المقالات
التكنولوجيا فى الشرق الأوسط..من يدير دفتها؟
- مايو 13, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: مصطفى مقلد
شهد المؤتمر الاقتصادى العالمى فى الرياض مؤخرًا، حديثًا متفائلًا من وزيرى خارجية الولايات المتحدة، والمملكة السعودية بقرب عقد اتفاق تاريخى يعزز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يسهم فى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، وأشارت التوقعات حول مضامين الاتفاق إلى عدة أمور لكن ما يعنينا هنا هو التكنولوجيا، فشملت التوقعات أن تحد الرياض من التكنولوجيا الصينية فى الشبكات الأكثر حساسية فى البلاد مقابل استثمارات أمريكية فى الذكاء الاصطناعى.
ومن ناحية أخرى، كانت قد نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن السعودية منحت شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة صفقات كبيرة، مقابل استثمار هذه الشركات فى المملكة، لتعزيز صناعة التكنولوجيا المحلية، وتزامن بحث السعودية عن شركات التكنولوجيا العالمية للمساعدة فى تطوير اقتصادها والتنويع بعيدًا عن النفط، مع أزمة تمويل وضعف المبيعات المحلية لشركات التكنولوجيا الصينية، التى تحولت إلى الشرق الأوسط للاستثمار وللحصول مصادر إيرادات جديدة.
ووفق خبراء، فإن الصينيين لديهم ميزة فى الفوز بالعقود والاستثمارات فى الشرق الأوسط، مقارنة بالمنافسين الغربيين، وهى الاستعداد لنقل الملكية الفكرية، بينما هو أمر ترفضه الشركات الأمريكية والأوروبية، فمثلا سمح توقيع السعودية والصين اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بتوفير إطارًا للتعاون بين البلدين يغطى مجالات الاقتصاد الرقمى وتقنية المعلومات والاتصالات، ويعزز البحث والابتكار فى مجالات التقنيات الناشئة مثل التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية.
ومع ذلك، فإن التعاون مع الصين فى مجال التكنولوجيا يحمل مخاطر بالنسبة للمملكة، خاصة فى مجال الذكاء الاصطناعى، فهناك قلق من أن التعاون مع الصينيين قد يؤدى إلى بعض القيود الأمريكية على تصدير الرقائق المتقدمة لدعم المشاريع هناك[1]، وفى هذا السياق، قال رئيس صندوق الاستثمار السعودى لأشباه الموصلات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، إن بلاده ستسحب استثماراتها من الصين إذا طلبت منها الولايات المتحدة ذلك، بحسب وكالة بلومبرج.
وبالفعل كانت قد قيدت واشنطن صادرات بعض الرقائق الإلكترونية إلى الشرق الأوسط، فى مسعى لمنع وصول رقائق الذكاء الاصطناعى المتطورة إلى الصين، حيث أصدرت شركة “إنفيديا” وهى شركة تكنولوجيا أمريكية رائدة -سبتمبر الماضى-، بيانًا يفيد بأن حكومة الولايات المتحدة تقيد تصدير رقائقها الأكثر تقدمًا إلى “بعض دول الشرق الأوسط”، وكان ذلك علامة على وصول “الحرب التقنية” بين الولايات المتحدة والصين إلى الشرق الأوسط.
وفى أبريل 2024، وقعت مجموعة G42″” الإماراتية التى يرأسها طحنون بن زايد آل نهيان، صفقة مع شركة مايكروسوفت الأمريكية العملاقة، بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكى، وكجزء من الصفقة، ستقوم مجموعة G42 بالتخلص التدريجى من الأجهزة الصينية وقطع الأعمال مع الكيانات الصينية، ووصف سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، الصفقة بأنها “تتويج لشراكة إستراتيجية شاملة” على مستوى “الحكومة”، وتبرز الصفقة باعتبارها حدث مارس فيه المسؤولون الأمريكيون ضغوطًا صريحة وتدخلوا بشكل مباشر لإبعاد الصين.
ويعكس نجاح واشنطن فى تلك المواقف مستوى نفوذها بالإضافة إلى تكنولوجيتها المتقدمة، وبينما بدا أن الولايات المتحدة هى التى تنتصر، ما زالت الصين تعمل على ترسيخ وجودها فى الشرق الأوسط، فحاليًا تحتل الصين المرتبة الثانية عالميًا من حيث حجم الاقتصاد الرقمى، وتمتلك أساسًا متينًا لبناء “طريق الحرير الرقمى”، بفضل صناعتها القوية وسوقها الضخمة، وقد تواجه واشنطن منافسة أكثر شراسة مع الصين فى الشرق الأوسط فى مجال التكنولوجيا[2].
وفى نظر شركات التكنولوجيا الصينية، يمثل الشرق الأوسط سوقًا جذابًا، حيث تحرص دول الشرق الأوسط على تنويع وتطوير اقتصاداتها ولديها قدرات مالية كبيرة وميزات جيوسياسية مهمة، ومع تحول التكنولوجيا الصينية إلى أسواق الشرق الأوسط، تتزايد التكاليف المحتملة لقطع العلاقات مع الصين[3]، وهو ما تريد الصين التحقق منه فى ضوء صعودها كقوة عالمية.
مصر يمكن أن تستفيد:
إذن تعكس لنا عدسة التحليل أمرين هما: أنه على الأرجح سيستمر التنافس التكنولوجى بين الولايات المتحدة والصين لعقود قادمة، والأمر الآخر أن بناء “طريق الحرير الرقمي” يخلق مساحة تعاون أوسع لتطوير الاقتصاد الرقمى فى الدول على طول الحزام والطريق[4]، ولأن مصر أحد أهم الشركاء فى مبادرة الحزام والطريق ولأنها تنبهت إلى أن الفرص التى يقدمها الذكاء الاصطناعى للإسراع فى عملية التنمية سواء على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى هائلة، بالتالى تبنت الحكومة المصرية إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعى، للاستفادة من قدرات مصر التنافسية فى هذا المجال، خاصة أن مصر رقم مهم فى مجال التكنولوجيا المالية فى المنطقة، حيث يشير تقرير صادر عن البنك المركزى المصرى إلى أن مصر هى رابع أكبر دولة فى إفريقيا من حيث استثمارات التكنولوجيا المالية، فضلًا عن أنها ثانى أكبر دولة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث الصفقات وحجم الاستثمارات، حيث تستحوذ مصر على 23% من إجمالى صفقات التكنولوجيا المالية، و21% من حجم استثمارات النشاط.
وتشجع تلك الخبرات -فى ضوء التطورات الإقليمية والدولية- اجتذاب الخبرات الصينية فى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى إلى مصر، فمخاطبة الصين بأن مصر تتحفز لاستقبال الاستثمار الصينى فى التكنولوجيات المتقدمة والحساسة فى ظل الضغوط الغربية التى تمر بها دول الخليج، أصبح أمرًا ملحًا ومربحًا ومعبرًا عن أهداف ومصالح مصر والصين فى المنطقة، خاصة مع افتتاح مصر مركز البيانات والحوسبة كخطوة جادة فى سياق التحول الرقمى.
المصادر:
[1] شروط سعودية مقابل صفقات ضخمة مع شركات تكنولوجيا صينية.. https://2u.pw/heX3hJN
[2] China-U.S. Tech Rivalry Enters into the Gulf States.. https://2u.pw/hTR7tpyg
[3] Tech War Crossfire: Middle Eastern Companies May Be Forced To Choose Between China And The U.S… https://2u.pw/Vqu8BVKU
[4] شركات التقنية الصينية تواصل المساهمة فى التحول الرقمى للسعودية.. https://2u.pw/qM5MojIW