إعداد : أكرم السيد
وقع الشق العسكري بمجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير وكيانات متحالفة معها اتفاقا إطاريا يهدف إلى إنهاء حالة الانسداد التي ضربت المشهد السياسي السوداني على مدار عام كامل منذ أن أطاح عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في أكتوبر من العام الماضي بالمكون المدني من إدارة الفترة الانتقالية ، وهو ما نجم عنه احتجاجات شعبية كان مطلبها الأول حكم مدني تنأى فيه المؤسسة العسكرية عن العمل السياسي. وجاء اتفاق المكونين العسكري والمدني حول الاتفاق الإطاري ملبيا في بنوده لهذا المطلب ، إلا أن الأيام المقبلة وما ستشهده من اجتماعات تفصيلية بين طرفي الاتفاق بالإضافة إلى أطراف أخرى لحسم بعض القضايا العالقة والدفع بالاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي سوف تبين صدق النوايا ومدى التعويل على هذا الاتفاق نحو طريق إقامة حكم مدني في البلاد.
أبرز بنود الاتفاق
كان القصر الرئاسي بالخرطوم شاهدا على توقيع الاتفاق الإطاري ، هذا التوقيع الذي جاء بعد جولات تفاوضية داخلية بين أطراف العملية السياسية ، فضلا عن دعم دولي وإقليمي كبير ساهم في الوصول إلى هذا الاتفاق ، حيث تمثل هذا الدعم في الآلية الثلاثية الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيجاد ، بالإضافة إلى الآلية الرباعية التي تضم السعودية والولايات المتحدة والإمارات وبريطانيا ، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي.
ويمكن النظر إلى بنود هذا الاتفاق على مستويين:-
المستوى الأول يتعلق بالمباديء العامة ، والتي تحتاح بطبيعة الحال إلى ما يترجمها على أرض الواقع من قوانين وإجراءات ملزمة ، كالبنود التي تنص على أن الدولة السودانية دولة متعددة الإثنيات والأديان واللغات ، وكذا المواد التي تتعلق بإرساء الحقوق والحريات ، حيث لم يخلو الاتفاق من مثل هذه البنود ابتداء ، والتي تتشابه مع كثير من المواد التي تتضمنها الدساتير.
أما المستوى الثاني فهو يتعلق أكثر بالأوضاع التي أصابت المشهد السياسي السوداني من انسداد واضطراب ، وعرقلت بدورها استمرار الفترة الانتقالية على النحو المرغوب ، وأبرز هذه البنود ، هي أن السلطة الانتقالية المزمع تشكيلها في الأيام المقبلة يجب أن تكون سلطة مدنية ديمقراطية بالكامل ولا مشاركة للقوات النظامية فيها ، وتعزيز حقوق المدنيين في المشاركة المدنية ، والالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي ورفض وإدانة وتجريم كافة أشكال اللجوء للعنف والتطرف ، واقتصار دور الجيش على المهام الدفاعية بشكل يحول بينه وبين ممارسة كل ما هو سياسي ، فضلا عن منع التداخل بين الجيش والأنشطة الاقتصادية والسير في اتخاذ الإجراءات اللازمة في الفترة المقبلة لتنفيذ ذلك ، والشروع في مشاورات مع مختلف القوى من أجل صياغة دستور للبلاد ، وتحديد مدى زمني للمرحلة الانتقالية بأربع وعشرين شهرا ابتداء من لحظة تعيين رئيس وزراء جديد يعقب انتهاء هذه الفترة انتخابات شاملة.
هذا وتتضمن الاتفاق بنودا شملت الإشارة إلى مختلف الملفات كالملف الاقتصادي ، وملف السياسية الخارجية ، وغيرها. لكن ثمة اهتمام أكبر بقضايا إدارة المرحلة الانتقالية والعلاقة المدنية العسكرية ، ولعل ما شهدته الأوضاع المضطربة على مدار الفترة الماضية بين مكوني المشهد السياسي من عسكريين ومدنيين هو ما يجعل قضية إدارة علاقة المؤسسة العسكرية بالقوى المدنية هي على رأس أولويات هذا الاتفاق ، ويدعم هذا الطرح الهتاف الذي ردده رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في كلمتة على هامش توقيع الاتفاق ، حيث ردد هتافا اعتادت قوى الاحتجاج على ترديده وهو “العسكر للثكنات” في إشارة من البرهان إلى توافر الإرادة لديه ولدى المكون العسكري الذي يمثله بانسحاب تدريجي من المشهد تنظمه ترتيبات أرسى الاتفاق الإطاري لَبِنتها الأولى.
بين تأييد وتحفظ واعتراض
قوبل هذه الاتفاق بترحيب من بعض القوى ، وتحفظ من البعض ، ورفض من بعض الآخر.
حيث يرى المرحبون بهذا الاتفاق أنه بمثابة خطوة للبناء عليها في سبيل الوصول إلى سلطة مدنية كون هذا المطلب يقع على قمة مطالب القوى السياسية ، لاسيما وأن اتفاقا كهذا من شأنه أن يهدأ من حدة الأوضاع المضطربة على كافة المستويات ، والتي عانت البلاد من ولاياتها الكثير طوال الفترة الماضية ، وكذا من شأن هذا الاتفاق أيضا أن يكسر من تلك العزلة الدولية التي سارت السودان في طريقها في أعقاب قرار مجلس السيادة بتنحية المدنين ، حيث أدى ذلك إلى تعليق المجتمع الدولي أشكال مختلفة من التعاون بينه وبين السودان حتى إشعار آخر ، يشمل هذا الإشعار عودة المكون المدني إلى الواجهة . هذا ويعتبر الجيش وقوات الدعم السريع فضلا عن قوى الحرية والتغيير ومن يتحالفون معها بمثابة العناصر التي بدونها لكان من الصعب الوصول إلى مشهد يوم الخامس من ديسمبر حيث توقيع الاتفاق الإطاري.
وعلى الرغم من مشاركة حزب البعث الاشتراكي في المناقشات التي سبقت توقيع هذا الاتفاق ، إلا أنه قد أعلن انسحابه من التوقيع عليه ، وبهذا يمكن النظر إليه باعتباره الاتجاه المتحغظ على الاتفاق من داخل قوى الحرية والتغيير نفسها ، حيث يعتبر هذا الحزب عضوا فيها.
وعلى الطرف الآخر ، ينظر رافضوا هذا الاتفاق بأنه لم يؤدي إلى حلحة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد ولم يحسم ما فيها من قضايا خلافية ، ولم يعالج قضية إخراج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي معالجة مصحوبة بضمانات تهدف تحقيق هذا المطلب ، وبعبارة أخرى فإن الرافضين لهذا الاتفاق لا يتعلق رفضهم فقط لمجرد بنود معينة قد شملها الاتفاق ، بقدر ما يتعلق رفضهم بعدم رغبتهم في الدخول في مفاوضات مع المكون العسكري بالأساس ، وتأتي جماعة الإخوان في مقدمة الرافضين ، نظرا لنص الاتفاق في بند من بنوده على تفكيك نظام الإخوان ، بالإضافة إلى التيارات الإسلامية ، والحزب الشيوعي ، وتجمع المدنيين ، والحزب الاتحاد الديمقراطي ، وعدد كبير من لجان المقاومة.
هل يؤدي الاتفاق إلى إنهاء الاحتجاجات ؟
على الرغم من توقيع الاتفاق الإطاري ، وبغض النظر عن مدى التأييد والمعارضة الذي يحظى هذا الاتفاق عليه من مختلف القوى الفاعلة ، إلا أنه عقب التوقيع مباشرة شهدت العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن السودانية تظاهرات مناهضة للاتفاق ، ومنددة بالدخول في مفاوضات من حيث المبدأ مع المكون العسكري ، وهو ما قد ينذر بعرقلة المسار الانتقالي المرتقب ، وهو ما يدعو أيضا الأطراف التي انخرطت في هذا الاتفاق ووقعت عليه ضرورة الانفتاح على قوى الشارع ولجان المقاومة والكيانات الحزبية والمهنية الرافضة من أجل التوصل إلى نقاط التقاء تقود في نهاية المطاف إلى تجاوز السودان عنق الزجاجة ومن ثم عبور المرحلة الانتقالية الممتدة منذ رحيل نظام البشير في أبريل من العام ٢٠١٩