المقالات
التصعيد الإيراني الإسرائيلي يعيد قضية الانتشار النووي إلى الواجهة مجددًا
- أكتوبر 23, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في ضوء تأهب وترقب منطقة الشرق الأوسط والعالم لشكل وكيفية الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي نفذته طهران في مطلع أكتوبر الجاري، وتهديد تل أبيب بأنها قد تستهدف المنشآت النووية والنفطية لإيران، هددت الأخيرة بتغيير عقيدتها النووية واستعدادها لإنتاج سلاحًا نوويًا لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات عدة حول انعكاسات هذه الخطوة، في حال حدوثها، على المشهد الأمني في المنطقة، وعلى مستقبل الصراع الإيراني الإسرائيلي، فضلًا عن تأثيرها على ملف الانتشار النووي وما يُبذل من جهود لإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط:
أولًا؛ مطالبات إيرانية عدة بتغيير العقيدة النووية:
تُعتبر فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي الصادرة في عام 2003، والتي تنص على تحريم السلاح النووي، هي المرجعية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، والضمان الوحيد لإلتزام طهران بسلمية برنامجها.
وقد تمسك المرشد بهذه الفتوى خلال مراحل عديدة مرت على البرنامج الإيراني؛ ففي ذروة عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد إيران، أصدر خامنئي في 12 ديسمبر 2010، فتوى تنص على أن “استخدام الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، أمر محرم دينيًا لأنه تهديدًا خطيرًا على البشرية، وأن إيران لن تسعى إلى امتلاك هذه الأسلحة أبدًا”، وقد استشهد المسؤولون الإيرانيون بهذه الفتوى سنوات طويلة كدليل على أن طهران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية[1].
ولكن مع احتدام المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على خلفية حرب غزة، تصاعد النقاش في الأوساط السياسية بطهران حول تعديل العقيدة الدفاعية، وإعادة النظر في فتوى خامنئي بتحريم إنتاج السلاح النووي، بهدف تعزيز الردع الإيراني ضد إسرائيل؛ حيث:
-
وقع 39 نائبًا في البرلمان الإيراني، يوم 9 أكتوبر الجاري، على رسالة موجهة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، تطالب بإعادة النظر في فتوى خامنئي والسياسة النووية الحالية، حيث أكدت الرسالة على أن امتلاك طهران للسلاح النووي، هو السبيل الوحيد لردع تهديدات إسرائيل.[2]
-
أكد مستشار الشؤون السياسية في مكتب المرشد الإيراني رسول سنائي راد، يوم 10 أكتوبر الجاري، أن استهداف إسرائيل المحتمل للمنشآت النووية أو النفطية، سيكون ضربًا للخطوط الحمراء الإقليمية والدولية، كما سيكون له تأثير على معادلات الحرب وبعدها، حيث قد تغير طهران من عقيدتها النووية.[3]
-
دعا النائب البرلماني منان رئيسي إلى تغيير العقيدة النووية لتحقيق أقصى ردع ضد تل أبيب، مطالبًا بانسحاب طهران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية “NPT”، مشيرًا إلى أن بلاده لا تبتعد كثيرًا عن صناعة السلاح النووي، بل يمكنها تحقيق الأمر في أقل من 6 أشهر، كما أكد أن الوصول السريع إلى القدرة النووية العسكرية يصب في مصلحة إيران، ويعزز أمنها وسلامتها.[4]
-
طالب النائب علي حسن أخلاق أميري، بإعادة النظر في عقيدة الدفاع الإيرانية، مشيرًا إلى أن للزمان والمكان دور في تغيير أحكام الفتوى في فقه الإمامية الشيعية.
-
وفي السياق ذاته؛ أكد قائد الحرس الثوري المسؤول عن أمن البرنامج النووي الإيراني أحمد حق طلب، يوم 18 أبريل الماضي، أن تهديدات إسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية، تجعل من الممكن مراجعة طهران لعقيدتها النووية، والعدول عن اعتباراتها النووية السابقة، مؤكدًا أن إيران سوف ترد على أي ضربة تشنها تل أبيب على برنامجها النووي.[5]
-
من جانبه؛ حذر الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للعلاقات الخارجية الإيراني كمال خرازي، يوم 9 مايو 2024، من أن بلاده لا تفكر بالوقت الراهن في تطوير الأسلحة النووية، ولكنها ستضطر إلى تغيير العقيدة النووية في حال أصبح وجودها مهددًا من قبل إسرائيل.[6]
ثانيًا؛ ددلات عدة للتهديدات الإيرانية:
لا شك أن تلويح إيران بتغيير عقيدتها النووية في هذا التوقيت الحساس، وبينما هي تنتظر الرد الإسرائيلي الذي بشكل كبير سيكون على أراضيها وليس ضد وكلاءها في المنطقة، يحمل العديد من الدلالات والرسائل التي ترغب طهران في إيصالها لتل أبيب والولايات المتحدة؛ وأهمها:
1- اعتراف إيران بأن لديها القدرة للتحول إلى دولة نووية؛ الحديث عن العقيدة النووية لإيران يؤشر إلى أن طهران تعترف بنفسها قوةً على أعتاب الأسلحة النووية وقادرة على امتلاكها، وأنها تتوقع من الآخرين الاعتراف بهذا الواقع، أما تلويحها بتغيير هذه العقيدة يؤكد أن إيران تمتلك الآن القدرة والسياق والفرصة لتجاوز روايتها حول سلمية برنامجها النووي.
2- اللعب بورقة الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي؛ والذي ربطته التهديدات الإيرانية بمهاجمة إسرائيل لمنشآتها النووية، وهو أمر دائمًا ما راهنت عليه طهران في أوقات تأزم ملف برنامجها النووي أو شعورها أنه مهدد بشكل كبير من قبل خصومها الإقليميين أو الدوليين.
حيث في عامي 2020 و2023، هددت إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بعد أن سعت الدول الأوروبية؛ فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى إحالة الممارسات النووية الإيرانية إلى مجلس الأمن الدولي وهددت بإعادة فرض العقوبات على طهران، وهو ما يعني إزالة الحاجز القانوني بين إيران وتطوير سلاح نووي، وينهي المراقبة الدولية لبرنامجها النووي.[7]
3- توجيه رسالة تحذير للولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ التهديد بتغيير العقيدة النووية بينما لا تزال طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية محل شك، ما هو إلا ورقة ضغط تسعى من خلالها طهران إلى إقناع الولايات المتحدة والقوى الغربية لممارسة الضغوط على إسرائيل لتحييد ردها المرتقب بحيث ألا يكون موجعًا لإيران، وألا يطال منشآتها النووية، فضلًا عن إثارة المخاوف بشأن قدراتها النووية وبالتالي دفع واشنطن لإعادة إحياء المفاوضات النووية.[8]
4- إرتباط مصير إمتلاك إيران للسلاح النووي بقرارات مرشدها الأعلى؛ طالبت الأوساط السياسية الإيرانية المختلفة بإعادة النظر في فتوى المرشد علي خامنئي حتى يكون لإيران الإمكانية في امتلاك سلاحًا نوويًا، وهو ما يعني أن القرار فقط في يد المرشد ولا يوجد عائقًا أمام طهران والأسلحة النووية إلا فتوى تحريمها فقط، والتي قد تتغير في حال اقتنع خامنئي بأن إيران تتعرض إلى خطر يهدد وجودها.
وهو ما كان قد أكد عليه الرئيس الأسبق حسن روحاني خلال مقابلة أُجريت معه عام 2012، حيث صرح بأن “الفتوى أكثر أهمية بالنسبة لنا من معاهدة منع الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي، إنها أكثر أهمية بالنسبة لنا من أي قانون”.[9]
5- تحول البرنامج النووي إلى جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية؛ فكرة التلويح بتغيير إيران لعقيدتها الدفاعية في المستقبل القريب بسبب الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، تشير إلى أن طهران تسعى إلى استخدام قدراتها التقنية والعلمية التي طورتها في المجال النووي، كورقة استراتيجية تمنحها نفوذًا وردعًا شاملًا في وجه التهديدات المحتملة من جانب الخصوم الإقليميين والدوليين.[10]
6- رغبة إيران في تحميل مسؤولية امتلاكها سلاحًا نوويًا لإسرائيل والولايات المتحدة؛ ربطت جميع التهديدات بين تطوير إيران للأسلحة النووية وبين تجاوز الخطوط الحمر من قبل تل أبيب وواشنطن، والتي تتمثل في ضرب المنشآت النووية أو النفطية لطهران، وهو ما يعني أن إيران تريد وضع عبء انتاجها للسلاح النووي على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل.
وذلك من خلال إرسال رسالة مفادها أن “طهران التي تنظر إلى عقلانية امتلاك الأسلحة النووية دينيًا وأخلاقيًا، ستضطر إلى التوجه نحو امتلاك الأسلحة النووية، وسيكون ذلك خيارًا مفروضًا عليها من تل أبيب أو واشنطن وليس خيارًا تختاره بنفسها، وحينها لن يكون الخطأ عليها”.[11]
ثالثًا؛ التصعيد الإيراني الإسرائيلي وعودة الزخم لقضية الانتشار النووي في المنطقة:
ما أحدثته حرب غزة من تداعيات متسارعة، وخاصةً التصعيد المحتدم بين إيران وإسرائيل؛ واللتان يمتلكان برامج نووية يُشتبه أنها لأغراض عسكرية وتسليحية وليست سلمية، فضلًا عن تلويح طهران بتغيير عقيدتها النووية في مقابل تهديد تل أبيب بضرب المنشآت النووية الإيرانية، أعاد الضوء لقضية الانتشار النووي في الشرق الأوسط، وخصوصًا فيما يخص الانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية، كما أكد مرة أخرى على ضرورة العمل على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الإقليم، وذلك في ضوء مجموعة من المعطيات الهامة، التي ترسم ملامح هذه القضية في الوقت الراهن؛ وأهمها:
1- تنامي دور الأسلحة النووية في ظل التوتر الذي يسود العلاقات الجيوسياسية بين الدول حول العالم؛ وهو ما أكد عليه التقرير السنوي الـ55 الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” في 17 يونيو 2024، مشيرًا إلى التالي[12]:
-
تزايد حالة الانتشار النووي للأسلحة في حالة التأهب بمعدلات لافتة ما بين عامي 2023 و2024، على خلفية تدهور العلاقات الجيوسياسية بين القوى العظمى النووية، إلى جانب مواصلة معظم هذه الدول لتحديث ترساناتها النووية، من خلال نشر أسلحة نووية جديدة أو أنظمة أسلحة ذات قدرة نووية.
-
يُعد ثلث المخزون النووي الدولي في حالة انتشار؛ حيث من إجمالي المخزون العالمي الذي يُقدر بنحو 12121 رأسًا حربيًا وفقاً لتقديرات يناير 2024، يوجد حوالي 9585 رأسًا حربيًا في مخزونات عسكرية للاستخدام المحتمل، في حين تم نشر ما يُقدر بنحو 3904 من تلك الرؤوس الحربية بالصواريخ والطائرات، أي أكثر بـ60 رأسًا مما كانت عليه في يناير 2023، مع الاحتفاظ بحوالي 2100 رأس حربي منشور في حالة تأهب تشغيلي عالي للصواريخ البالستية.
-
عقدت الصراعات التي اندلعت منذ مطلع العقد الحالي، الجهود الدبلوماسية للحد من الانتشار النووي، حيث تهدف القوى الكبرى البقاء على الترسانات النووية باعتبارها أداة ردع، إلى جانب تكرار الحديث عن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، فمثلًا؛ سحبت روسيا تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في نوفمبر 2023، بحجة عدم التوازن مع الولايات المتحدة التي فشلت في التصديق على المعاهدة منذ فتح باب التوقيع عليها عام 1996.
وجدير بالذكر أن هناك تسع دول فقط تمتلك أسلحة نووية وهي: روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، بريطانيا، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، فضلًا عن إسرائيل التي لم تؤكد ولم تنفي حيازتها للسلاح النووي.
2- عدم الشفافية والغموض النووي الذي يسيطر على برنامجي طهران وتل أبيب؛ منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وهناك حالة من الغموض تهيمن على البرنامج النووي الإيراني؛ حيث تواصل طهران عرقلة جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في ثلاثة مواقع نووية غير معلنة وهي تورقوز آباد وفارامين ومريوان، كما أوقفت العمل بالبروتوكول الإضافي في 2021، الذي يمكن بموجبه لمفتشي الوكالة أن يطلبوا الوصول إلى المنشآت النووية غير المعلنة أو المشتبه فيها، ثم زادت إيران الأمر تعقيدًا بإزالة كاميرات المراقبة التابعة للوكالة.[13]
من جانبها؛ تنتهج إسرائيل سياسة الغموض الاستراتيجي حول برنامجها النووي، كما ترفض تأكيد حيازتها لترسانة نووية، فضلًا عن أنها تعارض أي مناقشة لملفها النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث اعترضت تل أبيب على مناقشة ملف قدراتها النووية بالدورة السابعة والستين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عُقد في يوليو 2023.
ويُذكر في هذا السياق؛ أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة غير العضو في معاهدة منع الانتشار النووي من بين دول منطقة الشرق الأوسط، وتُقدر ترسانتها النووية بـ90 رأسًا نوويًا، وأكثر من 200 مخزون من المواد الانشطارية، وفقًا تقرير معهد ستوكهولم الأخير.[14]
3- التطور الكبير الذي حدث في برنامج إيران النووي؛ حيث وفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقوم طهران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60%، فيما بلغ مخزونها من اليورانيوم المخصب 142.1 كيلوجرام، بزيادة قدرها 20.6 كيلوجرام منذ آخر تقديرات للوكالة في فبراير 2024، وتكفي هذه الكمية لصناعة ثلاثة رؤوس نووية حال انتهاء إيران من العملية التقنية لتخصيب مخزونها من اليورانيوم إلى نسبة نقاء تصل إلى 90% بدلًا من 60%.[15]
كما قامت طهران بزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تم تركيبها، وكل ذلك قلص فترة تجاوز العتبة النووية؛ وهي الفترة اللازمة لإنتاج ما يعادل قنبلة واحدة من اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، إلى ستة أشهر فقط.
4- تبادل التهديدات النووية بين إيران وإسرائيل في ضوء حرب غزة؛ وكانت البداية مع تصريح وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو في 5 نوفمبر الماضي، دعا فيه إلى “إلقاء قنبلة نووية على غزة”.
ثم تجددت التهديدات في 20 أبريل 2023، حيث جرى الحديث عن استهداف إسرائيل قاعدة جوية إيرانية في مدينة أصفهان بالطائرات المسيرة، والتي هي قريبة من منشأة نطنز النووية، وذلك ردًا على الهجوم الإيراني على إسرائيل، والذي جاء بدوره كرد على استهداف تل أبيب لقنصلية طهران في سوريا.
كما تجدد التهديد بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على الأراضي الإسرائيلية في مطلع أكتوبر الجاري، حيث هددت تل أبيب بأنها سترد بضربة موجعة لإيران، قد تشمل منشآتها النفطية أو النووية، وعلى وقع ذلك، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية يوم 2 أكتوبر، تأمين المنشآت النووية ضد أي هجمات، فيما اعتبر رئيس المنظمة محمد إسلامي، التصريحات الإسرائيلية أنها مجرد “ادعاءات”.
5- ضعف فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني؛ حيث أدت حرب غزة إلى انتهاء التهدئة غير العلنية بين واشنطن وطهران في شأن الاتفاق النووي الإيراني، ويبدو أن الهجمات بالوكالة التي شنتها الجماعات المدعومة من إيران على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، قضت على أي جهود دبلوماسية غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة.[16]
ويزداد الأمر صعوبة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واحتمالية عودة الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، والذي صرح بأنه لا يمانع من ضرب إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، على عكس تصريحات الرئيس الحالي جو بايدن، الذي حذر تل أبيب من الإقدام على هذه الخطوة.
6- تداعيات كارثية للانتشار النووي في الشرق الأوسط؛ تحول طهران إلى دولة نووية، أو اندلاع حرب واسعة بين دولتين نوويتين مثل إيران وإسرائيل، يحمل تبعات أمنية كارثية على دول الشرق الأوسط، خاصةً وأن تسليح البرنامج النووي الإيراني قد يثير رد فعل عسكري قوي من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل.
يُضاف إلى ذلك؛ ستؤدي الاستفزازات الإسرائيلية والإيرانية إلى استمرار فكرة الردع النووي لدى الدول العربية، مما يعني إثارة سباق تسلح نووي إقليمي، وخاصةً من جانب الدول الخليجية التي لن تقبل فكرة أن تكون إيران دولة نووية، ولذلك ستسعى لإمتلاك برنامجًا نوويًا مماثلًا، وعلى رأسهم السعودية.[17]
وفي ضوء ذلك؛ تزايدت في الآونة الأخيرة التأكيدات على ضرورة إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وقد انعكست تلك الرغبة في بنود قرارات القمة العربية الإسلامية التي عُقدت بالرياض في نوفمبر 2023، والتي أدانت أفعال وتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية لوزراء في الحكومة الإسرائيلية، بما فيها تهديد استخدام السلاح النووي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واعتبارها خطرًا على الأمن والسلم الدوليين.
وفي الرسالة التي تقدمت بها الإمارات باسم المجموعة العربية إلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسي في 21 نوفمبر 2023، والتي تتعلق بالمخاطر التي تمثلها القدرات النووية الإسرائيلية، حيث نصت الرسالة على مطالب عربية واضحة بخصوص تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة ومنها القرار 487، والذي طالب إسرائيل في أحد مقرراته السبعة بأن تضع منشآتها النووية تحت إشراف الوكالة، وكذلك القرار 687 الصادر في أبريل 1991، والذي كان ضمن بنوده التأكيد على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط.[18]
وإجمالًا؛ تكمن خطورة التصعيد الإيراني الإسرائيلي في أنه يرتبط بالعديد من القضايا التي تمس أمن واستقرار الشرق الأوسط بشكل كبير، وعلى رأسها قضية الانتشار النووي، إذ تمتلك الدولتان إمكانية تصنيع وتطوير سلاحًا نوويًا في أي وقت.
ومع احتدام المواجهة بينهما؛ لجأت طهران وتل أبيب إلى التلويح بورقة الإمكانات النووية، أي أنهما ارتهنتا إلى مبدأ الرعب أو الردع النووي باعتباره الملاذ الأخير والمفصلي في مستوى التصعيد بينهما، ولذلك هددت إيران بتغيير عقيدتها النووية وإعادة النظر في فتوى مرشدها التي تحرم إمتلاك السلاح النووي، بينما ذهبت تل أبيب إلى التهديد بتنفيذ ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية.
وتؤكد كل هذه التفاعلات على ضرورة معالجة قضية الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال اتخاذ خطوات وقائية تقوم على معالجة الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية، وضمان التزام طهران ببنود الاتفاق، فيما يجب إنهاء الاستثناء الإسرائيلي، وإقناع إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، فضلًا عن دعم الجهود المبذولة من أجل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
المصادر:
[1] آزاده افتخاري، ماذا يعني أن تهدد إيران بـ”تغير العقيدة النووية”؟، ماذا يعني أن تهدد إيران بـ”تغير العقيدة النووية”؟، 29/5/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/582766/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%
[2] 39 برلمانياً إيرانياً يطالبون بتعديل العقيدة النووية باتجاه التخلي عن سلميتها، موقع العربي الجديد القطري، 9/10/2024، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/39-%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%
[3] إلغاء «تحريم النووي» يطرق باب خامنئي، صحيفة الشرق الأوسط، 10/10/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5
[4] نائب إيراني: يجب تغيير العقيدة النووية لبلوغ «أقصى الردع»، صحيفة الشرق الأوسط، 13/10/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82
[5] إيران تلوح بتغيير عقيدتها النووية ردا على التهديدات الإسرائيلية، اندبندنت عربية، 19/4/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/569456/%
[6] لمواجهة تهديدات إسرائيل.. برلمانيون إيرانيون يدعون لتغييرات في “العقيدة النووية”، سكاي نيوز عربية، 11/10/2024، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/world/1747469-%D8%A8%D8
[7] إريك بروير، التهديد النووي الإيراني الجديد: طهران على عتبة الحصول على سلاح نووي وتستخدم ذلك كوسيلة للتفاوض وممارسة الضغط السياسي، فورين أفيرز، اندبندنت عربية، 25/6/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/592901/%D8%A2%D8%B1%
[8] بعد التهديدات الإسرائيلية.. لماذا لوحت إيران بورقة الحد من “انتشار النووي”؟، رويترز، إرم نيوز، 10/10/2024، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/world/io0787y
[9] عبد السلام الشامخ، تغيير العقيدة النووية.. ورقة إيران الأخيرة في وجه “تهديد وجودي” من إسرائيل، الشرق القطرية، 14/10/2024، متاح على الرابط: https://asharq.com/politics/103242/%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%
[10] غزل أريحي، ما موضع برنامج إيران النووي في عقيدتها الدفاعية؟، الجزيرة القطرية، 21/9/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/9/21/%D9%85%D8%A7-
[11] صابر غل عنبري، العقيدة النووية الإيرانية.. هل تقترب طهران من تغييرها؟، صحيفة العربي الجديد، 10/5/2024، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D8%A7%D9%84%D8%B9
[12] Role of nuclear weapons grows as geopolitical relations deteriorate—new SIPRI Yearbook out now, The Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), Stockholm, 17 June 2024.
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/9470/%D8%A7%D9
[13] روبرت ماسون، هل يمكن أن تحيي حرب غزة حظر الانتشار النووي في الشرق الأوسط؟، ذي ناشونال إنتريست، جريدة عمان، 15/9/2024، متاح على الرابط: https://www.omandaily.om/%D8%A3%D9%81%D9%83%D8%
[14] السيد صدقي عابدين، تأثيرات حرب غزة على قضية الانتشار النووي، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 22/1/2024، متاح على الرابط: https://acpss.ahram.org.eg/News/21102.aspx
[15] عمر طاشبينار، الاقتراب من القنبلة: ماذا يُخبِّئ المستقبل للمسألة النووية الإيرانية؟، مركز الإمارات للسياسات، 12/7/2024، متاح على الرابط: https://epc.ae/ar/details/scenario/madha-yukhbbi-almu
[16] هكذا تدفع غزة وأوكرانيا والصين العالم نحو الهاوية النووية، اندبندنت عربية، 18/6/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/589336/%D8%B3%D9%8A
[17] لماذا تزيد حرب غزة من احتمال تحول إيران لقوة نووية؟، فورين أفيرز، الجزيرة القطرية، 27/1/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/1/27/%D9%84%D9%85%D8
[18] السيد صدقي عابدين، تأثيرات حرب غزة على قضية الانتشار النووي، مرجع سابق.