المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > الأمنُ السيبراني التركي: سعيٌ جاد للاستقلالية
الأمنُ السيبراني التركي: سعيٌ جاد للاستقلالية
- أكتوبر 5, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
يشهدُ المجتمعُ الدولي تطوراتٍ وأحداثاً غير مسبوقة، وبالأخص تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط حيث تزداد سوءًا يومًا بعد يوم خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، وتصاعد المناوشات بين إيران وإسرائيل، واستمرار تدهور الأوضاع في قطاع غزة جرّاء استمرار الانتهاكات ال+إسرائيلية، وفي السياق استمرار أردوغان في رفع حدة الخطاب السياسي تجاه إسرائيل ونتنياهو.
وعلى صعيد تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، تضمنت الهجمات الإسرائيلية التي طالت قياداتٍ وأعضاءً في تنظيم حزب الله اللبناني، هجمات إلكترونية من خلال أجهزة النداء (البيجر) وأجهزة لاسلكية أخرى وهو ما يوضح وجودَ اختراقاتٍ أمنيةٍ كبيرة، مما جعل الحكومة التركية تعلن اتخاذها خطوات تجاه التدابير الأمنية المتشددة لتأمين أجهزة الاتصالات التي تستخدمها القوات التركية، وعلى الرغم من أن تركيا تفوقت بشكل كبير في صناعة الأسلحة الدفاعية إلا أنها مازالت تسعى لمزيدٍ من الاستقلالية وتحاول أن تخلقَ حالةً متأهبة لقواتها، وفي هذ الإطار أوضح المسؤلون الأتراك عن عزم الحكومة الحقيقي لإنشاءِ جهازٍ مستقلٍ للأمن السيبراني، فما هو وضع الأمن السيبراني في تركيا؟ وماذا يعني إنشاءُ جهاز مستقل للأمن السيبراني؟
وضْعُ تركيا في مجال الأمن السيبراني
لم تعدْ التهديدات السيبرانية مجرد تهديدات تقنية ولكنها أصبحت تهديداتٍ مرتبطةً بالأمن القومي، فالهجمات السيبرانية قادرة على اختراق الاتصالات وسرقة البيانات الحساسة وتعطيل الخدمات الحكومية، وبعد حادث انفجار أجهزة “البيجر” التي يستخدمُها أعضاءُ حزب الله اللبناني، أشارت التحليلات إلى قد تمَّ اختراقُ الجهاز والتلاعب بموجاته حتى تنفجرَ البطارية، أو أنه تم زَرْعُ الأجهزة المتفجرة من قِبَلِ الدولة المنتجة بالأخص أن هذه الأجهزة تم توريدها مؤخرًا[1].
في السياق، أكدت الحكومة التركية أن أجهزة الاتصالات التي تستخدمها القوات المسلحة التركية أثناء تنفيذ عملياتها هي محليةُ الصنع تمامًا، وأكد أردوغان على ضرورة إنشاء جهازٍ مستقلٍ للأمن السيبراني في تركيا باعتبارها متفوقةً في هذا المجال من الأساس.
وفقًا لمؤشر الأمن السيبراني العالمي (GCI) الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2019 احتلت تركيا المرتبة 11 في أوروبا وجاءت من ضمن العشرين دولة الأكثر أمانًا، وفي عام 2021 أعلنت الوزارة التركية المعنية بالأمن السيبراني “وزارة النقل والبنية التحتية” أن عددَ الهجمات السيبرانية على تركيا انخفض من 118,470 في 2020 إلى 84,113 في 2021 وهذا جاء نتيجة جهود الحكومة التركية في السنوات الأخيرة لسدِّ الثغرات الموجودة في نظام الدفاع الإلكتروني، وعلى الرغم من ذللك مازالت تركيا تواجهُ عدداً كبيراً من الهجمات السيبرانية[2].
في أغسطس 2023، احتلت تركيا المرتبة 55 في مؤشر الأمن السيبراني الوطني وحققت 61.04 نقطة، ويهتم هذا المؤشر بالدول التي لديها أفضلُ الحلول التي تضمن أمنَ أنظمة تكنولوجيا المعلومات، وتظل القضايا التي تمثل أكبر تحد لتركيا هي تحليل المعلومات المتعلقة بالتهديدات السيبرانية.
وفي 2024 أظهرت تركيا زيادةً مطّردةً في مؤشر الأداء العالمي للأمن السيبراني (GCI) ، حيث جاءت تركيا في فئة الدول الأعلى والذي أطلق عليها الاتحاد الدولي للاتصالات “Role-modelling” باعتباها نموذجاً يُحتذىَ به من بين الدول الأوروبية حيث حققت 95/100 في الأداء العالمي للأمن السيبراني مقارنة ب 75/100 في عام 2020 [3]، بل وحققت هدف 20/20 في الجوانب الخمس المتعلقة بالأمن السيبراني من حيث الإجراءات القانونية والتقنية والتنظيمية وإجراءات تنمية القدرات والتعاون بين الجهات المختلفة مما يوضّحُ المستوى المتميز الذي حققته تركيا في النزمات الأمن السيبراني من بين دول العالم[4].
السياساتُ الحكوميةُ التركية في مجال الأمن السيبراني
منذ بداية حكم حزب العدالة والتنمية كان هناك اهتمامٌ كبيرٌ بمواجهة التحديات الموجهة للأمن الوطني التركي مثل الاختراقات الاستخبارتية والشبكات الإجرامية المنظمة وغيرها من التهديدات، ومن أجل ذلك قام الحزب الحاكم بإجراء ترتيبات قانونية وأمنية في مختلف المجالات مثل: تحسين الخدمات الاستخبارتية ومكافحة الإرهاب وعمليات التهريب، فأصدرت الحكومة للمرة الأولى في عام 2005 قانونَ الاتصالات الإلكترونية في إطار أمن الاتصالات واستمرت تركيا تأخذ خطواتٍ هامةً في هذا المجال وفي عام 2010 أدرجت تهديدات الأمن السيبراني باعتبارها تهديداتٍ للأمن الوطني التركي.
وأجبرت التهديدات المختلفة للأمن السيبراني التركي، الى تطوير الحزب لسياسات الأمن الوطني، بالأخص تهديدات تنظيم “فتح الله جولن” الذي تمكّن في عام 2011 من الحصول على برامج تجسس قوية وقيامه بمحاولة انقلابية في فبراير 2012 ومن ثمَّ بدأت التوجبهات المتشددة من الحكومة التركية لإجراء اصلاحات في سياسات الاستخبارات الوطنية والأمن السيبراني، فانشأت في يونيو 2012 هيئة الأمن السيبراني بهدف تطوير البنية التحتية السيبرانية، وفي 2013 تم تأسيس قيادة للدفاع السيبراني ضمن بنية القوات المسلحة التركية باعتبارها آليةً دفاعيةً إضافيةً مخصصة للحماية من الهجمات السيبرانية، وفي العام ذاته كُلفت وزارة النقل والملاحة والاتصالات بإعداد خطة عمل لتعزيز الأمن السيبراني الوطني. والتي تمَّ تحديثها فيما بعد لتُعرفَ باسم خطة عمل واستراتيجية الأمن السيببراني2016-2019، وخلال هذه الخطة تم إنشاء المركز الوطني للتدخل في حوادث الأمن السيبراني وبعد دخول هذا المركز حيّز التنفيذ بدأ بتحقيق نجاح حقيقي في ردْعِ العديد من الهجمات السيبرانية، وفي عام 2015 حصلت تركيا على عضوية مركز التكامل في الدفاع السيبراني في إستونيا[5].
واستمراراً للجهود السابقة وبعد دراسة آثار التطور التكنولوجي والاتجاهات في التهديدات السيبرانية والممارسات الدولية، تم نشر استراتيجية وخطة عمل وطنية أخرى في مجال الأمن السيبراني للفترة من2020 إلى 2023، وضعتها وزارة النقل والبنية التحتية التركية في عام 2020، التي حددتْ ثمانيةَ أهداف استراتيجية رئيسية، بما في ذلك حمايةُ البنيةِ التحتية الحيوية وتعزيزُ قدرتها على الصمود، وتطويرُ القدرات الوطنية، ومكافحةُ الجرائمِ الإلكترونية، والاندماجُ مع الأمن الوطني.
تحدياتٌ تواجهُ تركيا في مجال الأمن السيبراني
على الرغم من التطور الذي حققته تركيا في مجال الأمن السيبراني إلا أنه مازالت تواجه بعض التحديات في هذا المجال أبرزُها تحليل المعلومات المتعلقة بالتهديدات السيبرانية وافتقادُ نظام حماية كافٍ للخدمات الرقمية والأساسي، كما تعاني تركيا من نقْصٍ في نظام حماية الخدمات الرقمية لإنها لم تنشئْ بعد هيئات مختصة بالاشراف على تطبيق متطلبات الأمن السيبراني وقياس الأثر.
كذلك القوات المسلحة التركية مازالت في حاجةٍ لاكتساب القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية سيبرانية ولا تمتلك وحدةً متخصصة في التخطيط العملياتي السيبراني، ولم تُعلنْ الحكومة التركية عن اية تدريبات في هذا المجال في الفترات الأخيرة، وحتى الأن مازالت تتعرض لعدد غير قليل من الهجمات السيبرانية.
ماذا يعني إنشاءُ جهاز مستقل للأمن السيبراني؟
نتيجةً للأحداث الأخيرة على الساحة الدولية بدأت توجيهات الحكومة التركية من أجل إنشاء جهاز مستقل للأمن السيبراني على الرغم من أنه لم يصدرْ قرارٌ حكوميٌ حتى الأن بإنشاء هذا الجهاز ولكن هذه التوجهات تُوحي بأن هذه خطوة قادمة في المستقبل القريب.
إنشاء مثل هذا الجهاز سيمثّل هيئةً متخصصة بشكل كامل ماية البنية التحتية الرقمية للدولة من الهجمات الإلكترونية والاختراقات، هذا الجهاز سيكون بمثابة الدرع الواقي للفضاء الإلكتروني للدولة، حيث سيتولى العديدَ من المهام الحيوية أهمها في اعتقادي متابعة تنفيذ أهداف الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني وتطوير خطط واستراتيجيات أخرى.
كذلك من شأنه أن يعملَ على التنسيق والتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة المحلية لتبادل المعلومات والخبرات، وربما يعمل على التعاون مع الدول الأخرى بالأخص مجموعة الدول التركية من أجل توحيد الجهود، و بالطبع سيقدمُ دراساتٍ وبحوثاً دوريةً حول مستوى التقدم التركي في مجال الأمن السيبراني، وربما سيعمل على تحديد الهجمات السيبرانية مسبقًا والتصدي لها وبالتالي سيسهم في نقص عدد الهجمات السيبرانية.
الخاتمة
يشهدُ العالم تزايداً في التهديدات السيبرانية، وقد دفعت الأحداث الأخيرة في المنطقة، مثل الهجمات على حزب الله اللبناني، تركيا إلى تسريع جهودها في مجال الأمن السيبراني، ورغم التقدم الذي أحرزته تركيا في هذا المجال، إلا أنها تواجه تحدياتٍ كبيرةً، خاصةً في ظل المنافسة الإقليمية والدولية المتزايدة.
إنشاء جهاز مستقل للأمن السيبراني في تركيا هو خطوةٌ استراتيجية مهمةٌ لتعزيز الأمن القومي وحماية البنية التحتية الرقمية للبلاد وسيمثل خطوة هامة نحو الاستقلالية التركية بالتكامل مع التفوق الهائل في مجال الصناعات الدفاعية، هذا الجهاز سيكون بمثابة درعٍ واقٍ يحمي تركيا من الهجمات السيبرانية المتزايدة، ويساهم في تعزيز مكانتها كقوةٍ إقليمية رائدة في مجال التكنولوجيا،ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذا الهدف جهودًا متكاملةً تشمل تطويرَ الكوادر البشرية، والاستثمارَ في البحث والتطوير، وتعزيز التعاون الدولي، وتحديث التشريعات والقوانين المتعلقة بالأمن السيبراني.
المصادر
- أرسين جاهموت أوغلو، سياسات الاستخبارات والأمن السيبراني في تركيا، رؤية تركيا، 2019، 701 (rouyaturkiyyah.com)
- أميمة الشاذلي، ما هو جهاز “بيجر”، وكيف حدثت الانفجارات؟، BBC News،17/9/2024، ما هو جهاز “بيجر“، وكيف حدثت الانفجارات؟ – BBC News عربي
- نذير آق يشيلمن، إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالمي: النظرية والتطبيق، رؤية تركية، 2022، إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالميّ: النظرية والتطبيق, المقالات والدراسات نذير آق يشيلمَن | رؤية تركية (rouyaturkiyyah.com)
- “Global Cybersecurity Index 2024 5th Edition”, ITU, 2401416_1b_Global-Cybersecurity-Index-E.pdf (itu.int).
- Dominika Liszkowska, Cybersecurity and Law, 2024;11(1):79-91, Türkey’s Cybersecurity Policy Framework (cybersecurityandlaw.com).
[1] أميمة الشاذلي، ما هو جهاز “بيجر”، وكيف حدثت الانفجارات؟، BBC News،17/9/2024، ما هو جهاز “بيجر“، وكيف حدثت الانفجارات؟ – BBC News عربي،
[2] Dominika Liszkowska, Cybersecurity and Law, 2024;11(1):79-91, Türkey’s Cybersecurity Policy Framework (cybersecurityandlaw.com).
[3] نذير آق يشيلمن، إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالمي: النظرية والتطبيق، رؤية تركية، 2022، إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالميّ: النظرية والتطبيق, المقالات والدراسات نذير آق يشيلمَن | رؤية تركية (rouyaturkiyyah.com)
[4] “Global Cybersecurity Index 2024 5th Edition”, ITU, 2401416_1b_Global-Cybersecurity-Index-E.pdf (itu.int).
[5] أرسين جاهموت أوغلو، سياسات الاستخبارات والأمن السيبراني في تركيا، رؤية تركيا، 2019، 701 (rouyaturkiyyah.com)