المقالات
التحرُّكات العسكرية الهندية في القارة الأفريقية: الدوافع والتحديات
- أبريل 27, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: منة صلاح
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
تَحْظَى القارةُ الأفريقيةُ بأهميةٍ استراتيجيةٍ للهند، ويحتلُّ التعاون العسكري مكانةً خاصَّةً في العلاقات “الهندية – الأفريقية”، وظهر ذلك خلال العمل المشترك لمكافحة الإرهاب والتطرُّف، وضمان الأمن السيبراني، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، والمشاركة في بعثات حفْظ السلام الأممية في القارةِ الأفريقيةِ، كما تشارك الهند باستمرارٍ في تدريبات عسكرية مع الدول الأفريقية، وتأتي هذه التحرُّكات في سياق التنافس “الهندي – الصيني”، وستوفر العلاقات العسكرية القوية مع الدول الأفريقية فُرْصةً هائلةً للهند؛ لتوسيع نفوذها في منطقة المحيط الهندي.
دوافع الهند لتعزيز علاقاتها العسكرية بالدول الأفريقية
تعزيز التواجُد العسكري الهندي على الساحل الأفريقي
تَسْعَى الهندُ إلى تعزيز تواجُدها العسكري في المحيط الهندي بشكلٍ عامٍ، ولا سيما على طُول ساحل شرق أفريقيا؛ إذ عملت على تعزيز تواجُدها العسكري في الدول والجُزُر الأفريقية المُطلّة على غرْب المحيط الهندي، مثل تنزانيا وموزمبيق وموريشيوس وسيشيل، كما يمكن للهند الوصول إلى ثماني محطات رادار للمراقبة الساحلية (CSR)، من خلال جزيرة موريشيوس بمدى يصل إلى 50 كيلومترًا، وهناك خمسة أنظمة مُثبَّتة في تلك الجزيرة ونظام واحد في كُلٍّ من جزر أجاليجا وسانت براندون ورودريجز.
تصدير الأسلحة الهندية إلى دول القارة الأفريقية
خلال الجولة الثانية من تمرين AFINDEX عرض الجيش الهندي أحدث الأسلحة والبنادق الهجومية وقذائف المدفعية ونماذج صواريخ؛ بهدف مضاعفة صادراتها السنوية من الأسلحة إلى أكثر من الضِّعْف لتصل إلى 5 مليارات دولار في السنوات القادمة، وتُشكِّلُ الصادرات العسكرية الهندية إلى الدول الأفريقية أقل من 20%، وبين عاميْ 2017م و2021م شكَّلت الصادرات الهندية من الأسلحة في موريشيوس حوالي 6.6%، وفي موزمبيق حوالي 5%، وفي سيشيل 2.3%، فتُعتبرُ الهند مصدرًا رئيسًا للسلاح إلى أفريقيا، وفقًا لتقريرٍ صادرٍ عن بنك التصدير الهندي عام 2022م.
ولكن يظلُّ حجم الصادرات الهندية من الأسلحة إلى الدول الأفريقية أقلّ من حجم الصادرات الصينية، فتُعتبرُّ الصينُ أكبرَ مُصدِّر سلاح آسيوي إلى أفريقيا، ووصل أكثر من 60% من صادرات الأسلحة الصينية إلى 5 دول بنِسَبٍ متباينةٍ، تنزانيا بنسبة 19.6% ونيجيريا بنسبة 13.5% والسودان بنسبة 12.6% والكاميرون بنسبة 11.2% وزامبيا بنسبة 6.22%، وذلك خلال الفترة من 2021:2010، كما تستضيف تلك الدول مشاريع استثمارية صينية، مما يشير إلى مدى ترابُط المصالح الاقتصادية الصينية واعتباراتها الأمنية[1].
موازنة التواجُد البحري الصيني في أفريقيا
تعمل الصين على تطوير البنية التحتية اللوجستية المعروفة باسم “سلسلة اللؤلؤ”، والتي تشمل مجموعةً من القواعد العسكرية عبْر المحيط الهندي؛ ما أثار مخاوف الهند التي تعتبر أن هذه المنطقة جزءٌ من جوارها الممتدّ، بما يُشكِّلُ تهديدًا لتجارتها البحرية، وجاءت أهمية توقيت الجوْلة الثانية من تمرين AFINDEX عام 2023م، بعْد التدريبات التي قامت بها روسيا والصين في جنوب أفريقيا “جنوب المحيط الهندي”؛ لذا كثَّفت الهند حضورها في القارة الأفريقية، من خلال إقامة قواعد عسكرية في المنطقة، فهناك مساعٍ لإقامة قواعد عسكرية في سيشيل إلى الشمال من قناة موزمبيق، وفي مدغشقر وجزر القمر أيضًا.
العلاقات “الهندية- الأفريقية” في المجال العسكري
تمتلك الهند شراكات دفاعية مع عدة دول أفريقية، خاصَّةً التي تنتشر في غرب وجنوب وشرق أفريقيا، مثل زامبيا ونيجيريا وغانا وبتسوانا وإثيوبيا وأوغندا وناميبيا وموزمبيق، كما أقامت أكاديمية عسكرية في إثيوبيا، وكلية دفاع وكلية حرب بحرية في نيجيريا، وكوَّنت قوة جوية في غانا، وبالإضافة إلى ذلك، ساهمت في تدريب أعداد كبيرة من الجنود الأفارقة في عدة دول أفريقية، وتطوّر تدريب الضباط الأفارقة في المعاهد الهندية مع بدْء مناورة التدريب الميداني الأفريقي الهندي عام 2019، والتي تُعرف بـ” AFINDEX”، وشاركت فيها قوات حوالي 17 دولةً أفريقية، وتهدف إلى التخطيط والقيام بعمليات الإغاثة الإنسانية في الألغام وحفظ السلام، كما ركَّزت على المشاركة في بناء الفِرَقِ وعمليات المستوى التكتيكي[2].
وتعمل الهند على تصدير الأسلحة إلى دول القارة الأفريقية، وتسعى أيضًا إلى جعْل الأسواق الأفريقية محلَّ تصنيع الأسلحة الهندية، لا سيما الدول التي حضر وزراء دفاعها الاجتماع المتخصص في الشؤون الدفاعية بالهند عام 2020م، وتشمل تلك الدول “جامبيا، السودان، تنزانيا، مدغشقر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليسوتو، النيجر، رواندا، سيشل، أوغندا، زامبيا، زيمبابوي، ناميبيا، برنسيب”، وهو ما يندرج تحت المساعي الهندية لتعزيز استراتيجيتها العسكرية في أفريقيا.
وبالإضافة إلى ذلك، عملت الهند على المشاركة في عمليات حفْظ السلام في العديد من الدول الأفريقية؛ إذ شاركت بقوات في بعثات حفظ السلام في خمس دول أفريقية “جمهورية الكونغو الديمقراطية، المغرب، السودان، جنوب السودان، الصومال”، وتحتلُّ الهند المركز الرابع كأكبر مشارك بالقوات في أفريقيا؛ إذ ساهمت بحوالي مائتي ألف جندي، وحتى عام 2015م، أشارت التقديرات إلى وجود 80% من قوات حفْظ السلام الهندية بالقارة الأفريقية، وأن 70% من إجمالي الضحايا بين جنودها بالدول الأفريقية[3].
وهناك اتفاق بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية لتدريب القوات العسكرية في ست دول أفريقية قبْل نشْرها في بعثات حفظ السلام الأممية؛ نظرًا إلى الحاجة المتزايدة لعميات حفظ سلام دولية فعَّالة ومهنية في مناطق النزاع، وفي السياق ذاته، أكَّدت جيبوتي على الدور المهم للهند في الحفاظ على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، لا سيما في ظل تعاون البلديْن؛ بهدف القضاء على الإرهاب بمنطقة القرن الأفريقي، ومن المتوقع أن تسعى الهند إلى توسيع مشاركتها في بعثات حفظ السلام الأممية.
التحديات التي تواجه الهند في تعزيز علاقاتها العسكرية بالدول الأفريقية
تنامي التواجد الصيني في أفريقيا
تُعدُّ الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عامًا على التوالِي، وفقًا لوزارة التجارة الصينية؛ إذ تقوم بضخِّ مليارات الدولارات لتشييد الطُّرُق والجسور مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق الأفريقية، وبلغ حجم التجارة بين الهند والقارة الأفريقية حوالي 282.1 مليار دولار في عام 2023م، مقارنةً بـ89.5 مليار دولار في عام 2022م، وبالإضافة إلى ذلك، وافق مجلس الدولة على خطة عامة لبناء منطقة تجريبية لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين الصين وأفريقيا؛ لذا يُشكِّلُ التواجد الصيني سواء الاقتصادي أو العسكري تحديًا للتحرُّكات العسكرية الهندية[4].
صعوبات تمويل التواجد البحري الهندي في أفريقيا
تواجه الهند تحدياتٍ خاصَّة بتواضع حجم مواردها المُخصَّص إنفاقُها على أسطولها البحري، وذلك مقارنةً بالصين؛ إذ تنفق الهند حوالي 15% من إجمالي إنفاقها العسكري على أسطولها البحري، أمَّا الصين فتنفق حوالي ثلاثة أضعاف ما تنفقه الهند على قواتها المسلحة بشكلٍ عامٍ، ويمكن تفسير النَّقْص في الإنفاق العسكري الهندي إلى أنه خلال الفترة (2017-2018)، طلبت البحرية الهندية حوالي 5.2 مليار دولار، ولكن تمَّ تخصيص 2.9 مليار دولار فقط، وهو ما يحُدُّ من قُدْرتها على موازنة التواجُد الصيني في غرب المحيط الهندي، ولكن أدَّى هذا إلى إدراك الهند أنها بحاجة إلى تطوير أسطولها ليضم 200 سفينة بقدوم عام 2027م.
معارضة بعض الدول للتحرُّكات الهندية
واجهت التحرُّكات العسكرية الهندية عدة تحديات سياسية في بعض الدول الأفريقية، وتجلَّى ذلك في موريشيوس، عندما سعت الهند إلى بناء قاعدة عسكرية فيها؛ إذ تخوَّفت أحزاب المعارضة من تقويض الهند لسيادة موريشيوس، عن طريق تحويل الجزر إلى قواعد عسكرية، وجاء ذلك من انتقادها للسياسة الهندية في بناء البنية التحتية في جزر أجاليجا، وفي عام 2018م، عارضت بعض القوى السياسية في سيشيل تصديق حكومة سيشيل على الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين في عام 2015م.
إجمالًا
يُعدُّ التعاون في المجال “العسكري- الأمني” ركيزةً أساسيةً في علاقة الهند بالعديد من الدول الأفريقية؛ إذ تهدف الهند إلى تغلغُلٍ عسكريٍّ أكبرَ في القارة الأفريقية إلى جانب الصين وروسيا، وتحرص على تعزيز تعاونها بالدول الأفريقية؛ لمواجهة التهديدات المتزايدة الناجمة عن الإرهاب والتطرُّف؛ إذ ساهمت في إنشاء كليات وأكاديميات عسكرية، وعملت على إرسال فِرَقِ تدريب لتلك الدول، ومن المتوقع أن تعمل الهند على تعزيز حضورها “العسكري- الأمني”، من خلال بناء القواعد العسكرية والاستثمار في بناء الموانئ في شرق وجنوب أفريقيا، إضافةً إلى توسيع مشاركتها في بعثات حفظ السلام الأممية.
المصادر:
[1] حمدي بشير، لماذا تتجه الهند لبناء دبلوماسية عسكرية نشطة في أفريقيا؟، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، 2023م.
متاح على الرابط التالي: https://apa-inter.com/post.php?id=5963
[2] محمد عبد الكريم أحمد، إفريقيا في الاستراتيجية العسكرية الهندية: الإمكانات والتحديات، قراءات أفريقية، 2020م.
متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/lQOhsEOu
[3] نهاد محمود، التوجُّه الهنديّ نحو إفريقيا: النشأة – الدوافع- المآخذ، قراءات أفريقية، 2023م.
متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/xcs30gSs
[4] حجم التجارة بين الصين وأفريقيا يصل إلى 282.1 مليار دولار في 2023، وكالة أنباء البحرين، 2024م.
متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/0cCDstRg