المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > التعاونُ الدوليُ في مكافحةِ التطرفِ والإرهاب : من تَبادلِ المعلوماتِ إلى بناءِ القدرات
التعاونُ الدوليُ في مكافحةِ التطرفِ والإرهاب : من تَبادلِ المعلوماتِ إلى بناءِ القدرات
- يوليو 1, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: إصدارات دورية الدراسات الأمنية والإرهاب
لا توجد تعليقات

إعداد: إلهام النجار
باحث في برنامج الامن والإرهاب
إيمانًا بأهمية الدور والتثقيف السياسي لدى مراكز الفِكر البحثية، والمسئولية التي تقعُ على عاتقنا بأهميةِ نشْرٍ الوعي ، يُقدم “مركز شاف للدراسات المُستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا”هذه السلسلة التي تتضمن تقريرًا شهريًا عن التطرف والإرهاب، وكذلك تصحيحُ المفاهيمِ والأفكارِ المغلوطةِ التي تمَّ تصديرها من الغرب عن التطرف والإرهاب، وأن هذه المجموعة من التقارير المتنوعة تُسلط الضوء على العديد من العوامل والتأثيرات المُتعلِقة بجذور الإرهاب والتطرف،
وفي ظلِّ تصاعدِ التهديدات الإرهابية وتحوّلها إلى ظاهرةٍ عابرةٍ للحدودِ والجغرافيا، باتتْ مكافحةُ الإرهاب والتطرف العنيف من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل أيضًا من حيث استقرار الدول وتماسك مجتمعاتها، فالجماعات الإرهابية أصبحت توظفُ التكنولوجيا الحديثة، وتستغلُ الفجواتِ الأمنيةَ ، والصراعاتِ الإقليميةَ، والهشاشةَ الاجتماعيةَ لنشر فكرها المتطرف وتنفيذ عملياتها المدمرة، وأمام هذا الواقع المعقّد، لم يعدْ بإمكانِ أي دولةٍ أن تواجهَ هذه التحديات منفردةً ، بل أصبحت الحاجةُ ملحّةً لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي، وتكثيفِ تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق السياسات الأمنية والتشريعية، وبناءِ نُظمِ إنذارٍ مبكرٍ، إلى جانب الاستفادة من الشراكات الدولية في دعم قدرات الدول محليًا.
وعليه، يُناقش التقرير التاسع، تسليطَ الضوء على الأبعاد المختلفة لهذا التعاون، من خلال تحليلِ دورِ تنسيقِ السياساتِ والتشريعات، والتعاون الأمني والاستخباراتي، وقواعد البيانات المشتركة، ومراكز التنسيق الإقليمي، ونُظمِ الإنذار المبكر، وصولاً إلى أهمية الشراكات الدولية في تعزيز القدرات الوطنية لمكافحة الإرهاب، لتقديمِ رؤيةٍ تحليليةٍ شاملةٍ وواقعيةٍ حول سُبل مواجهة هذا الخطر العالمي المشترك.
أولاً: أهميةُ التعاونِ الدولي في مكافحة الإرهاب والتطرف
يشمل التعاون الدولي مكافحة الإرهاب عدة جوانب، من بينها:
تنسيقُ السياساتِ والتشريعاتِ:
يُعد تنسيق السياسات والتشريعات بين الدول من أهم الركائز التي يقومُ عليها التعاونُ الدوليُ في مكافحة الإرهاب والتطرف، ففي ظل الطبيعة العابرة للحدود للأنشطة الإرهابية، لا يمكنُ لأيٍ دولةٍ أن تعملَ بمَعزلٍ عن المنظومة القانونية والأمنية الدولية، بل يتطلبُ الأمرُ تطويرَ أُُطرٍ قانونيةٍ متجانسةٍ تُسهّل ملاحقة العناصر الإرهابية، وتمنع إفلاتهم من العقاب، ويُمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
توحيدُ المفاهيم القانونية والتصنيفات:
إن أحدَ أبرز تحديات مكافحة الإرهاب دوليًا يتمثّلُ في غيابِ تعريفٍ موحّدٍ للإرهاب، ما يؤدي إلى تفاوتٍ في الإجراءات القضائية والأمنية، ولذلك، تسعى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة إلى تشجيعِ الدول على اعتمادِ تعريفاتٍ قانونيةٍ مُنسقةٍ لأنشطة الإرهاب والتطرف العنيف، وتحديد الجرائم المرتبطة بها بدقة.[1]
تجريمُ تمويل الإرهاب وتعزيزُ التعاون القضائي:
يُعد التنسيقُ في القوانين المتعلقة بتجريم تمويل الإرهاب من أهم جوانب التعاون التشريعي، وقد لعبتْ مجموعةُ العمل المالي (FATF) دورًا مركزيًا في تطويرِ معاييرَ دوليةٍ لمكافحة تمويل الإرهاب وغسْلِ الأموال، من خلال إصدار قائمة توصياتٍ يجب على الدول الالتزام بها.[2]
الاتفاقياتُ والبروتوكولات الدولية:
وقّعت الدول على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تسهّل تنسيق الجهود القانونية، من بينها:
الاتفاقية الدولية لقمْعِ تمويل الإرهاب (1999).
الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب (1977).
اتفاقياتُ تسليمِ المطلوبين بين الدول الثنائية ومتعددة الأطراف.
تُتيح هذه الاتفاقيات للدول تبادلَ المطلوبين أمنيًا، وتمنعُ استغلال الفجوات القانونية للهرب من الملاحقة، كما تساعد في توحيد الإجراءات الجنائية المرتبطة بقضايا الإرهاب.[3]
دعمُ بناء القدرات التشريعية:
تسعى الأممُ المتحدةُ عبر مكتب مكافحة الإرهاب (UNOCT) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى تقديمِ الدعم الفني للدول النامية في إعداد وتحديث تشريعاتها الوطنية لمواءمة المعايير الدولية، بما يشملُ إعدادَ قوانين لمكافحة التجنيد الإلكتروني، وتجريمَ السفرِ لأغراضٍ إرهابيةٍ، وملاحقة العائدين من بؤر الصراع.[4]
وعليه، إن تنسيقَ السياسات والتشريعات بين الدول لا يُمثل فقط حجرَ الأساسِ في التعاون الدولي ضد الإرهاب، بل يُعد شرطًا لازمًا لضمان فعالية الجهود الأمنية والقضائية، ولمنْعِ استغلال الثغرات القانونية والاختلافات التشريعية من قِبلِ الجماعات الإرهابية، كما يُساعد على بناءِ نظامٍ قانونيٍ عالميٍ أكثر اتساقًا واستجابةً للمخاطر المُتغيرة.
التنسيقُ الأمنيُ والاستخباراتيُ:
يُشكّل التنسيق الأمني والاستخباراتي جوهر التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث يعتمد نجاحُ أيِ استراتيجيةٍ أمنيةٍ على دقّة المعلومات وسرعة تبادلها، وبالنظر إلى الطبيعة الشبكية للجماعات الإرهابية، أصبحَ التعاونُ الاستخباراتيُ العابرُ للحدود أمرًا لا غنى عنه لتحديد التهديدات مبكرًا، وتعطيل المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، ويُمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
تبادلُ المعلومات الاستخباراتية والإنذارات المبكرة:
تقومُ العديد من الدول بتبادل المعلومات الأمنية حول تحركات العناصر الإرهابية، وشبكات التجنيد، ومسارات التمويل، وتلعبُ مؤسساتٌ دوليةٌ مثل الإنتربول واليوروبول دورًا محوريًا في تنسيق الجهود الاستخباراتية من خلالِ قواعدَ بياناتٍ مشتركةٍ وإنذاراتٍ مبكرةٍ.[5]
إنشاءُ مراكز تنسيق إقليمي مشترك:
أنشأت عددٌ من التحالفات الدولية والإقليمية مراكزَ متخصصةً لتبادل المعلومات الأمنية، مثل:
مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT)، التحالف الدولي ضد داعش، مركز التنسيق الاستخباراتي لدول الساحل G5، المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) – الرياض.
وتُسهم هذه المراكز في تحليل التهديدات الأمنية وتنسيق العمليات بين الأجهزة الأمنية المختلفة.[6]
الدعمُ التِقني والتدريبُ المتبادل:
في إطار التعاون الأمني، تُقدّم الدول المتقدمة دعمًا تقنيًا ولوجستيًا للأجهزة الأمنية في الدول النامية، يشمل:
تدريبُ ضباطِ المخابرات على تحليل البيانات الإرهابية.
دعمُ قدرات كشف التهديدات عبر الإنترنت.
تطوير أنظمة المراقبة والتعقب.
على سبيل المثال، ينظم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (Hedayah Center) في أبو ظبي برامجَ تدريبيةً متعددةً للدول الأفريقية والآسيوية حول رصد التطرف وتفكيك شبكاته.[7]
العملياتُ المشتركةُ وتَبادلُ الخبرات:
قامت العديد من الدول بتسييرِ عملياتٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ مشتركةٍ لملاحقة الإرهابيين في مناطق النزاع، مثل:
عملياتِ حلف الناتو في أفغانستان.
العملياتِ العسكريةِ المشتركة في الساحل الأفريقي (قوة برخان الفرنسية وتحالف الساحل).
التنسيق المصري–الليبي ضد الجماعات المسلحة في الصحراء الغربية.[8]
وعليه، أثبتَ التنسيقُ الأمنيُ والاستخباراتيُ فعاليته في تقويض العديد من الهجمات الإرهابية حول العالم، كما ساعد على كشف خلايا نائمة، وتعقّبِ شبكاتِ التمويل والدعاية الإلكترونية، غير أن هذا التنسيق يتطلبُ مستوياتٍ عاليةً من الثقة السياسية بين الدول، بالإضافة إلى آلياتٍ قانونيةٍ تحكمُ استخدامَ وتبادل المعلومات، وتمنع استغلالها لأغراض غير مشروعة.
ثانياً: تبادلُ المعلومات بين الدول كأداة رئيسية للوقاية
يُعد تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول عنصرًا حاسمًا في منْعِ وقوع الهجمات الإرهابية. ومن أبرز آليات هذا التعاون:
قواعدُ البيانات المشتركة: أداةٌ استخباراتيةٌ مركزية لتعقّب العناصر الإرهابية دوليًا:
في إطار الجهود الدولية لتبادل المعلومات والإنذار المبكر، تُمثّل قواعد البيانات الأمنية المشتركة التي تُشرف عليها منظماتٌ مثل الإنتربول (Interpol) واليوروبول (Europol) أحدَ أهم آليات التنسيق الأمني والاستخباراتي الدولي، فهذه القواعد تُوفّر للدول الأعضاء معلوماتٍ آنيةً وموثوقةً عن الأفراد والمجموعات المشتبه بانتمائهم لتنظيمات إرهابية، وتُستخدم لتعقّب تحركاتهم، ومراقبة وثائق سفرهم، وكشْفِ اتصالاتهم العابرة للحدود.
قاعدة بيانات الإنتربول الخاصة بالإرهابيين (SLTD) و (FIND) وMIND) ):
يحتفظُ الإنتربول بعدة قواعدَ بياناتٍ خاصةٍ بالوثائق المفقودة أو المزورة (SLTD)، إضافةً إلى بيانات الإرهابيين المعروفين أو المشتبه فيهم.
تُستخدم هذه القواعد عبر أدواتٍ متقدمةٍ مثل FIND (التحقق من البيانات أثناء الحركة) وMIND (التحقق من البيانات في نقاط الحدود).[9]
قاعدةُ بياناتِ اليوروبول وتحليل المعلومات الإرهابية:
تمتلكُ اليوروبول قاعدةَ بياناتٍ شاملة تسمى EIS (European Information System)، تُستخدم لتخزين وتحليل المعلومات حول الجرائم الإرهابية وتبادلها بين أجهزة الشرطة والأمن الأوروبية، كما يدير اليوروبول مركز التحليل المشترك للتهديدات الإرهابية (EU IRU)، الذي يراقب التهديدات عبر الإنترنت وينسق المعلومات بين الدول الأعضاء.[10]
تسهيلُ اعتقال العناصر الإرهابية والتنبيه المبكر:
بفضل هذه القواعد، تمكنت الأجهزةُ الأمنيةُ من تحديد هويات العديد من الإرهابيين العائدين من بؤر الصراع، ومنْعهم من التسلل عبر الحدود، كما حدث في إحباطِ هجماتٍ متفرقةٍ في فرنسا وألمانيا خلال الأعوام الماضية، على سبيل المثال: استخدام الإنتربول في تعقب إرهابيين دخلوا أوروبا ضمن موجات اللجوء (2016–2018).
أهميةُ التعاون مع الدول العربية:
بدأت الدول العربية منذ العِقد الأخير في الانخراطِ بشكلٍ أوسع في استخدام هذه القواعد، مثل تعاون مصر والسعودية والأردن والإمارات مع الإنتربول في التحديث المستمر لبيانات العناصر الإرهابية ومراقبة تحركاتهم الإقليمية، كما تدعمُ هذه الدول مراكزَ إقليميةً لتبادل المعلومات مثل المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب (فـي الرياض).[11]
وعليه، أثبتتْ قواعدُ البيانات الأمنية المشتركة فعاليتها كأداةٍ وقائيةٍ رئيسيةٍ تُمكّن الدول من تعقّب العناصر الإرهابية، وتحديد هوياتهم، ومشاركة المعلومات الحيوية في الوقت الحقيقي. ويُمثلُ التكاملُ بين المنصات الدولية كالإنتربول واليوروبول، والدول الإقليمية والعربية، خطوةً متقدمةً في بناءِ شبكةٍ أمنيةٍ عالميةٍ أكثر كفاءةً ومرونةً في التصدي للتهديدات الإرهابية المعولمة.
مراكز التنسيق الإقليمي مثل مركز التحليل المشترك للتهديد الإرهابي (JTIC) في الاتحاد الأوروبي:
يُعد إنشاء مراكز التنسيق الإقليمي أحد أبرز أدوات الوقاية المسبقة من الإرهاب، حيث تتيحُ هذه المراكز للدولِ المعنيةِ مشاركةَ المعلومات الحساسة وتحليلها بشكلٍ مشتركٍ، ما يُسهم في بناءِ رؤيةٍ استخباراتيةٍ شاملةٍ حول طبيعة التهديدات الإرهابية المتغيرة، ومن أبرز هذه النماذج: مركز التحليل المشترك للتهديد الإرهابي JTIC (Joint Terrorism Analysis Centre) التابع للاتحاد الأوروبي.
أ. JTIC: طبيعة المركز وأهدافه:
تم تأسيس JTIC في إطار التعاون الأمني الأوروبي، ويعملُ كمؤسسةِ تحليلٍ استخبارتيةٍ مشتركة بين أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.
يركّز المركز على ما يلي:
تحليلُ المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الإرهابية في أوروبا وخارجها.
تصنيفُ مستويات التهديد في الدول الأعضاء (من منخفض إلى شديد).
إصدارُ تقاريرَ تقييمٍ دوريةٍ وتوصيات للجهات التنفيذية.
تسهيل التنسيق بين اليوروبول، والوكالات الوطنية، ووحدات الاستخبارات الداخلية.[12]
ب. دور المركز في تبادل المعلومات والإنذار المبكر:
يساعد JTIC في بناء قاعدة بيانات تحليلية مشتركة حول:
العائدين من مناطق النزاع (Foreign Terrorist Fighters – FTFs).
أساليب التجنيد والتخطيط الإلكتروني.
الهجماتِ الإرهابيةِ المحتملة والمرتبطة بالإيديولوجيات المتطرفة (إسلاموية أو يمينية).
ويُعد المركزُ جهةً مركزيةً لإصدار نظام الإنذار المبكر الأوروبي حول الهجمات المحتملة، الأمر الذي يساعد على رفع مستوى التأهب الأمني قبل وقوع العمليات.
علي سبيل المثال: الهجمات في بروكسل (2016) وباريس (2015) أدّت إلى تعزيز صلاحيات JTIC وتمكينه من التنسيق المباشر مع أجهزة الأمن في بلجيكا وفرنسا لمتابعة العناصر المرتبطة بداعش.
ج. النماذجُ العربيةُ لمراكز التنسيق الإقليمي:
رغم التفاوت في الإمكانيات بين الدول الأوروبية والعربية، فإن العالمَ العربيَ بدأ أيضًا بإنشاءِ مراكزَ إقليميةٍ مشابهةٍ، من أبرزها:
المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب – الرياض
المركز الأفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب (ACSRT) – الجزائر
المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) – السعودية
مركز التعاون الأمني لدول الساحل G5
وتسعى هذه المراكز إلى تحقيق نفس أهداف JTIC من حيث التحليل الجماعي والتقييم المشترك للمخاطر الإرهابية، خصوصًا في ظل تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة في ليبيا والساحل الأفريقي.[13]
وعليه، يُعتبر مركز JTIC مثالاً متقدماً على آليات التنسيق الإقليمي التي تتجاوز مجرد تبادل المعلومات إلى بناءِ تحليلٍ مشتركٍ للتهديدات الأمنية، وإصدارِ تحذيراتٍ استباقيةٍ، وتقديمِ دعمٍ استخباراتيٍ تكتيكيٍ للدول الأعضاء، وإنّ اعتماد العالم العربي على مثل هذه النماذج وتكييفها بما يتناسب مع السياق المحلي، يُعد خطوةً استراتيجيةً نحو تطوير بنية إقليمية فاعلة للوقاية من الإرهاب والتطرف.
نظم الإنذار المبكر التي تساعد على توقع التهديدات والاستجابة لها في الوقت المناسب.
في ظل تعقيد الهجمات الإرهابية الحديثة وسرعة تنفيذها، أصبحت نُظم الإنذار المبكر إحدى أكثر أدوات تبادل المعلومات بين الدول فعاليةً في الوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف، تهدفُ هذه النظم إلى الكشف المبكر عن التهديدات المحتملة من خلال تحليل المؤشرات الأمنية، ومشاركةِ البيانات الحساسة، وتفعيل آليات التحذير العابر للحدود قبل وقوع أي هجوم.
أ. ماهيةُ نظم الإنذار المبكر في مكافحة الإرهاب
تشيرُ نظمُ الإنذار المبكر إلى مجموعةٍ من الآليات التقنية والاستخباراتية التي تسمح بـ:
الرصدِ الاستباقيِ للمخاطر الأمنية المتصاعدة.
تحليلِ الأنماطِ والاتجاهاتِ السلوكية للجماعات أو الأفراد.
إرسالِ تحذيراتٍ فوريةٍ للأجهزة الأمنية وصنّاع القرار في الدول المعنية.
إطلاقِ إجراءاتِ الوقاية في مراحلَ مبكرةٍ (مثل تعزيز الأمن، تفتيش المطارات، تجميد التحويلات المالية المشبوهة).
ب. أمثلة دولية على نظم الإنذار المبكر
1- نظام الإنذار المبكر الأوروبي EU Early Warning System – EWS
يعمل هذا النظام تحت إشراف اليوروبول ومركز التحليل المشترك للتهديد الإرهابي (JTIC)، ويُستخدم لتقييمِ مستويات التهديد في الدول الأوروبية بناءً على معلوماتٍ واردةٍ من أجهزة الأمن والاستخبارات.[14]
2-نظام الإنتربول للإنذارات الأمنية Global Alerts System
يُتيحُ إصدارُ “نشراتٍ حمراء” و”تنبيهاتٍ خاصة” حول تحركات الإرهابيين، الوثائق المزورة، الأسلحة الكيميائية، والمتفجرات المحتملة.[15]
وأثبتت هذه الآليات فعاليتها في إحباط العديد من الهجمات الإرهابية قبل وقوعها، مثل عمليات “خلية برشلونة 2017″ و”هجوم باريس 2015” التي تم التعرف على منفذيها عبر تبادل معلومات سابق.
3-نظام FTF Watchlist للأمم المتحدة
يُستخدم لتبادلِ معلوماتٍ فوريةٍ حول “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” (FTFs) العائدين من مناطق الصراع، ويساعد الدول في اتخاذ تدابير حدودية وقضائية مسبقة.[16]
ج. التجارب العربية في إنشاء نظم إنذار مبكر إقليمية
رغم التحديات التقنية والسياسية، تسعى بعض الدول العربية إلى تطوير قدراتها في مجال الإنذار المبكر عبر:
المركزُ العربيُ للوعي الأمني المبكر – الرياض (ضمن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية).
يعمل على تطوير نماذجَ توقّعٍ للهجمات الإرهابية في الدول العربية من خلال تحليل بياناتٍ سابقة وتقييم المخاطر الأمنية.[17]
مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف – القاهرة
يُحلّل البيانات من وسائل التواصل الاجتماعي لرصد أنشطة التجنيد أو التحريض على العنف، ويصدر تنبيهات دورية.[18]
مرصدُ الساحل والصحراء للإنذار المبكر – الجزائر
أُنشئ بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي لتقديمِ تقاريرَ استباقيةٍ عن تهديدات الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل.[19]
وعليه، تُعد نُظمُ الإنذار المبكر بمثابةِ خط الدفاع الأول في مكافحة الإرهاب، إذ تمنحُ الدولَ وقتًا ثمينًا للاستجابة قبل تنفيذ الهجمات، وتكتسب فعالية هذه النظم قوتها من حجم المعلومات المتدفقة وتكاملها، ما يُحتّمُ تعزيز التعاون بين الدول وتبادل البيانات في الزمن الحقيقي، كما أن الاستثمار في هذه النظم يجب أن يكونَ مصحوبًا بضماناتٍ لحماية الخصوصية وتفادي إساءة استخدام المعلومات.
ثالثاً: الاستفادةُ من الشراكات الدولية لتعزيز القدرات المحلية
في ظل الطبيعة المعولمة للتهديدات الإرهابية، أصبحتْ الشراكاتُ الدوليةُ أداةً لا غنى عنها لتعزيز قدرات الدول الوطنية، خاصة في الدول النامية أو ذات الموارد المحدودة، فالتعاون مع القوى الإقليمية والدولية والمؤسسات متعددة الأطراف يتيح الوصول إلى الموارد التقنية، والتدريب المتخصص، والتمويل، والدعم الاستخباراتي، مما يُساعد على سدّ الفجوات المحلية في الاستجابة لظاهرة التطرف العنيف.
تقدم الشراكات الدولية فرصًا كبيرة للدول لتعزيز أنظمتها المحلية عبر:
برامج التدريب المشترك.
تدريب قوات الشرطة والأمن على تقنيات مكافحة الإرهاب.
بناء قدرات المحللين الاستخباراتيين على كشف شبكات التطرف الإلكتروني.
تمويل وتطوير البرامج الوقائية:
دعم مبادرات مكافحة التطرف العنيف من خلال التعليم والإعلام.
برامج الشراكة مع المجتمع المدني لمحاربة الفكر المتطرف.
الدعم التكنولوجي:
تزويد الدول بتكنولوجيا المراقبة المتقدمة وأنظمة تحليل البيانات.
مثال: التحالف الدولي ضد داعش، الذي ضمَّ أكثر من 80 دولةً، وفّر نموذجًا ناجحًا للشراكة المتكاملة بين الدول لمكافحةِ تنظيمٍ إرهابيٍ عابرٍ للحدود، من خلال التنسيق العسكري والدعم الإنساني، والمشاركة في جهود إعادة الإعمار ومنع إعادة التشكل.[20]
رابعاً: التحدياتُ التي تواجهُ التعاونَ الدولي
رغم النجاحات، يواجهُ التعاونُ الدوليُ عدة معوقات، منها:
الافتقارُ للثقة السياسية بين بعض الدول مما يعيق تبادل المعلومات الحيوية.
الفروقاتُ القانونيةُ التي تؤدي إلى ثغرات في ملاحقة العناصر الإرهابية.
تسييسُ ملف الإرهاب، حيث توظف بعض الدول هذه الظاهرة لخدمة أهدافها السياسية.