المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > التحركات السعودية في أفريقيا: المُحدِّدات والأدوات
التحركات السعودية في أفريقيا: المُحدِّدات والأدوات
- أغسطس 30, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: حسناء تمَّام، رضوى الشَّريف
مقدمة
شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول القارة الأفريقية تطورًا ملحوظًا على مرِّ العقود الأخيرة، وتُمثِّلُ هذه العلاقات جزءًا من إستراتيجية المملكة؛ لتعزيز تواجدها على الساحة الدولية وتوسيع دائرة علاقاتها الخارجية؛ حيث ارتفعت مستويات التعاون بين الجانبين لتشمل مجالات أوسع من التعاون الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، وتزامن هذا التطور – خاصة في السنوات الأخيرة – مع سلسلةٍ من المتغيرات المهمة، منها؛ التنافس المتزايد بين القوى الدولية والإقليمية؛ لتحقيق وحماية مصالحها في القارة، كما ازدادت تحديات، مثل “الإرهاب، والهجرة غير النظامية، والجريمة المنظمة”، والتي أثَّرت على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعبر المملكة بتحركاتها تجاه أفريقيا عن رغبتها في تنويع قاعدة شركائها الدوليين، وتقليل الاعتماد على العلاقات الغربية، بالإضافة إلى استثمار إمكانيات النمو الاقتصادي المتاحة في القارة.
وتتمتع العلاقات “السعودية – الأفريقية” بتاريخٍ طويلٍ وقويٍّ؛ بسبب القرب الجغرافي لشبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية، وقد تطورت هذه العلاقات وتوسعت بين المملكة العربية السعودية والدول الأفريقية، مع وجود حوالي 40 سفارة أفريقية في الرياض، من إجمالي 55 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، كما أن للمملكة العربية السعودية 35 سفارة في عواصم الدول الأفريقية؛ ما يدل على عُمْق العلاقات والتواصل وأهمية هذه العلاقات والمصالح المشتركة.
يسود تفاؤل وأمل كبيران بانعقاد القمة “السعودية – الأفريقية” نهاية العام الجاري في الرياض؛ حيث إن طموحات التعاون والتنسيق الأفريقي السعودي كبيرة ومهمة، خاصة مع إمكانيات أفريقيا ومكانتها الريادية للمملكة العربية السعودية في العالم اقتصاديًّا وسياسيًّا، ومن خلال رؤية السعودية 2030، فإن الآمال في التعاون والاستثمار والتجارة والتنمية الاقتصادية المتبادلة كبيرة.
لذا تهدف هذه الدراسة إلى عرْض المحددات التي تربط المملكة العربية السعودية بدول أفريقيا، والأدوات التي تستخدمها المملكة في توجيه سياستها الخارجية نحو أفريقيا، مع التركيز على القيمة الإستراتيجية للقارة في مجمل توجُّهات المملكة، كما ستقوم الدراسة أيضًا، بتقييم الدور الذي لعبته المملكة في الساحة الأفريقية.
أولًا: الأهمية الجيوبوليتيكية لأفريقيا
تحظى أفريقيا بأهمية جيوبوليتيكية كبيرة؛ نتيجةً لمجموعة من العوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية التي تجعلها محورًا للتفاعلات الدولية والإقليمية، وتُعتبر أفريقيا ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة؛ حيث تمتد على مساحة تبلغ حوالي 30 مليون و300 ألف كيلومترًا مربعًا، وتُشكِّلُ 20% من اليابسة على الكرة الأرضية، وتضم أفريقيا 54 دولة مستقلة، ويبلغ إجمالي سكانها أكثر من 700 مليون نسمة؛ ما يمثل حوالي 15% من سكان العالم، كما تحتل أفريقيا موقعًا إستراتيجيًّا بين قارتيْ آسيا وأوروبا، وتضم عددًا من الممرات المائية الحيوية، مثل “قناة السويس، ومضيق جبل طارق، وباب المندب، ورأس الرجاء الصالح”، هذا الموقع الجغرافي يُضفي على القارة أهميةً خاصَّةً في السياسات الإقليمية والدولية.
وبالرغم من الصورة السائدة عن التحديات الاقتصادية في أفريقيا، تمتلك القارة موارد طبيعية هائلة ومتنوعة؛ فوفقًا للتقديرات الدولية، تحتوي أفريقيا على نحو 96% من احتياطي الماس، و90% من احتياطي الكروم، و85% من احتياطي البلاتين، و50% من احتياطي الكوبالت، و55% من احتياطي المنجنيز، و40% من احتياطي حجر الأمنيوم، و13% من احتياطي النحاس، و50% من احتياطي الفوسفات، و50% من احتياطي الذهب، و30% من احتياطي التوريوم واليورانيوم، إلى جانب ذلك، تمتلك أفريقيا نحو 20% إلى 25% من إجمالي الطاقة الكهرومائية في العالم، والتي لم يتم استغلالها بشكلٍ كاملٍ حتى الآن.[1]
ومن الناحية الثقافية، يمثل الإسلام نحو 55% من الديانات المعتنقة في أفريقيا، وهو معدل أعلى بكثير من المناطق الأخرى في العالم، هذا التوزيع الديني لديه تأثيرٌ كبيرٌ على القوى السياسية والتحولات الاجتماعية في القارة.[2]
أما على الصعيديْن الدولي والإقليمي، تلعب أفريقيا دورًا مهمًا في الهيئات الدولية والمنظمات الإقليمية، وتحمل دول القارة وزنًا كبيرًا في القرارات الدولية، وتمثل صوتًا مهمًا يؤثر في مصير القضايا الدولية المختلفة، فعلى سبيل المثال؛ تُشكِّلُ أفريقيا حوالي ثلث أعضاء هيئه الأمم المتحدة والمؤسسات والمنظمات الأخرى التابعة له.
إذن يمكن القول: إن أفريقيا تتمتع بأهمية جيوبوليتيكية لا تقتصر على موقعها الإستراتيجي فحسب، بل تمتد لتشمل مواردها الطبيعية وتنوعها الثقافي وتأثيرها على الساحة الدولية والإقليمية، تجعل هذه العوامل منها قوة جذْب للدول واللاعبين العالميين، الذين يسعون للتفاعل مع هذه القارة الكبيرة والمتنوعة.
ثانيًا: محددات السياسة الخارجية السعودية تجاه أفريقيا
تقوم مرتكزات الأمن الإستراتيجي السعودي الراهن على 3 محاور رئيسية: المجال البحري الذي يشمل البحر الأحمر مع امتداداته على القرن الأفريقي وخليج عدن ووادي النيل، المنطقة الخليجية مع التركيز على الوضع مع إيران والمحيط الهندي، والمنطقة الشرق أوسطية من خلال البوابة الأردنية وتداخلها مع الصراع العربي الإسرائيلي. [3]
الكبرى لأفريقيا في تكاملها الجيوسياسي والاقتصادي مع مصالح السعودية؛ حيث ترتبط هذه الأخيرة بـ3 مناطق مهمة: البحر الأحمر الذي يقارب منطقة الخليج، ومنطقة القرن الأفريقي ووادي النيل، وأخيرًا: الفضاء الأفريقي بشكلٍ عامٍ.
ورغم أن المجال البحري يتجاوز الإطار الأفريقي مع وجود دول عربية غير أفريقية فيه، مثل “اليمن، والأردن”، إلا أن الوصول إليه يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على منطقة القرن الأفريقي، وهي الممر الحيوي لأمن السعودية ومصالحها.
هذا المجال مفتوح أيضًا، من خلال ممرات “مصر، والسودان”، التي تقدم إمكانية الوصول إلى دول شرق أفريقيا وبحيراتها، وهي منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة.
من هنا، تتجلَّى الأُسس الضرورية التي توضح محددات التحرك السعودي لتعزيز وتوسيع الشراكة الإستراتيجية مع البلدان الأفريقية، التي تندرج ضمن هذه الدوائر المتشابكة، والتي يمكن تقسيمها كالآتي:
محددات التحرك السعودي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي
وضع قواعد ثابتة لتنظيم الشراكة السعودية مع الدول المطلة على البحر الأحمر، من خلال تعزيز وتفعيل مبادرة الدول الـ8 المتشاطئة على سواحل البحر الأحمر، وهما: (السعودية، مصر، الأردن، السودان، اليمن، إريتريا، الصومال، وجيبوتي).[4]
تعزيز الوجود العسكري والأمني السعودي في المناطق التي تتداخل فيها إستراتيجيات أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، من خلال تعزيز الدور السعودي في منطقة خليج عدن وباب المندب، وذلك عبْر الاستثمار الاقتصادي والحضور العسكري في جيبوتي وجزر المحيط الهندي في شرق أفريقيا.
التعامل مع التحديات الإيرانية والتركية في القارة الأفريقية، إذ تمارس إيران تأثيرها من خلال التشيُّع والدعم العسكري والشراكات التجارية، بينما توسِّع تركيا نفوذها عبْر الاستثمارات والشراكات الاقتصادية والدبلوماسية؛ لذا تسعى السعودية بتطوير إستراتيجية لمواجهة تلك النفوذ، وللحفاظ على دورها وقوتها في القارة.
العمل على تحقيق تنمية اقتصادية وإستراتيجية في السودان؛ لتكون جسرًا حيويًّا بين السعودية ودول وسط وشرق أفريقيا، وممرًا إلى الساحل الأفريقي؛ يأتي ذلك نتيجةً لحدود السودان المفتوحة على 5 دول أفريقية رئيسية، والتي تمتلك تأثيرًا كبيرًا في القارة.
انضمام السعودية كعضو مراقب للاتحاد الأفريقي؛ نظرًا لروابطها الوثيقة بأفريقيا، ولأهمية العنصر الأفريقي في تشكيلها الاجتماعي والثقافي، من خلال هذا الانضمام، تقوم السعودية بأدوارٍ إستراتيجية داخل مؤسسات الاتحاد الأفريقي، واستغلال مزايا السوق الأفريقية المشتركة، في ظل المنافسة العالمية على أفريقيا بين القوى الدولية الرئيسية.
محددات التحرك السعودي في جنوب غرب أفريقيا
تسمى الدول الواقعة في تلك المنطقة بـ “الحزام النفطي”، وتتضمن “نيجيريا، والكاميرون، والغابون، وغينيا الاستوائية، وساحل العاج، والكونغو، والكونغو الديمقراطية، وأنغولا”، وتمثل هذه الدول الأفريقية المصدّرة للنفط قاعدة مهمة لإستراتيجية الاستثمار السعودي في قطاعاتها التنموية والاقتصادية المتنوعة، وتعكس إمكانات كبيرة لتطوير العلاقات بين البلديْن.
محددات التحرك السعودي في الساحل الأفريقي
أما بلدان الساحل الأفريقي، فتُحَدَّد مكوِّنات توسيع وتعزيز الشراكة الإستراتيجية المطلوبة مع دول الساحل الأفريقي، بناءً على تداخل مناطق حيوية متعددة، عن طريق وضْع أُسس قاعدية للتعاون السعودي مع دول الساحل الأفريقي، والتي تُعدُّ بشكلٍ عامٍ مناطق غرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة، هذه المناطق تحمل تراثًا حضاريًّا وثقافيًّا غنيًّا، ولها أهمية دينية بالنسبة للمملكة، كما أنها تشكِّل اليوم واحدةً من المسارات الأساسية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني، بالتعاون مع بلدان المغرب العربي، التي تشترك في تلك المناطق، يمكن للمملكة أن تقوم بدورٍ إستراتيجيٍّ قويٍّ في هذه المنطقة.
ثالثًا: أدوات التحرك السعودي في أفريقيا
استخدمت المملكة جميع أدوات سياستها الخارجية؛ بهدف تحقيق وتعزيز مصالحها الوطنية في القارة الأفريقية، وتجسَّدت تلك الجهود من خلال تنوع الممارسات السعودية في أفريقيا على عدة محاور مختلفة كالآتي:
المحور السياسي
انطلاقًا من نقاط التحوُّل المتتابعة التي شهدتها المملكة العربية السعودية، والتي يمكن الإشارة إلي بدايتها منذ عام 2016؛ إذ شهدت تولِّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد وسياسته الخارجية المنفتحة التي تبنَّاها، وبدأ التأسيس لها منذ ذلك الحين، من ناحية أُخرى، شهد عام 2020، انسحابًا أمريكيًّا من أفغانستان؛ ما أدى إلى وجود قناعة سعودية بضرورة فكِّ الاعتماد نسبيًّا على الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية ثالثة، أتت الحرب “الروسية – الأوكرانية” وأحدثت حالةً من انشغال القوى الكبرى؛ ما مثَّل فرصةً وتحديًا بالنسبة للقوى الإقليمية في إدارة تحدياتها، وتحديات دول الجوار؛ الأمر الذي شهد معه تحركات سعودية في عددٍ من الأزمات السياسية في المنطقة، وفي ضوء تلك المحددات، نراقب كيف تعاملت السياسة الخارجية السعودية مع قارة أفريقيا وخصوصًا إقليم الجوار المتمثل في شرق أفريقيا؟
ويمكن القول: إن مستويات الأداة السياسية تنوعت على المستوى الدبلوماسي التقليدي، مرورًا بالدخول في تنسيقات مشتركة متعلقة بقضايا القارة، وصولًا إلى وساطة في الأزمات.
الوساطة والتدخل في الأزمات:
برز الدور السعودي في العديد من الأزمات خلال السنوات الأخيرة، على وجه الخصوص، كان أبرزها؛ ما قدمته من مساعٍ خلال أزمة السودان، والأزمة الليبية، والوساطة في الأزمة “الإريترية – الإثيوبية”.
(أ) الأزمة السودانية
انضمت السعودية للآلية الرباعية، وأتت لتكمل ما تحتاجه الآلية الثلاثية؛ في سبيل العمل ناحية تسوية الصراع، وتقوم فيها بدورٍ فاعلٍ، بالتنسيق مع (بريطانيا، والولايات المتحدة، والإمارات)، وذلك باعتبارها دولة جوار مع السودان من ناحية، بجانب كونها فاعلًا إقليميًّا مهمًا، يحظى بمقومات الوسيط الجديد، وبالفعل أخذت فيه عدة جولات مهمة في مساعي حلحلة الأزمة، كان من ضمنها؛ ترتيب لقاءات للفرقاء، وترتيب اجتماعات مع الترويكا، والسعي نحو حلحلة الأزمة والتحرك نحو التهدئة.
وفي ظلِّ تعقُّد المشهد الذي خلَّف أحداث أكتوبر، سعت المملكة لاستضافة مفاوضات جدة، والتي تهدف للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ومع الانقسام والاقتتال الدائر بين المُكوِّن العسكري، ممثلًا في رئيس المجلس السياسي بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بدأت الحاجة ماسَّة إلى العودة إلى مسارات التسوية، واختيار مسارٍ آمنٍ، يبدو أن السعودية استطاعت أن تكسب ثقة المُكوِّن المدني، وبناءً عليه؛ أعلنت قوى الحرية والتغيير، أن إطار المفاوضات المتَّبع في حل الأزمة هو مفاوضات جدة، والتي من المقرر أن يتم استئنافها.
(ب) الأزمة الليبية
كان للسعودية محاولة وساطة كذلك في الأزمة الليبية، والتي سعت من خلالها لتقريب وجهات النظر بين المشير خليفة حفتر، ومجلس النواب الليبي، في الوقت الذي أعلن فيه المشير خليفة حفتر، سعيه لدخول طرابلس، وذلك في لقاء جمع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر؛ لمناقشة مستجدات الأوضاع على الساحة الليبية، وذلك في مارس عام 2019. [5]
(ج) الوساطة بين إرتريا وإثيوبيا[6]
وقَّع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، اتفاق سلام في السعودية، وكان الزعيمان “الإثيوبي، والإريتري” قد وقَّعا “إعلانًا مشتركًا للسلام والصداقة”، في التاسع من يوليو 2018؛ لتطبيع العلاقات بين البلديْن، فقد كانا في حالة عداء لفترة طويلة، ونشبت بينهما حروب في الفترة بين 1998 و2000، وذلك من خلال اتفاق السلام المُوقَّع في مدينة جدة، والذي جرى الإعلان عنه في بيان أصدرته الحكومة السعودية.
وتعتبر هذه الوساطة نقطةً مضيئةً ومهمة في اتجاه المساعي السعودية؛ إذ أنهت حربًا امتدت 20 عامًا، من ناحيةٍ أُخرى، كانت نقطة تحوُّل ايجابية في تاريخ العلاقات البينية في القرن الأفريقي، وساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تهيئة أوضاعٍ أكثر انفتاحًا، كما فكَّت بشكلٍ نسبيٍّ عُزْلة إريتريا.
(د) لقاءات دبلوماسية، وتفاعل مع مختلف التطورات
في الاتجاه ذاته، تستمر مساعي التنسيق الدبلوماسي بين المملكة والقادة الأفارقة، كان آخرها؛ زيارة جرت في يونيو 2023؛ إذ اجتمع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في الرياض، مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وتم خلال الاجتماع، استعراض العلاقات الثنائية بين البلديْن، وأوجه التعاون المشترك، ومستجدات الأحداث الإقليمية، والجهود المبذولة تجاهها. [7]
وفي سياق التفاعل الأفريقي مع أنشطة المملكة، أعلن المبعوث الخاص لرئيس أفريقيا الوسطى، جول نجاوي، عن دعم بلاده طلب السعودية استضافة معرض إكسبو 2030، في مدينة الرياض، وذلك عقب استقبال الرئيس فوستين توادير، رئيس أفريقيا الوسطى، المستشار بالديوان الملكي السعودي أحمد بن عبد العزيز قطان، وإعلان دعم جميع الفعاليات التي تستضيفها المملكة، ويؤكد أن المملكة لديها جميع المقومات والإمكانيات التي تُمكِّنُها من تنظيم هذه الفعالية الدولية، وكان خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بعث برسالة شفوية إلى الرئيس فوستين توادير، رئيس أفريقيا الوسطى، تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلديْن الصديقيْن، وسبل تعزيز التعاون المشترك[8]، كما أعربت دولة جنوب أفريقيا كذلك عن دعمها استضافة المملكة لمعرض إكسبو.
وتنظر السعودية للصوت الأفريقي الداعم للمملكة في استضافة معرض إكسبو 2030، بأنه سيكون حجر الأساس لتحقيق نقلة نوعية لمفاهيم جديدة لقوى التنمية الحقيقية “السعودية -الأفريقية”. [9]
التنسيقات المتعلقة بالقضايا الأفريقية:
الدخول على خط القمم الموسع:
تزايد عدد القمم التي تجريها القوى الكبرى مؤخرًا، سواء مع أفريقيا، أو في منطقة دول الشرق الأوسط والمنطقة العربية؛ في محاولةٍ لكسْب الأطراف الفاعلة في هذه الأقاليم، وأن تحصل منهم على موقفٍ مُوحَّدٍ بالتعاون معًا، أو دعمها وتعزيز العلاقات، ومؤخرًا عُقِدَ عددٌ من القمم المهمة، منها؛ القمة “الأمريكية – الأفريقية”، قمة الأعمال «الأمريكية – الأفريقية»، القمة «الأفريقية – الروسية»، وبالفعل، اتخذت المملكة أولى الخطوات ناحية هذه القمم، ومنها؛ القمة «العربية – الصينية»: والتي عُقدت مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية، في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر 2022، وبحكم التقاطعات بين الهوية والجغرافيا، ضمَّت معظم دول إقليم شمال أفريقيا؛ بهدف تنسيق ملفات التعاون النفطي، والتبادل التجاري، والتي حَظِيَتْ مُخْرجاتُها بالقبول.
ومن المرتقب، أن تؤخذ خطوات أوسع تجاه هذه الأداة؛ إذ قال المستشار بالديوان الملكي السعودي، أحمد قطان: إن بلاده مستعدة لاستضافة القمتيْن “السعودية – الأفريقية” الأولى، و”العربية – الأفريقية” الخامسة، خلال العام الجاري؛ تأكيدًا لاتجاه خلال الحقبة الزمنية القادمة في العمل مع كل الدول الأفريقية؛ لتحقيق أهداف التنمية، كما أعلنت وزارة الطاقة، أن المملكة العربية السعودية ستستضيف في العاصمة الرياض، بالتنسيق والتعاون مع أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي، “أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2023م”، خلال الفترة من 8 إلى 12 أكتوبر 2023م، وسيشارك فيه عددٌ كبيرٌ من الوزراء والمسؤولين والإعلاميين[10]
وجودها عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي
انضمام السعودية كمراقب للاتحاد الأفريقي، باعتبار ارتباطاتها المحورية بأفريقيا، وباعتبار أهمية العنصر الأفريقي في تركيبتها البشرية، هذا الانضمام سمح للسعودية بأداء دورها الإستراتيجي الكامل من داخل المؤسسات الإقليمية الأفريقية، والاستفادة من مكاسب السوق الأفريقية المشتركة، في مرحلة اشتداد صراع الاستقطاب الدولي على أفريقيا بين القوى الدولية القديمة والصاعدة، هذه العضوية سُمِحَ لها بانخراط أوسع مع الاتحاد، وحضور الفعاليات والمؤتمرات الأفريقية المهمة، وكان آخرها؛ حضور وزير الخارجية السعودي الاجتماع الوزاري للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية دول الاتحاد الأفريقي المنعقد في كينيا.[11]
محور المساعدات الإنسانية
يعتبر مدخل المساعدات الإنسانية، واحدًا من أكثر المداخل التي تعتمد عليها السعودية في علاقاتها مع الدول الأفريقية، وفقًا لمركز الملك سلمان للإغاثة، فإن أعمال الإغاثة والمشروعات التي خصَّصتها المملكة العربية السعودية لأفريقيا، بأنها القارة الثانية التي حَظِيَتْ بالنصيب الأكبر في المساعدات، والتي بلغ عددها في أفريقيا 1840، بتكلفة قدرها 45,335 مليار دولار أمريكي.[12]
دلالات واقع المساعدات الإنسانية لأفريقيا:
من خلال البيان الصادر عن موقع الملك سلمان للإغاثة، نجد أن السعودية تقدم المساعدات الإنسانية لـ 54 دولة أفريقية، وذلك على اختلاف حجم المساعدات المقدمة لهذه الدول، وأنه لا تخلو أيُّ دولة من مشروع مساعدات إنسانية، وهو تقدم كبير يُحسب لجهود الإغاثة التي تقدمها السعودية.
من جهة أخرى، وبالنظر إلى اتجاه الأقاليم التي تخُصُّها السعودية بالمشاهدة، فنجد أن إقليم الشمال الأفريقي تحظى بالنسبة الأكبر في عدد المشروعات، وتأتي مصر في مقدمة تلك الدول، تليها السودان، وتونس، ثم المغرب وموريتانيا، أما الإقليم الثاني، فيأتي إقليم شرق أفريقيا في المرتبة الثانية، شاملًا كُلًّا من “إثيوبيا، والصومال، وجيبوتي، وكينيا”، ويأتي إقليم غرب أفريقيا في المرتبة الثالثة، شاملًا “مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا”.
ولعل ترتيب هذه الأقاليم بالأساس يتماشى مع الأهمية السياسية والجيوستراتيجية التي تُولِيها السعودية، في إقليم شمال أفريقيا، فيشمل الدول العربية التي تربطها بالسعودية علاقات هوية مشتركة، متمثلة في وحدة “اللغة، والدين”، والروابط التاريخية، في المرتبة الثانية التي حَظِيَ بها إقليم شرق أفريقيا، يمكن فهمها في سياق التقارب الجغرافي، وأن الشرق الأفريقي يعتبر إقليم جوار بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وبالتالي تصُبُّ هذه المساعدات بالأساس في سياق دعم أمن هذه الدول، والتي تُؤثر بالضرورة على أمن المملكة بحكم التجاور الجغرافي.
أما طبيعة المشروعات المدعومة، فقد اشتملت على حزمة واسعة، كانت الأولوية للمساعدات الإنسانية التي تشمل قطاعات “الصحة، والتعليم”، وهناك مساعدات إنسانية خاصة بالأمن “الغذائي، والزراعي”، ومساعدات إنسانية متعددة القطاعات، منها مساعدات تنموية “الزراعة، والغابات، والأسماك، والزراعة”، بجانب “الخدمات المالية والمصرفية، والصناعة والتعدين، والموارد المعدنية، والطاقة، والمياه، والإصحاح البيئي، النقل والتخزين”.
بجانب ذلك يكون الحضور السعودي، ضمن الدول ذات الاستجابة السريعة في أوقات الأزمات والصراعات.. مساعدات كورونا؛ إذ قدمت المملكة دعمًا للدول الأفريقية؛ لمساعدتها في التعافي من تداعيات “جائحة كوفيد – 19” على اقتصاداتها، من خلال رصْد استثمارات وقروض قيمتها حوالي مليار دولار فقط حتى مايو 2021، وفي مؤتمر في باريس، بشأن تخفيف أعباء ديون أفريقيا، أُعلن أن لدى المملكة العربية السعودية مشاريع وقروضًا ومنحًا مستقبلية، ينفذها الصندوق السعودي للتنمية في الدول النامية بأفريقيا، تتجاوز قيمتها 3 مليارات ريال سعودي؛ أيْ ما يقارب مليار دولار خلال العام ذاته. [13] [14]
كما لعبت السعودية دورًا رياديًّا في دعم اقتصاد الدول الأفريقية خلال فترة ترؤُّسها مجموعة الـ20 (2019- 2020)؛ إذ كان أحد أبرز قرارات قمة الـ20؛ تعليق ديون الدول الفقيرة بسبب الجائحة، وفّرت هذه المبادرة التاريخية سيولة عاجلة لـ73 دولة من الدول الأشد فقرًا، من ضمنها؛ 38 دولة أفريقية، حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي، وأعلن الصندوق السعودي للتنمية بشكلٍ فعّالٍ في أفريقيا، مبادرة بـ 200 مليون يورو؛ أيْ ما يقارب مليار ريال سعودي؛ لتطوير دول الساحل، بالمشاركة مع وكالة التنمية الفرنسية [15]، من ناحية أخرى، يمكن القول: إن طبيعة توزيع المساعدات الإنسانية، وإيلاء الأولوية لإقاليم بعينها دون غيرها، يتماشى مع الأهمية السياسية والإقليمية لتلك الأقاليم بالنسبة للسعودية.
المحور الاقتصادي:
في السنوات الأخيرة، تتبع السعودية سياسةً اقتصاديةً إستراتيجية ذات أبعاد ودلالات عميقة، تتضمن هذه السياسة توسيع نطاق اهتمامها بالقارة الأفريقية، وبناء شراكات اقتصادية وتجارية واستثمارية شاملة، وقد أسفرت هذه الإستراتيجية عن نتائج مهمة، أثَّرت إيجابًا على الدور السعودي كأكبر اقتصادٍ في المنطقة، تسعى المملكة – وفقًا لرؤيتها 2030- إلى أن تصبح قوة استثمارية رائدة على المستوى العالمي؛ حيث تُركِّز على تعزيز قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتجارية.
تعمل السعودية على توطيد علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول القارة الأفريقية، من خلال توثيق العلاقات وتعزيز الشراكات الثنائية، وقد تضمَّن ذلك مشاريع مشتركة مهمة، مثل؛ إطلاق محطة طاقة شمسية في جنوب أفريقيا بتكلفة تقدر بـ328 مليون دولار، وتنفيذ خطوط ملاحية مباشرة بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان؛ لتعزيز التبادل التجاري[16]، كما تسعى السعودية إلى إقامة مصفاة نفطية ومصنع للبتروكيماويات في جنوب أفريقيا، باستثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار.
وتسعى المملكة إلى تعزيز العلاقات مع بلدان السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي، من خلال خلْق مجالات جديدة للاستثمار والتنمية، عبْر الأمانة العامة للكوميسا؛ حيث في يونيو 2022، زار معالي السيد أحمد بن عبد العزيز قطان، المستشار لدى المحكمة الملكية للمملكة العربية السعودية، الأمانة العامة للكوميسا؛ لمناقشة التعاون، وطلب الدعم في استضافة المعرض العالمي إكسبو 2030، في المملكة العربية السعودية. [17]
ويُذكر، أن المملكة قد خصَّصت في العام الماضي ما يقارب من مليار دولار أمريكي لمشاريع الاستثمار في أفريقيا في القطاعات التالية، وهي: (الصناعة، والتمويل، والزراعة، وصيد الأسماك، والتعدين، والنقل، والأمن الإقليمي، والطاقة)، علاوةً على ذلك، ساهمت المملكة بأموالها في تنمية أفريقيا، بما في ذلك مكافحة “الجوع، والفقر، والأوبئة، والأمراض”، مثل “جائحة كوفيد – 19″، كما تم توفير إجمالي 500 مليون دولار؛ لمكافحة “جائحة كوفيد – 19″، و150 مليون دولار لصالح تحالف اللقاح و200 مليون دولار لدعم المرافق الصحية.[18]
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا، يُمثّل النفط ومشتقاته عماد الصادرات السعودية لأفريقيا، بينما تشمل الواردات من اللحوم والمعادن والفحم.
وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في 2015، سجَّل نحو 18.2 مليار دولار، منها؛ 14.9 مليار دولار صادرات سعودية، و3.3 مليار دولار واردات المملكة، وهنا تبْرُزُ “مصر، وجنوب أفريقيا، وإثيوبيا” كأهم شركاء التجارة مع السعودية، ومن المتوقع، أن يزداد حجم التجارة “السعودية – الأفريقية” مع اتجاه المملكة لإقامة خطوط بحرية وبرية مباشرة مع أفريقيا، مثل؛ الخطوط الملاحية بين موانئ جيبوتى وجدة وجازان، والإعلان عن مشروع جسْر الملك سلمان على خليج العقبة، في أبريل 2016، وتدشين مشروع نيوم عام 2017، بقيمة نصف تريليون دولار؛ لإقامة منطقة اقتصادية عالمية بين “مصر، والسعودية، والأردن”، وسعت المملكة لتدشين شراكة مع مصر؛ للاستفادة من المزايا والاتفاقيات التجارية التي تتمتع بها مصر في القارة.[19]
المحور الأمني ومكافحة الإرهاب
تشهد القارة الأفريقية منافسةً متصاعدةً بين القوى الإقليمية والدول العالمية؛ حيث تسعى هذه القوى إلى تعزيز تأثيرها العسكري، من خلال إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة، تأتي هذه الجهود من جهات متعددة، منها؛ تركيا التي أنشأت قاعدة عسكرية في الصومال، و”إيران، وإسرائيل” اللتان لهما قاعدتان عسكريتان في إريتريا[20]، وبالإضافة إلى “تركيا، وإيران، وإسرائيل”، تسعى دول أخرى أيضًا إلى زيادة تواجدها العسكري في منطقة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي.
استجابةً لهذه التحديات، اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءات مهمة؛ للمساهمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، فأسست المملكة مجلسًا للدول المُطلِّة على البحر الأحمر وخليج عدن، بالتعاون مع بعض دول القرن الأفريقي؛ بهدف تعزيز التعاون ومواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، انتقلت السعودية إلى تعزيز تواجدها في المنطقة، وشكَّلت لجانًا عسكرية مشتركة مع دول صديقة، وقد دعمت هذه الجهود بتزويد هذه الدول بالأسلحة؛ للدفاع عن أمنها واستقرارها في وجه التحديات الإقليمية.
تعاونت السعودية أيضًا مع دول أفريقية في المجال العسكري؛ حيث بدأت في التعاون مع الشركات المتخصصة في تصنيع الأسلحة في جنوب أفريقيا، وقامت بإنشاء مجمع عسكري في المملكة؛ لإنتاج قذائف الهاون وقنابل الطائرات بترخيص من شركة راينميتال دينبل الجنوب أفريقية.[21]
بالإضافة إلى ذلك، تقدم السعودية مساعدات عسكرية لبعض الدول الأفريقية، مثل “الصومال، والسودان، وجيبوتي، وإريتريا”، وقد حصلت الصومال وحدها على دعمٍ ماليٍّ مقداره 50 مليون دولار، من المملكة في عام 2019؛ ما يعكس التزام السعودية بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
رابعًا: تقييم التحركات السعودية تجاه أفريقيا
تدرك السعودية أن معيار تحقيق المكاسب وتقديم الدعم للدول الأفريقية مؤشر مهم، يمكنها أن تُحْرِزَ تقدمًا من خلاله، وبجانب أن مشاهد توسع القوى الإقليمية والدولية في أفريقيا، فإنه من المؤكد أن المعيار الاقتصادي عنصر مؤثر في هذه المعادلة.
وتستطيع المملكة تحقيق تفوق في هذا المضمار، بما تملكه من فوائض مالية وطموحات سياسية، خصوصًا في ظل ميْلها إلى الانفتاح وتجنُّب الدخول في صراعات قد تُكبِّدُ الجميع خسائر باهظة، ونجد أن السعودية تجيد استخدام هذا الملف؛ حيث ينعكس ذلك في حرصها على وجود استثمارات لها في كل دول القارة، وإن كانت تلك الاستثمارات متفاوتة في حجمها بين الدول، وبين الأقاليم المختلفة.
لكن في الوقت ذاته، نجد أن توزيع حجم ونطاق هذه المساعدات يتناسب مع أهمية الأقاليم والدول المختلفة بالنسبة للسعودية، والتي يُعتقد أنها تعتمد بشكل أساسي على محددات الهوية، والتي يُشكِّلُ الدين الإسلامي الجزء الأكبر منها، بجانب الجانب المتعلق باللغة.
يفرض الجوار الإقليمي على السعودية، أن يكون هناك تمييز إيجابي لصالح إقليم شرق أفريقيا؛ ليحظى بقدْر أوسع من الاهتمام الأفريقي، سواء على مستوى المساعدات الإنسانية، أو الاهتمام السياسي، ففي المستوى السياسي، نجد أن السعودية تدخَّلت في عددٍ من أزمات دول شرق أفريقيا، وعلى رأسها؛ كانت وساطتها بين “إثيوبيا، وإريتريا” التي أنهت حربًا طويلةً، بجانب توسُّطها على خط الأزمة السودانية بما لها من تعقيد في المطالب وتعدُّد في الأطراف.
وعلى مستوى تلك الوساطات، يجدر الإشارة، أن نوْع الأزمات التي توسَّطت فيها السعودية تعكس مقومات المملكة التي تجعلها على المستوى السياسي فاعلًا إقليميًّا رئيسيًّا، يحظى بمقومات الوسيط الجيد من ناحية قبول الأطراف المتصارعة له، وحيادية الموقف، والنجاح في تقديم مقاربات يصلح للتأسيس عليها، بجانب امتلاكها لأدوات فعَّالة تُمكِّنُها من الضغط على الأطراف، والمناورة لصالح تحقيق التسوية.
وبالنسبة لتقييم التحركات السعودية في الجانب الاقتصادي، فيُلاحظ وجود فائضٍ في الميزان التجاري لصالح السعودية في مواجهة كافة دول أفريقيا جنوب الصحراء، بما فيها جمهورية جنوب أفريقيا؛ حيث حقَّقت السعودية فائضًا في الميزان التجاري معها، بلغ 7.6 مليارات ريال، عام 2016، لكن قيمة التجارة “السعودية – الأفريقية” بوجهٍ عامٍ، لا تزال متواضعةً جدًّا، مقارنةً بإجمالي التجارة السعودية مع العالم، والتي بلغت 1.52 تريليون دولار عام 2019، لكن تظل الاستثمارات السعودية في أفريقيا دون المستوى المأمول، فهي لا تتجاوز 26% من إجمالي الاستثمارات السعودية عبْر العالم.
وفي هذا الإطار، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل مجتمعة كقوة اقتصادية وسياسية؛ لتعزيز العلاقات مع دول أفريقيا، وتنافس القوى الأُخرى، مثل “إيران، وتركيا، والصين، والهند”، هذا العمل المشترك سيُعزِّزُ من تأثير دول المجلس في القارة، ويعمل على توجيه جهودها بشكلٍ أفضل.
الخاتمة
في السنوات الأخيرة، أدركت المملكة العربية السعودية أهمية قارة أفريقيا، وما يجري فيها من تحديات وتهديدات تواجه أمنها الإقليمي، ولم يعُدْ يقتصر دور المملكة على أن يكون مجرد ردود أفعال للأحداث الجارية هناك، وإنما بدأت تبني مبادرات تأتي منطلقة من رؤية إستراتيجية حديثة وطموحة؛ تهدف هذه المبادرات إلى تحقيق مزيدٍ من المكاسب التي تخدم مصالحها، وتُعزِّز دورها الإقليمي الإيجابي، والتأثير على الساحة الدولية بشكلٍ عامٍ، بالإضافة إلى دورها البنّاء في المنطقة المحيطة بها.
وبفضل المقومات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والدينية، تمتلك المملكة القدرة على أن تكون لاعبًا مؤثرًا إقليميًّا وتلعب دورًا مركزيًّا في السياسة الدولية، ويأتي الملف الأفريقي ضمن هذا السياق؛ حيث تبْرُزُ السياسة الخارجية السعودية في أفريقيا كإستراتيجية تمتاز بالتنوع والشمولية، وتعكس توجهات المملكة نحو تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، كما تعكف السعودية على بناء شراكات متينة مع الدول الأفريقية في مختلف المجالات، وتستخدم أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية؛ لتعزيز تلك العلاقات وتحقيق المصالح المشتركة، ومن المتوقع، أن تشهد الفترة القادمة مزيدًا من التحرُّك السعودي نحو الانفتاح على القارة السمراء، وتعزيز علاقاتها مع دولها.
التوصيات:
وضع إستراتيجية استباقية تهدف إلى تعميق العلاقات بين المملكة والدول الأفريقية، وتنسيق المواقف السياسية والأمنية، وتعزيز التعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم حلول للقضايا التي قد تُشكِّلُ تهديدًا إستراتيجيًّا.
تصميم إستراتيجية خليجية للتعامل مع القارة الأفريقية على غرار الاتحاد الأوروبي، ويتطلب ذلك توجيه اهتمام خاص للمصالح المشتركة، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات بين الدول الخليجية والدول الأفريقية.
توجيه المملكة العربية السعودية نحو تعزيز قدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتجارية في أفريقيا، من خلال تعميق علاقاتها التجارية والشراكات الاقتصادية مع دول القارة.
تفعيل وتعزيز دور مجالس الأعمال “السعودية – الأفريقية” على مستوى الثنائية ومتعددة الأطراف، وتعزيز ارتباطها بجهات، مثل “هيئة التجارة الخارجية، وهيئة الصادرات” في المملكة.
تعزيز دور الملحقات التجارية كجزء من منظومة عمل فعَّالة؛ لتحقيق أهداف رؤية المملكة، ودعم تطلعات الدول الأفريقية التنموية.
التنسيق والتشاور مع حكومات الدول الأفريقية؛ لمكافحة ظاهرة الإرهاب الدولي، مستفيدةً من خبرتها الواسعة في هذا المجال.
تعزيز التعاون العسكري مع الدول الأفريقية، خصوصًا فيما يتعلق بتطوير الصناعات العسكرية في المملكة، واستيراد التكنولوجيا العسكرية وغيرها من التقنيات اللازمة.
تشجيع عقْد شراكات إستراتيجية وتوْأمة بين الجهات السعودية ونظائرها الأفريقية، مع التركيز بشكلٍ خاصٍّ على تنمية رأس المال البشري، وتعزيز التعاون في المجالات ذات الصلة.
أهمية استثمار مشروع جسْر الملك سلمان كوسيلة حيوية وإستراتيجية لتنفيذ مشروع طريق الحرير الصيني، وتعزيز تأثير السعودية في القارة الأفريقية.
أهمية توجيه شركات النقل الجوي؛ للتغلب على العُزْلة بينها وبين أفريقيا، من خلال تنظيم رحلات جوية تجارية، من خلال الخطوط الجوية السعودية إلى معظم العواصم الأفريقية.