يشهدُ العالم اليوم مرحلةً دقيقةً من إعادة تشكيل موازين القوة، حيث تتقاطع الأزمات مع التحولات البنيوية في النظام الدولي، وتتغير أنماط النفوذ وخرائط التحالفات بصورةٍ متسارعةٍ. وفي قلب هذا الحراك العالمي، تعود بعض المناطق التي طالما اعتُبرت هامشيةً إلى صدارة المشهد، بما تحمله من أهميةٍ استراتيجيةٍ متجددةٍ، وقدرةٍ كامنةٍ على التأثير في التوازنات الدولية.
تمثّل منطقة آسيا الوسطى واحدةً من هذه المساحات الحيوية، التي باتتْ ساحةً مفتوحةً أمام تنافسٍ دوليٍ وإقليميٍ متعدّد الأبعاد، يجمع بين الاقتصاد والجغرافيا السياسية والأمن والطاقة. وتأتي أهمية هذا الفضاء الجيوسياسي من موقعه المحوري في قلب أوراسيا، ومن تعقيدات المشهد الداخلي لدوله، التي تسعى في الوقت الراهن إلى تعزيز استقلالية قرارها، وتوسيع هامش المناورة بين الفواعل الكبرى.
وفي هذا السياق، يأتي هذا التقرير الصادر عن برنامج دراسات الدول التركية بمركزنا، ليقدّمَ قراءةً تحليليةً معمّقةً في التفاعلات الجيوسياسية المتغيرة في آسيا الوسطى، في أعقاب الحرب الروسية–الأوكرانية، وما أفرزته من فراغاتٍ استراتيجيةٍ دفعت قوى كبرى – مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – إلى إعادة التموضع، كما أتاحت في الوقت ذاته فرصًا لقوى إقليمية صاعدة كتركيا ودول الخليج وإيران لتوسيع نطاق تأثيرها.