المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > الانتخابات العراقية 2025: مقاطعة “الصدر” وتحوُّلات خارطة التحالفات
الانتخابات العراقية 2025: مقاطعة “الصدر” وتحوُّلات خارطة التحالفات
- أبريل 13, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
شغل قرار مقتدى الصدر، زعيم التيار الوطني الشيعي “الصدري سابقًا”، بمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة يوم 27 مارس 2025، الأوساط السياسية في العراق؛ نظرًا لما يحمله من دلالات تؤثر على التوازنات الداخلية، وتوقعاته بشأن نسبة المشاركة وشرعية العملية السياسية ككل، وقد جاء هذا القرار المفاجئ بعد أسابيع قليلة من دعوته لأنصاره في فبراير الماضي لتحديث سجلاتهم الانتخابية؛ ما أعطى انطباعًا برغبته في العودة للمشاركة بعد مجموعة الانسحابات السياسية التي تلت فوز تياره بأعلى الأصوات في انتخابات 2021. يعكس هذا التحوُّل غير المتوقع عُمْق الارتباك السياسي الذي تمُرُّ به البلاد، ويطرح تساؤلات جادَّة حول طبيعة المرحلة المقبلة.
الانتخابات التشريعية في العراق: السياق والآليات
تعتبر الانتخابات التشريعية في العراق الوسيلة الدستورية الرئيسية لاختيار أعضاء مجلس النواب، الذي يتشكل من 329 نائبًا، يتم انتخابهم عبْر الاقتراع العام المباشر، وتُجرى هذه الانتخابات كل أربع سنوات، بناءً على المادة (56) من الدستور العراقي، ويعتمد النظام الانتخابي الحالي على التمثيل النسبي والفردي، حسب عدة دوائر، وهو نظام تمَّ تطبيقه لأول مرة خلال انتخابات عام 2021، بعد إدخال تعديلات قانونية كبيرة؛ استجابة لمطالب الحراك الشعبي في عام 2019، كما تشرف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على تنظيم هذه العملية بالتعاون مع الأمم المتحدة ومراقبين محليِّين ودوليِّين[1].
وتكْمُنُ أهمية هذه الانتخابات في أنها تشكل الأساس للعملية السياسية في البلاد؛ حيث تقود نتائجها إلى تشكيل مجلس النواب المُخوَّل باختيار رئيس الوزراء؛ كونه أعلى سلطة تنفيذية بالدولة، ووفْقًا للدستور، يُعتبر رئيس الوزراء هو المسؤول الأول عن إدارة شؤون الدولة وتوجيه السياسات العامة، بالإضافة إلى الإشراف على الوزارات والأجهزة الأمنية، ومن ثمَّ، فإن نتائج الانتخابات تتجاوز مجرد إعادة تشكيل السلطة التشريعية لتحدِّدَ أيضًا مَن سيتولَّى قيادة الحكومة؛ ما يؤثر بشكل مباشر على استقرار الدولة واتجاهاتها داخليًّا وخارجيًّا.
الجدل حول موعد الانتخابات: وفي ظلِّ الأجواء السياسية المتوترة اندلع جدلٌ واسعٌ مطلع عام 2025، حول إمكانية تقديم موعد الانتخابات التشريعية؛ ما أثار مخاوف واستفسارات داخل الدوائر السياسية والإعلامية، وتردَّدت شائعات، بأن بعض الكتل السياسية تسعى لتغيير الجدول الزمني للانتخابات لاستغلال ظروف معينة، تخدم مصالحها، وهو الأمر الذي أدَّى إلى انقسامات داخل الرأي العام، ووسط تصاعُد الجدل حول الموضوع، أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بيانًا رسميًا نفت فيه وجود أي خطط أو نوايا لتقديم موعد الانتخابات وأكَّدت التزامها بالجدول الزمني المعلن سابقًا؛ إذ سيجري يوم الاقتراع كما هو مخطط له يوم 11 نوفمبر 2025، وأشارت المفوضية إلى أن مثل هذه الشائعات تهدف إلى زعزعة الثقة بالعملية الانتخابية، ودعت لضرورة الالتزام بالقانون والآليات الدستورية المعمول بها.[2]
خلفية قرار “الصدر”: الانتقال من الحضور إلى العزوف
كان التيار الصدري عنصرًا مؤثرًا بشكلٍ كبيرٍ في الحياة السياسية بالعراق؛ إذ تصدر نتائج انتخابات 2021، وحاز على 73 مقعدًا في مجلس النواب؛ ما شكل مفاجأة للمشهد السياسي حينها، غير أن “الصدر”، وفي خطوةٍ أربكت العديد من الأطراف، قرَّر في منتصف عام 2022 ، سحب نوابه من البرلمان؛ احتجاجًا على ما أسماه “الانسداد السياسي” وعجز القوى الأخرى[3]، وبالأخصِّ “الإطار التنسيقي”، عن تشكيل حكومة تعكس نتائج الانتخابات، أتى هذا الانسحاب ليكون بداية مرحلة جديدة من العزوف التدريجي، الذي شهد مزيدًا من التعزيز بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر 2023 حتى بلغ ذروته في مارس 2025، عندما أعلن مقاطعته للانتخابات التشريعية العامة، وقد برَّر “الصدر” القرار الأخير بناءً على أسباب أخلاقية وسياسية، معتبرًا أن المشاركة في انتخابات تُدارُ “بواسطة الفاسدين والطائفيِّين” تعني شرْعَنَةَ منظومة سياسية لا تمثل تطلُّعات الشعب، بل تكرس سلطة أحزاب تتمتع بنفوذ واسع، عبْر المحاصصة وتقاسم السلطة، كما وجّه انتقادات تجاه التدخُّلات الخارجية، خصوصًا الإيرانية، واعتبرها أحد مُسبِّبَات تدهور الأوضاع السياسية، مؤكِّدًا أن أيَّ عملية انتخابية تحدث تحت هذه الظروف لن تكون سوى تجميل لسلطةٍ مُشوَّهةٍ، على حدِّ قوله، بالمقابل رأى خصومه أن هذا القرار هو محاولة للحفاظ على الكرامة بعد تراجع شعبية التيار في بعض المناطق، بينما اعتبر آخرون، أنه ورقة ضغط تحضيرية لعودة مفاجئة كما فعل في مناسبات سابقة.[4]
خريطة التحالفات السياسية قبيل انتخابات 2025:
تُبدي الساحة السياسية العراقية حراكًا متسارعًا قُبَيْل الانتخابات التشريعية المقبلة، ويمكن إبراز توازنات التحالفات السياسية المتوقعة على النحو الآتي:
-
تتصدر القوى الشيعية المشهد، من خلال تحالف “الإطار التنسيقي”، الذي يضُمُّ أطرافًا مؤثرة، مثل ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وتحالف “الفتح” بقيادة هادي العامري. ويسعى هذا التكتُّل إلى ترسيخ موقعه في المشهد النيابي القادم، مستفيدًا من الغياب المرتقب للتيار الصدري، على الرغم من ظهور تباينات داخلية، بشأن قانون الانتخابات والتحالفات المستقبلية.
-
من جانب الكتل السنية، يُواصل “تحالف السيادة” بقيادة خميس الخنجر، محاولاته؛ لإعادة ترتيب أوراقه، في ظل تحديات بنيوية داخلية وظهور مساعٍ لتأسيس تحالفات جديدة على مستوى محافظات محورية كنينوى والأنبار؛ بما يعكس ديناميكية التنافس على تمثيل المكون السني.
-
أما على الساحة الكردية، فتستمر المفاوضات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني؛ في محاولةٍ لتوحيد الموقف الانتخابي، رغم ما يشوب تلك الجهود من خلافات مستمرة حول تقاسم الصلاحيات وتوزيع الدوائر؛ ما يُبقي احتمالية خوْض الانتخابات بقوائم مستقلة قائمة.[5]
في موازاة ذلك، تسعى القوى المدنية والمستقلة، ولا سيما تلك المنبثقة عن الحراك الشعبي، إلى تثبيت حضورها السياسي، رغم ما تواجهه من قيود تمويلية وتنظيمية تحدُّ من قدرتها على المنافسة على نطاق واسع.
-
وفيما يخصُّ التحرُّكات الحكومية، تُفيد المعطيات بأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يتجه إلى بناء تكتُّل انتخابي واسع النطاق، عبْر نسْج تحالفات مع عدد من المحافظين الذين أحرزوا نتائج متقدمة في انتخابات مجالس المحافظات، أواخر 2023، وفي مقدمتهم؛ محافظو “البصرة وكربلاء وواسط”، كما تتواتر مؤشرات عن انضمام عددٍ من الوزراء الحاليِّين، أبرزهم وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، إلى هذا المسار السياسي الجديد.[6]
إلى جانب ذلك، يُطرح اسم “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، وتحالف “النصر” بقيادة حيدر العبادي، كحلفاء محتملين للسوداني في تشكيل خارطة تحالفاته، وسط مساعٍ موازية لاستقطاب النواب المستقلين. في المقابل، أعلنت حركة “عصائب أهل الحق”، عبْر وزير التعليم العالي نعيم العبودي، نيتها خوض الانتخابات بقائمة منفردة، مع ترك المجال مفتوحًا لتحالفات محدودة، وفْق معطيات المصلحة المشتركة.[7]
آفاق العملية السياسية في العراق (السيناريوهات المحتملة):
تجري الانتخابات التشريعية في العراق لعام 2025، في ظل ظروف إقليمية ودولية مُعقَّدة، تؤثر بشكلٍ عميقٍ على مستقبل البلاد السياسي؛ إذ تمُرُّ المنطقة بزيادة التوترات، بدْءًا من غزة وصولًا إلى لبنان واليمن، بينما تصرف القوى الكبرى انتباهها نحْو إعادة تنظيم أوضاعها، خاصَّةً في ظلِّ حُكْم ترامب وزيادة ضغوطه على حلفائه الإقليميِّين لتنفيذ إستراتيجيات أمنية جديدة؛ ومنها الضغط لتهجير الفلسطينيِّين الذي قُوبل برفْضٍ واضحٍ من الدول العربية، وفي هذا السياق، يبدو العراق مسْرحًا للتأثيرات المختلفة، وخاصَّةً من قِبَلِ إيران التي تستفيد من الانشغال الدولي، وعدم وجود توافق داخلي لتعزيز نفوذها داخل دوائر القرار السياسي والأمني في بغداد.
وفي خِضَمِّ هذه الديناميكيات، يظهر موقف التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر كمؤشرٍ رئيسيٍّ لفهم الوضع الراهن. فإن استمرارهم في مقاطعة الانتخابات قد يُضعف التوازن داخل الصف الشيعي، ويفتح المجال أمام قوى “الإطار التنسيقي” القريبة من طهران للسيطرة على البرلمان المقبل؛ ما قد يقوي النفوذ الإيراني ويواجه بممانعة شعبية وإقليمية.
بناءً على ذلك، يمكن تصوُّر ثلاثة سيناريوهات محتملة لمخرجات الانتخابات القادمة:
السيناريو الأول: تحقيق توازن جديد عبْر تحالفات يقودها السوداني: في هذا السيناريو، هناك احتمال كبير، أن يتمكن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من إنشاء تحالفٍ انتخابيٍّ مَرِنٍ يتجاوز الانقسامات التقليدية ويجمع بين بعض قوى الإطار ومستقلِّين، بالإضافة لشخصيات محلية ناشئة، مع احتمال تشكيل تحالفات مع “الحكمة” و”النصر”، هذا التحالف يمكن أن يعيد خلْق توازن داخل البرلمان الجديد، ويمكن لـ”السوداني” معه الحصول على تفويض سياسي أوسع، دون الاقتراب كثيرًا من الأجنحة الأكثر تشدُّدًا ضمن الإطار، لكن نجاح هذا السيناريو يعتمد على عدة عوامل، منها نسبة الاقتراع وقدرة “السوداني” على المناورة بين المعادلات المحلية والإقليمية.
السيناريو الثاني: تعزيز قبضة “الإطار التنسيقي” وتشكيل حكومة مريحة: في حال استمر التيار الصدري في عدم المشاركة بالانتخابات، فإن ذلك سيُفضي إلى فراغٍ ملموسٍ في مجلس النواب، وخصوصًا في المحافظات ذات الكثافة الشيعية، ومن المحتمل أن يتمَّ مَلْء هذا الفراغ من قِبَلِ قوى “الإطار التنسيقي”؛ ما يتيح لها تأمين أغلبية مريحة في البرلمان المقبل، وسيؤدي مثل هذا السيناريو إلى تشكيل حكومة جديدة تحت قيادة الإطار، دون الحاجة لتوافقات وطنية واسعة؛ ما يعزز من تماسُك السلطة، لكن على الجانب الآخر، قد يؤدي ذلك إلى تقليص الشرعية الشعبية، وزيادة حِدَّة المعارضة المجتمعية، خاصَّةً مع احتمالات التصعيد الميداني من قِبَلِ أنصار “الصدر”.
السيناريو الثالث: تدخُّل “الصدر” في اللحظة الأخيرة: رغم التأكيدات على المقاطعة، يبقى التيار الصدري لاعبًا يصعب التنبؤ بخطواته، وقد يكون السيناريو المفاجئ هو عودة “الصدر” للمشاركة قي اللحظات الأخيرة، أو دعمه لقوائم بديلة غير معلن عنها؛ وهو ما قد يُعقِّدُ الأمور ويمنع الإطار من تحقيق أغلبية مطلقة، ويخلق توازنًا قسْريًّا داخل البرلمان، يدعو مجددًا للتوافق والشراكة، بدلًا من احتكار السلطة.
السيناريو الرابع: تفكُّك البرلمان وعودة الانسداد السياسي: في حال ضعْف نسبة المشاركة الشعبية وارتفاع معدَّلات المقاطعة وتوزيع النتائج النيابية على كُتَلٍ لا تستطيع تشكيل تحالفٍ مُوَحَّدٍ، فقد تعود البلاد لمرحلة الانسداد السياسي التي عطَّلت تشكيل الحكومة لأكثر من عام بعد انتخابات 2021، سينجم عن هذا السيناريو إضعاف مؤسسات الدولة وتعزيز فرص التدخُّل الخارجي، بالإضافة إلى احتمال اندلاع اضطرابات أمنية أو احتجاجات شعبية إذا ترسخت القناعة بفشل العملية الديمقراطية في تمثيل إرادة العراقيِّين.
الخاتمة:
يظلُّ المشهد السياسي العراقي مفتوحًا على شتَّى الاحتمالات؛ فإذا استمرت المقاطعة الصدرية على ما هي عليه، فتكون البلاد أمام برلمان أُحاديّ الصوت نسبيًا، قد يُعيدُ البلاد إلى دائرة الاحتجاجات والتوترات، وقد يواجه صعوبةً في تمرير قوانين حاسمة، بينما يستأنف الصدر نشاطه مجددًا حتى ولو عبْر دعم شخصيات غير معلنة، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة خلط الأوراق داخل الساحة السياسية، ويُعيد التنافس إلى المربع الأول، وفي جميع الأحوال، فإن غياب بيئة سياسية شاملة تُشرك جميع الفاعلين، واستمرار التدخلات الخارجية، وغياب الثقة الشعبية، تُعدُّ أبرز التحديات التي ستواجه الانتخابات المقبلة، وربما العملية الديمقراطية برمتها في العراق.
المصادر:
[1] العراق 2005 دستور، مشروع الدساتير، 2022.
https://www.constituteproject.org/constitution/Iraq_2005?lang=ar
[2] بعد جدل واسع.. الحكومة العراقية تحدد 11 نوفمبر 2025 موعداً للانتخابات البرلمانية، صحيفة النيل، ابريل 2025.
https://linksshortcut.com/LNHKF
[3] أنصار مقتدى الصدر ينسحبون من البرلمان العراقي استجابة لدعوة زعيمهم، – تقرير شبكة BBC العربية، يوليو 2022.
https://www.bbc.com/arabic/62321508
[4] مقتدى الصدر يعلن عدم المشاركة في الانتخابات العراقية المقبلة، الجريدة، مارس2025.
https://www.aljarida.com/article/93844
[5] العراق يحسم موعد الانتخابات… وانقسام بشأن عودة الصدر، صحيفة الشرق الأوسط، ابريل 2025.
[6] العراق… خريطة تحالفات محتملة للانتخابات العامة المقبلة، صحيفة الشرق الاوسط، مارس 2025.
[7] المرجع نفسه