المقالات
الانتخاباتُ التشريعيةُ العراقية 2025: المشهد السياسي بين ضغوط الداخل وتفاعلات الإقليم
- نوفمبر 13, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد/ دينا إيهاب دومه
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط
بدأتٔ الانتخاباتُ التشريعية في العراق يوم الثلاثاء المُوافق الحادي عشر من نوفمبر 2025، والتي تُعد من أكثر الاستحقاقاتِ حساسيةً وأهميةً منذ عام 2003، إذ تأتي في سياقٍ إقليميٍ مُتشابكٍ تتقاطع فيه التحولات السياسية والأمنية في المنطقة مع مُحاولات إعادة رسْمِ موازين النفوذ بين القوى الكبرى، ولا سيّما في ظل تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، وتراجع الزخم الإقليمي للمحور الإيراني في المنطقة، وفي المُقابل تُعقد هذه الانتخابات في وقتٍ يشهدُ فيه الداخل العراقي حالةً من الاستقطاب الحاد والانقسام داخل المُكونات السياسية المُختلفة، ومُقاطعة التيار الصدري بقرارٍ من زعيمه مقتدى الصدر المُشاركة في هذه الانتخابات، ما أضفى على العملية الانتخابية طابعًا من الحذر والترقّب، كما تُرافقها تحدياتٌ اقتصاديةٌ وأمنيةٌ مُتفاقمةٌ، أبرزُها هشاشة البنية الُمؤسسية وازدياد مطالب الشارع بالإصلاح ومُحاربة الفساد، ورغم انخفاض نسبة المُشاركة نسبيًا مُقارنة بالدورات السابقة، أظهرت النتائج الأولية فوزًا كبيرًا لائتلاف الإطار التنسيقي بزعامة رئيس الوزراء “محمد شياع السوداني”[1]، والذي قد ينتجُ عنه تعزيزُ موقعه في رسْمِ ملامح المرحلة المُقبلة، بما قد يمنحه تفويضًا سياسيًا لتعزيز نفوذ التيار الشيعي الحاكم وإعادة ترتيب موازين القوى داخل البرلمان، وبذلك، تكرّس هذه الانتخابات ملامح مرحلةٍ جديدةٍ قد تُعيد رسْمَ بنية السلطة في العراق وتحدد اتجاه سياسته الخارجية بين ضغوط الإصلاح الداخلي ومُتطلبات التحالفات الإقليمية والدولية.
أولًا: تفاصيل المشهد الانتخابي الحالي
أُجريت الانتخابات العراقية في 11 نوفمبر 2025 في ظل مشهدٍ سياسيٍ داخلي متقلّب يحول العراق إلى ساحة تصادمٍ وتنافسٍ بين تأثيرات وتجاذبات قوى مُتعددة، وذلك على النحو الآتي:
التفكك التكتيكي لصالح الكتلة الشيعية الحاكمة: شهدَ المشهد الشيعي، الذي يمثّل الثِقلَ الأكبر في المُعادلة السياسية العراقية، ظاهرة “التفكك التكتيكي” لـ الإطار التنسيقي الحاكم وذلك قبل خوض الانتخابات البرلمانية بقدرة وجيزة[2]، حيث إن هذا التفكك ليس ناتجًا عن تباينٍ سياسيٍ حادٍ بالضرورة، بل هو استراتيجيةٌ انتخابية مُتّبعة تهدف إلى خوض الانتخابات بقوائم وتحالفات مُنفردة لتعظيم فرص الحصول على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الدوائر الانتخابية المُتعددة، على أن تعود هذه القوى لـمَّ شملها وتشكيل تحالف برلماني جديد بعد إعلان النتائج، وبرز في هذا السياق رئيس الوزراء “محمد شياع السوداني” بقائمة مُنفردةٍ تحت اسم “تحالف الإعمار والتنمية”، في خطوةٍ تؤكد سعيه للاعتماد على رصيده الخدمي والتنموي الذي أسسه خلال فترة رئاسته للحكومة، خاصةً في مشاريع البنية التحتية والخدمات، ويهدف السوداني بوضوح للحصول على ولاية ثانية، مدعومًا بتحالفه الذي يضم قوى مؤثرةً كـ “ائتلاف الفراتين” وحركة “عطاء” التيار السياسي للحشد الشعبي، هذا التحالفُ يمثّل في مضمونه مُحاولةً لإعادة صياغة موازين القوى داخل الكتلة الشيعية، بعيدًا عن التبعية الكاملة للأجنحة التقليدية أو الفصائل المسلحة، في المقابل، تتنافسُ تحالفاتٌ شيعيةٌ أخرى تقليديةٌ وذات صبغة عسكرية[3]، مثل:
تحالفِ ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والذي يضمّ قوى تقليدية وفصائل مسلحة.
تحالفِ قوى الدولة الوطنية الذي يمثل تيار الاعتدال في الإطار التنسيقي ويجمع تيار الحكمة (عمار الحكيم) وتيار النصر (حيدر العبادي).
تحالفِ القرار الذي يضمّ منظمة بدر وفصائل أخرى ذات ظهير سياسي واضح كحركة حقوق وأنصار الله الأوفياء، مما يشير إلى محاولة هذه الفصائل لكسب شرعية برلمانية تعزز نفوذها
تشتت الكتلة السنية: شهدَ المُكوّن السني تشتتًا واضحًا في هذه الانتخابات بعد تفكك تحالف “السيادة” الذي جرى تشكيله بعد انتخابات 2021، ليتحولَ المشهد إلى ساحة تنافسٍ بين أربعة أقطابٍ رئيسيةٍ، الأمرُ الذي أسهم في إضعاف موقعهم التفاوضي الجماعي مُقارنةً بكتلةٍ شيعيةٍ تملك استراتيجية تكتيكية للتوحد لاحقًا[4]، وفيما يلي أبرز الأقطاب السنية الرئيسية المُتنافسة:
تحالف “تقدم” بقيادة محمد الحلبوسي، الذي يتمتعُ بقدرةٍ تنظيميةٍ عالية وتأييد في المحافظات السنية، وقد أثبت قوته في انتخابات مجالس المحافظات السابقة.
تحالف “السيادة” بقيادة خميس الخنجر، الذي يعتمد على نفوذه في بعض مناطق غرب العراق.
تحالف “عزم” بقيادة مثنى السامرائي، وله شعبيةٌ واضحةٌ في محافظة صلاح الدين.
تحالف “الحسم الوطني” بقيادة ثابت العباسي (وزير الدفاع العراقي السابق).
التنافس الكردي الداخلي وأزمة العلاقة مع بغداد: تدخل القوى الكردية، التي لطالما كانت طرفًا أساسيًا في تشكيل الحكومات، الانتخابات بأحزابها التقليدية على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة “مسعود بارزاني” وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة “بافل طالباني”. الأهمُّ في هذا المُكون هو استمرارُ الخلافات الداخلية ليس فقط بين الحزبين الرئيسيين ولكن أيضًا حول قضايا العلاقة الفيدرالية مع بغداد، على الرغم من ذلك، يُظهر التجمّعُ الكردي قدرةً على التحالف السريع في بغداد، كما حدث في تشكيل “تحالف إدارة الدولة” الذي أتى بحكومة السوداني، مما يجعلهُ ورقةً تفاوضيةً هامةً في مرحلة ما بعد الانتخابات لتأمين حصته في المناصب والملفات الحساسة كالموازنة والنفط[5].
توظيف قانون الحشد الشعبي وتحدي النفوذ الإقليمي: يتجاوز المشهد الانتخابي مسألة التحالفات التقليدية ليطالَ صراعًا استراتيجيًا حول مؤسسات الدولة، يتجسّد في الجدل المُستمر حول تعديل “قانون هيئة الحشد الشعبي”، حيث يهدف المشروع إلى دمْجِ الحشد الشعبي بشكلٍ كاملٍ في المنظومة العسكرية الرسمية ومنحه صلاحيات واسعة، لكنه اصطدم بخلافاتٍ عميقةٍ داخل الإطار التنسيقي نفسه، خاصة حول تحديد سنّ التقاعد 60 عامًا، الذي كان سيطيح بكبار القادة وعلى رأسهم شخصياتٌ هامةٌ مثل “فالح الفياض” رئيس هيئة الحشد الشعبي، وبالتالي فإن الخلاف ليس إجرائيًا بقدر ما هو معركةٌ استراتيجيةٌ لتثبيت النفوذ داخل مؤسسات الدولة[6]، فسحْب مشروع القانون ثم استبداله ثم سحبه مرة أخرى يعكسُ انقساماتٍ داخليةً وضغوطًا خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن سعي فصائل الحشد الشعبي لكسْبِ شرعيةٍ رسمية عبر البرلمان، يتزامن مع التوترات الإقليمية بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل جراء الحرب في غزة، فوجود تيارات سياسية تمثّل فصائل مُسلحة والتي بعضها مصنّف “إرهابيًا” أمريكيًا في الانتخابات، يُرسلُ رسالةً قويةً لواشنطن بأن مسار الحكومة الجديدة ومستقبل الوجود الأجنبي في العراق لن يكونَ وفق رؤية السوداني التي تُعتبر إلى حدٍ ما مُعتدلة، بل سيخضع لضغوط القوى والكُتل الحزبية الأكثر تشددًا حال حصولها على نسبة مقاعد مُؤثرة في البرلمان.
ثانيًا: إيران “الحاضر-الغائب” في المشهد الانتخابي العراقي
تُعتبر إيران حاضرةً في العمق السياسي العراقي بصورةٍ مُتجذرة ولكنها غائبةٌ الظهور؛ فالمُتغيرات الإقليمية التي أنهكت القدرات الإيرانية في ساحاتٍ مثل سوريا ولبنان جعلت من العراق الحلقات الأهم التي لا تريد طهران التفريط فيها، ومن ثمَّ يُمثّل المشهد الانتخابي العراقي ميدانًا لمُعادلة بقاء النفوذ الإيراني وتكييفه مع واقع الضغوط الخارجية والداخلية، وبناء عليه، فإن استراتيجية طهران في هذا السياق تتسم بالمرونة، حيث تقليل الظهور المُباشر أمام الجمهور مع تكثيف العمل من خلال قنوات حزبية وفصائلية وشبكات إقليمية تضمن النفاذ إلى مراكز صُنع القرار، وفي الوقت ذاته السعي لضبط سلوكِ هذه الفصائل كي لا تجرّ بغداد إلى تهديدات تصعيدية قد تُستغل ضدها دوليًا.
ومن هنا، يُمكن تسميه هذا النمط «الغائب- الحاضر» وهو يتجلّى بوضوحٍ في مُتابعة إيران لتفكك التحالفات داخل الإطار التنسيقي والذي هو تفكّكٌ تكتيكيٌ إلى قوائم مُتعددة وهو لا يعني بالضرورة تناقضًا أيديولوجيًا جوهريًا، بل هو أداةٌ لتوزيع الحصص داخل دوائر الاقتراع. لذلك تُراقب طهران هذه التشكيلات، فهي ليست بمعزلٍ عن مأزقها الإقليمي لكنها تعمل على تقلّيص هامش المناورة وبالتالي هذا يتطلب تقديم الدعم السياسي لاختيار مرشحٍ حكومي يضمن «توافقًا» نسبيًا مع المصالح الإيرانية. لذلك عملت طهران خلال مراحل التحضير للانتخابات على استباق السيناريوهات عبر اتصالاتٍ رفيعة المستوى وسياقاتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ تهدف إلى منْعِ انزلاق الساحة العراقية إلى خيارات تُضعف موقعها الإقليمي.
وقد تمثّل ذلك في زيارتي مستشار الأمن القومي العراق “قاسم الأعرجي” إلى طهران، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني “اسماعيل قاآني” إلى بغداد خلال أكتوبر 2025 [7]، واللتان تندرجان ضمن إطار إدارة هذه العلاقة بحذرٍ مُتبادل، فالأولى حملت أبعادًا أمنيةً ومحاولاتٍ لزرع رسالة حياد عراقية في حال تفاقم النزاع الإيراني-الإسرائيلي، والثانية مثّلت إشارةً إيرانيةً للاحتفاظ بقنوات تأثيرٍ مُباشرة مع قوى وقيادات شيعية عراقية قبيل الانتخابات، هاتان الزيارتان تُؤكدان أن طهران تراعي عاملين مُتوازيين وهما حماية علاقاتها التقليدية مع فصائل محور المقاومة من جهة، والامتناع عن دفع العراق إلى مواجهة قد تستنزف المكاسب السياسية والاقتصادية التي تسعى للحفاظ عليها من جهةٍ أخرى.
أخيرًا، تأثير مُقاطعةِ التيار الصدري يغيّر قواعد الاشتباك، حيث دعا مقتدى الصدر أنصاره إلى عدم المشاركة فيما سماه “عمليةً انتخابيةً عرجاء لا هَمَّ لها إلا المصالح الطائفية والعرقية والحزبية”[8]، الجدير بالذكر أن الامتناع عن المُشاركة في الانتخابات لا يلغِي أثر الصدر لكنه يقلل من المُخاطر، حيث إن الفراغ الشيعي الناتج قد يسهّل لصعود فصائل مواليةٍ لإيران مزيدًا من المساحة، أو بالمقابل، يفتح فرصًا للقوى السنية والكردية لاستعادة مواقع حاسمة في بغداد، لهذا السبب، تبقى طهران في وضع «المراقب الفاعل»؛ تتابع تكتيكات التحالفات وتُعيد تشكيل ردودها السياسية بما يتناسب مع نتائج صناديق الاقتراع، سعيًا للحفاظ على نفوذٍ مؤسسيٍ واقتصادي في عراقٍ ما بعد الانتخابات، دون أن تتورطَ بصورةٍ مُباشرة قد تُضعف رصيدها الإقليمي، تلك هي الثنائية الإيرانية؛ حيث رغبة في البقاء والنفوذ، ومقابلها قيود تحدّ من هامش ملفتها في الميدان العراقي.
ثالثًا: ماذا يعني فوز تيار السوداني؟
افرزت النتائج الأولية للانتخابات العراقية فوز تيار «الإعمار والتنمية» بقيادة “محمد شياع السوداني” في انتخابات 2025 والذي يُعيد رسم خريطة النفوذ والتفاعلات الداخلية والخارجية على النحو الآتي:
دلالات الوزن البرلماني: تقديراتُ فوز السوداني يُمكن احتسابها بعدد مقاعد ربما تتجاوز 50 مقعدًا ضمن ائتلافه، والذي يُغيّر مُعادلة التمثيل الشيعي من كونه حاملًا لمنصب عبر تفاهماتٍ قديمةٍ إلى قوةٍ انتخابية شرعية، مع ذلك، في النظام العراقي الحالي لا يحسمُ عدد المقاعد وحده رئاسة الحكومة؛ فآلياتُ الاختيار تتأثر بتحالفات ما بعد الانتخابات وتوزيع المناصب بين مكوّنات الإطار الشيعي التي قد تملك مجتمعةً حوالي155 مقعدًا، هذا يعني أن قوة السوداني البرلمانية تمنحه قدرةً تفاوضيةً أكبر لكنه قد يظل عُرضةً لعرقلة من قوى حزبية آخرى.[9]
أثر الفوز على سياسة بغداد تجاه واشنطن: يُعبر السوداني كرئيسٍ حكومة عن توجّهٍ نحو تحويل العلاقة مع الولايات المتحدة من محورٍ أمني-عسكريٍ إلى علاقاتٍ اقتصادية طاووق وثقافية واستثمارية، وذلك ضمن إطار استراتيجية «العراق أولاً»، بالإضافة إلى تصريحاته السابقة الداعية لبقاء قوات أجنبية لمواجهة خطر داعش تشير إلى مرونة عملية تجاه الوجود الأميركي، ما يوفر لبغداد هامشًا للتفاوض بشرط حفاظها على سيادتها، لكن هذا التحول يتقاطع مع ضغوط أمريكية على بغداد للحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران، وبالتالي فإن السيناريو المُستقبلي المُحتمل هو حوار عراقي–أمريكي مستمر لإعادة تقييم الوجود العسكري، ومن المُحتمل أن يتحول خلال العام القادم إلى وجود استشاريٍ خفيف أو بعثةٍ تدريبيةٍ مُتعددة الأطراف تحت غطاء الناتو، بدلاً من وجود قوات أمريكية مُباشرة.[10]
علاقة بغداد بطهران: رغم أن وجود السوداني شكّل نجاحًا للإطار التنسيقي الموالي لإيران، إلا أن هناك دلائل استقلالية نسبية، وتتمثل في تأكيد السوداني على نقطتين، أولًا تمسّكه بمصطلح “الخليج العربي”، مما أثار احتجاج وزارة الخارجية الإيرانية التي ترى أن الاسمَ الصحيحَ هو “الخليجُ الفارسي”، وثانيًا موقفه المؤيد لبقاء القوات الأمريكية لمواجهة خطر داعش، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع أجندة الفصائل الموالية لطهران، بالإضافة إلى تأكيد العراق مرات عديدة رفضه القاطع لانتهاك سيادته والتجاوز على أجوائه، على الجانب الآخر، يُمكن القول إنه على الرغم من هذا التوتر النسبي مع إيران إلا أنها مُضطرة في بعض الأحيان لضبط الميليشيات الموالية لها، وهو ما ظهر في الترحيب الإيراني بفوز السوداني، حيث رحّب السفير الإيراني في بغداد “محمد كاظم” آل صادق على منصة “إكس” بما وصفه “الإجراء الناجح” للانتخابات البرلمانية، مُؤكداً أنها “تجسّد إرادةَ الشعب العراقي وسيادته الوطنية”[11]، وبالتالي هذا يبثُّ رسائل سياسيةً ضمنيةً بأنها قادرةٌ على تجميد الخلافات وترتيب التسويات القادمة، وهذا يفتحُ نافذةً لبغداد لاعتماد سياسة توازنٍ أكثر براغماتية في المُستقبل.
الانفتاح الإقليمي “الخليج-تركيا”: الخطواتُ الأخيرة للتقارب الخليجي وزيارات القادة، إضافةً إلى توقيع آليةٍ تنفيذيةٍ مع تركيا لتمويل مشاريع مياه عبر ربطها بعائدات النفط، تضع بغداد في مسارٍ دبلوماسيٍ اقتصاديٍ يربط الأمن والاقتصاد، هذا النهجُ من المُحتمل أن يستمر في الولاية القادمة للسوداني، والذي يُعزز قدرة الحكومة على تقديم إنجازاتٍ ملموسةٍ تُرضي الشارع العراقي وتحقق مزيد من الاستقرار.
ملف الأمن الداخلي: إخضاع الميليشيات ودمجها أو تفكيكها يبقى حجر الزاوية، حيث إن تصريحات السوداني حول جدولة انسحاب قوات التحالف ووجود ضغوطٍ أمريكيةٍ لخفض نفوذ الفصائل يشير إلى أن الحل الأمني سيبقى مرتبطاً بتوازنات خارجية وداخليّة مُعقدة ومُتشابكة، ما يجعل الحلول العسكرية أو الإملائية قصيرة الأمد.
في الختام، يشكّل فوز تيار السوداني في انتخابات العراق 2025 نقطةَ تحوّل حاسمةً تعيد رسْمَ خريطة النفوذ داخل الإطار الشيعي وتحدّد معالم المرحلة السياسية المُقبلة، إذ يمنحه الانتصار قدرةً تفاوضيةً قويةً داخل البرلمان، مع إبراز استقلاليةٍ نسبيةٍ عن الفصائل التقليدية الموالية لإيران، ما يتيح له فرصةَ الدفع بسياساتٍ داخليةٍ وإصلاحية، على الصعيد الخارجي، يفرضُ هذا الفوزُ على بغداد تبنّي استراتيجية توازن دقيقة بين الضغط الأمريكي لإعادة ضبط نفوذ الفصائل المسلحة، وحاجة إيران إلى الحفاظ على دورها في العمق العراقي، في هذا السياق، يظل ملف دمج الميليشيات وتحديد دور القوات الأمريكية محورًا حاسمًا لاستقرار الدولة وأمنها الداخلي، بينما يشير الإطار التنسيقي والتحالفات الراهنة إلى أن العراق أمام مرحلة إعادة تعريف هويته السياسية، وإدارة التحديات الإقليمية والدولية بمستوى عالٍ من البراغماتية والتوازن الاستراتيجي، ما يجعلُ الحكومة القادمة اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على تحويل التفوق الانتخابي إلى سياسةٍ تنفيذيةٍ فاعلة.
المصادر:
[1] مصادر: ائتلاف السوداني يحقق فوزا كبيرا في انتخابات العراق، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: 12 نوفمبر 2025، متاح على الرابط: https://share.google/RkVxX9xXGl2CTt5Fn
[2] Iraq elections 2025: How votes are won and what the results could mean for Iraq’s fragile stability, CHATHAM HOUSE, published at: 27 October. 2025, available: https://www.chathamhouse.org/2025/10/iraq-elections-2025-how-votes-are-won-and-what-results-could-mean-iraqs-fragile-stability
[3] Ibid.
[4] الكتل السنية في انتخابات 2025… تنافس الزعامات وتعدد التحالفات، RUDAW ، تاريخ النشر: 11 نوفمبر 2025، متاح على الرابط: https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/111120258
[5] PUK leader Talabani urges Kurds to strengthen role in Baghdad elections, RUDAW, published at: 6 October 2025, available at: https://www.rudaw.net/english/middleeast/iraq/061020251
[6] Iraq Security and Humanitarian Monitor, RelifWeb, Published at: 18 September 2025, available at: https://reliefweb.int/report/iraq/ishm-september-11-18-2025
[7] الموجز الأمني العراقي- أكتوبر 2025، صدارة للمعلومات والاستشارات، تاريخ النشر: 5 نوفمبر 2025، متاح على الرابط: https://share.google/5jgH1Vb9Cz2yh0JD4
[8] ماذا يعني غياب الصدريين عن انتخابات العراق النيابية، Independent عربية، تاريخ النشر: 9 نوفمبر 2025، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/RSDHF
[9] انتخابات العراق: فوز السوداني يغير أوزان «التنسيقي»، صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر: 12 نوفمبر 2025، على الرابط: https://share.google/VAAyIl0aa1shCiUB6
[10] US confirms change to military mission in Iraq, The National, published at: 18 August 2025, available at: https://www.thenationalnews.com/news/mena/2025/08/18/us-confirms-change-in-status-of-military-mission-in-iraq/