تسعى الحكومة الصومالية إلى تأجيل انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال “ATMIS”، والتي من المُقرَّرِ انسحابُها بشكلٍ كاملٍ في نهاية العام الجاري، مع إحلال قوةٍ جديدةٍ أصغر محلّها، والتي قد تدخل حيِّزَ النَّفَاذ، اعتبارًا من يناير 2025م؛ بهدف استمرار مكافحة الإرهاب، لا سيما حركة الشباب، وذلك بالتنسيق مع الدول المساهمة بقوات؛ لضمان عدم حدوث فراغٍ أمنيٍّ، بما يضمن النَّقْل المُنَظَّم للمسؤوليات الأمنية للسلطات الصومالية؛ ما قد يساهم في دعم الصومال لإضعاف حركة الشباب وتوفير الأمن وحماية المدنيين.
طلب الصومال بتأجيل انسحاب قوات حفظ السلام
عمل الاتحاد الأفريقي على خفْض أعداد قواته تدريجيًّا في الصومال، منذ أواخر عام 2017م؛ إذ انخفض من 22 ألف جنديٍّ إلى حوالي 14 ألف جنديٍّ، وسوف تشهد المرحلة الثالثة وما قبل الأخيرة، مغادرة 4000 جندي من إجمالي عدد الجنود، بحلول نهاية يونيو، وسوف تنسحب البعثة بأكملها، بحلول 31 ديسمبر 2024م، ولكن طلبت الحكومة الصومالية من الاتحاد الأفريقي، بمغادرة 2000 جندي فقط في يونيو، وانسحاب 2000 آخرين في سبتمبر، وكانت قد طلبت بتعديل الجدول الزمني الإجمالي للانسحاب؛ لتعزيز القدرات الفعلية للقوات الصومالية، وأيَّد الاتحاد الأفريقي طلب الصومال الخاص بتأجيل انسحاب قواته التي تقاتل ضد الإرهاب، ودعا إلى تشكيل قوةٍ دوليةٍ جديدةٍ لتحلَّ محلَّ مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي[1].
وبعد انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية، سيصبح الجيش الصومالي أكثر اعتمادًا على الشركاء الخارجيين، لا سيما “الولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، وقطر”، والذين يجب عليهم تنسيق برامجهم السياسية في الصومال، وفي ظل انسحاب البعثة، يجب على الجيش الصومالي الاستعداد لمواجهة المئات من الهجمات الإضافية كُلَّ عامٍ، ونظرًا لأن قوات حركة الشباب تُركِّزُ على استخدام عبوات ناسفة بدائية الصُّنْع، يجب على الجيش تحسين قدراته ضدَّ هذا السلاح لمواجهته.
والجدير بالذكر، أنه تمَّ نشْر قوات حفظ السلام لأوَّلِ مرَّةٍ في الصومال، عام 2007م؛ لحماية الحكومة الصومالية ودعْم الحوار والمصالحة، وأدَّت تلك القوات دوْرًا بارِزًا في مكافحة حركة الشباب؛ إذ طردوا قواتهم من مقديشو، في عام 2011م، واستعادوا العديد من المستوطنات في جنوب ووسط الصومال، بين عامي 2012م و2014م، كما ساهموا في إنشاء أربع ولايات اتحادية جديدة في الصومال، بين عامي 2013م و2017م، وبالرغم من ذلك، لا تزال تلك الحركة من أكثر حركات التمرُّد دمويةً في القارة الأفريقية[2].
إنشاء قوة جديدة تابعة لحفظ السلام في الصومال
أيَّد مجلس السِّلْم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، إنشاء بعثةٍ جديدةٍ، بقيادة الاتحاد الأفريقي، وبتفويضٍ من الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال، ولتحلَّ محلَّ حوالي 14 ألف جنديٍّ، وذلك وسط مخاوف من تزايد قوة تنظيم القاعدة في البلاد، بعد انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية؛ أيْ أن الهدف منها، هو دعْم الحكومة الصومالية في وضْع الترتيبات الأمنية، كما قرَّر مجلس السلم والأمن، بأنه يجب منْح هذه البعثة تفويضًا سياسيًّا قويًّا؛ بحيث يتطابق حجمها ومُدَّتها مع التهديدات الأمنية التي تواجه الصومال في الوقت الحالي، وفي السياق ذاته، طلب من مفوضية الاتحاد الأفريقي، وضْع خيارات تمويل هذه البعثة، بالتشاور مع الأمم المتحدة، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2719، المُؤَرَّخ 21 ديسمبر 2023م[3]، ويُمثِّلُ هذا القرار فُرْصةً لتطبيق الشراكة الأمنية بين “الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي”، ولتفعيل القوة الاحتياطية الأفريقية.
وأبْدت الحكومة الصومالية رغبتها في ألَّا يتجاوز عدد البعثة الجديدة عن عشرة آلاف فردٍ، وأن يقتصر دورها على مهام مُحدَّدة، مثل تأمين المراكز السكانية الرئيسية، ويشير الطلب بقوةٍ أصغر إلى آراء القوميين، الخاصَّة بمعارضة التواجُد الأجنبي المُكثَّف في الصومال، وتمَّ تكليف هذه البعثة بإنشاء خطوط اتصال وعمليات تخطيط مشتركة وقيادة مركزية، ولكن قد يدفع النِّزَاع السياسي بين “إثيوبيا، والصومال” بشأن المذكرة المُوقَّعة بين “إثيوبيا، وأرض الصومال” إلى سحْب إثيوبيا بعض قواتها الأكثر خبرة في القتال.
وفي هذا الإطار، صرَّحت مصادر دبلوماسية، بأن “الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة” باعتبارهما أكبر مُموِّلي قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال، يسعيان إلى تخفيض قوات عملية حفظ السلام؛ نظرًا لأن هناك مخاوف خاصَّة بالتمويل طويل الأجل، كما صرَّح متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بأن الاتحاد يسعى إلى بناء القدرات الأمنية المحلية، ويدعم اقتراح الحكومة، الخاصّ بإنشاء بعثةٍ جديدةٍ أصغر، من حيث الحجم والنِّطَاق، وبالإضافة إلى ذلك، صرَّح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بأن واشنطن أيَّدت الطلبات التي قدَّمها الاتحاد الأفريقي إلى مجلس الأمن، والتي تتعلق بتعديل الجدول الزمني للانسحاب[4].
دعم المجتمع الدولي للصومال في حربه ضد الإرهاب
مُنْذُ الغزو الإثيوبي للصومال عام 2006م، الذي أطاح بالحكومة، تمَّ ضمان أمن الصومال بموارد أجنبية، ومُنْذُ عام 2007م، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 2.5 مليار دولار، على المساعدة في مواجهة الإرهاب، ولا يتضمن هذا الرقم الإنفاق العسكري والاستخباراتي، مثل الطائرات بدون طيار، كما قدَّم الاتحاد الأوروبي حوالي 2.8 مليار دولار إلى بعثة ” ATMIS”، ونظرًا لأنه يدفع معظم الميزانية السنوي، والتي تصل إلى حوالي 100 مليون دولار، فإنه سيتحول نحو الدعم الثنائي مع خفْض مساهماته الإجمالية على المدى المتوسط، وقدَّمت “قطر، وتركيا، ودول الشرق الأوسط” أيضًا مساعدات أمنية، وبالإضافة إلى ذلك، هناك إجماعٌ دوليٌّ قويٌّ لدعْم البعثة الجديدة “بعثة المتابعة”، ولكن لا يمكن معالجة المسألة الخاصَّة بتمويل البعثة الجديدة، إلا بعد الاتفاق بين “الصومال، والاتحاد الأفريقي” على الحجم والتفويض المقترحيْن.
إجمالًا:
يتناسب طلب تأجيل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال “ATMIS” مع التخطيط لبعثة جديدة، وسيتمُّ الانسحاب على أساس شروطٍ لمنع حدوث أيِّ فراغٍ أمنيٍّ؛ وذلك لأن استمرار العمليات الهجومية مع الانسحاب المتزامن، يُعدُّ بمثابة فُرْصةٍ أمام حركة الشباب لإعادة تنظيم نفسه، وتنفيذ هجمات غير متماثل؛ لذا ستُركِّزُ البعثة الجديدة على المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب؛ بهدف إرساء دعائم الأمن والاستقرار السياسي في الصومال، ونجد أن هناك ضرورةً لتشكيل القوات وبناء القدرات لكل من الحكومة الصومالية والدول الأعضاء كعناصر أساسية في تولِّي المسؤوليات الأمنية.
المصادر:
[1] AU ‘strongly supports’ Somali plea to slow troop pull-out, The New Arab, 22 June, 2024.
[2] Paul D. Williams, Somalia army vs al-Shabaab: as African Union troops leave, which is the stronger military force?, The Conversation, June 19, 2024.
