المقالات
التهديداتُ الأمنيةُ في مرحلةِ ما بعد النظام: إعادةُ تَموضعِ داعش في المشهد السوري
- مايو 8, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات

إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
شهدتْ سوريا مُنذ سقوطِ نظام بشار الأسد مَطلعَ عام 2025 تحولاتٍ سياسيةً وأمنيةً عميقةً، تجسدتْ في تشكيلِ حكومةٍ انتقاليةٍ برئاسة أحمد الشرع، جاءت بعد سنوات من الصراع الدموي والتفكك المؤسسي، ورغم ما حملته هذه المرحلة من آمال بتثبيت الاستقرار والانفتاح على مشروع وطني جامع، فإنها ترافقت مع تحديات متصاعدة، كان أبرزُها عودةَ تنظيمِ (داعش) إلى واجهة المشهد عبر سلسلةٍ من الهجماتِ النوعيةِ والتصعيد المنهجي ضد مؤسسات الدولة الانتقالية، وفي سياق متصل ،واصلت خلايا “التنظيم” تصعيدَ عملياتِها الأمنيةِ في سوريا، حيث سُجلت 23 هجمةً خلال شهر أبريل المنصرم، و أسفرت عن مقتل 12 شخصًا بينهم مدنيون وعناصر من “قسد”و”الدفاع الذاتي”، معظمها في دير الزور، ما يعكس تصاعدًا في نشاط التنظيم وتوسعًا في مسرح عملياته داخل مناطق “الإدارة الذاتية”.[1]
يهدفُ هذا التقريرُ إلى تحليلِ الأسبابِ التي دفعتْ تنظيمَ داعش إلى تصعيدِ عملياته ضد النظام الجديد، واستغلاله للفراغ الأمني والانقسامات السياسية، والخطاب السلفي المتشدد، وسوء إدارة ملفات مثل السجون والمخيمات، كما يتناول التقرير التحديات التي تُعيق قدرة الحكومة الانتقالية على احتواء هذا التهديد، مستندًا إلى مراجع علمية وتقارير دولية حديثة توضح ديناميكيات الصراع القائم، وتُسلّط الضوء على هشاشة مرحلة ما بعد الأسد.
أولًا: أسبابُ تصعيدِ داعش ضد نظام “الشرع”
يُشكّل التصعيدُ الأخيرُ لتنظيم “داعش” ضد النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع نتاجًا مركبًا لعوامل أمنية، وسياسية، وأيديولوجية، وجغرافية، أبرزها:
-
الفراغُ الأمنيُ والمؤسسيُ بعد سقوطِ النظامِ السابق:
سقوطُ نظامِ بشار الأسد أواخر 2024 أدّى إلى تفككِ العديدِ من الأجهزةِ الأمنيةِ والجيش، وتَرْكِ مساحاتٍ واسعةٍ دون سيطرةٍ حقيقيةٍ للدولة، خاصةً في البادية ودير الزور، مما منحَ داعش بيئةً مثاليةً لإعادة التمركز، وتجميع خلاياه وشنَّ هجماتٍ خاطفةٍ على مواقعَ أمنيةٍ وعسكريةٍ[2]، ولم تكنْ الحكومةُ الانتقاليةُ بقيادة أحمد الشرع قادرة على سد هذا الفراغ فورًا، بسبب انشغالها بتثبيت شرعيتها السياسية، وإعادة هيكلة المؤسسات، ودمج القوى المتعددة التي ظهرت بعد انهيار النظام السابق، هذا الوضعُ وفّر بيئةً خِصبةً لتنظيم داعش لاستعادة نشاطه عبر هجمات خاطفة وعمليات زرع عبوات ناسفة واستهداف قوافل عسكرية، ويُلاحظ أن البنيةَ الأمنيةَ الهشةَ لم تقتصرْ على ضعْفِ انتشار القوات النظامية، بل شملتْ أيضًا ضعْفَ قدراتِ الاستخباراتِ، وانهيار منظومة الضبط القضائي، وغياب قاعدة بيانات مركزية عن المشتبه بهم، مما منح عناصر داعش حرية حركة نسبية مقارنةً بالفترة بين 2019 و2021.[3]
-
رفْضُ داعش للشرعيةِ الجديدة:
يرفضُ تنظيم داعش بشكلٍ قاطعٍ أيَ نظامٍ سياسيٍ لا يقومِ على “الخلافة الإسلامية” وفق تأويله المتشدد للشريعة، ويصنّف الأنظمةَ التي تنبثقُ عن الانتخاباتِ أو التوافقِ الوطنيِ على أنها “أنظمةٌ طاغوتيةٌ مُرتدة”، وفي هذا السياق، اعتبر التنظيم أن النظام الجديد بقيادة “أحمد الشرع” لا يختلف جوهريًا عن النظام السابق، بل إنه أشد “خيانة”، من وجهة نظره، لأنه جاء بتوافق دولي، وأعلن نيته التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتبنّى خطابًا وطنيًا ديمقراطيًا علمانيًا نسبيًا، وقد عكست منشورات تنظيم داعش هذا الرفض بوضوح، حيث وصف حكومة الشرع بأنها “نظام رِدة عميل للغرب”، واعتبره امتدادًا لـ”حُكم الطاغوت”، بل وشبّهه ببعض الأنظمة العربية التي يصفها التنظيم بالعدوة.[4]
كما استغلَ داعش تصريحَ الرئيس أحمد الشرع في خطابه الأول الذي أعلن فيه الالتزام بـ”محاربة التطرف بكافة أشكاله”، ليبررَ تصعيدَه ضده، إذ اعتبرَ التنظيمُ أن هذا الإعلانَ موجّهٌ له بشكلٍ مباشر، ما يعني دخولَ الحكومةِ الجديدة في “حرب دينية” ضده، بحسبِ منطقهِ الجهاديِ، وعليه، فإن الرفْضَ لا يرتبطُ فقط بالشكل السياسي، بل يرتكز على مبدأٍ أيديولوجيٍ عميقٍ في بنية داعش، مفاده أن أي نظام لا يعترف بـ”الحاكمية لله” و”الولاء والبراء” هو كافر، ويجب مقاتلته، لذلك، فإن التعامل مع حكومة الشرع باعتبارها حكومة “معتدلة” لا يغيّر من موقف داعش تجاهها، بل يدفعه إلى تصعيد أشد، كي لا يُظهر نفسه متراخيًا أمام “أنظمة بديلة”. [5]
-
إعادةُ التَموضعِ الجغرافيِ للتنظيم:
مع بداية الانهيار المؤسسي للنظام السوري في أواخر 2024 وصعود نظام أحمد الشرع، استغل تنظيم “داعش” حالةَ الفوضى والتداخلات الأمنية لإعادة التموضع الجغرافي في عدة مناطق حيوية واستراتيجية داخل سوريا، وقد مثّل هذا التمدد تغيرًا في استراتيجية التنظيم من “حالة الكمون” إلى “التحرك النشط” ضمن جيوب رخوة أمنيًا.
ومن أبرزِ مناطقِ إعادة التموضع:
-
بادية حمص ودير الزور: هذه المناطقُ شِبه الصحراوية توفرُ ملاذًا طبيعيًا بسبب مساحتها الشاسعة وصعوبة مراقبتها من قِبل القوى النظامية أو حتى الطائرات المُسيَّرة.
-
شرق الفرات (خاصة ريف دير الزور والحسكة): بسبب تراجع التنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام الجديد، زادت قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات مباغتة ضد نقاط أمنية وطرق إمداد.
-
الحدودُ السوريةُ-العراقيةُ: عادَ التنظيمُ إلى الاستفادةِ من مرونةِ الحدود ووجود خلايا نائمة على الجانبين لتأمين خطوط تهريب السلاح والمقاتلين، وهناك تَحولٌ في طبيعةِ الانتشار:اللافتِ في إعادةِ التموضعِ الجغرافيِ هو أن داعش لم يَعُد يطمحُ إلى السيطرةِ الإداريةِ كما فعل بين 2014 و2017، بل بات يعتمد استراتيجية “الظل والهجوم” (Shadow and Strike)، أي التمركز في أماكن نائية والانقضاض على أهداف محددة ثم الانسحاب، ما يصعّب رصده والرد عليه، وأهداف التموضع الجديد، وإعادة بناء شبكاته اللوجستية، وتجنيد عناصر محليين في مناطق التهميش، والضغط على النظام الجديد عبر حرب استنزاف طويلة الأمد، وتأمين مصادر تمويل عبر التهريب وفرض “إتاوات” على المدنيين في بعض المناطق الخارجة عن السيطرة.[6]
-
انشغالُ الحكومةِ الانتقاليةِ بالصراعِ السياسيِ الداخلِي:
حيث إنه منذ تولي أحمد الشرع رئاسةَ سوريا في يناير 2025، انصبَّ تركيزُ الحكومةِ الانتقالية على إدارة المرحلة الانتقالية الصعبة، بما فيها إعادةُ بناءِ مؤسساتِ الدولةِ، وصياغةُ الدستورِ الجديدِ، ومعالجةُ الخلافاتِ بين المكوّناتِ السياسيةِ والعسكريةِ التي ساهمت في إسقاط النظام السابق، هذا الانشغال السياسي أضعفَ تركيزَ الدولةِ على الملفِ الأمنيِ، وفتح المجال أمام تنظيم داعش لإعادة نشاطه الميداني، وكذلك الضغوط السياسية على الحكومة، حيث إن الحكومةَ الانتقاليةَ واجهتْ عدةُ تحدياتٍ متزامنةٍ، ومنها: صراعاتٌ بين التياراتِ الإسلاميةِ، والعلمانيةِ، والقومية الكردية على طبيعة النظام السياسي والدستور الجديد، وخلافات حول توزيع المناصب السيادية ومناطق النفوذ الأمني، خصوصًا بين الفصائل المسلحة المنضوية تحت راية “الجيش الوطني السوري”، وأيضُا الاحتجاجات المدنية في بعض المناطق نتيجة تأخر الخدمات وانهيار الاقتصاد، وبالتالي أثر ذلك على الاستجابة الأمنية: بسبب التركيز المُفرط على إدارة هذه الصراعات، تراجعت فاعلية المؤسسات الأمنية، وانخفضتْ ميزانياتُها لصالحِ أولوياتٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ، كما ترددتْ الحكومةُ في اتخاذِ إجراءاتٍ أمنيةٍ صارمةٍ خشيةَ اتهامها بإعادة إنتاج سياسات النظام السابق القمعية، ما خلق فجوات في الردع الأمني، وعليه، هذا الواقع أتاح لتنظيم داعش التحرك بأريحية في بعض المناطق، وتوسيع عملياته عبر العبوات الناسفة، والكمائن، واغتيال قادة محليين، كما حدث في ريف الرقة ودير الزور في مارس وأبريل 2025.[7]
-
حالةُ السجونِ و مخيماتِ الاحتجازِ:
تُمثلُ السجونُ ومخيماتُ الاحتجازِ، ولا سيَّما تلك الواقعة في شمال وشرق سوريا، بؤرًا حساسةً وخطيرةً في معادلة الصراع مع تنظيم داعش، فمع انهيار النظام السابق، شهدت هذه المنشآت حالة من التسيّب الإداري، وتدهور البنية الأمنية، ما أتاح للتنظيم فرصةً ذهبيةً لاستعادةِ بعض عناصره أو تأجيج الفوضى داخلها، بل والتخطيط لعمليات تهريب.
-
واقعُ المخيماتِ والسجونِ بعد سقوط النظام:
ظل مخيم الهول في الحسكة، يمثل معقلًا أيديولوجيًا للتنظيم، حيث تنتشرُ الخلايا النسائيةُ المتشددةُ التي تمارسُ السيطرةَ على بعض أقسام المخيم وتُعيد إنتاج الخطاب الداعشي، كما أن سجن الصناعة في الحسكة وسجن الغويران، شهدا في 2022 محاولات تمرد، وتكرر الأمر مجددًا في 2025، حيث حاولت خلايا داخلية التواصلَ مع عناصر داعش خارج السجن لتنظيم عمليات فرار، ومن أوجه القصور الحكومية، فمع انشغال الحكومة الانتقالية في دمشق بصراعات داخلية وتثبيت شرعيتها، لم يتمْ تخصيصُ مواردَ كافيةٍ لحماية هذه المنشآت الحساسة أو تحسين ظروف الاحتجاز التي كانت سببًا في تصاعد التطرف داخلها، كما أن الانقسامَ في المسؤولية بين الإدارة الذاتية الكردية والحكومة المركزية أدى إلى تضارب في إدارة هذه المرافق، وبالتالي استغلال داعش للوضع،حيث استخدم التنظيم عناصره داخل السجون كمراكز للتخطيط والتجنيد، وبث رسائل تحريضية عبر وسائل إعلامه يشجع فيها على تحرير “الأسرى”، كما نفّذ هجماتٍ على حواجزَ ومراكزَ أمنيةٍ قريبةٍ من هذه السجون بهدف إرباك القوات المحلية، كما حدث في محيط سجن الشدادي في فبراير 2025.[8]
-
الاستفادةُ من الخطابِ السُّني السلفي المتشدد:
يسعى “داعش” لاستغلالِ الاحتقانِ الطائفي في بعض المناطق ذات الأغلبية السُنية، مُدعيًا أن الحكومة الجديدة لا تمثلهم، مما يساعده في استقطاب بعض الشباب الساخطين أو المتأثرين بخطابه الجهادي العابر للحدود، ومن بين أخطر أدوات تنظيم داعش في مرحلة ما بعد الأسد، هي الاستفادةُ الذكيةُ من الخطابُ السُني السلفي المُتشدد، خاصةً في البيئات التي تشعرُ بالتهميش السياسي أو الطائفي أو التي تعاني من غياب الدولة المركزية،كما يوظّف داعش هذا الخطاب لكسْبِ شرعيةٍ دينيةٍ مُزيفةٍ، وتبرير عملياته ضد النظام الجديد، وتصوير نفسه كـ”المدافع عن أهل السُنة” في مواجهة ما يُسميه “أنظمة الرِدة والتحالفات الصليبية”.[9]
ثانيًا: تهديداتٌ قائمةٌ:
هناك عِدةُ تهديداتٍ تمسٌُ أمنَ واستقرارَ سوريا ، ونذكر منها:
-
التهديداتُ المباشرةُ:
في 20 أبريل 2025، أصدر تنظيم “داعش” بيانًا مصورًا هدَّد فيه الرئيس أحمد الشرع، مُحذرًا إياه من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، وذلك بعد طلب رسمي أمريكي لمشاركة سوريا الجديدة في جهود مكافحة التنظيم وتفرعاته.[10]
-
الهجماتُ الميدانيةُ:
منذ ديسمبر 2024 وحتى أبريل 2025، نفَّذ تنظيم “داعش” سلسلة من العمليات في سوريا، بما في ذلك هجمات في صحراء البادية السورية واستهداف الأرتال العسكرية التابعة للجيش السوري، كما تعرضت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لهجمات من خلايا تابعة للتنظيم في شمال وشرق سوريا [11].
-
محاولاتُ استهدافِ رموزٍ دينيةٍ:
في 11 يناير 2025، أحبطَ جهازُ الاستخباراتِ العامةِ محاولةً لتنظيم “داعش” لاستهداف مقام السيدة زينب جنوب دمشق، وهو أولُ ظهورٍ علنيٍ للتنظيم في العاصمة السورية منذ عام 2018 .[12]
ثالثًا: التداعياتُ المترتبةُ على تصعيد داعش ضد نظام الشرع
يمثّلُ التصعيدُ المتزايدُ من قِبلِ تنظيم داعش ضد الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع تهديدًا متعددَ الأبعاد، تتجاوزُ آثارُه الجوانبَ الأمنية إلى المستويات السياسية والمجتمعية والاقتصادية، وفيما يلي أبرز التداعيات المُحتملة:
-
تداعياتٌ أمنيةٌ:
يُعيد تصعيدُ تنظيم “داعش” خلط الأوراق الأمنية في سوريا، إذ يفرضُ على النظامِ الجديدِ أولويةَ الاستقرارِ الداخليِ قبل أي مسارٍ سياسيٍ أو إعادة إعمار، ويهدد هذا التصعيد بإحياء مناطق “الفراغ الأمني” في البادية وشرق سوريا، مما يُتيح للتنظيم التحرك بحرية واستهداف المدن والطرق الاستراتيجية، كما قد يؤدي تصاعد الهجمات إلى انهيار ثقة المجتمع الدولي بقدرة النظام الجديد على فرض سيطرة كاملة على أراضيه.
-
تداعياتٌ سياسيةٌ:
يُضعفُ استمرارُ نشاط داعش صورةَ الحكومةِ السوريةِ الجديدةِ أمام المجتمع الدولي، خاصةً في حال عجزها عن ضبط الأمن أو التعاون بفعالية مع التحالف الدولي، كما يمكن أن تستغل أطراف إقليمية مثل إيران أو تركيا هذه الثغرات لتوسيع نفوذها بذريعة “محاربة الإرهاب”، مما قد يؤدي إلى تفكّكِ السيادةِ الوطنيةِ الجديدةِ، وإضعاف المركزية السياسية للقيادة في دمشق.
-
تداعياتٌ اقتصاديةٌ:
تصعيدُ داعش يؤدي إلى حالةٍ من عدم الاستقرار التي تُعيقُ جهودَ الإعمار، وتؤثّرُ على تدفقِ المساعداتِ والاستثماراتِ الأجنبيةِ، خاصةً في قطاعات الطاقة والبنى التحتية، كما يتسبب بتدمير المنشآت الحيوية مثل خطوط النفط والغاز وخطوط الإمداد التجاري، مما يزيد من معاناة السكان المحليين ويعمق الأزمة الاقتصادية.
-
تداعياتٌ اجتماعيةٌ وإنسانيةٌ:
يساهمُ تَجددُ الصراع مع داعش في زيادة أعداد النازحين واللاجئين، ويفاقمُ من أزمةِ الثقة بين مكونات المجتمع السوري، خاصة في المناطق ذات الغالبية السُنية التي قد تنظرُ بريبةٍ إلى تحركاتِ النظامِ الجديد، كما يُعيد سيناريوهات الرعب التي عاشها السوريون بين 2014 و2018، مما يبطئ عودة المهجّرين ويؤخر المصالحة المجتمعية.
-
تداعياتٌ على العلاقاتِ الخارجيةِ:
أيُ فشلٍ في كبْحِ تَمددِ داعش قد يؤدي إلى فتورٍ في العلاقات بين دمشق الجديدة والعواصم الغربية، التي تشترطُ الأمنَ كأولويةٍ للدعم السياسي والمالي، و في المقابل، قد تستثمر روسيا أو بعض دول الخليج هذه التهديدات لدعمِ النظام سياسيًا مقابل التزاماتٍ أمنيةٍ، ما يُعيدُ تشكيل ميزان العلاقات الإقليمية.[13]
رابعًا: التحدياتُ التي تواجهُ الحكومةَ الإنتقاليةَ في مواجهةِ تصعيدِ تنظيم داعش
تُشكلُ المرحلةُ الانتقاليةُ في سوريا، اختبارًا بالغَ الصعوبة لقدرةِ الدولةِ الناشئة على التصدي لتهديد معقّد مثل تنظيم داعش، الذي أثبت قدرته على استغلال الثغرات البنيوية والفراغات الأمنية، ويمكنُ تلخيصُ أبرزِ التحدياتِ التي تواجهُ الحكومةَ الانتقاليةَ في الآتي:
-
غيابُ البنيةِ الأمنية المركزية:
بعد سقوط النظام السابق، لم يتمْ بعدُ بناءُ أجهزةٍ أمنيةٍ قويةٍ وموحدةٍ تابعةٍ للدولة الجديدة، هذا الفراغُ الأمنيُ يجعل من الصعب تتبع تحركات تنظيم داعش أو حماية المناطق النائية من تسلل عناصره، رغم إعلان تشكيل “قوات الأمن الوطني السوري” منتصف عام 2025، إلا أن هذه القوات لا تزال في طور التأسيس وتفتقر إلى التجانس، مما يترك العديد من المناطق، خصوصًا في البادية الشرقية ودير الزور والرقة، دون تغطية أمنية كافية.[14]
-
الانقسامُ بين القوى العسكرية والسياسية:
تواجهُ الحكومةُ تحديًا كبيرًا في التنسيق بين الفصائل المسلحة الموالية، وخاصة بين “الجيش الوطني السوري” و”قوات سوريا الديمقراطية”، ما يفتحُ المجالَ أمام داعش لاستغلال هذا الانقسامُ في تنفيذِ هجماتٍ خاطفةٍ، ورغم الإعلان عن حكومة وحدة وطنية، لا تزالُ الأرضُ السوريةُ مُجزّأةً بين قوات سوريا الديمقراطية، وبقايا فصائل المعارضة، والمجموعات المحلية المسلحة، وكلها تفتقر إلى التنسيق الكامل مع الدولة، هذا التشتت يعقّد من القدرة على مواجهة داعش بفعالية.[15]
-
ضغوطٌ دوليةٌ وإقليميةٌ متضاربةٌ:
يواجهُ نظام أحمد الشرع مُعضِلة في التنسيق مع أطراف دولية مختلفة الأجندات، فبينما تطالبه الولايات المتحدة بالتصدي لداعش والتعاون مع قسد، تضغط روسيا وإيران لترسيخ النفوذ الأمني التقليدي، هذه التناقضات تعرقل بناء تحالف صلب ضد التنظيم.[16]
-
بيئةٌ حاضنةٌ محليًا:
في بعض المناطق التي تعرضت للتهميش والإقصاء في العهد السابق، لا تزالُ هناك بيئاتٌ اجتماعيةٌ قابلةٌ للاختراق من قِبلِ التنظيم، وغيابِ مُصالحةٍ حقيقيةٍ وعدالةٍ انتقاليةٍ يفتْحِ البابِ أمام عودة التطرف على مستوى القاعدة الشعبي، وضعف التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية، رغم محاربة “قسد” لتنظيم داعش منذ سنوات، إلا أن العلاقة بينها وبين النظام الجديد يشوبها التوتر وعدم الثقة، هذا الافتقار للتنسيق الميداني يُضعفُ الجبهةَ المشتركةَ في المناطق التي يكثر فيها نشاط التنظيم، خصوصًا في شرق الفرات.[17]
-
الضغطُ الإعلاميُ والدعائيُ للتنظيم:
يملكُ داعش آلياتٍ دعائيةً متقدمةً، وقد نجح عبر منابر مثل “النبأ” و”الفرقان” في تسويق عملياته على أنها انتصارات رمزية ضد “الأنظمة العميلة”، وضعف الخطاب الإعلامي الرسمي أمام هذا الهجوم الدعائي يعززُ صورةَ التنظيم لدى بعض الفئات الهشة، وكذلك عقبات اقتصادية تعيق الحرب على الإرهاب، حيث إن النظامَ الجديدَ يواجهُ أزمةً اقتصاديةً خانقةً، من تضخم وانهيار البنية التحتية، ما يَحدُّ من قدرته على تمويل العمليات الأمنية طويلة الأمد، أو تحسين الظروف المعيشية التي تحد من تجنيد داعش لمقاتلين جدد.[18]
ختامًا:
يُظهر تصعيدُ تنظيم داعش ضد الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع أن التنظيمَ لا يزالُ يمتلكُ قدرةً عاليةً على التكيّف مع المتغيرات السياسية والأمنية، مستفيدًا من الفراغ المؤسسي، والانقسامات الداخلية، والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، وقد برزت مجموعة من العوامل البنيوية والسياسية والأيديولوجية التي مكّنت التنظيم من إعادة توطين نفسه في بعض المناطق، مستغلًا خطابًا سنيًا متشددًا، وحالة التراخي الأمني، وتعثّر الحكومة في فرض شرعيتها بشكلٍ فعّال على كامل الجغرافيا السورية، وإن مواجهةَ هذا التهديد لا تتطلبُ فقط حلولًا أمنية، بل تتطلب أيضًا رؤيةً استراتيجيةً شاملةً تدمج بين بناء مؤسسات الدولة، وتوحيد القوى الوطنية، وتطوير خطاب ديني معتدل، إلى جانب تفعيل العدالة الانتقالية والتنمية المحلية، فغياب هذه الأدوات سيُبقي البابَ مفتوحًا أمام عودة التطرف، ويُهددُ المسارَ السياسيَ لسوريا بعد الأسد.
المصادر:
[1] “التنظيم” يواصل نشاطه في مناطق “الإدارة الذاتية” بـ 23 هجوم.. والقوات الأمريكية تركز دعمها لقواعد الحسكة، المرصد السوري لحقوق الإنسان، تم النشر بتاريخ:1 مايو 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.syriahr.com/%D8%A7/759331/
[2] ظهور جديد لعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” قرب تدمر شرقي حمص وسط استنفار أمني في المنطقة، المرصد السوري لحقوق الإنسان، تم النشر بتاريخ:12 يناير 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.syriahr.com/-/758253/
[3] مخاوف من شن هجمات جديدة.. تنظيم “الدولة الإسلامية” يعيد ترتيب صفوفه في البادية السورية، المرصد السوري لحقوق الإنسان، تم النشر بتاريخ:24 أبريل 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.syriahr.com/-%D8%A7/745275/
[4] Reimagining Syria: A Roadmap for Peace and Prosperity Beyond Assad(2025 ), Middle East Institute ,Available on: https://www.mei.edu/publications/reimagining-syria-roadmap-peace-and-prosperity-beyond-assad
[5] مرجع سابق.
[6] UN Security Council Reports (2025), Situation Report: ISIS Activity in Central and Eastern Syria.
[7] The Political Transition in Syria: Regional and International Interests, Stiftung Wissenschaft und Politik
Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit, 18.03.2025 ,Avilable on: https://www.swp-berlin.org/publikation/the-political-transition-in-syria-regional-and-international-interests
[8] UN Counter-Terrorism Committee Reports (2025 ), “Security Risks in Detention Facilities in Syria and Iraq”.
[9] ICG – International Crisis Group ) 2025( ,“Exploiting Sectarianism: ISIS’s Return to Sunni Areas in Syria”.
[10] الكنج، سلطان، “خيارات «داعش» في سوريا… والاستثمار في «خيبات الجهاديين»”، صحيفة الشرق الأوسط، تم النشر بتاريخ: 29 أبريل 2025 ، متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com//5137276-
[11] بوعلي، هشام،”من سوريا إلى نيو أورليانز.. خطر “داعش” يعود للواجهة”، الحرة، تم النشر بتاريخ: 5 يناير 2025،متاح على الرابط التالي: https://www.alhurra.com/khyaratna/2025/01/05
[12] الاستخبارات السورية تعلن إحباط محاولة تفجير لـ«داعش» داخل مقام السيدة زينب بدمشق، »”، صحيفة الشرق الأوسط، تم النشر بتاريخ: 11 يناير2025 ، متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com//5100154-
[13] “ISIS Gathers Momentum in Post-Assad Syria (2025), The New York Times ,Available on: https://www.nytimes.com/
[14] UN Security Council Report(2025) : “Security Sector Reform in Post-Conflict Syria”.
[15] European Council on Foreign (March 2025) ,“Power Struggles in Post-Assad Syria”.
[16]مرجع سابق.
[17] ICSR(2025 ): “Ideological Countermeasures in Post-Conflict Zones”.
[18] Syrian Center for Policy Research) Feb 2025) “Poverty and Extremism Nexus in Post-War Syria”.