المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > التقاربُ الروسيُ مع طالبان (بين متطلباتِ الواقعِ الدوليِ والقضايا المُلحةِ)
التقاربُ الروسيُ مع طالبان (بين متطلباتِ الواقعِ الدوليِ والقضايا المُلحةِ)
- يوليو 14, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: آية أشرف
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
تعدُ مسألةُ إدارةِ وتوجيهِ العلاقاتِ الدوليةِ _لا سيَّما السياسةُ الخارجيةُ_ من أكثرِ الأمورِ تعقيداً وتشابكاً بالنسبةِ للدولِ؛ كونُها تتعلقُ بشكلٍ كبيرٍ بالمصالحِ والأهدافِ والأجنداتِ المختلفةِ بل والمتصارعةُ احياناً لأعضاءِ الجماعةِ الدوليةِ، الأمرُ الذي يجعلُ تفسيرَها وتحليلهَا أمراً يشوبهُ العديدُ من التحدياتِ، وهو ما يظهرُ بشكلٍ كبيرٍ في السياسيةِ الخارجيةِ الروسيةِ تجاهَ العديدِ من الفواعلِ الدوليةِ وعلى رأسِها حركةُ ” طالبان” في أفغانستان، هذه السياسةُ التي مرتْ بمراحلَ مختلفةٍ من الشدِّ والجذبِ بين كلا الطرفينِ، ولعلنا الآنَ نشهدُ دخولَ العلاقةِ بين روسيا وحركةِ “طالبان” طوراً جديداً سمتهُ التقاربَ أو بتعبيرٍ أدقٍ تقاطعُ المصالحِ بين كلٍ منها، الأمرُ الذي يثيرُ عدداً من التساؤلاتِ أهمُها: ماهيةُ الدوافعِ والمحفزاتِ لهذا التقاربِ وما دلالتهُ في الوقتِ الحاليِ فضلاً عن المكاسبِ والتحدياتِ المحتملةِ وراءَ هذا التقاربِ.
تشهدُ الساحةُ الدوليةُ حالياً تهافتاً من قِبل العديد من حكوماتِ العالمِ لا سيما الأطرافُ الأكثرُ تأثيراً على المستوى الدوليِ لإقامةِ علاقةٍ شبهِ طبيعيةٍ مع حكومةِ “طالبان ” في افغانستان، ويُعدُ التقاربُ الروسيُ هو الأبرزُ من بينِ كافةِ هذه التحركاتِ فقد تشهدُ الفتراتُ المقبلةُ اعترافاً روسياً كاملاً “بطالبان” كممثلٍ شرعيٍ لأفغانستان وذلك بالتزامنِ مع ظهورِ العديدِ من الدعواتِ من المؤسساتِ الروسيةِ الرسميةِ على رأسهِا وزارتا العدلِ والخارجيةِ بحذفِ الحركةِ من قائمةِ التنظيماتِ الإرهابيةِ لدى روسيا ([1]) وتطبيعِ العلاقاتِ معها باعتبارِها شريكاً استراتيجياً لموسكو في إقليمِ أسيا الوسطى _الحديقةِ الخلفيةِ لروسيا_ والتي تسعى جاهدة لضمان أمنه واستقراره بكلِ الطرقِ الممكنةِ وعدمِ تركِ فراغٍ يسمحُ بتدخلِ أطرافٍ أخرى _خاصةً الغربُ_ للعبِ أدوارٍ فعالةٍ في المنطقةِ ومحيطِها، وعليه فإن أفغانستان تمثلُ نقطةً مفصليةً بالنسبةِ لبوصلةِ السياسةِ الخارجيةِ الروسيةِ.
تغيراتٌ طفيفةٌ بعد ثلاثِ أعوامٍ منذُ عودةِ “طالبان” للسلطة
قبل التطرقِ لتحليلِ العلاقةِ بين روسيا و”طالبان” والتوجهِ الحاليِ للخارجيةِ الروسيةِ تجاهَ الحركةِ لابدَّ من إلقاءِ نظرةٍ سريعةٍ على الوضعِ الحاليِ في افغانستان منذُ عودةِ “طالبان” لتوليِ سدةِ الحكمِ في البلادِ بعد الانسحابِ الأمريكيِ 2021م، بكلِ تأكيدٍ شهدتْ افغانستانُ تغيراتٍ عدةً في كافةِ مناحيِ الحياةِ بعد سيطرةِ “طالبان” على السلطةِ في كابول خاصةً فيما يتعلقُ بعلاقتهِا الخارجيةِ إذ تعاني عزلة ًدوليةً ملحوظةً بسببِ المواقفِ السلبيةِ التي تتخذُها العديدُ من الدولِ تجاهَ الحركةِ، على المستوى السياسيِ والأمنيِ استطاعتْ الحركةُ توحيدَ صفوفِها بشكلٍ كبيرٍ بما لا يدعُ مجالاً للمعارضةِ التي تولدُ انقساماتٍ داخليةً ينتجُ عنها استقطاباتٌ خارجيةٌ للقوى المتناحرةِ داخلياً، كما استطاعتْ جذبَ انتباهِ العديدِ من الدولِ ذاتِ الثقلِ في الإقليمِ (آسيا الوسطى) على المستوى الدوليِ وعلى رأسِها الصينُ وإيرانُ وروسيا وكازخستان والإماراتُ العربية المتحدة ، فضلاً عن ذلك فهي تخوضُ صداماً مع تنظيمِ “داعش ولاية خرسان” لتقليصِ نشاطِ التنظيمِ في افغانستان والمنطقةِ بما يضمنُ المزيدَ من الأمنِ والاستقرارِ لها على رأسِ هرمِ الحكمِ في كابول, إلا أنها بالرغمِ من وجودِها لأكثرَ من ثلاثِ سنواتٍ في حكمِ البلادِ لم تستطعْ تكوينَ حكومةٍ شاملةٍ تهتمُ بإدارةِ كافةِ جوانب الحكمِ والإدارةِ، على المستوى الإقتصاديِ حققتْ الحركةُ عدداً من النجاحاتِ الطفيفةِ فيما يتعلقُ بالصادراتِ الأفغانيةِ التي شهدتْ ارتفاعاتٍ بسيطةً، كما سعتْ للحفاظِ جاهدةً على قيمةِ عملتِها، وعملتْ على استغلالِ الوضعِ الدوليِ غيرِ المتزنِ على مستوى ميزانِ القوى الدوليِ للاستفادةِ من القوى الدوليةِ المختلفةِ للتحايلِ على العقوباتِ الغربيةِ المفروضةِ عليها لدعمِ اقتصادِها المتعثرِ في ظلِ ظروفٍ معيشيةٍ متدهورةٍ يعيشُها الشعبُ الأفغانيُ علاوةً على ذلك فإن معاناةَ الأفغانِ لا تقفُ عن حدِّ التعثرِ الإقتصاديِ والتنمويِ بل إن الأفغانَ بشكلٍ عامٍ والنساءَ على وجهِ التحديدِ يشهدون معاناةً حقيقةً فيما يتعلقُ بحقوقِهنّ في ممارسةِ حياتهنِّ بشكلٍ طبيعيٍ، إذ تحرمُ حكومةُ “طالبان” النساءَ من تلقيِ التعليمِ فضلاً عن فرضِ زيٍ معينٍ عليهنّ وتعاقبُ كلَ من تخالفهُ بالحبسِ وهو ما يثيرُ غضباً دولياً شديداً ضد الحركةِ. ([2] )
العلاقةُ بين طالبان وروسيا (مقاربةٌ مرنةٌ)
تاريخياً شهدتْ العلاقاتُ الروسيةُ مع حركةِ طالبان تذبذباً ملحوظاً، ففي فترةِ حكمِ “طالبان” الأولى ( 1996م : 2001م) أتسمتْ هذه العلاقةُ بالتوترِ الشديدِ بين الجانبينِ لعددٍ من الأسبابِ والاعتباراتِ آنذاك انتهتْ بإدراجِ روسيا الحركةَ على قائمةِ الإرهابِ وفقاً للقانونِ الروسيِ في 2003م، وفي عامِ 2007م طرأتْ عدةُ ملفاتٍ محوريةٍ لكلا الطرفينِ جعلتْ هناكَ ضرورةً ملحةً تدفعُ لوجودِ درجةٍ من التنسيقِ فيما بينهما خاصةً فيما يتعلقُ بمجالِ مكافحةِ الإرهابِ والمخدرات من أفغانستان إلى آسيا الوسطى، تطورتْ هذه العلاقةُ عامَ 2015م فقد أعلنَ الكرملينُ عن فتحِ قنواتِ تواصلٍ مع طالبان لتعزيزِ التعاونِ الاستخباراتيِ بشكلٍ أكثرَ عمقاً لمحاربةِ خطرِ تنظيمِ “داعش ولايةِ خراسان” على اعتبارِ أنه عدوٌ مشتركٌ لكلٍ من روسيا وافغانستان، تطورَ هذا التقاربُ حتى كوّنَ ما يشبهُ أرضيةً مشتركةً تجمعُ الروسَ مع حركةِ “طالبان” بين الحينِ والآخرِ وظهرَ ذلك جلياً بعدَ الانسحابِ الغربي من افغانستان وتوليِ الحركةَ الحكمَ هذه الفترةِ التي سارعتْ أغلبُ دولِ العالمِ في غلقِ سفاراتهِا واجلاءِ دبلوماسييِها وراعاياها ظلتْ السفارةُ الروسيةُ مفتوحةً بكاملِ طاقمِها وقامتْ بعقدِ اتصالاتٍ دبلوماسيةٍ مع الحركةِ بعد يومين فقط من توليِها السلطةِ. ([3])
التقاربُ الحاليُ بين روسيا وطالبانِ مكاسبُ محتملةٌ وصراعٌ كامنٌ (المحفزاتُ والتحدياتُ)
في الوقتِ الحاليِ نلاحظُ بشدةٍ وجودَ درجاتٍ عاليةٍ من التجاذبِ في العلاقاتِ بين موسكو و”طالبان” في عددٍ من المجالاتِ، على المستوى السياسيِ والأمنِي صرحتْ روسيا في أكثرِِ من مناسبةٍ بأنها تعتزمُ رفعَ طالبانِ من قائمةِ التنظيماتِ الإرهابيةِ كخطوةٍ أولى قد تكونُ ممهدةً لاعترافٍ رسميٍ بشرعيةِ حكومةِ “طالبان” في كابول، فضلاً عن التشديدِ على أهميةِ التعاون مع الحركةِ في القضايا المحوريةِ أهمهُا وأخطرُها مواجهةُ خطرِ “داعش ولايةِ خراسان”، على المستوى الاقتصاديِ عززتْ موسكو علاقاتِها الاقتصاديةَ والتجاريةَ مع الحركةِ وعادتْ فكرةُ إنشاءِ خطٍ غازٍ طبيعيٍ من روسيا لأفغانستان وصولًا إلى الهندِ مرةً أخرى للطرحِ بقوةٍ وانشاءِ خطوطِ سككٍ حديديةٍ وبُنى تحتيةٍ فضلاً عن أن حجمَ التجارةِ بين كلا البلدينِ قد وصلتْ خمسَ أضعافٍ عن ما كان عليه عامَ 2021م بمعدلٍ تجاوزَ المليارَ دولارٍ وهو انجازٌ مهمٌ بالنسبةِ لحكومةِ “طالبان” علاوةً على ذلك مشاركةُ الحركةِ في منتدىَ ” سانت بطرسبرج” الإقتصاديِ 2022م و 2024م ([4]) ، وعلى المستوى العسكريِ والاستخباراتيِ فهناكَ العديدُ من التقاريرِ التي تؤكدُ أن موسكو قدمتْ دعماً عسكرياً ولوجستياً للحركةِ في فتراتٍ مختلفةٍ فضلاً عن مستوياتِ التنسيقِ العاليةِ بينَ كلا الجانبينِ فيما يتعلقُ بتبادلِ المعلوماتِ الاستخباراتيةِ واستقبالِ وإرسالِ المبعوثين . ([5])
ونظرةً فاحصةً لواقعِ العلاقةِ بين الكرملين والحركةِ وبالأخذِ بالاعتبارِ عواملَ البيئةِ الدوليةِ والملفاتِ المشتركةِ بين الجانبينِ نجدُ أن هناكَ عدداً من الدوافعِ والمحفزاتِ والمكاسبِ التي تدفعُ بقوةٍ لدرجاتٍ أعلى من التقاربِ بين الروسِ وطالبان، يمكنُ تحليلُها كالآتيِ:
1- إقتصاديًا، تُعدُ المكاسبُ الإقتصاديةُ من أهمِ دوافعِ هذا التقاربِ؛ إذ تشتركُ روسيا و”طالبان” في العقوباتِ الإقتصاديةِ المفروضةِ على كليهِما من جانبِ الغربِ باختلافِ أسبابِ ودرجةِ العقوباتِ وماهيتِها، وعليه فإنَ هذا التقاربَ يعملُ بشكلٍ كبيرٍ على تعزيزِ الموقفِ الإقتصاديِ لكلٍ منهم بالنسبةِ لروسيا تعتبرُ افغانستانُ ممرَ عبورٍ مناسبٍ لسلعهِا بعيداً عن القيودِ التجاريةِ المفروضةِ عليها فضلاً عن صفقاتِ الطاقةِ والموادِ الخامِ من افغانستان، وبالنسبةِ ” لطالبان” فإن عقودَ الشراكةِ والاستثمارِ الروسيةِ سوف تكونُ دفعةً قويةً للاقتصادِ الأفغانيِ المتعثرِ فضلاً عن صفقاتِ الحبوبِ والموادِ الغذائيةِ والموادِ الطاقويةِ بأسعارٍ تنافسيةٍ. ([6])
2- على المستوى السياسيِ والأمنِي، تشتركُ روسيا و “طالبان” في عددٍ من القواسمِ السياسيِ والأمنيِ أيضاً كعدائهِما المعروفِ للغربِ والولاياتِ المتحدةِ على وجهِ التحديدِ فضلاً عن حربهِما ضد تنظيمِ “داعش ولايةِ خراسان” الذي يعدُ أخطرَ تهديدٍ لأمنِ واستقرارِ موسكو وكابول خاصةً بعد الهجماتِ الأخيرةِ التي شهدتهَا موسكو(.[7])
3- على المستوى العسكريِ، يعززُ التقاربُ بين روسيا و”طالبان” القدراتِ العسكريةَ لكليهِما إذ تحتاجُ الحركةُ للدعمِ العسكريِ من روسيا وفي المقابلِ فإن روسيا في حاجةٍ ماسةٍ إلى مخزونِ طالبان من أسلحةِ الغربِ وأمريكا التي استحوذتْ عليها الحركةُ بعدَ انسحابِ القواتِ الأمريكيةِ من البلادِ تاركةً خلفهَا ما يقاربُ من 80 % من أسلحتِها خاصةً في ظلِ تصاعدِ حدةِ العملياتِ العسكريةِ الروسيةِ في أوكرانيا.
على الرغمِ من أهميةِ هذهِ المكاسبِ التي قد تنذرُ باعترافٍ روسيٍ رسميٍ بالحركةِ بعد حذفهِا من قائمةِ الإرهابِ الوطنيِ إلا أن هناكَ عدداً من العراقيلِ التي تجعلُ هناكَ صعوبةً في الوصولِ لدرجةِ التقاربِ التي يتوقعُها الجانبانِ وتتمثلُ في:
عدمِ فعاليةِ قرارِ حذفِ الحركةِ من قائمةِ الإرهابِ الروسيةِ في ظلِ استمرارِ مجلسِ الأمنِ بإدراجِها من ضمنِ قوائمِ الإرهابِ والعقوباتِ ولابد من الأخذِ في الاعتبارِ أن قرارَ مجلسِ الأمنِ هذا يعدُ ملزماً بالنسبةِ لروسيا ولكنها تعدُ خطوةً جيدةً بالنسبةِ لمستقبلِ العلاقةِ بين روسيا والحركة. ([8])
وفيما يتعلقُ بمحاربةِ تنظيمِ “داعش خرسان” فإن العديدَ من المحللينَ يرجحُ أن روسيا ترتكبُ نفسَ خطأِ الغربِ في الاعتقادِ بأن طالبان عدوٌ ل “داعش ولايةِ خراسان” ويدللونَ على ذلك بوجودِ العديدِ من التقاطعاتِ الفكريةِ والايدلوجيةِ بين كلا التنظيمينِ، فضلاً عن أن عدداً كبيراً من المنتمين ل “داعش خراسان” هم أعضاءٌ سابقون في طالبانِ، الأمرُ الذي يتطلبُ حذراً شديداً للتعاملِ فيما يتعلقُ مع هذا الملفِ سواءٌ من روسيا أو “طالبان”.
اعتمادِ تحقيقِ هذا التقاربِ على درجةِ مرونةِ “طالبان” تجاهَ المطالبِ الروسيةِ خاصة ًفيما يتعلقُ بمجالِ الأمنِ ومكافحةِ الإرهابِ والجريمةِ والمخدراتِ وأمنِ الحدودِ من دولِ آسيا الوسطى وهو أمرٌ يرتبطُ بشكلٍ كبيرٍ بوجودِ حكومةٍ شاملةٍ ومتوازنةٍ على كافةِ المستوياتِ والأصعدةِ في كابول.