المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > التهديدِ الرقميُ: كيف تستغلُ الجماعاتُ الإرهابيةُ الإنترنت لتحقيق أهدافها؟
التهديدِ الرقميُ: كيف تستغلُ الجماعاتُ الإرهابيةُ الإنترنت لتحقيق أهدافها؟
- فبراير 2, 2025
- Posted by: Maram Akram
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
المُقدمة:
في العصرِ الرقمي، أصبحٕ الإنترنت ووسائلُ التواصل الاجتماعي أدواتٍ فعَّالةـ في نشر المعلومات والأفكار على نطاق واسع، وقد استغلت الجماعات المتطرفة هذه المنصات لتحقيق أهدافها الإيديولوجية والتجنيد، حيث يتمثلُ خطرُ هذا الاستغلال في مدى سهولة الوصول إلى الأفراد في جميع أنحاء العالم، مما يسمحُ بتوسيع نطاق تأثيرها بطُرقٍ لم تكنْ ممكنةً من قبل، وبــدأ العالــم وقادته يُدركـــون تهديداتٓ الإرهاب والتطرف علـى نحـو كبيــر، عــلاوةً علــى ذلــك، عــرف العالــم أيضـًـا أن أعضــاء التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، يستخدمون تقنياتٍ عاليــةَ الدِقـة والتطــوير فــي التخطيط والتنفيذ لعملياتهم الإرهابية، وبعـد تشكيلِ تنظيـم الدولـة الإسلامية فـي العراق وسوريا “داعـش”، أصبحـت التهديداتُ الإرهابيةُ أكثـر خطـورةً، حيـث يتسـم هـذا التنظيـمُ بدرجـةٍ عاليـةٍ مـن النظـام، ويسـتخدم تكنولوجيـا متقدمـةً فـي أنشطته، بمـا فـي ذلـك منصـات الإنترنـت المختلفـة، ومـن خلال منصات التواصـل الاجتماعـي تقـومُ الجماعاتُ الإرهابية والمتطرفةُ بالترويج والدعاية لأفكارها الأيديولوجية، وتجنيد الأعضاء الجُدد وتدريبهم، و التواصـل مـع الأتباع والمؤيدين الجهات المانحة، ولذلـك يتـمُ التعامـلُ مـع مِثـل هـذه الجماعـات باعتبارها إرهابـًا “غير تقليدي”، أو يتمُّ توصيفُها مـن خلال مفهـوم الإرهـاب الجديـد.[1]
وعليه، يُقدم التقرير الرابع عرضًا شاملًا عن أساليب الجماعات الإرهابية في استغلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مع التركيز على أهدافها المختلفة مثل التجنيد والترويج لأيديولوجياتها، كما يتم عرض أثر هذا النشاط الرقمي على الأمن الدولي، وإلقاء الضوء على جهود الحكومات والمؤسسات الدولية في التصدي لهذه التهديدات، بهدف تقديم رؤية شاملة لمواجهة الإرهاب الرقمي وحماية الفضاء الإلكتروني من استغلاله لأغراض متطرفة.
أولًا: ماهيةُ “التطرّفِ والإرهابِ الإلكتروني”
يُعرّف “التطرّف والإرهاب الإلكتروني” على أنه استغلالُ التكنولوجيا الرقمية، بما في ذلك الإنترنت ووسائلُ التواصل الاجتماعي، لنشْرِ الأيديولوجيات المتطرفة، استقطاب الأفراد، التحريض على العنف، وتنفيذ أنشطة إرهابية تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية، دينية، أو أيديولوجية معينة، يُعتبرُ هذا المفهوم امتدادًا للإرهاب التقليدي، لكنه يعتمدُ بشكلٍ أساسيٍ على الفضاء الرقمي كوسيلةٍ فعالة للتأثير والتنفيذ، وإنّ المتأملَ في ظاهرة “التطرّف الإلكتروني” والتي كانت وراء سقوط الكثير من الشباب في براثن التطرّف، يجد أنها تمُر بعدة مراحل يتعلق بعضها ببعض، أولى هذه المراحل هي اختيارُ وانتقاءُ الفئة المُستَهدفة، وهم الأفراد الذين ينخرطون أو يميلون للعُزلة، أو الذين يتبنون مواقفَ سياسيةً واجتماعيةً ناقمةً على المجتمع الذي يعيشون فيه، وكذلك السُذج من رواد مواقع التواصل الاجتماعي،وثانيها، مرحلةُ ترويج الأفكار المغلوطة والخطابات الدعائية الداعمة للكراهية ورفض الآخر، لاسيما في المواقع التي تعج بالكثير من مستخدمي الإنترنت، وعلى وجه الخصوص مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات،وآخرها، مرحلة تبنّي هذه الأفكار المغلوطة، والإيمان بها، ومن ثمّ الانخراط في صفوف الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتنفيذ مُخططاتها.[2]
ثانيًا: خصائصُ التطرّفِ والإرهاب الإلكتروني
-
عالميةُ الانتشارِ: يتيحُ الإنترنتُ الوصول إلى الأفراد حول العالم دون قيود جغرافية.
-
إخفاءُ الهويةِ: يوفرُ الفضاء الرقمي للمستخدمين القدرةَ على التخفي، مما يجعل من الصعب تعقب الأنشطة الإرهابية.
-
التكلفةُ المنخفضة: الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت لا تتطلب موارد مالية كبيرة مقارنةً بالعمليات التقليدية.
-
السرعةُ والتأثيرُ الفوريُ: المحتوى المتطرف يمكن أن ينتشرَ بسرعةٍ كبيرةٍ، مما يسهل التأثير في جماهير واسعة خلال وقت قصير.
ثالثًا: أساليبُ استغلالِ الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
هناك عدة أساليب تقوم بها الجماعات الإرهابية لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن أبرزها، كالتالي:
نشرُ الأيديولوجيا عبر المحتوى الرقمي:
تستخدمُ الجماعاتُ المتطرفةِ الإنترنت كمنصةٍ رئيسيةٍ لنشر أيديولوجياتها بشكل واسع وفعال، وتُعد هذه الطريقة من أكثر الوسائل تأثيرًا، حيث يمكنها الوصول إلى جمهورٍ متنوعٍ من جميع أنحاء العالم، وتوظيف العديد من أدواتٍ وتقنياتٍ المحتوى الرقمي لتحقيق أهدافها، ومن أبرز أساليب نشر الأيديولوجيا عبر المحتوى الرقمي:
-
المقاطعُ الدعائيةُ حيث تنتج الجماعات مثل “داعش” مقاطع فيديو احترافية تحتوي على مشاهد درامية تمجد عملياتها وتعرض حياة أفرادها على أنها مُفعمة بالبطولة، كما أن هذه المقاطع تُنشر على منصات مفتوحة مثل يوتيوب أو فيسبوك، وأحيانًا عبر مواقع خاصة.
-
المنشوراتُ الدعوية، نشرُ نصوصٍ مكتوبةٍ تحتوي على نصوصٍ دينيةٍ مختارةٍ بعناية لتبرير العنف أو كسب التعاطف مع أهداف الجماعة، ويتم استخدام لغات متعددة لجذب جمهور عالمي.
-
الصورُ والرسومُ البيانية، واستخدامُ الصور المُرّوعة أو المؤثرة التي تُثير العاطفة، مثل صور الدمار أو الأطفال المتأثرين بالصراعات، لخلق حالة من التعاطف والتأثير النفسي.
-
التفاعلُ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاءُ حسابات لنشر الإيديولوجيات بشكل دوري، واستخدام الوسوم (الهاشتاج) للوصول إلى جمهورٍ أوسع، وكذلك الاعتماد على خوارزميات المنصات الاجتماعية لنشر المحتوى بسرعة ودون تكلفة كبيرة.
-
الألعابُ والتطبيقاتُ الترفيهية، وتوظيف الألعاب الرقمية التي تحتوي على رسائلَ خفيةٍ تُروجُ للأفكار المتطرفة أو تُظهر الجماعة كقوة لا تُهزم.[3]
الاستهدافُ الديمغرافي:
تستغلُ الجماعاتُ الإرهابية الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بطُرق متطورة لاستهداف فئات ديموغرافية مُحددة بناءً على عوامل مثل العُمر، الجنس، الموقع الجغرافي، الخلفية الثقافية، أو الوضع الاجتماعي، يُعد هذا الاستهداف أحد أكثر الأساليب فعالية في التجنيد ونشر الفكر المتطرف، كما ويتم تصميم محتوى مخصص لكل شريحة بهدف استقطابهم وفقًا لظروفهم النفسية والاجتماعية،ومن أبرز أساليب الاستهداف الديمغرافي:
-
استخدامُ خوارزميات المنصات الاجتماعية،حيث تستفيدُ الجماعات الإرهابية من خوارزميات التوصية في منصات مثل يوتيوب، فيسبوك، وإنستجرام، حيث تُظهر المحتوى الذي يتوافق مع اهتماماتِ وسلوكيات المستخدمين، وعلى سبيل المثال، إذا أبدى المستخدم اهتمامًا بقضايا اجتماعية أو دينية معينة، تُعرض عليه مواد دعائية تُلبي هذه الاهتمامات.[4]
-
الترويجُ المُوجّهُ عبر الإعلانات الرقمية، حيث تستخدمُ الجماعات الإعلانات المدفوعة على منصات التواصل لاستهداف فئاتٍ محددةٍ بناءً على :العُمر سواء (الشباب والمراهقين)، والموقع الجغرافي (المناطق التي تشهد توترات سياسية أو اجتماعية)، وكذلك الاهتمامات الشخصية (القضايا الدينية أو السياسية)، كما وأن هذه الإعلانات تكون مُصممة بعناية لجذب انتباه الجمهور المستهدف وإثارة فضولهم.[5]
استهدافُ الشباب والمراهقين:
حيث إن الفِئةَ المستهدفةَ هم المراهقون الذين يبحثون عن هويةٍ أو يُعانون من العُزلة الاجتماعية، وتكونُ الأدواتُ المُستخدمَةُ مقاطعَ فيديو مُلهِمَة تُظهر “بطولات” الجماعات الإرهابية، وكذلك ألعاب إلكترونية تُحاكي عمليات قتالية أو تُقدم رسائل خفية، ويكمُن الهدف في استغلال الحماس والشعور بالتمرُد لدى هذه الفئة لتجنيدهم بسهولة.[6]
استهدافُ النساء:
حيث الفئةُ المستهدفةُ هُنَّ النساء اللواتي يبحثن عن دورٍ اجتماعيٍ أو يشعُرن بعدم الأمان ، وأن الأدوات المُستخدمة في استقطابهُن هي قصصٌ عن نساءٍ أدوارهن مؤثرة داخل التنظيمات الإرهابية، وكذلك رسائل تُبرز دور المرأة في “إحياء المجتمع المثالي”، ويرجع الهدف في ذلك لتجنيد النساء لدعم العمليات اللوجستية أو حتى المشاركة المباشرة في العمليات.
استهدافُ الأقليات الدينية أو المهمشين اجتماعيًا:
الفئةُ المستهدفةُ هم الأفراد الذين يعانون من التمييز أو يشعرون بالإقصاء الديني أو الاجتماعي، من خلال رسائل تدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة، ومقاطع فيديو تُظهرُ التنظيمَ كحامي لهذه الفئات، والهدف هو كسب التعاطف وتقديم التنظيم كوسيلة لتحقيق العدالة.[7]
بناءُ مجتمعاتٍ افتراضية مُغلقة:
تنشئُ الجماعاتُ الإرهابيةُ مجموعاتٍ مغلقة على تيليغرام وواتساب لاستهداف فئات محددة، كما أن هذه المجتمعات توفر بيئة آمنة لنشر الفكر المتطرف وتجنيد الأفراد بشكل سري.[8]
إنتاج محتوى مُخصص لكل فئة:
يتم تصميمُ المحتوى ليكونَ ملائمًا للثقافة واللغة والاهتمامات المحلية للفئات المستهدفة، على سبيل المثال رسائل باللغة الإنجليزية تستهدف المسلمين في الغرب، ورسائل باللغة العربية تستهدف الشباب في الشرق الأوسط.
رابعًا: أهدافُ استغلالِ الإنترنت
تُدركُ الجماعاتُ الإرهابية الإمكانياتِ الهائلةَ التي يوفرها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق أهدافها، إذ تُستخدم هذه الوسائل كمنصات فعّالة للترويج لأيديولوجياتها، تجنيد الأفراد، وإدارة عملياتها، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:
1- التجنيد:
التجنيدُ هو أحدُ الأهداف الأساسية التي تسعى الجماعات الإرهابية إلى تحقيقها من خلال استغلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الإنترنت يُعد منصةً فعّالةً للوصول إلى الأفراد المستهدفين، ونشرِ الأفكار المتطرفة، واستقطابهم للانضمام إلى صفوف هذه الجماعات،ومن أبرز آليات التجنيد كالتالي:
-
التواصل المباشر:
التواصلُ المباشرُ هو الأسلوبُ الذي تستخدمه الجماعات الإرهابية للتفاعل مع الأفراد بشكلٍ فرديٍ أو في مجموعات صغيرة، بهدف تعزيز الأفكار المتطرفة أو تجنيد الأفراد، يتم ذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المشفرة، حيث يتم تجاوز الرقابة العامة والوصول إلى الأهداف بسريةٍ وفاعليةٍ، فعلى سبيل المثال استخدم تنظيم داعش تطبيق تيليغرام للتواصل المباشر مع المجندين وتقديم تعليمات حول السفر إلى مناطق سيطرة التنظيم، وإنشاء مجموعات خاصة لنقل المواد التدريبية مثل كيفية تنفيذ الهجمات أو صناعة المتفجرات.[9]
2- استهدافُ الفئاتِ الهشة:
تركزُ الجماعاتُ على الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، الإحباط النفسي، أو الظروف الاقتصادية الصعبة، من خلال متابعة النشاط الرقمي للأفراد وتحليل اهتماماتهم عبر منشوراتهم ومشاركاتهم، لإقناعهم بأن الانضمامَ إلى الجماعة يوفر لهم الدعم والانتماء.
3- نشرُ المحتوى الدعائي:
إنشاءُ فيديوهات ومنشورات دعائية تُظهر الجماعاتِ الإرهابيةَ كقوى بطولية أو حركات تحرير، من خلال استخدام مواقع إلكترونية وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، والهدف من ذلك هو إثارة إعجاب الأفراد المستهدفين وجذبهم إلى الجماعة.
4- إغراءُ الشبابِ بالوظائف والمال:
تقديمُ وعودٍ بالوظائف أو المال للأفراد الذين يعانون من البطالة أو الفقر، وذلك من خلال استخدام منصاتِ الإعلان أو الرسائل المباشرة للترويج للفرص المزيفة، وذلك بهدف استقطاب الأفراد خاصة في المناطق التي تعاني من ظروف اقتصادية سيئة.
5- استخدامُ الألعاب والتطبيقات:
تستخدمُ الجماعاتُ الإرهابيةُ الألعابَ الإلكترونية والتطبيقات كوسيلة غير مباشرة لنشْرِ أفكارها واستقطاب الأفراد، خاصةً الشبابَ والمراهقين، كما تعتمد هذه الجماعات على الجاذبية الكبيرة للألعاب والتطبيقات الحديثة لاستغلالها كأداة دعائية وتجنيدية، مما يعززُ انتشارَها بين الفئات المستهدفة، واستغلال الألعاب والتطبيقات يُعد من أكثر الأساليب حداثةً وابتكارًا التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لنشر أفكارها والتجنيد، التصدي لهذه الظاهرة يتطلبُ تطويرَ تقنياتٍ رقابيةٍ وتعاونٍ بين شركات الألعاب والحكومات لرصد الأنشطة المشبوهة ومكافحتها، كما أن تصميم ألعاب وتطبيقات تُشجع على الانتماء للجماعة، أو استخدام ميزات الدردشة في الألعاب الشهيرة للتواصل مع الشباب كالألعاب التي تمجد القتال والجهاد، وتهدفُ إلى استهداف الفئات الشابة بشكل غير مباشر.[10]
خامسًا: مراحلُ التجنيدِ عبر الإنترنت
تتمُ عمليةُ التجنيد عبر الإنترنت من خلال استراتيجيةٍ مدروسةٍ ومراحل مترابطة تهدف إلى تحويل الأفراد من مجرد متابعين أو مهتمين إلى أعضاء فاعلين في الجماعة الإرهابية، فيما يلي عرض تفصيلي لمراحل التجنيد عبر الإنترنت:
المرحلة الأولى: تحديدُ الفئة المستهدفة
تبدأ الجماعاتُ الإرهابيةُ بتحديدِ الأفراد الذين يُظهرون اهتمامًا أو تعرضًا لأفكار متطرفة أو يعانون من العُزلة الاجتماعية والنفسية، وتحليل النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي (مثل التعليقات، المشاركات، والإعجابات)، وتتبع المنشورات التي تتعلق بالظلم الاجتماعي، الدين، أو القضايا السياسية، والهدف من ذلك جذْبُ الأفرادِ الذين يُعتبرون أكثرَ عُرضةً للتأثر بالأيديولوجيا المتطرفة، كما استخدم تنظيم داعش كلماتٍ مفتاحيةً مُحددةً على تويتر لاستهداف الأفراد الذين يبحثون عن محتوى يتعلق بالقتال أو الجهاد.
المرحلةُ الثانية: التفاعلُ وبناءُ الثقة
يتمُ التواصلُ المباشر مع الأفراد المستهدفين لبناء علاقة شخصية قائمة على الثقة، من خلال الرسائل الخاصة عبر منصاتٍ مثل تيليغرام، واتساب، وفيسبوك، واستغلال النقاشات العامة لجذب الأفراد إلى محادثات خاصة، بهدف تقديم الدعم العاطفي والنفسي للأفراد، مما يُشعرهم بأن الجماعةَ تمثلُ لهم مكانًا آمنًا، كما تُظهر الجماعات الإرهابية اهتمامًا بمشاكل الأفراد، مثل البطالة أو التمييز، لتقديم نفسها كحل لهذه الأزمات، أيضًا من خلال التواصل بشكل شخصي وبناء علاقة ودية مع المستهدف.
المرحلة الثالثة: نقْلُ الأيديولوجيا (الإقناع الفكري)
يتمُ تزويدُ المستهدفين بمحتوى دعائي يُروّج لأيديولوجية الجماعة ويركز على قضايا دينية، سياسية، أو اجتماعية، من خلال إرسال روابط لمقاطع فيديو، كتيبات إلكترونية، ومنشوراتٍ دعائيةٍ عبر الرسائل الخاصة، وتنظيم جلساتٍ افتراضيةٍ عبر تطبيقات الاجتماعات مثل “zoom” لنقل الأفكار المتطرفة، بهدف تحويل قناعات المستهدفين تدريجيًا لتتماشى مع أيديولوجية الجماعة، حيث أطلق تنظيم داعش مجلة “دابق” التي تحتوي على مقالات تحاول إقناع القراء بأن الانضمام للتنظيم واجب ديني.
المرحلة الرابعة: الاختبارُ والتجنيدُ الفعلي
بُعدُ بناءُ الثقة ونقل الأيديولوجيا، يتم دعوة المستهدفين للانضمام رسميًا إلى الجماعة الإرهابية، من خلال الطلب المباشر عبر الرسائل الخاصة، وتقديم وعودٍ ماديةٍ أو اجتماعية لجذبٍ الأفراد لضمان التزام الفرد بالجماعة وإدماجه في أنشطتها، كما أن العديدَ من الشباب الذين تم تجنيدهم عبر الإنترنت سافروا إلى مناطق الصراع بعد تلقي تعليمات مباشرة من الجماعات الإرهابية، ومن خلال طلب المشاركة في أنشطة بسيطة ثم تصعيد المهام تدريجيًا، ومن أبرز الجماعات المُسلحة هي تنظيم داعش، حيث قامت باستخدامِ الإنترنت لتجنيد الآلاف من الشباب حول العالم، ونشْرِ فيديوهاتٍ دعائيةٍ تُظهرُ الجنةَ الموعودة للمجندين، كذلك جماعات اليمين المتطرف، حيث استهدفت الأفراد الغاضبين من سياسات الهجرة لنشر خطاب الكراهية وتجميع المؤيدين، بالإضافة إلى جماعة بوكو حرام التي استخدمت الإنترنت لاستقطاب الشباب في نيجيريا عبر وعود بتحقيق العدالة الاجتماعية.[11]
سادسًا: أثرُ التجنيدِ عبر الإنترنت
التجنيدُ عبر الإنترنت أصبحَ أحدَ أبرزِ التهديدات الأمنية في العصر الحديث، حيث يوفرُ للجماعات الإرهابية وسيلةً سهلةً وفعّالةً للوصول إلى عدد كبير من الأفراد من دون قيود جغرافية أو زمنية، وفيما يلي تحليل لأبرز الآثار الناتجة عن عمليات التجنيد عبر الإنترنت:
زيادةُ أعدادِ المنضمين للجماعات الإرهابية:
مكّن الإنترنت الجماعات الإرهابية من تجنيد أعدادٍ كبيرةٍ من الأفراد من مختلف أنحاء العالم، خاصةً الشباب الذين يبحثون عن الهوية أو يعانون من العزلة الاجتماعية، كما أثر ذلك في تضاعف أعداد المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى الصراعات المسلحة في مناطق النزاع، حيث استقطب تنظيم “داعش” أكثر من 40,000 مقاتل أجنبي من حوالي 100 دولة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر.
توسيعُ النطاقِ الجغرافي للعمليات الإرهابية:
يسمحُ التجنيدُ عبر الإنترنت للجماعات الإرهابية بتوسيع نفوذها ليشملَ مناطقَ ودولاً لم تكنْ في متناولها من قبل، كما أثر ذلك في ظهور خلايا إرهابية مستقلة في أماكن بعيدة عن مركز الجماعة الأم.
مثل الهجمات الإرهابية التي نفذتها خلايا صغيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية كان منفذوها قد جُنّدوا عبر الإنترنت، مثل الهجوم على جريدة “شارلي إبدو” في فرنسا، ويمكن للجماعات استهداف أفراد في دول مختلفة دون قيود.[12]
تعزيزُ العمل الفردي (الذئاب المنفردة):
الجماعات الإرهابية تدفعُ الأفرادَ للعمل بشكلٍ مستقلٍ من دون الحاجة إلى الانضمام المباشر لها، وأثر ذلك في تنفيذ عمليات إرهابية من قِبل أفراد لا يرتبطون تنظيميًا بالجماعات الإرهابية، مما يزيدُ من صعوبةِ رصدهم، على سبيل المثال هجوم “مانشستر أرينا” في المملكة المتحدة عام 2017 كان منفذه قد تأثر بالدعاية الإرهابية عبر الإنترنت.
نشرُ التطرفِ بين الشباب والمراهقين:
أصبحَ الإنترنت بيئةً خصبةً لنشْرِ الأفكار المتطرفة بين الفئات العمرية الصغيرة، من خلال الألعاب الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأثر ذلك في زيادةِ نسَبِ الشباب والمراهقين المنخرطين في الأنشطة الإرهابية أو المتأثرين بالأفكار المتطرفة، كما استهدف تنظيم القاعدة وداعش الفئة العمرية من 15-25 عامًا بمحتوى دعائي جذاب ومصمم خصيصًا لهذه الفئة.
تقليلُ الحاجة إلى التجنيد التقليدي:
جعلَ الإنترنت من السهلِ التخلي عن أساليب التجنيد التقليدية التي تتطلب الحضور الميداني، انعكس ذلك في تخفيض تكاليف التجنيد وتوفير الوقت والجهد اللازمين لاستقطاب الأفراد، حيث أصبحت الجماعات الإرهابية تعتمدُ بشكلٍ كاملٍ على الإنترنت في استهداف الأفراد، مما أدى إلى ظهور “مكاتب تجنيد افتراضية”.
زيادةُ تعقيد جهود مكافحة الإرهاب:
التجنيدُ عبر الإنترنت يزيد من صعوبةِ الكشف عن الأنشطة الإرهابية، بسبب التشفير والخصوصية التي توفرها المنصات الرقمية، كما انعكسَ ذلك في تعقيد عمليات الرصد والمراقبة وصعوبة منْعِ الهجماتِ الإرهابية قبل وقوعها، وهناك تطبيقاتٌ مشفرةٌ مثل تيليجرام استخدمت على نطاق واسع للتواصل مع المجندين دون أن يتم رصدها من قبل الجهات الأمنية.[13]
سابعًا: جهودُ مكافحةِ استغلال الجماعات الإرهابية للإنترنت
مع تزايدِ استغلال الجماعات الإرهابية للإنترنت كوسيلةٍ لنشْرِ الأفكار المتطرفة وتجنيد الأفراد، أصبح من الضروري تبني استراتيجيات شاملة لمكافحة هذه الظاهرة، تتنوع جهود المكافحة بين المستويات الدولية، الإقليمية، والمحلية، بالإضافة إلى مساهمة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
تعزيزُ التعاون الدولي:
تعملُ الحكوماتُ والمؤسساتُ الدوليةُ على تنسيق الجهود لمواجهة الإرهاب الرقمي عبر تعزيز التعاون في تبادل المعلومات، وإنشاء شبكاتٍ دوليةٍ لرصد الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت، أيضًا تنفيذ قوانين دولية تجرّمُ الأنشطةَ المرتبطةَ بالإرهاب الرقمي، على سبيل المثال قرار مجلس الأمن رقم 2354 لسنة 2017، وضع إطار شامل لمكافحة الدعاية الإرهابية على الإنترنت، يوروبول (Europol): تعمل عبر “الوحدة الأوروبية لمكافحة الجرائم السيبرانية” لتحديد وإزالة المحتوى الإرهابي من الإنترنت.[14]
تعزيزُ التشريعات المحلية والدولية:
سنُّ قوانين لتجريم الدعاية الإرهابية والتجنيد عبر الإنترنت، وفرْضُ عقوباتٍ صارمةٍ على الأفراد أو الكيانات التي تشاركُ في نشْرِ المحتوى الإرهابي، وتطويرُ قوانين لضبط منصات الإنترنت التي تحتوي على محتوى متطرف، على سبيل المثال قوانين مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي تلزم شركات الإنترنت بإزالة المحتوى الإرهابي خلال ساعة واحدة من الإبلاغ.
استخدامُ التكنولوجيا المتقدمة لرصد المحتوى الإرهابي:
إستخدامُ تقنياتِ الذكاء الاصطناعي لتحليل ورصْدِ المحتوى الإرهابي على الإنترنت، وتطويرِ أدواتٍ تعتمدُ على التعلم الآلي للكشف التلقائي عن المحتوى المتطرف، والتعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى لرصد وإزالة المحتوى الضار، مثل فيسبوك، تويتر، ويوتيوب: يستخدمون أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد وإزالة المحتوى الإرهابي، وبرنامج “Global Internet Forum to Counter Terrorism” (GIFCT): مبادرة مشتركة بين الشركات الكبرى لتوحيد الجهود ضد الإرهاب الرقمي.[15]
حملاتُ التوعيةِ والوقاية:
نشْرُ التوعية بين الشباب والمجتمعات حول مخاطر الدعاية الإرهابية، وإطلاق حملات توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية في المدارس والجامعات لتوعية الطلاب، على سبيل المثال، برنامج “Think Before You Share” من اليونيسكو لتوعية الشباب بمخاطر المحتوى الإرهابي على الإنترنت، مبادرات محلية في دول مثل فرنسا وألمانيا تركز على منع التطرف بين الشباب.[16]
-
إزالةُ المحتوى الإرهابي من الإنترنت:
جهودٌ مكثفةٌ لإزالة المحتوى الإرهابي من المنصات الرقمية لضمان عدم وصوله إلى الجماهير المستهدفة.والتعاون مع شركات التواصل الاجتماعي لإزالة المحتوى المحظور، وتطوير أنظمة للإبلاغ السريع عن المحتوى الإرهابي من قبل المستخدمين، حيث في عام 2020، أزال تويتر أكثر من 1.2 مليون تغريدة تحتوي على محتوى مرتبط بالإرهاب، ومنصات مثل يوتيوب أغلقت آلاف القنوات التي تروج للجماعات المتطرفة.
-
التعاونُ مع المجتمعات المحلية: