توجه الموريتانيون إلى صناديق الاقتراع فى التاسع والعشرين من شهر يونيو 2024؛ للمشاركة فى العملية السياسية حيث الإدلاء بأصواتهم فى هذا الماراثون الانتخابى، وذلك فى ظل التحديات الداخلية التى تجابه هذه الدولة الواقعة فى غرب إفريقيا، ناهيك عن السياق الإقليمى الذى يخيم عليه عدم التجانس بين الدول المجاورة لموريتانيا والمؤثرة بحكم المصالح المشتركة والترابط المجتمعى، فى إشارة إلى مدى أهمية عملية الانتقال الديمقراطى والتى أرست طابع الاستقرار النسبى منذ عام 2019، فى الوقت الذى تكافح فيه دول الساحل حالات تمرد واسعة النطاق أسفرت عن وقوع سلسلة من الانقلابات العسكرية.
آفاق المشهد السياسى الموريتانى:
تُجرى الانتخابات الرئاسية فى موريتانيا فى ظل تحولات جديدة على الوضع السياسى فى البلاد، ففى الوقت الذى أعلن فيه رأس المعارضة التقليدية ورئيس تكتل القوى الديمقراطية “أحمد داداه” عن دعمه للمرشح “محمد ولد الغزوانى”، وانخراطه ضمن قائمة الموالين، أعرب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود عن دعمه “العيد ولد امبارك”، أيضًا أدى تراجع العديد من رموز الإسلام التابعين للإخوان عن صفوف المعارضة والتنسيق مع المرشح الانتخابى محمد الغزوانى إلى إرباك المشهد السياسى الموريتانى ونتائجه، على الصعيد الآخر يرى محللون أنه بالنظر إلى حالة الوعى السياسى لدى الشباب بأهمية المشاركة فى الانتخابات فإن حسم نتائج هذا السباق الرئاسى لن يكون باليسير، فى حين أن المعطيات تشير إلى احتمالية فوز “الغزوانى” بهذا النزال وحسم النتائج النهائية لصالحه.[1]
انطلاق النزال الانتخابى:
فى التاسع والعشرين من شهر يونيو الجارى فتحت مكاتب الاقتراع أبوابها على مصراعيها لاستقبال الناخبين للإدلاء بأصواتهم فى ثامن انتخابات رئاسية منذ اعتماد التعددية الحزبية فى نواكشوط عام 1991، وصوت بشكل مبدئى قرابة 2 مليون ناخب موريتانى لاختيار رئيس جديد للبلاد يعمل من أجل مجابهة التحديات الجسام التى تعصف بالداخل والخارج الموريتانى، لا سيما فى ظل الاهتمامات التى حظى بها هذا البلد مؤخرًا، ويتنافس على أصوات الناخبين 7 مرشحين من بينهم الرئيس الحالى محمد الشيخ ولد الغزوانى، وتعقد الانتخابات فى ظل إجراءات أمنية مشددة، خاصة بعد رصد أعمال عنف وفوضى أثناء الحملات الانتخابية، ولكن سرعان ما تم نشر قوات الشرطة فى الشوارع والأماكن العامة للسيطرة على أى محاولات عبثية من شأنها المساس بأمن الدولة، ووفقًا للجنة الموريتانية للانتخابات فإنه فى حالة عدم نجاح أى من المرشحين بالأغلبية المحددة فى الجولة الأولى فسوف يتم إجراء جولة ثانية فى الثالث عشر من يوليو المقبل.[2]
اتهامات بالتزوير:
لقد وجه المرشح الانتخابى “بيرام ولد اعبيد” أصابع الاتهام للجنة الانتخابات بالتآمر مع أنصار المرشح محمد الغزوانى؛ بأنها تساعدهم فى عملية شراء أصوات الناخبين بالمال العمومى، وأضاف “حمادى المختار” مرشح حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية “تواصل” الإسلامى بأن هذه الانتخابات مزورة، فى الوقت الذى يسعى إليه الشعب الموريتانى للتغيير.
تجدر الإشارة إلى أن الشرطة كانت قد قامت باعتقال قادة حزب جبهة التغيير المقرب من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؛ وذلك بسبب دعوته لمقاطعة الانتخابات الرئاسية.[3]
تحديات داخلية:
لقد تمكن الغزوانى من خلق حالة من الهدوء والانسجام السياسى فى موريتانيا وفق ما ذكره فى خطاباته أمام أنصاره، حيث أشار إلى أنه نجح فى تحقيق طفرة كبيرة على مستوى الأمن والاستقرار طيلة فترته الرئاسية، إلا أنه ومع ذلك يواجه تحديات داخلية تتمثل فى ضعف التغطية الإعلامية؛ نظرًا لعدم وجود إنجازات ملموسة خلال هذه الفترة تُمكن وسائل الإعلام المختلفة من تغطيتها وتقديمها للرأى العام، هذا بالإضافة إلى اعتقاد بعض الموريتانيين بأن الانتخابات ما هى إلا عملية تمثيلية لن تُجدى المشاركة فيها، وهو ما يسبب حالة من القلق لدى النظام؛ والتخوف من الصعوبات التى يمكن أن تواجه بعض المرشحين، على الجانب الآخر تشكل فئة الشباب نحو 65% من إجمالى السكان، مع وصول نسبة البطالة فى البلاد إلى حوالى 31%، وبالنظر إلى طموحات الشباب المتعلقة بالهجرة وقضايا البطالة، فثمة تحدٍ يستلزم حيزًا كبيرًا من اهتمامات المرشحين وبرامجهم الانتخابية؛ وذلك لأن هذا الملف قد يكون له انعكاسات خطيرة على الدولة تدفع نحو إحداث اختلالات اقتصادية وديموغرافية لا يستهان بها.[4]
فرص نجاح الغزوانى:
عند استدعاء خريطة المنافسة للانتخابات التى تُجرى حاليًا فى موريتانيا يمكن القول بأن هناك بعض المؤشرات التى تدفع نحو زيادة فرص فوز الغزوانى بولاية ثانية، يمكن إجمالها على النحو التالي:
المعارضة الهشة:
تعانى أحزاب المعارضة من التشرذم والانقسام وغياب روح التعاون من أجل الاستقرار على مرشح واحد للمنافسة فى الانتخابات، إضافة إلى الحيلولة دون إجراء التزكيات لترشح الرئيس السابق “ولد عبد العزيز” بما أدى فى النهاية إلى عرقلة سبل تشكيل تحالف من المعارضة المعتدلة والإسلامية فى مواجهة الغزوانى.
التحديات الداخلية:
تندرج التحديات الداخلية كواحدة من أبرز العوامل التى تدفع المعارضة لدعم الرئيس الغزوانى للفوز بولاية ثانية، خاصة فى ظل عدم الاستقرار الإقليمى فى دول التماس، أبرزها الانقلابات العسكرية والتحولات الجيوسياسية فى منطقة الساحل والصحراء، علاوة على الاضطرابات التى تشهدها الجارة المالية ووقوع عدة حوادث أمنية على الحدود بين نواكشوط وباماكو، كان آخرها حادثة استهداف عدد من الموريتانيين أبريل ٢٠٢٤؛ وبناءً على ذلك أدركت المعارضة مدى أهمية الاصطفاف خلف الرئيس الحالى.
الهيمنة الحزبية:
لقد شكل الحضور الميدانى والتأثير الشعبى لحزب الإنصاف الذى ينتمى إليه الرئيس الموريتانى عاملًا مساعدًا يشير إلى ترجيح كفة نفاذ الغزوانى إلى ولاية أخرى، فقد أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية التى عُقدت فى مايو 2023 مدى قدرة الحزب وسيطرته داخل المجتمع الموريتانى، حيث تنافس فى هذا الماراثون الانتخابى 25 حزبًا، وحصل فيها حزب الإنصاف على 107 مقاعد من إجمالى 176 مقعدًا، وفاز حزب تواصل الإسلامى بـ 11 مقعدًا، وحصل حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم على 10 مقاعد.[5]
ختامًا:
على ما يبدو أن الرئيس الموريتانى سيحظى بالفرصة الأكبر للفوز بولاية ثانية ربما تكون من الجولة الأولى دون الحاجة إلى التوجه لصناديق الاقتراع لعقد جولة ثانية، ويرجح هذا الاتجاه حالة التفكك فى صفوف المعارضة والتيارات الإسلامية، فضلًا عن اتجاه بعض رموز المعارضة نحو دعم الغزوانى، هذا بالإضافة إلى سيادة مناخ عدم الاستقرار واتساع رقعة الاضطرابات التى تعصف بالمنطقة، وهو ما يدفع نحو حشد الرئيس الحالى للحصول على هذا الاستحقاق الرئاسى، إلا أنه قد تتغير موازين المعادلة السياسية بما يتطلب انعقاد جولة ثانية لاختيار مرشح آخر.
المصادر:
[1] انتخابات موريتانيا الرئاسية.. قراءة فى حظوظ المرشحين وخلفياتهم، الجزيرة، ٧ مايو ٢٠٢٤،
