التّوغلات الروسية في الأجواء الأوروبية: بين الضغط العسكري واختبار الردع الغربي

إعداد: إسراء عادل

باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية

شهدتْ الأجواءُ الأوروبيةُ خلال شهر سبتمبر الحالي سلسلةً من الاختراقات الجوية الروسية التي طالت أجواء بولندا ورومانيا وإستونيا، وهي دولٌ تمثّل الجبهة الشرقية لحِلْف شمال الأطلسي. وقد أعاد هذا التصعيدُ تسليط الضوء على التوتر المستمر بين موسكو والغرب منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وأثار مخاوفَ جدّيةً من اتساع نطاق المواجهة خارج الساحة الأوكرانية.

وتنبع خطورة هذه التطورات من كونها تمسُّ مباشرةً سيادة دول أعضاء في الناتو، مما يفتحُ الباب أمام احتمالاتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ تتجاوز مجرد الرسائل الاستراتيجية الروسية لتضعَ الأمنَ الأوروبي في مواجهةٍ مباشرةٍ مع اختباراتٍ جديدةٍ. ومن هنا يبرز السؤال الرئيسي: إلى أي مدى تمثّل الاختراقات الروسية للأجواء الأوروبية تحولاً في قواعد المواجهة بين موسكو والغرب، وما هي انعكاساتها على الأمن الأوروبي ومستقبل التوازنات الاستراتيجية في القارة؟

أولًا: خريطة الاختراقات الروسية للأجواء الأوروبية

في تطورٍ يُنذرُ بتصعيدٍ جديدٍ غير مسبوقٍ، شهدت الجبهة الشرقية لحِلْف شمال الأطلسي سلسلةَ اختراقاتٍ جوية بواسطة الطائرات المسيّرة والمقاتلات الروسية لأجواء ثلاث دول أوروبية هي بولندا ورومانيا وإستونيا، في خطوة تمثل اختباراً مباشراً لقدرات الردع والدفاع لدى كلٍ من الدول المتأثرة والحلف على السواء. وذلك على النحو التالي:

بولندا: أعلنت وارسو في 10 سبتمبر 2025، أن 19 مسيرة روسية انتهكت المجال الجوي البولندي خلال هجماتٍ استهدفت الأراضي الأوكرانية، في حادثةٍ قابلتها موسكو بالإنكار وعدم الاعتراف الرسمي باستهداف الأراضي البولندية. وفي المقابل، اتخذتْ السلطاتُ البولندية جملةً من الإجراءاتِ الفورية، حيث فعّلتْ دفاعاتِها الجوية بالتعاون مع أنظمة تابعة للناتو، مما أسفر عن إسقاط أكثر من عشرة مسيرات روسية داخل الأجواء البولندية. وأعقب ذلك قرارٌ حكوميٌ بإغلاق مؤقت للمعابر الحدودية مع بيلاروسيا وتشديد الإجراءات الأمنية في المطارات والمجال الجوي، تحسّباً لمزيدٍ من التصعيد وارتفاع التوترات الأمنية خاصةً بالتزامن مع المناورات العسكرية الروسية – البيلاروسية “زاباد 2025”.[1] وفي السياق ذاته، أعلنَ حِلْف شمال الأطلسي إرسالَ طائراتٍ مقاتلةٍ ضمن مهمة “الحارس الشرقي” في أجواء بولندا، ولا سيَّما من بريطانيا وألمانيا، لتعزيز الدفاعات الجوية للتحالف الغربي. كما عقدت وزارة الدفاع البولندية اجتماعاتٍ عاجلةً مع قيادة الناتو لبحث رفع مستوى الاستعداد العسكري والقدرات الدفاعية، في حين أصدرت دولٌ أوروبيةٌ عدّةٌ بياناتِ تضامن مع وارسو، مؤكدين أن انتهاكَ المجال الجوي البولندي يمثّل تحدياً مباشراً لأمن الحلف ككل.[2]

رومانيا: أفادت وزارة الدفاع الرومانية في 13 سبتمبر 2025، بأن طائرةً مسيّرةً روسيةً من طراز ” Geran-2″ اخترقت المجال الجوي الروماني خلال هجومٍ روسيٍ استهدف منشآتٍ أوكرانيةً، إذ حلّقت المسيّرةُ على امتداد فرع “كيليا” من نهر الدانوب الذي يشكّل الحدود مع أوكرانيا، وبقيت في الأجواء لحوالي خمسين دقيقة قبل أن تغيرَ مسارها قرب قرية “باردينا” في مقاطعة تولسيا وتعود إلى الأراضي الأوكرانية. وقد أقلعت مقاتلتان رومانيتان من طراز F- 16 لمتابعةِ الوضع وتعقّبِ المسيرة ورصدها قرب قرية تشيليا فيتشي حتى اختفائها عن الرادار، دون أن تحلّقَ فوق مناطق مأهولةٍ أو تشكّلَ تهديداً مباشراً لسلامة المدنيين. وأوضحت وزارة الدفاع أن هذا الخرْقَ الجوي جاء بعد ثلاثة أيام فقط من حادثة بولندا، الأمرُ الذي عزّز المخاوف من اتّساعِ نطاق الانتهاكات الروسية لأجواء حلف الناتو على جبهته الشرقية.[3]

إستونيا: أعلنت السلطات الإستونية في 19 سبتمبر 2025، أن ثلاث مقاتلات روسية من طراز “ميغ-31” اخترقت مجالها الجوي لمدةٍ قاربت 12 دقيقة من دون تصريحٍ مسبقٍ، في حادثةٍ جاءت بعد أيامٍ قليلةٍ من اختراقاتٍ مماثلةٍ لأجواء بولندا ورومانيا، وهو ما اعتبرته تالين انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والمعايير المنظمة للطيران العسكري. ورداً على ذلك، استدعت وزارة الخارجية الإستونية دبلوماسياً روسياً لتقديم احتجاجٍ رسميٍ، فيما أكد وزير الخارجية مارجوس تساهكنا أن روسيا انتهكت أجواء بلاده أربع مرات منذ بداية العام، معتبراً أن الحادث الأخير “تصرّفٌ وقِحٌ وغير مسبوق لا يمكن التسامح معه، ويتطلب فرضَ إجراءاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ رادعة”. وعلى الصعيد العسكري، تدخلت مقاتلاتٌ تابعةٌ لحلف الناتو في إطار عملية “الحارس الشرقي” لاعتراض الطائرات الروسية، مما أجبرها على مغادرة الأجواء. كما أعلنت الحكومة الإستونية تفعيل المادة الرابعة من ميثاق الناتو والدعوة إلى مشاوراتٍ عاجلةٍ بين الدول الأعضاء، في خطوة تعكس مستوى القلق الأمني المتصاعد على الجناح الشرقي للحلف.[4]

ثانيًا: ردود الأفعال على التوغلات الروسية في الأجواء الأوروبية

أثارت حوادث اختراق الأجواء في كلٍ من بولندا ورومانيا وإستونيا، تفاعلاتٍ واسعةَ النطاق على كافة الأصعدة، إذ شكّلت هذه الانتهاكاتُ اختباراً مباشراً لمدى صلابة المظلة الأمنية لحلف شمال الأطلسي على جناحه الشرقي. وفيما يلي أبرز ردود الفعل على الانتهاكات الروسية:

– على المستوى الأوروبي: أثارتْ الاختراقات الروسية لأجواء بولندا ورومانيا وإستونيا ردودَ فعلٍ قوية داخل القارة، حيث سارعت العواصم الأوروبية الكبرى إلى إدانة هذه الانتهاكات واعتبارها خرقاً لسيادة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على حدٍّ سواء. فقد أعلنت بريطانيا استدعاء السفير الروسي للتنديد رسمياً بما وصفته بـ “التوغلات غير المقبولة”، مؤكدةً دعمها الكامل لحلفائها في الناتو.[5] في حين اعتبرت ألمانيا أن الانتهاكات الروسية للأجواء الأوروبية تمثّل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي، وأعلنت زيادة مشاركتها في مهمة الناتو عبر نشْرِ مقاتلاتِ “يوروفايتر” في بولندا.[6] وفي السياق ذاته، قامت فرنسا بإرسالِ ثلاثِ مقاتلاتٍ من طراز “رافال” لتعزيز حماية الأجواء البولندية، في خطوةٍ ترافقت مع استدعاء سفير موسكو في باريس، وبيان رسمي وصف التصرف الروسي بأنه “استفزاز خطير”. كما استدعت بولندا، والسويد، وهولندا، وجمهورية التشيك، ورومانيا، وبلجيكا، وإسبانيا، السفراء الروس أو القائمين بالأعمال في البعثاتِ الدبلوماسية الروسية خلال الأيام الأخيرة.[7] أما على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل، فقد أصدرتْ الممثلةُ العليا للسياسة الخارجية بياناً أدانت فيه تلك الاختراقات واعتبرتها انتهاكاً صارخاً لسيادة الاتحاد الأوروبي وتهديداً لأمن المنطقة، مؤكدةً أن هذه الحوادث تُعدُّ من أخطر الانتهاكات التي تشهدها القارة منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.[8]

– على الصعيد الدولي: كان الموقفُ الأمريكيُ أكثر وضوحاً، إذ أكدت واشنطن التزامها الصارم بالدفاع عن كل شبرٍ من أراضي الناتو، ووصفت التوغلاتِ الروسيةَ بأنها انتهاكٌ للقانون الدولي وتهديدٌ لاستقرار أوروبا. في حين أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها من مخاطر التصعيد المحتمل بعد اختراقات الطائرات المسيّرة الروسية للأجواء الأوروبية واعتبرت أنها تمثّل تجاوزاً جديداً للحدود الأمنية الأوروبية.[9] وفي المقابل، تبنّت روسيا خطاباً دفاعياً، حيث نفت ضلوعها المباشر في بعض الحوادث، مؤكدةً أن اتهاماتِ الغرب مُبالغٌ فيها، وأن بعض المسيّرات لم يكنْ بمقدورها تقنياً الوصول إلى أراضي الناتو. كما اتهمت موسكو خصومها باستغلال هذه الحوادث كذريعةٍ للضغط السياسي عليها.[10]

– على المستوى العسكري: أعلنَ حلْفُ شمال الأطلسي عن إطلاق عملية “الحارس الشرقي” عقِبَ الاختراق الروسي للأجواء البولندية، بمشاركة دولٍ عدّةٍ من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا والدنمارك. وتهدف العملية إلى تعزيز منظومة الدفاع الجوي ومراقبة الأجواء على الجناح الشرقي للحلف، من خلال نشر مقاتلاتٍ إضافيةٍ وتكثيف الدوريات الجوية في مناطق التماس مع روسيا. وقد شكّلت هذه الخطوة تحولاً لافتاً في مقاربة الناتو، إذ انتقل من مجرد الاكتفاء بالإدانات السياسية إلى اعتمادِ إجراءاتٍ عسكريةٍ وقائيةٍ تعكس التزامه بحماية أراضيه وأعضائه.[11]

ثالثًا: الأبعاد الاستراتيجية للتحركات الروسية

تعكسُ الاختراقاتُ الجوية الروسية المتكررة أبعاداً استراتيجيةً أعمق من مجرد انتهاكاتٍ تكتيكيةٍ، فهي تمثّل اختباراً لقدرة حِلْف الناتو على الردع والاستجابة في الجناح الشرقي. وقد تسعى موسكو من خلال هذه الخطوات إلى إعادة صياغة قواعد الاشتباك ووضْعِ الحلف أمام معادلةٍ معقّدةٍ بين التصعيد العسكري والبحث عن قنوات للتهدئة، بما يسمح لها بتوسيع مساحة المناورة السياسية والعسكرية في آنٍ واحدٍ.

وفي هذا السياق، يبدو أن روسيا تحاولُ تقويضَ ثقة الدول الأوروبية في المظلة الأمنية الغربية، عبر إبراز هشاشة التوازن بين الالتزامات الدفاعية للحلف وبين قدرته العملية على الاستجابة الفورية. فالرسالةُ الروسية لا تقتصر على الاستعراض العسكري فحسب، بل تمتدُ لإثارة الشكوك داخل أوروبا حول تكلفة المواجهة طويلة الأمد، وخلْقِ حالةٍ من الضغط النفسي والسياسي تجعل الحلفاءَ أكثرَ عُرضةً للتباين والانقسام.

وإلى جانب البعد العسكري والسياسي، فقد تحملُ هذه التحركات إشارةً واضحةً إلى أن الكرملين يسعى إلى توسيع نطاق المواجهة مع الغرب خارج حدود أوكرانيا عبر استدراج الناتو إلى ساحاتٍ جديدةٍ من التوتر على حدود بولندا ورومانيا ودول البلطيق، وهو ما يعكس رغبة روسيا في إبقاء أوروبا تحت ضغوطٍ دفاعيةٍ مستمرةٍ في الوقت الذي تواصل فيه موسكو تكريس نفسها كفاعلٍ قادرٍ على إدارة الأزمات والتحكم في مساراتها الاستراتيجية.

رابعًا: الانعكاسات والتداعيات المباشرة

أثارت الحوادث الأخيرة لاختراق المسيّرات الروسية للأجواء الأوروبية سلسلةً من الانعكاسات الأمنية والسياسية والاقتصادية، مما أعادَ رسْمَ أولويات الدول الأوروبية وفتح الباب أمام تحولاتٍ أعمق في التوازن الإقليمي. وذلك على النحو التالي:

– تصاعد سباق التسلح الأوروبي: حيث أدّتْ الاختراقاتُ الجويةُ الروسية إلى زيادة الوعي الأمني في الدول الأوروبية المتأثرة بالاختراقات وبالتحديد بولندا ورومانيا ودول البلطيق، مما دفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الدفاعية وتطوير قدراتها العسكرية. في حين دفعت الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى إعادة التفكير في ضرورةِ بناءِ قدراتٍ عسكريةٍ مستقلةٍ نسبياً عن المظلة الأمريكية، بما يفتح الباب أمام نقاشاتٍ حول السيادة الدفاعية الأوروبية.

– تآكل الثقة بين موسكو وأوروبا: فاقمت هذه التطورات فجوة انعدام الثقة بين روسيا والدول الأوروبية، إذ تمثّل الاختراقاتُ رسالةً مباشرةً على هشاشة الأمن الجماعي. فمع كل واقعةٍ جديدةٍ تتزايد المخاوف الأوروبية من أن روسيا تختبر حدود التزام الناتو بالدفاع الجماعي، مما يعمّقُ الانقساماتِ السياسيةَ ويدفع إلى مزيدٍ من الاستقطاب بين الطرفين.

– الانعكاسات الاقتصادية وأمن الطاقة: ألقت التوترات الأخيرة بظلالها على أسواق الطاقة والاستقرار الاقتصادي الأوروبي، حيث ازدادت المخاوف من أن يؤديَ أي تصعيدٍ عسكريٍ إلى تهديد إمدادات الغاز والنفط، أو تعطيل مسارات النقل الحيوية. وبذلك، تجاوزت التداعيات الجانب العسكري لتشملَ الأبعاد الاقتصادية والمعيشية، مما يجعلُ الوضع أكثر تعقيداً أمام صانع القرار الأوروبي.

خامسًا: المآلات والسيناريوهات المستقبلية

تطرحُ الاختراقاتُ الروسية للأجواء الأوروبية مجموعةً من السيناريوهات المحتملة التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة في العلاقة بين موسكو والغرب، والتي تتراوح بين استمرار التصعيد التدريجي والاحتواء عبر القنوات الدبلوماسية وصولاً إلى احتمالاتِ انزلاقٍ أوسع نحو مواجهة مباشرة. وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول: استمرار الاختراقات كأداة ضغط

يُتوقعُ أن تلجأ موسكو إلى تكرار هذه العمليات بوتيرةٍ محسوبةٍ، بهدف إبقاء أوروبا تحت ضغطٍ سياسيٍ وعسكريٍ مستمر، واستنزاف قدرات الناتو على الجناح الشرقي. ويتيح هذا السيناريو لموسكو الاستفادة من الاختراقات كورقة ضغطٍ في ملفاتٍ مثل الحرب الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية، وقضايا الطاقة. ويبدو هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً للوضع القائم، نظراً لعدم رغبة موسكو في مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرةٍ مع الناتو، واعتماد الغرب حالياً على تعزيز الردع والجاهزية دون الانخراط المباشر.

السيناريو الثاني: الاحتواء الدبلوماسي

قد تسعى بعض الدول الأوروبية تحت ضغط التكاليف الاقتصادية ومخاوف التصعيد، لفتْح قنواتِ حوارٍ مع روسيا عبر الناتو أو الاتحاد الأوروبي. ولكن نجاح هذا السيناريو سيظلُ مرهوناّ بمدى استعداد موسكو لتقديم تنازلاتٍ أو ضبط تصعيدها. وهو احتمالٌ مرجّحٌ نسبياً، نظراً لأن موسكو غالباً ما تستخدم الاختراقات كأداة ضغط مستمرة، مما يحدُّ من فعالية الجهود الدبلوماسية قصيرة المدى.

السيناريو الثالث: احتمالات التصعيد إلى مواجهة عسكرية

رغم أنه السيناريو الأخطرُ والأقل ترجيحاً، إلا أن تكرار هذه التوترات يمكن أن تؤديَ إلى تصعيدٍ عسكريٍ كبير، مما يفتحُ البابَ أمام مواجهةٍ مباشرةٍ بين روسيا وحلف الناتو. وفي هذه الحالة قد تشهد أوروبا تحولاتٍ أمنيةً غير مسبوقة تضع القارة على حافة صراع شامل. ورغم ذلك، يبقى احتمال حدوثه أقل مقارنة بالسيناريو الأول، نظراً لالتزام الناتو بالردع الوقائي وتجنّبِ الانخراط في مواجهةٍ شاملةٍ مع روسيا حالياً.

وبالنظر إلى النهْجِ الروسي الحالي وسلوك الناتو في تعزيز الدفاعات الجوية بدون الانخراط المباشر في مواجهة، فإن السيناريو الأول هو الأقربُ للواقع، فقد تستمر موسكو في استخدام الاختراقات كأداةِ ضغطٍ استراتيجيةٍ، بينما يركز الغرب على تعزيز الردع والجاهزية دون الدخول في مواجهة مباشرة.

ختامًا:

يمكن القول، إنه في ضوء التطورات الأخيرة المتعلقةِ بالاختراقاتِ الروسية للأجواء الأوروبية، يتضحُ أن موسكو تستخدم هذه العمليات كأداةٍ استراتيجيةٍ متعددة الأبعاد تجمع بين الضغط العسكري والاستعراض السياسي واختبار ردود الفعل الغربية. فقد أظهرت الاختراقات المتتالية هشاشة بعض جوانب الأمن الأوروبي وأعادت تسليط الضوء على أهمية تعزيز الردع الجماعي وحماية المدى الدفاعي للدول الأعضاء في الناتو.

ومن جهةٍ أخرى، يعكس التفاعل الأوروبي والدولي، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، استعداد الغرب للتعامل مع تحديات موسكو مع الحفاظ على وِحدةِ الصف وعدمِ الانجرار إلى تصعيدٍ غير محسوبٍ. وبناءً على ذلك، فإن الاختراقات الروسية تمثّل اختباراً مستمراً لمتانة التحالفات الغربية وتضع أوروبا أمام مسؤولية الحفاظ على التوازن بين الردع الفعال والدبلوماسية الوقائية لتجنّب أي تصعيدٍ يضرُ بالاستقرار الإقليمي.

المصادر:

[1] سكاي نيوز عربية، المسيرات الروسية فوق بولندا.. إنكار بموسكو وهلع بأوروبا، 11 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/YzdUx

[2] رويترز، مقاتلات بريطانية تبدأ مهمة دفاع جوي لحلف الأطلسي فوق بولندا، 21 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/9I5VKr

[3] مصراوي، لمدة 50 دقيقة.. رومانيا تتهم روسيا باختراق مجالها الجوي، 14 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/R7kbG

[4] سكاي نيوز عربية، مقاتلات روسية تخترق مجال إستونيا والناتو يرد.. ماذا حدث؟، 19 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/tDjQS

[5] Reuters، بريطانيا تستدعي السفير الروسي بشأن انتهاكات للمجال الجوي لحلف الأطلسي، 15 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/SDoz3e

[6] الجزيرة، فرنسا وألمانيا تعززان الدفاع الجوي لبولندا بعد اختراق مسيّرات أجواءها، 12 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/HnWFO

[7] الشرق، فرنسا تستدعي السفير الروسي بسبب توغل مسيرات في بولندا: محاولة لترهيبنا، 12 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/NKyb1Q

[8] الجزيرة، أوروبا تندد ورومانيا تدين خرق روسيا لمجالها الجوي، 14 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/Jr1wo

[9] The United Nations Office at Geneva, UN warns of escalation risk after large-scale Russian drone incursion into Poland, 12 September 2025, Available At: https://2u.pw/1gOCCO

[10] الشرق، واشنطن تتعهد بحماية أراضي حلف شمال الأطلسي بعد توغل مسيرات روسية في بولندا، 13 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/j6etq

[11] CNN بالعربية، “الحارس الشرقي”.. ماذا نعرف عن العملية التي أطلقها “الناتو” ردا على اختراق مسيرة روسية لأجواء بولندا؟، 12 سبتمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/yZhR6D