المقالات
التقاربُ الصينيُ – العراقيُ .. نفوذٌ متنامٍ وطموحاتٌ بعيدةُ المدىَ
- مايو 23, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد: إسراء عادل
باحثة في شؤون الشرق الأوسط
على وقعِ التحولِ الاستراتيجيِ اللافتِ للنظرِ بشأنِ تناميِ النفوذِ الصينيِ في العراقِ في الفترةِ الأخيرةِ، إذ رفعتْ بكينُ رايةَ الاستثماراتِ الاستراتيجيةِ معَ بغدادَ في مختلفِ المجالاتِ كعنوانٍ لتمددِ أذرعِها التوسعيةِ وبسطِ نفوذِها في المنطقةِ، حيثُ أصبحتْ العراقُ أحدَ أكبرِ المستوردينَ للصينِ وثالثَ أكبرِ مصدريِ النفطِ إليِها، الأمرُ الذي أثارَ دهشةَ وقلقَ العديدِ من القوىَ الغربيةِ، خاصةً الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ، إذ يتزامنُ هذا التحولُ معَ فوزِ ستِ شركاتٍ صينيةٍ بمشاريعِ تطويرِ حقولِ النفطِ والغاز في 13 محافظةٍ عراقيةٍ، دونَ أن تحظَى أيٌُ شركةٍ أمريكيةٍ بعقودٍ، ممَا يعكسُ تغييراتٍ جذريةً في خارطةِ النفوذِ الاقتصاديِ والسياسي في المنطقة.
جذورُ العلاقاتِ الصينيةِ – العراقيةِ:
تربطُ الصينُ والعراقُ صداقةً تقليديةً تضربُ بجذورِها في عمقِ التاريخِ، فقدْ بدأتْ العلاقاتُ العراقيةُ – الصينيةُ منذُ قرونٍ معَ طريقِ الحريرِ القديمِ، وفي عهدِ الخلافةِ العباسيةِ خلالَ العصورِ الوسطَى، حيثُ سهلتْ التجارةُ بينَ الإمبراطوريتينِ الصينيةِ والإسلاميةِ، وفي القرنِ العشرينَ نمتْ العلاقاتُ الثنائيةُ بينَ الصينِ والعراقِ بشكلٍ مطردٍ منذُ إقامةِ العلاقاتِ الدبلوماسية بينَ البلدينِ عام1958َ، وقامتْ بكينُ ببعضِ الممارساتِ التجاريةِ معَ العراقِ بعدَ عام 1991 في إطارِ برنامجِ النفطِ مقابلَ الغذاءِ، وكانتْ المبيعاتُ الاقتصاديةُ والعسكريةُ للعراقِ تتمُ وفقَ قراراتِ الأممِ المتحدةِ، ثم تضاعفتْ العلاقاتُ الصينيةُ – العراقيةُ خلالَ فترتينِ مختلفتينِ، الأولَي حينمَا حدثتْ الثورةُ في العراقِ وغادرتْ القواتُ البريطانيةُ البلادَ، والثانيةُ حينَما انسحبتْ القواتُ الأمريكيةُ منَ الأراضيِ العراقيةِ عامَ 2011. وفي عامِ 2015 تطورتْ العلاقاتُ الصينيةُ – العراقيةُ، حيثُ قامَ البلدانِ برفعِ مستوىَ علاقتهِما إلى شراكةٍ استراتيجيةٍ شاملة، فقد وقّعَ البلدانِ على وثيقةِ التعاونِ والتفاهمِ بشأنِ التعاونِ في بناءِ «الحزامِ والطريقِ»، الأمرُ الذي أدخلَ التعاونَ الاقتصاديَ والتجاريَ بينَ البلدينِ إلى مسارٍ سريعٍ، وتخطتْ التجارةُ الثنائيةُ بينَ العراقِ والصينِ 30 مليارَ دولارٍ في عامِ 2018، وكانَ التعاونُ في مجالِ الطاقةِ هو أساسُ العلاقاتِ الثنائيةِ بين البلدينِ، ممَا جعلَ العراقَ ثالثَ أكبرِ مصدرٍ للنفطِ الصينيِ المستوردِ، وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ الاستثمارَ الصينيِ في العراقِ لا يركزُ فقطْ على التنقيبِ عنْ النفطِ، وإنما يتضمنُ مجالاتٍ مختلفةً مثلَ الطاقةِ والبنيِة التحتيةِ والإعمارِ والمجالاتِ الأمنيةِ ومعالجةِ المياهِ والكهرباءِ والزراعةِ والبحثِ العلميِ والطاقةِ النظيفةُ وغيرِها. [1]
وفيَما يتعلقُ بالعلاقاتِ الدبلوماسيةِ والسياسيةِ، فقد شهدتْ الخمسةُ وستونَ سنةً المنقضيةَ تعميقاً مستمراً للثقةِ السياسيةِ المتبادلةِ، وتعزيزاً متنامياً للتعاونِ العمليُ وتقارباً متزايداً بين الشعبين، وظهر ذلك جلياً خلالَ لقاءِ الرئيسِ الصينيِ شي جينبينغ برئيسِ مجلسِ الوزراءِ العراقيِ محمد شياع السوداني خلالَ حضورهِ القمةَ الصينيةَ العربيةَ الأولَى في ديسمبرَ 2022، وحينَها توصل قيادتا البلدين إلى توافقٍ مهمٍ حولَ سبلِ تعميقِ التواصلِ والتعاونِ الوديينِ بينَ البلدينِ في مختلفِ المجالاتِ، ممَا حددَ اتجاهَ التطورِ للعلاقاتِ الثنائيةِ وضخِ ديناميكيةٍ قويةٍ فيها.[2]
دوافعُ الاهتمامِ الصينيِ بالعراقِ:
تتعددُ دوافعُ الاهتمامِ الصينيِ بالعراقِ بحيثُ تتمثلُ في عددٍ من المصالحِ والأهدافِ الاستراتيجيةِ التي تسعيَ بكينُ لتحقيقِها، والتي يمكنُ إيضاحهَا فيما يليِ:
– المصالحُ والأهدافُ الاقتصاديةُ:
يحتلُ العراقُ موقعاً مهماً واستراتيجياً يأتي ضمنَ أهدافِ الصينِ الاقتصاديةِ في المنطقةِ، فالصينُ يهمُها كقوةٍ دوليةٍ صاعدةٍ اقتصادياً وسياسياً، وتنافسُ الولاياتِ المتحدةَ الامريكيةَ على النفوذِ العالميُ، أنْ تفتحَ أفقَ التعاونِ والتبادلِ فيما بينَها ودولِ منطقةِ قلبِ العالمِ، ولذلك تسعى الصين إلى تعميقِ علاقاتِها معَ العراقِ للاستفادةِ من ثروتهِ النفطيةِ الهائلةِ، وموقعهِ الاستراتيجِي في قارةِ آسيا، وعلاقاتِه معَ قوىً إقليميةٍ ودوليةٍ مؤثرةٍ في توجهاتِ السياسِةِ الصينيةِ، مثلَ إيرانَ والسعوديةِ والاماراتِ والهند، وبالتاليِ يبدو أنَّ الاهتمامَ الصينيَ بالعراق يرجعُ بالأساسِ إلى حاجةِ بكينَ لتأمينِ إمداداتِ الطاقةُ بصورةٍ منتظمةٍ، بحيثُ يكونُ لهَا موطئُ قدمٍ في بغدادَ التي تعدُ مركزاً للطاقةِ العالميةِ وأحدَ أكبرِ المنتجينِ، حيثُ يتوقعُ الخبراء الصينيين بحلول عام 2025 ان يكونَ استهلاكهُم للنفطِ بحدودِ 15 مليونَ برميلٍ في اليومِ، في حينِ يستهلكونَ اليومَ 6.5 مليونَ برميلٍ في اليومِ منها أربعةُ ملايينَ برميلٍ من استخراجهِم وبذلكَ تصبحُ الكميةُ التي يستوردونَها من النفطِ في الخارجِ 2.5 مليونَ برميلٍ في اليوم، فإذا مضتْ الصينُ على هذا النمطِ من التطورِ الذي شهدتهُ السنواتُ العشرونَ الماضيةُ فستكونُ بحاجةٍ إلى كمياتٍ كبيرةٍ لاستهلاكِ الطاقةِ، على الرغمِ من أنَّ 65% من الطاقةِ هو الفحمُ و30% فقط على النفطِ والغازٌ و5% للمفاعلِ النوويِ ومصادرِ الطاقةِ.
كما تسعىَ الصينُ أيضاً أن تجعلَ العراقَ سوقاً للمنتجاتِ الصينيةِ، حيثُ تعدُ السوقُ العراقيةُ قريبةً من الصينِ مقارنةً بالأسواقِ الأوروبيةِ والأمريكيةِ، وقد تحولَ العراقُ إلى أحدِ أكبرِ مستورديِ المنتجاتِ الصينيةِ بعدَ عامِ 2003، لا سيَّما معَ تدهورِ القدرةِ الشرائيةِ للمواطنينَ العراقيينَ، وعدمِ قدرتهِم على الحصولِ على المنتجاتِ المستوردةِ مرتفعةِ التكلفةِ. وعلى الجانبِ الآخرِ أقامتْ الصينُ علاقاتٍ جيدةً مع حكومةِ إقليمِ كردستانَ العراقِ، ممَا يتيحُ لها فرصاً هائلةً للوصولِ إلى إنتاجِ النفطِ في منطقةِ أربيل، ومن الممكنِ استغلالُ هذهِ العلاقةِ من قبلِ كردستان العراقِ، في أنْ تطلبَ مثلاً من الصينِ أن تضغطَ على إيرانَ لمنعِها منْ شنّ هجماتٍ صاروخيةٍ على قواعدَ يُعتقدُ أنهَا توفرُ ملاذاً للمعارضينَ المناهضينَ لطهرانَ والناشطينَ الكردِ.[3]
– المصالحُ والأهدافُ الجيوستراتيجيةُ:
تُعدُ الشراكةُ الصينيةُ الشاملةُ مع العراقِ عاملاً مهماً في تنفيذِ ودعمِ الاستراتيجيةِ القطبيةِ، التي يتمحورُ هدفُها الرئيسيُ حولَ منافسةِ المصالحِ الأحاديةِ التي تتمتعُ بهَا الشركاتُ الأمريكيةُ والغربيةُ، ومجابهتِها سياسياً وعسكرياً من خلالِ سياسةٍ استراتيجيةٍ تهدفُ إلى مواجهةِ القوةِ الاقتصاديةِ العظمَى، حيثُ تنتشرُ وتتوسعُ دائرةُ النفوذُ الاقتصاديُ الصينيُ في الشرقِ الأوسطِ على جميعِ المستوياتِ، خاصةً في مجالِ حاجِة بكين لاستيرادِ الموادِ الخامِ، التي يمثلُها غالباً النفط، الذي يعتبرُ العاملَ الأساسيَ في تنميةِ الاقتصادِ الصينيِ، والذي يمثلُ أكثرَ من 50% من نسبةِ وارداتِ النفطِ العراقيِ والخليجيِ، ولكونِ الصينِ إحدىَ أهمِّ الدول في ترتيبِ القوىَ الصاعدة، التي تسعَى إلى مجابهةِ الوجودِ الغربيِ في إفريقِيا والشرقِ الأوسط في العمومِ، وفي العراقِ على وجهِ التحديدِ، وذلك عبرَ امتلاكهِا للمؤهلاتِ الكافيةِ للتأثيرِ على الاقتصادِ العالمي، من خلالِ إدارتِها أكبرَ احتياطٍي عالميٍ من العملاتِ الأجنبيةِ، وعلى رأسِها الدولارُ الأمريكيُ، ومن هنَا أبدىَ قادةُ الصينِ اهتماماً كبيراً بالعراقِ باعتبارهِ امتداداً استراتيجياً مهماً في القارةِ الآسيويةِ، حيثُ حرصتْ الصينُ على إقامةِ علاقاتٍ صداقةِ وتعاونٍ مشتركِ معَ الحكومةِ العراقيةِ، مستغلةً حالةَ التجاذبِ السياسيِ والطائفيِ بينَ الموقفِ الرسميِ العراقيِ، وموقفِ الأحزابِ النافذةِ حولَ استمرارِ الوجودِ الأمريكيِ في العراقِ، لا سيَّما عن علاقةِ الصينِ الاستراتيجيةِ مع إيرانِ التي يمكنُها ترجيحُ كفةِ الميزانِ لصالحِها في هذا البلدِ المهمِ في صراعِ القوىَ العالميةِ في المنطقةِ، وبالتاليِ يبدو أنَّ الصينَ تسعَى منذُ فترةٍ للظهورِ بمظهرِ الدولِ العظمَى ومنافسةِ الدولِ الكبرىَ مثلَ أمريكَا وروسيَا والاتحادِ الأوروبيِ، واستخدامِ وفرةِ ورخصِ الإنتاجِ لأهدافٍ استراتيجيةٍ وسياسيةٓ تمكنُها من فرضِ نفوذِها على العالمِ.[4]
– الأهدافُ السياسيةُ:
انطلاقاً من الأهميةِ السياسيةِ للعراقِ، فقدْ سعتٓ الصين إلى توطيدِ علاقاتِها السياسيةِ ببغدادَ عبرَ انتهاجِ مقاربةٍ برجماتيةٍ على خلفيةِ القضايا الداخليةِ الشائكةِ، تنطويِ على دعمِ المصالحةِ الوطنيةِ، وبناءِ عمليةٍ ديمقراطيةٍ سلميةٍ، ودعـــوةِ الأطرافِ العراقيةِ لمواصلةِ العملِ على تسويةِ الخلافاتِ عبرَ الحوارِ والتشاورِ؛ مَما أسهمَ في توافرِ مقبوليةٍ سياسيةٍ لـدورِهـا النشطِ في المنطقةِ، عكستهَا مشاركةُ العراقِ في القمةِ العربيةِ-الصينيةِ في ديسمبرَ 2022.
– الأهدافُ العسكريةُ والأمنيةُ:
حـرصـتْ بكينُ عـلـى الاستفادةِ الاقتصاديِة دونَ الاقترابِ من نـيـرانِ التدخلِ العسكريِ فـي المنطقةِ التي تعانيِ من وطـأةِ الصراعاتِ الشائكةِ، وقد كانتْ مبادرةُ الحزامِ والطريقِ بمثابة رأسِ الـحـربـةِ للتحركِ الصينيِ الـنـاعـمِ، نحوَ إيـجـادِ موطئِ قـدمٍ عسكريٍ وأمنيٍ لهَا في الشرقِ الأوسط، ولعلَّ هذا ما يفسرُ رغبةَ الصينِ في وجودِ بيئةٍ عراقيةٍ آمنةٍ ومستقرةٍ؛ الأمرُ الذي دفعها إلى توقيع اتفاقية للتعاونِ العسكريِ فـي ديسمبر 2015، بالإضافةِ إلــى توقيعِ اتفاقيةٍ بينَ وزارةِ الداخليةِ العراقيةِ، والأمنِ العامِ الصينيِ في سبتمبرَ 2019، هدفتْ إلى تدريبِ وتطويرِ الأمنِ العراقيِ، وسبقهَما العملُ على تعزيزِ قدراتِ الجيشِ العراقِي خلالَ حربهِ على تنظيمِ داعشَ، من خلالِ بيعهِا في عامِ 2014 طائراتٍ من دونِ طيارٍ من طرازِB4-CH ، بالإضافةِ إلى صواريخَ موجهةٍ من طرازِ FT_9، وفقاً لمعهدِ ستوكهولم الدوليِ لأبحاثِ السلامِ.[5]
– الأهدافُ الثقافيةُ:
وفيما يتعلقُ بالجوانبِ الثقافيةِ، فقد تسعَى الصينُ إلى تعميقِ أواصِر التعاونِ الثقافيِ معَ العراقِ، ولعلَّ أبرزَ الأمثلةِ في هذا الصددِ زيادةُ المنحِ الدراسيةِ للطلابِ العراقيينَ، والموافقة على فتحِ فرعٍ لمعهدِ “كونفوشيوس “في بغدادَ لتشجيعِ تدريسِ اللغةِ الصينيةِ، فضلاً عن توقيعِ مذكرةِ تفاهمٍ بينَ وزارةِ التعليمِ العاليِ، ومكتبِ الإعلامِ في مجلسِ الدولةِ الصينيِ؛ لإنشاءِ المكتبةِ الصينيةِ في جامعِة بغدادَ.
استثماراتُ الصينِ الاستراتيجيةِ في العراقِ:
شهدتْ الفترةُ الأخيرةُ تعددَ الاستثماراتِ التي قامتْ بها الصينُ في العراقِ، حيثُ استحوذَ العراقُ على 10.8% من مجملِ الاستثماراتِ الصينيةِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقِيا بينَ عامِي 2005 و2023، وبلغتْ نحَو 34.2 مليارَ دولارٍ، علماً أنَّ 90% منها تتركزُ في قطاعِ الطاقةِ ولا سيَّما الوقودُ الأحفوريُ، ويليِها الاستثمارُ في مجالُ التطويرِ العقاريِ بنسبةِ 7% الذي نمَا في خلالِ فترةِ إعادةِ الإعمارِ التي تلتْ غزوَ العراقِ، ويبدوُ أن الصينَ تسعَى جاهدةً لإحياءِ مشروعِ “الحزامِ والطريقِ” عبرَ تطويرِ الموانئِ وتحديثِ السككِ الحديديةِ، خاصةً أنها تدركُ مكانةَ العراقِ الاستراتيجيةِ وأهميةَ هذا البلدِ بالنسبةِ لأمريكَا وتستغلُ هذه الفرصةَ للضغطِ على الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، كما أنَّ العراقَ يتمتعُ باحتياطيٍ عظيمٍ من مصادرِ الطاقةِ واستخراجِ النفطِ يُعدُ سهلاً في هذا البلدِ مقارنةً بباقيِ الدولِ، ويمكنُ إيضاحُ تلكَ الاستثماراتِ الصينيةِ فيما يليِ:
أولًا: مجالُ الطاقةِ
أصبحَ العراقُ في عامِ 2021 ثالثَ أكبرِ موردٍ للنفطِ إلى الصينِ بعدَ السعوديةِ وروسيا، فوفقاً لمستشارِ رئيسِ الـوزراءِ العراقيِ للشؤونِ الماليةِ، مظهر محمد صـالـح، تستوردُ الصينُ وحدهَا 44 % منْ صـادراتِ النفطِ العراقيةِ، وقد توطدتْ العلاقةُ النفطيةُ عبرَ تدشينِ برنامجِ “النفطِ مقابلَ الإعمارِ” في سبتمبرَ 2019، حيثُ تودعُ إيراداتُ صادراتِ 100 ألـفِ برميلٓ يومياً مـن النفطِ العراقيِ المصدرِ إلى الصينِ في حسابٍ مخصصٍ لتمويلِ المشروعاتِ المنفذةِ من قبلِ الشركاتِ الصينيةِ، والتي من أهمِها بناءُ 8000 مدرسةً على 3 مـراحـلَ، و90 ألـف مـنـزل، و1000 مرفقٍ للرعايةِ الصحيةِ، ومحطاتِ الطاقةِ الكهربائيةِ، بالإضافةِ إلى بناءِ مطارِ “الناصرية، والآنَ يتجهُ العراقُ نحوَ الشرقِ، وخاصةً إلى الصينِ، إذ يسعَى لزيادةِ إنتاجهِ النفطيِ إلى 7 ملايينَ برميلٍ يومياً بحلولِ عامِ 2027 من نحِو 5.4 مليون برميلٍ يومياً في منتصف عام 2023، وفي 11 مايو الجاري، فازتْ شركاتٌ صينيةٌ بعقودٍ للتنقيبِ في خمسةِ حقولٓ عراقيةِ للنفطِ والغازِ ضمنَ مشاريعِ ملحقِ جولةِ التراخيصِ الخامسةِ (التكميلية)، وجولةِ التراخيصِ السادسةِ، إذ فازتْ مجموعة تشونغمان بتطويرِ حقلِ شرقيِ بغداد – الامتداداتِ الشماليةِ إلى جانبِ حقلِ الفراتِ الأوسطِ الذي يمتدُ بينَ محافظتِي النجفِ وكربلاءِ، وفازتْ مجموعةُ (يونايتد إنرجي) الصينيةُ باستثمارِ حقلِ الفاو في البصرةِ، بينمَا فازتْ شركةُ (تشنهوا) الصينيةُ بتطويرِ حقلِ القرنينِ على الحدودِ بينَ العراقِ والسعوديةِ، كمَا فازتْ شركةُ (جيو-جيد) الصينيةُ بتطويرِ حقلِ زرباطيةِ في محافظةِ واسطِ، وبذلكَ أصبحتْ الصينُ هي المهيمنَ والمشغلَ الرئيسَ في 13 حقلٍ نفطِي وغازيٍ في العراقِ، وتعدُ شركةُ البترولِ الوطنيةِ الصينيةِ (CNPC) وشركةُ الصين للبتروكيماوياتِ (Sinopec) من بينِ الشركاتِ الصينيةِ الكبرىَ العاملة في قطاعِ النفطِ والغازِ في العراقِ والتي حصلتْ على عقودٍ لتطويرِ العديدُ منْ حقولِ النفطِ في العراقِ، بما في ذلكَ الرميلةُ وغربُ القرنةِ والحلفايةِ. وتشملُ هذهِ العقودُ أنشطةً مختلفةً مثلَ الاستكشافِ والحفرِ وتعزيزِ الإنتاجِ.[6]
ثانيًا: مجالُ البنيةِ التحتيةِ والإعماِر
وفيما يتعلقُ بتطويرِ البنيةِ التحتيةِ، فنجدُ أنَّ الصينَ تحاولُ الاستثمارَ في مجالاتِ الإسكانِ وغيرِها، حيثُ ذكرتْ موازنةُ عامَ 2021 أن الشركاتِ الصينيةَ تعتزمُ بناءَ مدارسَ وإنشاءَ مستشفياتٍ بسعةِ 100 سريرٍ للمستشفى الواحدِ، وهناكَ مشاريعُ أخرىَ مثلُ إكمالِ محطاتِ الكهرباءِ وبناءِ 4 آلافِ وحدةٍ سكنيةِ في ميسان، وخططٍ لبناءِ مدارسَ ومجمعاتٍ سكنيةٍ ضمنَ صفقةِ النفطِ مقابلَ الإعمارِ، فقد شاركتْ الشركاتُ الصينيةُ في مشاريعَدِ البنيةِ التحتيةِ في العراقِ، بمَا في ذلكَ بناءُ الطرقِ والجسورِ ومحطاتِ الطاقةِ وشبكاتِ الاتصالاتِ، بالإضافةِ الى مصفاةِ كربلاءَ، وهي واحدةٌ من أكبرِ مصافي النفطِ في العراقِ، فضلاً عن مشروعِ السككِ الحديديةِ العاليةِ السرعةِ بينَ بغدادَ وأربيل، كمَا استثمرتْ الصينُ أيضاً في بناءِ محطاتِ توليدِ الطاقةِ، وتحديثِ شبكاتِ النقلِ، وتنفيذِ مشاريعِ الطاقةِ المتجددةِ لتلبيةِ احتياجاتِ العراقِ من الطاقةِ وتحسينِ الوصولِ إلى الكهرباءِ.[7]
ثالثًا: مجالُ الكهرباءِ
كما حققَ التعاونُ الكهربائيُ بينَ الصينِ والعراقِ نتائجَ مثمرةً، حيثُ تعدُ الشركاتُ الصينيةُ القوةَ الرئيسةَ في إنشاءِ محطاتِ الكهرباءِ العراقيةِ، إذ تتجاوزُ القدرةُ المركبةُ لمحطاتِ الكهرباءِ التي أنشأتهَا الشركاتُ الصينيةُ 6200 ميجاواتٍ، وفي السنتينِ الأخيرتينِ، أنجزتْ محطاتِ كهرباءِ الرميلةِ وميسانَ والبصرةِ .التي أنشأتهَا شركاتٌ صينيةٌ ودخلتْ حيزَ التشغيلِ على التواليِ.
رابعًا: مشاريعُ فكِ الاختناقاتِ المروريةِ
ساهمتْ الشركاتُ الصينيةُ في تخفيفِ معاناةِ العراقيينَ وإنهاءِ حالةِ الاختناقاتِ المروريةِ الشديدةِ التي تعانيِ منها بغدادُ، الأمر الذي ألقيَ بثمارهِ الإيجابيةِ على تحسنِ حياةِ العراقيينَ، فنتيجةً للاختناقاتِ المروريةِ الشديدةِ التي تعانِي منها العاصمةُ بغدادُ، أعلنَ رئيسُ الوزراءِ العراقي محمد شياع السوداني في مارس 2024، الحزمةَ الأولَى من مشاريعِ فكِ الاختناقاتِ والتي تضمنتْ 16 مشروعاً لتطويرِ واستحداثِ الطرقِ والجسورِ، وقد فازتْ عدةُ شركاتٍ صينيةٍ لتنفيذِ هذهِ المشاريعِ لما تتمتعُ به من سمعةٍ وقدرةٍ عاليةٍ على تنفيذِ مشاريعِ الطرقِ والجسورِ منها شركةُ ترانستك للتعاونِ الاقتصاديِ والفنيِ الدوليِ، وشركةُ المجموعةِ السادسةِ للسككِ الحديديةِ الصينيةِ المحدودةِ، وشركةُ هندسةِ الدولةِ الصينيةِ المحدودِة، ومن أهمِّ هذه المشاريعِ تطويرُ ساحةِ النسورِ في العاصمةِ بغدادَ الذي يشملُ بناءَ جسرينِ وثلاثةَ أنفاقِ جديدةٍ وتوسعةَ وتطويرَ نفقينِ موجودينِ أصلاً.[8]
خامسًا: مجالُ التكنولوجيَا والاتصالاتِ
تمددَ الاستثمارُ الصينيُ حتى وصلَ إلى مجالِ التكنولوجَيا والاتصالاتِ، حيثُ دخلتْ شركاتُ التكنولوجيا الصينيةِ قطاعَ الاتصالاتِ العراقيِ منذُ البدايةِ، وقدمتْ شبكاتِ الهاتفِ المحمولِ منخفضةِ التكلفةِ وغيرِها من معداتِ وخدماتِ البنيةِ التحتيةِ للاتصالاتِ التي تهيمنُ على السوقِ.
سادسًا: مجالُ الصادراتِ العسكريةِ
أصبحتْ الصينُ بالفعلِ منافساً قوياً للولاياتِ المتحدةِ في مجالِ الصادراتِ العسكريةِ، فالمنتجاتُ العسكريةُ الصينيةُ أصبحتٍ أكثرَ تداولاً لدىَ بعضِ دولِ الشرقِ الأوسطِ والتي يأتيِ ضمنَها العراقُ، وقد ظهرَ ذلكَ جلياً خلالَ معرضِ الأمنِ والدفاعِ السنويِ في بغدادَ، والذي عُقدَ في 20 إبريلَ 2024، حيثُ لفتتْ الطائرةُ الصينيةُ من دونِ طيارِ CH-5 الأنظارِ، وسطَ مساعيِ بكينَ استغلالَ القيودِ التي تفرضُها الولاياتُ المتحدةُ على الصادراتِ العسكريةِ لبعضِ دولِ الشرقُ الأوسطِ، لتسويقِ ترسانتِها من أنظمةٍ مماثلةِ، وبالتالِي يبدو أن الصفقةَ الصينيةَ الأخيرةَ للعراقِ تتبعُ نمطاً شائعاً للبصمةِ المتناميةِ للصينِ في أسواقِ الأسلحةِ في الشرقِ الأوسطِ، خاصةً في القدراتِ المتخصصةِ مثل الأنظمةِ غيرِ المأهولةِ أو الصواريخِ، ومعَ الدولِ التي يُنظرُ إليها تقليدياً على أنهَا شريكةٌ معَ الولاياتِ المتحدةِ في نفقاتِها العسكريةِ.[9]
النفوذُ الصينيُ في العراقِ يثيرُ المخاوفَ الأمريكيةَ:
يأتِي النشاطُ الصينيُ في العراقِ في إطارِ التنافسِ الاقتصاديِ الدوليِ الراهنِ، فالصينُ تتنافسُ بصورةٍ خاصةٍ معَ الشركاتِ الأمريكيةِ والأوروبيةِ للحصولُ على أفضلِ المكاسبِ ولضمانِ مصالحِ بكينَ واحتياجاتهِا منَ المعادنِ والطاقةِ في ضوءِ امتلاكِها أفضلَ التكنولوجيَا المتطورةِ في الصناعاتِ المختلفةِ، ولعلَ زيادةَ هذهِ الاستثماراتِ ومبرراتِ حمايةِ المصالحِ الصينيةِ أثارَ المخاوفَ الأمريكيةَ من إنشاءِ قواعد صينية في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ ومن ضمنِها العراقُ، فقد دقَ ناقوسُ الخطرِ لدىَ وزارةِ الدفاعِ الأمريكيةِ من مغبةِ هذه الخطوةُ، وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى التقريرِ الذي أصدرهُ البنتاغون سابقاً محذراً خلالهُ دولَ المنطقةِ وخصوصاً العراقَ منَ التعاملِ معَ الحكومةِ الصينيةِ بشكلٍ واسعٍ، كمَا حذرَ في الوقتِ نفسهِ، الحكومةَ الصينيةَ من استفزازِ الولاياتِ المتحدةِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، ويبدو أنَّ إدارةَ الرئيسِ بايدن تراقبُ عن كثبٍ تعاملاتِ الدولِ في المنطقةِ وخصوصاً العراقَ معَ الصينِ، فنوايا الصينِ في المنطقةِ تستهدفُ المصالحَ الأمريكية، ولذلكَ وضعتْ واشنطنُ رسوماً جمركيةً على عددٍ كبيرٍ منَ السلعِ الصينيةِ لحمايةِ البضاعةِ الأمريكيةِ.[10]
ختامًا يمكنُ القولُ:
إنَّ موقعَ العراقِ المهمِ في الشرقِ الأوسطِ جعلهُ يحتلُ مكانةً مهمةً في الاستراتيجيةِ الصينيةِ، ويبدوُ أن الصينَ ستواصلُ تعزيزَ علاقةِ الشراكةِ الاستراتيجيةِ معَ العراقِ على المدىَ البعيدِ، فالعراقُ بما يمتلكهُ من امكانياتٍ نفطيةٍ يمكنهُ أن يوفرَ للصينِ مدخلاً مهماً للتعاونِ لا سيَّما وأن الطلبَ الصيني على النفط يتزايدُ عاماً بعدَ آخرَ. وعلى الجانبِ الآخرِ يبدو أنَّ التدخلَ الاقتصاديَ والسياسيَ للصينِ في العراقِ عبرَ نهج الاستثمارِ، أثارَ قلقاً وجدلاً واسعَ النطاقِ، بحيثُ يشعرُ البعضُ بالقلقِ إزاءَ إمكانيةِ الاعتمادِ المفرطِ على الصينِ، على الرغمِ من أنهُ يُعدُ بمثابةِ فرصةٍ للتوسعُ الاقتصادي والنموِ، ومن هنا نستنتجُ أنَّ دورَ بكينَ المستقبليِ فـي العراقِ يعتمدُ بشكلٍ أسـاسيٍ على رؤيتِها لمسارِ التنافسِ الجيوسياسيُ معَ واشنطن، فعندمَا تتطلعُ الولاياتُ المتحدةُ إلى فكِ الارتباطِ معَ العراقِ، تقفُ الصينُ على استعدادٍ لملءِ الفراغِ.
المصادر:
[1] زهراء شريف زادة، قفزة واسعة في العلاقات العراقيَّة-الصينيَّة، مركز البيان للدراسات والتخطيط، يناير 2021، متاح على الرابط: https://2u.pw/upDiq77S
[2] السيد تسوي وي سفير جمهورية الصين في العراق، العلاقات العراقية – الصينية في 65 عاماً التحديات والفرص المستقبلية، مركز البيدر للدراسات والتخطيط، سبتمبر 2023، متاح على الرابط: https://2u.pw/EvtbavH2
[3] الباحثة شذى خليل، طريق الحرير …حزام اقتصادي يربط العراق بالصين، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ديسمبر 2017، متاح على الرابط: https://2u.pw/6wRBDMl
[4] مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، العراق… المصالح والأجندات في عالم متعدد الأقطاب، أبريل 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/uAiB5r25
[5] محمد علي سالم، “بديل واشنطن”.. دوافع وتحديات تصاعد الدور الصيني في العراق، آفاق استراتيجية – العدد (7)، يونيو 2023، متاح على الرابط: https://2u.pw/NHQtwdEE
[6] بغداد اليوم، الشركات الصينية تتوغل في مجال الاستكشاف بالعراق.. ماذا عن الأمريكية والأوروبية؟، 14 مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/z0l3zsHT
[7] طه العانى، استثمارات ضخمة ومشاريع إستراتيجية.. لماذا تسعى الصين للتوسع في العراق؟، الجزيرة، يوليو 2021، متاح على الرابط: https://2u.pw/ZXN3JnMr
[8] صحيفة الشعب اليومية، الشركات الصينية تساهم بتخفيف معاناة العراقيين وإنهاء الاختناقات المرورية، مارس 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/w1KlJLMm
[9] الحرة، الجيش العراقي يستعرض مسيرة صينية.. هل بدأت بكين منافسة واشنطن في سوق الشرق الأوسط؟، مايو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/i5JEz5nU
[10] مؤيد الطوفي، تنامي العلاقات العراقية – الصينية يثير المخاوف الأميركية، اندبندنت عربية، ديسمبر 2022، متاح على الرابط: https://2u.pw/jmC7jK