الناطقين بالفرنسية في كندا يشهد تناقصا مستمرا مع أن اللغتين الرسميتين في كندا هذا البلد الواسع هما الانجليزية والفرنسية ،إلا أن الإحصائيات الأخيرة أظهرت أن عدد الناطقين بالفرنسية في كبك وهي الإقليم الناطق بالفرنسية يشهد تناقصا.
فقد بين تحليل الإحصاء أن عدد الكنديين الذين يتحدثون الصينية ولغات أخرى مثل اللغتين الأخريين المحليتين أصبح ضعف الناطقين بالفرنسية ويتوقع الخبراء الذين عكفوا على تحليل الإحصاء أنه في القريب العاجل ستعم لغات شبه القارة الهندية في هذا الإقليم ويزيد عدد الناطقين بها على الناطقين بالفرنسية بعدد كثير. فالقادمون إلى كندا ويبلغ عددهم 500 000 شخص في السنة يختارون دائما الإنجليزية في حين أن الناطقين بالفرنسية الذين يعيشون خارج إقليم كبك الناطق بالفرنسية لم يعودوا يمثلون سوى 1.8% من السكان أي النصف بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال قبل خمسين عاما مضت.
ويبقى أن نذكر أن أكثر من 60% من الذين يستخدمون اللغة الفرنسية في حياتهم اليومية يوجدون في القارة الإفريقية التي تواجه فيها الافرانكفونية تحديات كبيرة منها أولا توجه بعض الدول الافرانكفونية إلى الالتحاق بمنظمة الكومونولث ومن أمثلة ذلك الغابون والتوكو منذ أشهر وقبل ذلك سنة 2009 رواندا فقد انضمت هذه الدول الثلاث إلى مجموعة الكومونولث التي تضم 54 دولة أغلبها من المستعمرات السابقة لإبريطانيا .
وفضلا عن ذلك تواجه فرنسا موجة نفور إن لم نقل عداء في بلدان الساحل فنعرف الوضعية في مالي والمظاهرات اليومية المطالبة بمغادرة الفرنسيين في النيجر والتشاد وبوركينافاسو وقبل ذلك انحسر النفوذ الفرنسي في جمهورية وسط إفريقيا وحل محله النفوذ الروسي عبر مجموعة فاغنر التي توصف بأنها مرتزقة وقد بدأت تدخل على فرنسا في عقر دارها في دول مثل وسط إفريقيا المستعمرة الفرنسية السابقة ومالي والحديث سار عن هذه المجموعة في دول أخرى من أمثلتها الأخيرة بوركينافاسو.
ومع ذلك لا مناص من طرح السؤال عن مستقبل الافرانكفونية وهو نفس السؤال الذي يشكل خلفية أعمال القمة الـ 18 للدول الافرانكفونية المنعقدة في جربه ومع أن الأرقام تقول إن المنظمة الدولية للافرانكفونية تضم اليوم 88 دولة موزعة على خمس قارات وبمستويات متعددة ويسجلون في الجانب الإيجابي أن اللغة الفرنسية وقيمها ما زالت تحتل مكانة لا بأس بها في الثقافة ويعتبرون أن ذلك يُعتبر مؤشرا إيجابيا لأن المنظمة الدولية للافرانكفونية تقول إن عدد الناطقين بالفرنسية عبر العالم كان 300 مليون 2018 وأصبح في السنة الحالية 321 مليون أي بزيادة نسبتها 7% بالاعتماد على أرقام القارة الإفريقية ولكن استخدام اللغة الفرنسية في الهيئات الدولية يشهد تراجعا حادا ويشكل ذلك مصدر انزعاج للقائمين على المنظمة في الظرف الراهن.
على كل حال لا يمكن لنتائج القمة وحدها أن تقدم حلولا شاملة للتحديات التي تواجهها الافرانكفونية لا شك أن فرنسا تفكر في سياسة شاملة تتطلب نفسا أطول سيكون ميدانها العالم والصراع فيها بين اللغة والثقافة الفرنسية والثقافات الأخرى خاصة الانجليزية والروافد الاقتصادية والاجتماعية، إلخ المتصارعة عبر العالم الذي يشهد عملية إعادة تشكل في ظل الحرب الحالية بين الروس وأوكرانيا ومخلفات أزمة جائحة كورونا وما خلفته من تحولات عبر العالم بالإضافة إلى انعكاسات الثورة التكنولوجية خاصة في مجال الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي كل ذلك يشكل مجموعة من العوامل مازالت تتفاعل ولم تتضح الصورة بعد عن ما ستكون عليه الوضعية تماما خاصة بالنسبة للافرانكفونية في هذا المعمعان.