في خطواتٍ مُتسارعةٍ وجادةٍ لترسيخِ ريادتها في الذكاء الاصطناعي، تمضي الإمارات في تنفيذ استراتيجية طموحة تستند إلى استثمارات ضخمة وتحالفات دولية، إذ جاءتْ زيارةُ الشيخ “طحنون بن زايد آل نهيان”، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى واشنطن في ٢١ مارس ٢٠٢٥ [1]، برفقة وفد رفيع المستوى، بتوجيهٍ من الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، لتعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، و قد أسفرت عن التزام الإمارات بإطار استثماري بقيمة ١.٤ تريليون دولار في الولايات المتحدة، تُركزُ في المقامِ الأولِ على الذكاء الاصطناعي وأشباهِ الموصلاتِ والطاقةِ والتصنيعِ، وفي خطوةٍ سابقةٍ لذلك، شهد الشيخ “محمد بن زايد” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” توقيع “إطار العمل الإماراتي – الفرنسي للتعاون في الذكاء الاصطناعي” في ٧ فبراير ٢٠٢٥ [2]، والذي يعكسُ سعيَ الإماراتِ لتعزيزِ نفوذِها التكنولوجي عالميًا، حيث لم يكنْ هذا النهجُ وليدَ اللحظةِ، بل امتدادٌ لاستراتيجيةٍ وطنيةٍ أطلقتها عام ٢٠١٧، والتي تستهدف أن تكون رائدة عالميًا في هذا المجال خلال الأعوام المُقبلة، عبر استثمارات ضخمة وشراكات مع كبرى الشركات مثل مايكروسوفت وغيرها، ومع تصاعد المُنافسة الدولية على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسعى الإمارات إلى ما هو أبعد من العائد الاقتصادي، حيث التأثير الجيوسياسي الاستراتيجي في ظل التحولات الرقمية الراهنة.
أولًا: أهدافٌ اقتصاديةٌ طموحةٌ
تُعد استثماراتُ دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي جزءًا من رؤيةٍ استراتيجيةٍ طموحةٍ تهدفِ إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وتنويعه بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط، فقد خصصت الدولة مليارات الدولارات لتمويل الأبحاث وتطوير بنية تحتية متقدمة في هذا القطاع، وذلك من خلال ما يلي:
1- تنويعُ الاقتصادِ وتعزيزُ الاستدامةِ بعيدًا عن النفط: تنطلقُ استراتيجيةُ الإماراتِ للذكاءِ الاصطناعي ٢٠٣١ من رؤيةٍ شاملةٍ تستهدفُ تسخيرَ التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز الإنتاجية والابتكار في القطاعات الحيوية، مثل الطاقة، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والأمن السيبراني، والرعاية الصحية. وتُعد هذه الاستراتيجية جزءًا من توجّهٍ أوسعٍ نحو بناءِ اقتصادٍ رقميٍ معرفيٍ، قادرٍ على التنافس عالميًا، وتحقيقِ الاستدامةِ الاقتصادية عبر الحد من الاعتماد على النفط والغاز. فبدلًا من الاقتصار على الصناعات التقليدية، تسعى الإمارات إلى أن تصبحَ مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي، مستفيدةً من الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة لتحفيز النمو في القطاعات غير النفطية.[3]
2- بناءُ بنيةٍ تحتيةٍ متقدمةٍ للذكاء الاصطناعي: إدراكًا لأهمية البنية التحتية الرقمية في دعمِ التحول التكنولوجي، أنشأتْ الإماراتُ شركةَ G42 عام ٢٠١٨، برئاسة الشيخ طحنون بن زايد، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني، لتكونَ ركيزةً رئيسيةً في تطويرِ حلولٍ متقدمةٍ في مجالات تحليل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية. تلعب G42 دورًا محوريًا في تعزيز قدرات الدولة على تطوير وتبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع امتلاك “مبادلة” للاستثمار السيادي لحصة فيها، وهو ما يعكسُ توجّهَ الإمارات نحو الاستثمارِ الاستراتيجيِ في التقنيات المستقبلية لضمان موقع ريادي في الاقتصاد الرقمي العالمي.[4]
3- تطويرُ الكفاءاتِ المحليةِ وتعزيزُ البحث العلمي: لم يقتصرْ الطموحُ الإماراتيُ على استيرادِ التقنياتِ فحسب، بل ركز أيضًا على تطوير رأس المال البشري عبر الاستثمار في التعليم والبحث العلمي. ففي عام ٢٠١٩، أطلقت الدولة جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأولِ مؤسسةٍ أكاديميةٍ متخصصةٍ في أبحاثِ وتطبيقاتِ الذكاء الاصطناعي[5]، إلى جانب تأسيس معهد الابتكار التكنولوجي عام ٢٠٢٠، ليكون مركزًا للبحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والعلوم المتقدمة. وقد أسهمت هذه المؤسسات في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة، مثل نموذج “نور” لمعالجة اللغة العربية، والنموذج اللغوي الكبير “فالكون”، ما عززَ قدرةَ الإماراتِ على الابتكار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بدلاً من الاكتفاء بدور المستهلك.[6]
4- تعزيزُ الاقتصادِ الرقميِ عبر سياساتٍ وطنيةٍ متقدمةٍ: في إطار جهودها للتحول إلى اقتصادٍ رقميٍ متكاملٍ، أطلقت الإمارات استراتيجيتها الوطنية للاقتصاد الرقمي في عام ٢٠٢٢، بهدف زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي غير النفطي إلى ٢٠% بحلول ٢٠٣١. ويشرف على تنفيذ هذه الاستراتيجية مجلس الذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية، برئاسة وزير الدولة للذكاء الاصطناعي عمر بن سلطان العلماء، مما يعكس التزام الدولة بتوجيه مسارها الرقمي وفق رؤية واضحة يقودها خبراء متخصصون.[7]
ثانيًا: شراكاتٌ دوليةٌ مُتعددةٌ
لم تقتصرْ الإماراتُ على تطويرِ بنيتها التحتية المحلية فحسب، بل اعتمدتْ على استراتيجيةِ تعاونٍ دوليٍ واسعةِ النطاق، تشمل شراكات مع القوى التكنولوجية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا، وذلك على النحو الآتي:
1- الشراكةُ مع الولاياتِ المتحدة: شهدَ التعاونُ بين الإمارات والولايات المتحدة تطورًا ملحوظًا، حيث تمَّ في سبتمبر ٢٠٢٤ الإعلانُ عن “المبادئ المشتركة للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي”، وهي وثيقةِ تمَّ إقرارُها من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان”، والشيخ “طحنون بن زايد آل نهيان”، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني. تهدفُ هذه المبادئ إلى وضْعَِ إطارٍ تنظيميٍ مشتركٍ يضمنُ الاستخدام الآمن والموثوق للتقنيات الحساسة، مع تعزيز البحث المشترك بين القطاعين العام والخاص في كلا البلدين، وتوسيع نطاق التبادل الأكاديمي والتقني[8]، وبالإضافة إلى ذلك، تعاونت شركة “” IBM مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لإنشاء مركز مشترك للتميز في الذكاء الاصطناعي، كما أُطلقت “قوة المهام المعنية بالذكاء الاصطناعي” AI Task Force ضمن مجلس الأعمال الأمريكي الإماراتي لتعزيز الابتكار المشترك[9]، وأخيرًا بعد زيارة الإمارات الأخيرة لواشنطن في ٢١ مارس ٢٠٢٥، أعلنت الإمارات التزامها بإطار استثماري يمتد لعشر سنوات بقيمة ١.٤ تريليون دولار في الولايات المتحدة.[10]
2- الشراكةُ مع الصين: إلى جانبِ شراكتِها مع الولايات المتحدة، عززتْ الإماراتُ تعاونهَا مع الصين، التي تُعدُ من القوى الرائدة عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي. وبرزت شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مثل “هواوي” و”علي بابا” كشركاء أساسيين في تطوير مشروعات الذكاء الاصطناعي داخل الإمارات. وتتمثل هذه الشراكة في مجالات متعددة، بدءًا من تطويرِ البنيةِ التحتيةِ الرقميةِ، مثل شبكات الجيل الخامس وتقنيات الحوسبة السحابية، وصولًا إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التجارة الإلكترونية والخدمات الحكومية. ويسهم هذا التعاون في دمج الخبرات الصينية المتقدمة مع الرؤية الاستراتيجية للإمارات، مما يخلق نموذجًا متطورًا للتحول الرقمي في الدولة.[11]
3- الشراكةُ مع فرنسا:تُعد فرنسا شريكًا استراتيجيًا آخرَ للإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث لعبتْ شركاتٌ فرنسيةٌ مثل “تاليس” دورًا مهمًا في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الدفاع والفضاء. وتعملُ هذه الشراكة على تعزيزِ قدراتِ الإمارات في تكنولوجيا الطائراتِ المسيرةِ، والأنظمةِ الدفاعيةِ الذكية، وتحليلِ البيانات الفضائية، بما يتماشى مع طموحات الدولة في أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في الصناعات التكنولوجية المتقدمة. كما أسهمت فرنسا في دعم جهود الإمارات في تطوير البحوث الأكاديمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، من خلال التعاون بين المؤسسات التعليمية والبحثية في كلا البلدين.[12]
4- إنشاءُ مراكزَ بحثٍ وتطويرٍ لتعزيز الابتكار المحلي:إلى جانب الشراكات مع الدول الكبرى، ركزت الإمارات على بناءِ بيئةٍ بحثيةٍ متكاملةٍ داخل الدولة، عبر إنشاء مراكز متخصصة في الذكاء الاصطناعي. فمنذ تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عام ٢٠١٩ ، أصبحتْ مركزًا عالميًا للتعليم والبحث المتخصص، حيث تجذبُ نخبةَ الباحثين والمبتكرين من مختلفِ أنحاء العالم. كما أُنشئ “معهد الابتكار التكنولوجي” TII في أبوظبي، والذي يُعد الذراع البحثية التطبيقية لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة، ويعملُ على تطويرِ حلولِ ذكاءٍ اصطناعي متقدمة في مختلف المجالات. بالإضافة إلى ذلك، قامت دبي بإطلاق أكاديمية الذكاء الاصطناعي والويب 3، ومركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز بيئة الابتكار الرقمي في الدولة.[13]
5- دعمُ الشركاتِ الناشئةِ وحاضناتِ الأعمال لتعزيز الابتكار التكنولوجي: استكمالًا لاستراتيجيتها في الذكاء الاصطناعي، أنشأتْ الإماراتُ نظامًا بيئيًا يدعم نمو الشركات الناشئة في هذا المجال. ومن خلال برامج مثل “مسرعات دبي المستقبل، ومنصة ” Hub71 ” في أبوظبي، توفرُ الدولةُ بيئةً مواتيةً لرواد الأعمال والمبتكرين لتطوير حلول جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وتتيحُ هذه المبادرات للشركات الناشئة الوصول إلى تمويلات واستثمارات ضخمة، فضلًا عن فرصِ التعاونِ مع كبرى الشركات العالمية، مما يسهمُ في تحويل الإمارات إلى مركز عالمي للابتكار التكنولوجي.[14]
6- الاستثماراتُ في الشركاتِ التكنولوجيةِ الكبرى: لم تقتصرْ استراتيجيةُ الإمارات على استقطاب الشركات الأجنبية، بل امتدت إلى الاستثمار المباشر في كبرى الشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي. وتُعدُ “شركة مبادلة للاستثمار” من أبرز اللاعبين في هذا المجال، حيث خصصتْ مواردَ ماليةً ضخمةً لدعم الشركات الناشئة والتقنيات المبتكرة، لا سيَّما في وادي السيليكون بالولايات المتحدة. كما شكلت الاستثمارات الإماراتية في شركات مثل “مايكروسوفت”، و”أوبن أيه آي”، و”ديل”، و”آي بي إم”، عاملًا رئيسيًا في تعزيز قدرات الدولة في هذا المجال، وضمان مواكبتها لأحدث التطورات التكنولوجية.[15]
لا تقتصرْ طموحاتُ دولةِ الإماراتِ العربية المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي على الأبعاد الاقتصادية، بل تمتدُ إلى تعزيزِ مكانتها كقوةٍ إقليميةٍ ذاتِ نفوذٍ متزايدٍ في المجالات السياسية والعسكرية، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز العشرة مليون نسمة، غالبيتهم من الأجانب. فقد ساهمت الطفرة التنموية والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة في تمكين الدولة من لعب دور محوري على الساحة الإقليمية والدولية.
يعكسُ الاستثمارُ الإماراتي في الذكاء الاصطناعي بُعدًا اقتصاديًا استراتيجيًا، حيث كما سبقت الإشارة فإنه يُمثلُ أحدَ الأدواتِ الرئيسية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، في إطار رؤية طموحة لتحويل الاقتصاد إلى اقتصادٍ معرفيٍ قائمٍ على الابتكار والتكنولوجيا، إلا أن هذا التوجّهَ يتجاوزُ الاعتباراتِ الاقتصاديةَ البحتةَ، ليشمل بعدًا أعمق يرتبط بالهيبة الوطنية والسعي للريادة في مجال تكنولوجي من المتوقع أن يشكّلَ مستقبلُ القوةِ العالمية. تسعى الإمارات إلى أن تكونَ في طليعة الدول التي تطورُ الذكاءَ العامَ الاصطناعي، وهي الفكرة التي تفترضُ وصولَ الذكاء الاصطناعي إلى مستوى يماثلُ أو يتجاوزُ القدراتِ البشريةَ في مختلفِ المجالاتِ. هذا الطموحُ يعكسُ رغبةَ الدولةِ في ترسيخ صورتها كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا، بما يُعزز موقعها في النظام الدولي ويمنحها تأثيرًا يتجاوز حجمها الجغرافي والديموغرافي.
في السياقِ العسكري، تعكسُ الاستثماراتُ الإماراتيةُ في الذكاء الاصطناعي إدراكًا متزايدًا للتحولات في طبيعة التهديدات الأمنية التي تواجهها الدولة والمنطقة. التحديات غير التقليدية، مثل الهجمات السيبرانية والطائرات المسيرة، فرضت إعادة تقييم الاستراتيجيات الدفاعية، ما دفعَ الإمارات إلى تطويرِ منظومةٍ متكاملةٍ لتوظيفِ الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. في عام ٢٠٢٣، تم افتتاح مركز “باز”، الذي يهدف إلى بناء قدرات متقدمة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لصالح القوات المسلحة الإماراتية، في خطوة تعزز قدراتها الدفاعية في الحروب الإلكترونية وأنظمة القتال غير المأهولة.[16]
كما أن الهجومَ الذي استهدفَ مطار أبوظبي عام ٢٠٢٢ كان نقطةَ تحولٍ مهمةٍ في إدراكِ خطورةِ الطائراتِ المسيرةِ على الأمن الوطني، ما دفعَ الدولةَ إلى تكثيف جهودها في تطوير أنظمة دفاعية قائمة على الذكاء الاصطناعي، وفي هذا الإطار، أعلنت شركة “إيدج” عن مجموعة واسعة من المنتجات العسكرية التي تعتمد على التكنولوجيا الذاتية، شملت طائرات مسيرة وأنظمة أسلحة ذكية[17]، وفي بداية عام ٢٠٢٤، أبرمت الشركة صفقة غير مسبوقة لتزويد وزارة الدفاع الإماراتية بحوالي ٢٠ مركبة قتالية مجنزرة و٤٠ مركبة برية غير مأهولة، في واحدة من أكبر الصفقات العالمية في مجال الروبوتات القتالية [18]، هذه الخطوةُ تعكسُ تحولَ الإمارات من مُستورد للتكنولوجيا العسكرية إلى مطور لأنظمة دفاعية متقدمة، مما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية بشكل مستقل.
رابعًا: التحدياتُ التي تُواجهُ الإمارات
رغم امتلاكِ دولةِ الإمارات الفرصَ والإمكانيات التي تجعل منها قوة صاعدة في سباق الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تُواجه عدد من التحديات، والتي منها ما يلي:
1- موازنةُ الشراكاتِ الدوليةِ في ظل التنافس الأمريكي-الصيني: تحرصُ الإمارات على تنويعِ شراكاتها الاستراتيجية في مختلفِ المجالاتِ، والذكاء الاصطناعي ليس استثناءً. فقد أبرمتْ الدولةُ اتفاقاتٍ مع قوى دولية مثل الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، وإسرائيل، مستهدفة الاستفادة من القدرات التكنولوجية لكل طرف لتعزيز قدراتها الرقمية. غير أن التنافسَ المحتدمَ بين واشنطن وبكين على الهيمنة في هذا المجال يفرضُ تحدياتٍ معقدةً، إذ تمارسُ الولايات المتحدة ضغوطًا متزايدة على الإمارات لتقليص تعاونها مع الصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
2- التكيفُ مع الضغوطِ الأمريكيةِ للحفاظ على الشراكة التكنولوجية: استجابةً للمخاوف الأمريكية، اتخذت الإمارات خطواتٍ لطمأنة واشنطن بشأن إدارتها للتكنولوجيا المتقدمة، حيث تعهدت بتأمينِ مراكز بياناتها، واستبدالِ الأجهزة الصينية التي قد تحتوي على ثغرات أمنية، وتعزيز مراقبة عمليات نقل التكنولوجيا. كما قامت شركة “” G42 الإماراتية بفك ارتباطها مع الشركات الصينية، وأزالت تجهيزات “هواوي” ضمن إطار صفقة بقيمة ١.٥ مليار دولار مع “مايكروسوفت”، مما يعكسُ توجهًا نحو تعزيزِ التعاونِ مع المنظومة التكنولوجية الأمريكية. ومع ذلك، تبقى الإمارات حريصة على إبقاء قنوات التعاون مفتوحة مع الصين، نظرًا لكونها أكبر شريك تجاري لها في القطاعات غير النفطية الأخرى.[19]
3- تحدي الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة في بيئة مقيدة: رغم جهودها لتعزيز شراكتها مع الولايات المتحدة، تواجهُ الإمارات عقباتٍ في الحصول على التقنيات الأكثر تقدمًا، خاصةً فيما يتعلق برقاقات الذكاء الاصطناعي التي تهيمن عليها شركات أمريكية مثل “” Nvidia فالولايات المتحدة تفرضُ قيودًا صارمة على تصديرِ هذه الرقائق، ولا تستثني من تلك القيود سوى ١٨ دولة حليفة[20]، لا تشملُ الإمارات، لذا، ورغم أن أبوظبي تسعى لإظهار ولائها للمعسكر الأمريكي لضمان حصولها على التقنيات المتطورة، فإنها لن تقطعَ جسورَ التعاون مع الصين، بل ستواصلُ موازنةَ علاقاتها بما يتماشى مع تطورات المنافسة التكنولوجية بين القوى العظمى.
4- العنصرُ البشريُ كعاملٍ حاسمٓ في الاستراتيجية الإماراتية: إلى جانب التحديات الجيوسياسية، يمثلُ نقصُ .الكفاءاتِ البشريةِ الماهرةِ في الذكاء الاصطناعي تحديًا رئيسيًا أمام الطموحات الإماراتية، فرغم الاستثمارات الضخمة في تدريب المواهب المحلية واستقطاب الخبرات الأجنبية، لا يزال الطلب على الكوادر المتخصصة يفوق المعروض، مما يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد لضمان الاستدامة المعرفية والتقنية.
ختامًا:
يعكسُ الاستثمارُ المتزايدُ في الذكاء الاصطناعي، سواء في المجالات الاقتصادية أو العسكرية، رؤيةً استراتيجيةً متكاملةً تهدفُ إلى ترسيخ مكانة الإمارات كقوة إقليمية صاعدة لا تعتمد فقط على الموارد التقليدية، بل تسعى لتكون في طليعة الدول التي تصوغُ ملامحَ المستقبل التكنولوجي، في ظل عالم يتجه نحو الاعتمادِ المتزايدِ على الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، تسيرُ الإماراتُ بخطىً ثابتةٍ نحو دور قيادي يعززُ نفوذَها ويمنحها قدرةً أكبر على التأثير في التوازنات الإقليمية والدولية.
المصادر:
[1] واشنطن تعلن عن استثمارات إماراتية ضخمة وتؤكد متانة العلاقات، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٢١ مارس ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/GMyWZ
[2] الإمارات وفرنسا توقعان إطار عمل للتعاون في مجال ال AI، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٧ فبراير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/UemDs
[4] ماهي “G42″؟ وكيف يستخدمها الشيخ طحنون لبسط نفوذه في الدولة؟، الإمارات 71، تاريخ النشر: ١٥ يونيو ٢٠١٨، متاح على الرابط: https://uae71.com/posts/99928
[7] الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي، الحوكمة الرقمية لدولة الإمارات، تاريخ النشر: ٢٠٢٢، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/CLHeo
[8] اليوم الوطني الـ 53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تاريخ النشر: ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/IKCYH
[10] واشنطن تعلن عن استثمارات إماراتية ضخمة وتؤكد متانة العلاقات، مرجع سبق ذكره.
[11] “علي بابا” الصينية تخطط لاستثمار ضخم في الذكاء الاصطناعي.. هل هي مغامرة كبيرة؟، العربية، تاريخ النشر: ٢٤ فبراير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/yoCwP
[12] الإمارات وفرنسا توقعان إطار عمل للتعاون في مجال ال AI، مرجع سبق ذكره.
[13] جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تعلن عن تدشين معهد جديد للنماذج التأسيسية لقيادة بحوث الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطبيقاته، مرجع سبق ذكره.
[14] إيهاب خليفة، قوة صاعدة: فرص الإمارات في سباق الذكاء الاصطناعي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تاريخ النشر: ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/rZVed
[20] برؤية تتجاوز البعد الاقتصادي.. الإمارات تقود مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي، وكالة أنباء الإمارات، تاريخ النشر: ٩ فبراير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/qLrmn
