وصل رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، حسن شيخ محمود، في الثاني عشر من فبراير، إلى باكو عاصمة أذربيجان، في زيارةٍ رسميةٍ، استمرت لمدة يومين، وتُعدُّ هذه الزيارة الأولى من نوعها من قِبَلِ رئيس صومالي إلى أذربيجان، وهي جزءٌ من الجهود المستمرة لتعزيز العلاقات الدولية والمساهمة في دفْع التوجُّه الاقتصادي المشترك، وخلال الزيارة، تمَّ توقيع مذكرات تفاهم في مجالات الدفاع والتعليم والخدمة العامة والطاقة؛ ما يساهم في تعزيز التعاون الثنائي، وتعكس هذه الزيارة التزام الحكومة الصومالية بتوسيع علاقاتها الدولية وتعزيز التنمية الاقتصادية والأمنية، بما يعود بالفائدة على الشعبيْن الصومالي والأذربيجاني.
نبذة عن تاريخ العلاقات “الصومالية – الأذربيجانية”:
يقع الصومال في الجزء الشرقي من القارة الأفريقية، وهو عضوٌ في كُلٍّ من منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وباعتباره دولةً ذات أغلبية مسلمة، حافظ على علاقةٍ مع أذربيجان، تقوم على الاحترام المتبادل والدعم والتضامن داخل هذه المنظمات، وعلى مرِّ السنين طوَّر البلدان علاقات دبلوماسية، وهناك إمكانات متزايدة للتعاون في العديد من القطاعات، وقد تأسَّست العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن رسميًّا، في 22 مارس 2004، ومنذ ذلك الحين، وخاصَّة في السنوات الأخيرة، زادت التفاعُلات فيما بينهما؛ ما عزَّز المناقشات حول تعزيز التعاون الثنائي.
ويوفر الاتفاقُ بين البلديْن بشأن المشاورات السياسية آليةً سياسيةً لتعزيز العلاقات، ويساهم في فتْح مجالات التعاون في الزراعة ومصائد الأسماك والنفط والغاز والطاقة الخضراء والتعليم والمبادرات الإنسانية، ويمكن أن يكون تبادُل الخبرات في هذه المجالات مفيدًا للطرفيْن، ويخلق فرصًا اقتصادية جديدة، كما كان الصومال من أشدِّ المؤيدين لوحدة أراضي أذربيجان، وبصفته عضوًا في مجموعة الاتصال التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن الأراضي الأذربيجانية التي احتلتها أرمينيا سابقًا، دعم الصومال أذربيجان باستمرار على الساحة الدولية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتماشى العلاقة الوثيقة بين الصومال وتركيا -أحد حلفاء أذربيجان الإستراتيجيِّين- مع مصالح أذربيجان في أفريقيا، كما أن الاقتصاد الصومالي المتنامي وإمكاناته في مجالات الطاقة والخدمات اللوجستية والزراعة والتعاون الإنساني تفتح آفاقًا جديدةً للتعاون الثنائي بين البلدين، ويُمثِّلُ الصومال فرصةً اقتصاديةً واعدةً لأذربيجان، فمن الناحية التجارية، يُعدُّ الصومال سوقًا غير مكتشفة تقريبًا، وحتى وقت قريب، لم يكن الصومال من بين شركاء أذربيجان في التجارة الخارجية، ففي عام 2021، بلغت واردت أذربيجان من الصومال 17,500 دولار فقط، ولكن بحلول عام 2023، قفز هذا الرقم ليصل إلى 960,000 دولار[1].
السياق الراهن للزيارة:
تأتي هذه الزيارة في إطار سعْي الصومال لتعزيز علاقاته الدولية؛ إذ يعمل على حشْد الدعم الدولي، من خلال تبادل الزيارات لتعزيز العلاقات في مختلف القطاعات، وفيما يخُصُّ الأمن والدفاع تحاول مقديشو تعزيز علاقاتها بالدول المختلفة في مجالات التدريب العسكري وتطوير المؤسسات الأمنية لمكافحة الإرهاب والقرصنة، كما عملت على توقيع اتفاقيات دفاعية مثل الاتفاقية الدفاعية مع مصر، وتزامنًا مع هذه الزيارة، أبرمت الحكومتان الصومالية والأوغندية اتفاقيةً مشتركةً لتعزيز التعاون الدفاعي بين البلديْن، ومع استمرار الجهود الدبلوماسية والاقتصادية، يواصل الصومال السيْر نحو مستقبل أكثر إشراقًا مبنيًّا على الاستقرار والتنمية والازدهار.
دلالات الزيارة:
لا تُعدُّ الزيارة مجرد خطوة دبلوماسية رسمية، بل تعكس إستراتيجية صومالية لتوسيع علاقاتها الدولية، فقد كانت إدارة الرئيس محمود تسعى بشكل فعَّالٍ إلى بناء شراكات دولية لدعم جهود إعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار، ومن خلال تعزيز الروابط مع أذربيجان، يأمل الصومال في الاستفادة من خبرات أذربيجان في مجالات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية بعد النزاع، وخاصَّةً في قطاع الطاقة الذي تتمتع فيه أذربيجان بكفاءةٍ كبيرةٍ.
وتبعث هذه الزيارة برسالةٍ واضحةٍ حول رغبة الصومال في لعب دورٍ أكثر تأثيرًا على السَّاحة الدولية، مع التركيز على إقامة شراكة إستراتيجية تساهم في تحقيق مزايا اقتصادية عبر التجارة والاستثمار والتبادل الثقافي، وبالنسبة لأذربيجان، فإن التعاون مع الصومال يفتح أمامها فرصًا جديدةً في أفريقيا، القارة التي تشهد نموًّا اقتصاديًّا متسارعًا، وبشكلٍ عامٍ، تعتبر زيارة الرئيس محمود إلى أذربيجان؛ تأكيدًا على استعداد البلديْن لاستكشاف آفاقٍ جديدةٍ في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية؛ بهدف تعزيز النمو والاستقرار المشترك، هذا فضلًا عما تطمح إليه مقديشو من تشكيل تعاونٍ أمنيٍّ مع أذربيجان لمكافحة الإرهاب والقرصنة، وهو ما يدعم جهود الاستقرار الإقليمي[2].
نتائج الزيارة:
أسفرت المحادثات بين رئيسيٍّ الصومال وأذربيجان عن توقيع اتفاقيات إستراتيجية تُغطِّي مجالات حيوية، من شأنها دعم نهضة الصومال، ومن أبرز هذه المجالات:
1- تعزيز التعاون الدفاعي:نظرًا للتحديات الأمنية التي يواجهها الصومال، تمَّ التوصُّل إلى اتفاق إستراتيجي بين وزارتيْ الدفاع في أذربيجان والصومال كخطوةٍ مهمةٍ لرفع قدرات الجيش الصومالي، ويشمل ذلك تبادُل الخبرات والتدريب العسكري وتوفير الدعم التقني الذي يُعزِّز كفاءة القوات المسلحة الصومالية، ويهدف هذا التعاون إلى تمكين الصومال من التصدِّي للتهديدات الأمنية والإرهابية بفعالية أكبر وتحقيق الاستقرار في البلاد.
2- دعم القطاع التعليمي:تمَّ توقيع اتفاقية بين وزارتي التعليم في كلا البلديْن؛ حيث ستقدم أذربيجان مِنَحًا دراسية للطلاب الصوماليِّين للدراسة في جامعاتها، بالإضافة إلى فرص تدريبٍ وتأهيلٍ مهنيٍّ، كما تمَّ الاتفاق على دعْم البحث العلمي وتبادل الخبرات بين المؤسسات الأكاديمية وتشجيع الابتكار؛ ما يساهم في رفع جودة التعليم في الصومال وتأهيل الشباب لمستقبل أفضل.
3- تطوير قطاع الطاقة:وقَّعت وزارة الطاقة الأذربيجانية ووزارة الطاقة والموارد المائية الصومالية مذكرة تفاهُم؛ لتعزيز التعاون في مجال تطوير الطاقة المتجددة، وستوفر أذربيجان الدَّعْم الفني والاستشارات والاستثمارات اللازمة؛ لمساعدة الصومال في استشكاف موارده الطبيعية وتطوير بنيته التحتية؛ ما يساهم في تعزيز استقلاله الطاقوي وتوفير فرص عملٍ جديدةٍ وتحفيز النمو الاقتصادي.
4- تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري: ناقش الجانبان أيضًا سُبُل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلديْن، بما في ذلك تشجيع الاستثمارات الأذربيجانية في الصومال وتسهيل التبادل التجاري ودعم المشاريع المشتركة في مختلف القطاعات، ويهدف هذا التعاون إلى تنويع الاقتصاد الصومالي وتعزيز الإنتاج المحلي وجذْب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
5- تقديم الخدمة العامة: تمَّ توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة الخدمة العامة الأذربيجانية والابتكارات الاجتماعية ومكتب الرئيس الصومالي؛ بهدف تعزيز التعاون في إصلاح الخدمة العامة وتطوير الحوكمة[3].
ختامًا:
تشكل الزيارةُ الرسمية التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى أذربيجان ولقاؤه مع الرئيس إلهام علييف، خطوةً مهمةً، نحو تعزيز التعاون الثنائي بين البلديْن، وعلى الرغم من أن توسيع العلاقات الاقتصادية مع الصومال سيكون تحدِّيًا يتطلب تخطيطًا دقيقًا واهتمامًا طويل الأمد، إلَّا أنه من خلال تبنِّي الإستراتيجيات المناسبة يمكن لأذربيجان الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الكبيرة للصومال وتنويع شراكاتها وتعزيز مكانتها في السوق الأفريقية، وذلك من خلال تعزيز التجارة والاستثمارات والحوار السياسي؛ لذا يمكن لباكو أن تضع نفسها كشريكٍ أساسيٍّ في التحوُّل الاقتصادي الذي يشهده الصومال، مع الاستفادة أيضًا من الفرص المتاحة في هذه المنطقة المتنامية.
المصادر:
[1] Akbar Novruz, Azerbaijan-Somalia relations: Path to deeper co-op with African states, azernews 12 February 2025.
[3] عمر إبراهيم، الرئيس حسن شيخ محمود يعزز دور الصومال على الساحة الدولية من خلال زيارته التاريخية إلى أذربيجان، وكالة الأنباء الوطنية الصومالية، فبراير 13, 2025.
