المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > الاتفاق المفقود: لماذا لم تنجح المحاولات الأمريكية في خلق حل سلمي للحرب في غزة؟
الاتفاق المفقود: لماذا لم تنجح المحاولات الأمريكية في خلق حل سلمي للحرب في غزة؟
- أغسطس 20, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في خضم الحرب الإسرائيلية المحتدمة في قطاع غزة، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب رئيسي يسعى جاهداً لإيجاد حل سلمي، ولكن هذه المساعي تصطدم بواقع معقد يكشف عن تناقض جوهري في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، فمن جهة، تواصل واشنطن تقديم دعم عسكري هائل لإسرائيل، وفي الوقت ذاته، تبذل جهوداً دبلوماسية حثيثة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، وهذا التباين الملحوظ بين الدعم العسكري والمساعي الدبلوماسية يثير تساؤلات جوهرية حول فعالية الاستراتيجية الأمريكية ومدى قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة، فالدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل والذي يشمل مساعدات ضخمة وصفقات تسليح متطورة، يعزز موقف تل أبيب التفاوضي، مما قد يقوض في المقابل الجهود الرامية لتحقيق تسوية عادلة ومتوازنة.
وعلى الجانب الأخر، تواجه المساعي الأمريكية للسلام عقبات جمة في ظل هذا الواقع المعقد، إذ تتراوح تلك العقبات بين الشروط الإسرائيلية الصعبة، والتباين في المواقف السياسية، وصولاً إلى الضغوط الدولية المتعددة، فهذه العوامل مجتمعة قد تشكل تحدياً كبيراً أمام تحقيق اختراق حقيقي في مسار السلام. وبالتالي يبدو أن استمرار هذا النهج المتناقض في السياسة الأمريكية يحمل في طياته مخاطر جمة، قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة وربما تطور الأمر إلى صراع إقليمي أوسع، كما أنه يضع مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه على المحك، ويثير تساؤلات حول مدى قدرتها على لعب دور فعال في حل النزاعات الدولية.
أولًا: التناقض في السياسة الأمريكية: الدعم العسكري مقابل الجهود الدبلوماسية
يعكس التناقض في السياسة الأمريكية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة معضلة دبلوماسية وأخلاقية عميقة، فمن ناحية، تقدم الولايات المتحدة دعماً عسكرياً هائلاً لإسرائيل، ومن ناحية أخرى، تسعى جاهدة لتحقيق السلام في المنطقة، ومن هنا قد يثير هذا التباين تساؤلات جوهرية حول مدى جدية وفعالية الجهود الأمريكية في حل الصراع.
إذ يتجلى الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل في صور متعددة، وظهر ذلك جلياً حينما توجهت الأنظار إلى الترسانة العسكرية التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة، والتي تفوق بمراحل ما تمتلكه حماس من أسلحة وأنظمة دفاعية، حيث تجدر الإشارة إلى مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية لمدة عشر سنوات للفترة من أكتوبر 2018 إلى سبتمبر 2028، والتي تحصل بموجبها إسرائيل على مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار يتم تخصيصها لشراء المعدات العسكرية ولتطوير أنظمة الدفاع الصاروخي، ومنذ بدء الحرب على غزة طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن من الكونغرس الموافقة على مشروع قانون إنفاق إضافي بقيمة 95 مليار دولار لدعم إسرائيل، ولكن واجه المشروع انتقادات ومقاومة من عدد من الديمقراطيين اليساريين الذين يعترضون على إرسال الأموال إلى إسرائيل. وبالتالي فإن المساعدات العسكرية السنوية التي تبلغ مليارات الدولارات، والتي تشمل تمويل أنظمة دفاعية متطورة مثل “القبة الحديدية”، فضلاً عن تزويد إسرائيل بأحدث التقنيات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة بدقة من طراز الجيل الخامس الشبحية f-35، قد يعزز من القدرات العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير، مما يمنحها تفوقاً استراتيجياً في المنطقة.[1]
وفي المقابل، تبذل الدبلوماسية الأمريكية جهوداً حثيثة لتحقيق السلام، إذ ينتقل العديد من المبعوثين الأمريكيين بين العواصم في محاولات للتوسط وتقريب وجهات النظر، كما تقوم واشنطن بالضغط دبلوماسياً من أجل وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات سلام، وهذه الجهود تشمل أيضاً محاولات لتحقيق حل الدولتين وضمان حقوق الفلسطينيين، وتجدر الإشارة إلى المساعي الأمريكية الأخيرة لتحقيق السلام والتي كان أبرزها جولة المفاوضات الجديدة التي انعقدت بالعاصمة القطرية الدوحة، في 16 أغسطس الجاري بهدف وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، والتي اختتمت بتقديم الولايات المتحدة الأميركية بدعم من قطر ومصر، اقتراحاً لكلا الطرفين يقلص الفجوات بينهما ويتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس الأميركي جو بايدن يوم 31 مايو الماضي، وقرار مجلس الأمن رقم 2735، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل لممارسة الضغوط الدبلوماسية بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، حيث جاءت تلك الزيارة في إطار محاولات واشنطن لسد الفجوات في المفاوضات التي استضافتها قطر.[2]
وبناءً على ما سبق، يبدو أن هذا التناقض يخلق مشكلة جوهرية، فالدعم العسكري الأمريكي يعزز موقف إسرائيل التفاوضي، مما يجعلها أقل استعداداً لتقديم تنازلات حقيقية وفعالة في المفاوضات، وفي الوقت نفسه، يضعف هذا الدعم من مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه في نظر الفلسطينيين والعديد من الدول العربية. علاوة على ذلك، فإن استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، حتى في أوقات التصعيد العسكري، يتعارض مع الخطاب الدبلوماسي الأمريكي الداعي لضبط النفس ووقف العنف، خاصة وأن هذا التناقض يثير شكوكاً حول الالتزام الحقيقي للولايات المتحدة بتحقيق سلام عادل ودائم، وبالتالي فإن هذا الوضع قد يضع صانعي السياسة الأمريكية في موقف صعب، فهُم مطالبون بالموازنة بين التزامهم التاريخي بأمن إسرائيل، والحاجة إلى لعب دور بناء في حل الصراع، وعلى الرغم من ذلك، فإن استمرار هذا النهج المزدوج قد يهدد بتقويض أي فرصة حقيقية لتحقيق سلام دائم، ومن هنا يبدو أن حل هذا التناقض سيتطلب إعادة تقييم شاملة للسياسة الأمريكية في المنطقة، لذلك فمن الضروري إيجاد توازن أكثر دقة بين الدعم العسكري والجهود الدبلوماسية، بحيث لا يقوض أحدهما الآخر، ففي حالة معالجة هذا التناقض بشكل جذري، يمكن للولايات المتحدة أن تأمل في لعب دور فعال وإيجابي في حل هذا الصراع المحتدم.
ثانيًا: العقبات التي تواجه الجهود الأمريكية:
تواجه الجهود الأمريكية الرامية إلى التوصل لحل سلمي ودائم فيما يخص الحرب الإسرائيلية على غزة عقبات متعددة ومعقدة تتمثل فيما يلي:
الشروط الإسرائيلية: حيث تأتي الشروط الإسرائيلية في مقدمة هذه العقبات، والتي غالباً ما تكون غير مقبولة للجانب الفلسطيني، إذ تصر تل أبيب على شروط أمنية صارمة، وتطالب بالاعتراف بها كدولة يهودية، وترفض التنازل عن السيطرة على القدس الشرقية، بالإضافة إلى إصرار نتنياهو على وجود الجيش الإسرائيلي في محور فيلاديفيا، وذلك رغم اقتراح المؤسسة الأمنية حلولاً مختلفة في المباحثات، فهذه المطالب تشكل عائقاً كبيراً أمام أي تقدم في المفاوضات.
التباين في المواقف السياسية: والذي يمثل تحدياً آخر، فالانقسامات الداخلية في كلا الجانبين تعقد عملية صنع القرار وتحد من المرونة في المفاوضات، ففي إسرائيل، نجد أن الحكومات اليمينية المتعاقبة تتبنى مواقف متشددة، بينما يعاني الجانب الفلسطيني من انقسام سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الضغوط الدولية: إذ تلعب الضغوط الدولية أيضاً دوراً مهماً في تعقيد المشهد، فالولايات المتحدة تجد نفسها تحت ضغط من حلفائها في المنطقة، وكذلك من القوى الدولية الأخرى التي تسعى إلى مصالح متباينة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن هذه الضغوط قد تُحد من قدرة واشنطن على اتخاذ مواقف حاسمة أو تقديم مقترحات جريئة.