المقالات
الجدلُ المتصاعدُ والمخاوفُ الحاليةُ حول الإخوان المسلمين في فرنسا
- مايو 30, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية

إعداد/ آية أشرف
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
شهدتْ فرنسا في مايو 2025م تصعيداً كبيراً في الجدلِ حولَ جماعةِ الإخوان المسلمين وتأثيرِها على المجتمع الفرنسي وذلك في أعقاب صدورٍ تقريرٍ حكوميٍ أمنيٍ يحذّرُ من تغلغل الجماعة في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وعليه عقد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في 22 مايو 2025 مجلساً للدفاع والأمن القومي برئاسته لمناقشة هذا التقرير، الأمرُ الذي أثارَ مخاوفَ واسعةً من وصْم المسلمين بشكلٍ عامٍ باسم مكافحة ما تصفه السلطات الفرنسية بـ”الإسلام السياسي”، يكشف هذا التطور عن عمق التحديات التي تواجه فرنسا لتحقيق التوازن الدقيق بين الأمن القومي وحماية الحريات الدينية، في ظل تصاعد المخاوف من الانفصالية الدينية من جهة، والقلق من تنامي الإسلاموفوبيا من جهة أخرى.
وعليه يناقش هذا التقرير طبيعة التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين في الداخل الفرنسي والجدل الحكومي والشعبي حول مدى تغلغل الجماعات وأذرعها المختلفة في فرنسا على المستوى المدني والحكومي والتداعيات المتوقعة على مستوى الجالية المسلمة في فرنسا وأوروبا بشكل عام.
التقريرُ الحكوميُ وطبيعةُ التهديد:
أصدرتْ كلٌ من وزارة الداخلية والدفاع والخارجية تكليفاً حكومياً رسمياً لعددٍ من الموظفين رفيعي المستوى من بينهم دبلوماسيين سابقين في عدد من الدول العربية لإعداد تقرير حكومي مفصل حول وضع جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، استندَ التقريرُ المكوّنِ من 73 صفحة بشكل أساسي إلى مذكرات أجهزة الاستخبارات الداخلية، وشمل إعداده عشر زيارات ميدانية داخل فرنسا وأربع زيارات إلى دول أوروبية أخرى، إضافة إلى لقاءات مع 45 أكاديمياً فرنسياً وأجنبياً من تيارات فكرية متعددة، وصف وزير الداخلية الفرنسي “برونو روتايو” هذا التقريرَ بأنه “سريٌ” و”فاضح” و مبنيٌ على معلوماتٍ استخباراتيةٍ دقيقةٍ من أكثر أجهزة الدولة كفاء، كما أجرى معدو التقرير مناقشاتٍ معمّقةً مع أجهزة الاستخبارات ووزارة الخارجية وكافة الإدارات المعنية بتحليل ظاهرة ووضع الإخوان في فرنسا والمسؤولين عن ومراقبة أنشطة الجماعة، كما راجعوا عشرات المقالات والدراسات الأكاديمية المتعلقة بالجماعة ووضعها في الداخل الفرنسي ([1]).
كشف التقرير عن مجموعةِ أرقامٍ واحصائياتٍ حاسمةٍ حول حجم تغلغل جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، حيث أشار إلى وجود نحو 140 مكان عبادة مرتبط بالجماعة، إضافة إلى 68 موقعاً آخر يُعتبر “مقرباً” منها يمثل هذا العدد حوالي 7% من إجمالي 2800 دار عبادة إسلامية في فرنسا، و10% من أماكن العبادة التي افتتحت بين عامي 2010م و2020م، كما حدد التقرير وجود نحو 280 جمعية تابعة للجماعة تنشطُ في مجالاتٍ متنوعةٍ تشملُ المجالَ الدينيَ والعملَ الخيريَ والتعليمَ والقطاع المهني والشباب والأنشطة المالية، وركز التقرير بشكل خاص على منظمة “مسلمو فرنسا” التي خلفت اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عام 2017م والتي وُصفت بأنها “الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا” لا سيَّما أن هذه المنظمة تدير حوالي 139 مكان عبادة موزعة على 55 مقاطعة فرنسية رغم نفيها لأي ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين ([2]).
أشار التقرير إلى ما أسماه بـ”الخطر الإخواني” في فرنسا ووصفَ الآليةَ التي تتبعها الجماعة على أنها تعتمدُ على وسائلَ متعددةٍ أهمُها إعادةُ الترويجِ لمفاهيم “كإعادة الأسلمة” و”الانفصالية” و”التقويض” هذه المفاهيم التي وصفها معدوا التقرير بأنها تهدف إلى زعزعة استقرار الجمهورية الفرنسية، وخلُصَ التقرير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل “تهديداً للتلاحم الوطني” مع تنامي التشدد الإسلامي من القاعدة صعوداً على المستوى المحلي، كما جاء في التقرير أن “هذا التهديد وحتى في غياب اللجوء إلى التحركات العنيفة، يولّدُ خطرَ المساسِ بنسيجِ الجمعيات وبالمؤسسات الجمهورية الفرنسية وبشكل أوسع بالتلاحم الوطني.
أوضح التقرير أن الجماعة لا تسعى لفرض “الشريعة الإسلامية” بشكلٍ مباشرٍ أو إقامةِ دولةٍ إسلاميةٍ في فرنسا لكنها تتّبع نهجاً خفياً وتدريجياً يهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي من خلال “إسلام محلي” يؤثر على الحياة العامة والسياسات المحلية وعليه شدد التقرير على أن الجماعةَ تعمل من خلال استراتيجيةٍ طويلة المدى تسعى من خلالها للتوصل تدريجياً إلى تعديلات للقواعد المحلية أو الوطنية ولا سيَّما تلك المتعلقةُ بالعلمانية والمساواة بين الرجال والنساء.
الاستجابةُ الحكوميةُ والإجراءاتُ المقترحةُ:
-
قرارات مجلس الدفاع والأمن القومي
عقد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في 22 مايو 2025 مجلساً للدفاع والأمن القومي، بحضور رئيس الوزراء “فرانسوا بايرو” ووزير الداخلية “برونو روتايو” ووزيرة التربية الوطنية “إليزابيت بورن” ووزير الاقتصاد “إريك لومبار”، وبناءً على ما صدر عن مستشاري الإليزيه أن الرئيس “ماكرون” وجّه إلى ضرورةِ اتخاذِ إجراءاتٍ عاجلةٍ ومشددةٍ لمواجهة هذا الخطر الذي وصفه بأنه ظاهرةٌ متجذّرةٌ تفاقمت في الآونة الأخيرة على اعتبار أن تنظيم الإخوان المسلمين بات يشكّلُ خطراً على الأمن القومي الفرنسي ويهددُ تماسكَ منظومة وهيكل المجتمع الفرنسي وقيمه الراسخة، كما طلب الرئيس من الحكومة وضع مقترحات للتعامل مع تأثير جماعة “الإخوان المسلمين” وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا على أن تُجريَ دراسةٌ هذه المقترحات في اجتماع مجلس الدفاع المقبل مطلع يونيو المقبل ([3]) .
-
الإجراءاتُ والآلياتُ الجديدة
في ضوء التقرير السابق تمَّ تشكيلُ خليةٍ أمنيةٍ قضائيةٍ مختصةٍ بـإجراء عمليات متابعة لنشاط جماعة “الإخوان” وتقييم موقفها داخل فرنسا مع التركيز بشكلٍ خاصٍ على قطاعات مثل الخارجية والمالية والتعليم والرياضة، كما ستُدرج خطة لتدريب الموظفين الحكوميين والمنتخبين المحليين للتعامل مع هذا التواجد، ذلك إلى جانب إطلاق استراتيجية للتوعية العامة لمواجهة ما تمَّ اعتبارهُ خطراً على نسيج المجتمع الفرنسي، وذلك ما أشار إليه وزير الداخلية إلى أن تهديد “الإخوان المسلمين” لفرنسا يكمنُ في أن الجماعةَ السريةَ لا تمتلكُ الكثيرَ من البنيةِ الظاهرة إلا أن التهديدَ يكمنُ في “الاختراق”، فقد أوضح “روتايو” أن الجماعة أسست البنية السياسية والاجتماعية للإسلاموية أو “الإسلام السياسي” من خلالِ خطابٍ ناعمٍ وسلسٍ وعليه فإنه و بسبب هذه الهيكلية من الصعب جمْعُ أدلةٍ كافيةٍ حول الجماعة وأذرعها وانشطتها للعمل لتفكيكها ([4]).
-
نشر التقرير والشفافية
في خطوةٍ نادرةٍ بالنسبة لاجتماعات مجلس الدفاع التي عادةً ما تبقى طي الكتمان قرر الرئيس الفرنسي نشر التقرير كاملاً قبل نهاية شهر مايو 2025 إلا أن “روتايو” وزير الداخلية الفرنسي أكد على أن التقرير لن يتمَّ نشرُه في البداية لأنه مصنّفٌ “سري” لكنه أشار إلى أن “نسخة مخففة” من التقرير قد تُنشرُ في وقتٍ لاحق وعليه تشير خطوة نشر التقرير أو تداول ملف “الإخوان” على مستوى عام إلى خطورة وأهمية هذا الملف ورغبة الإدارة الفرنسية وسلطتها الرسمية في تقديم مبررات رسمية للشعب والمجتمع الفرنسي للتحرك ضد توسّع “الإخوان” الحالي في فرنسا.
ردودُ الفعل والمخاوف من الوصم:
-
موقف المؤسسات الإسلامية الرسمية
أعرب مدير “المسجد الكبير” في باريس “شمس الدين حافظ” عن قلقهِ الشديدِ من “الوصم” الذي قد يلحقُ بالمسلمين باسم مكافحة الإسلام السياسي , أوضح “حافظ” أن “المسجد الكبير” دائماً ما يدافعُ عن رؤيةٍ للإسلام تتماشى مع روح مبادئ الجمهورية الفرنسية، كما شدد على رفض “المسجد الكبير” أن تتحولَ مكافحة الإسلام السياسي إلى ذريعةٍ لوصْمِ المسلمين، وعليه أصدر بياناً جاء فيه: “يرفض المسجد السماح للنضال المشروع ضد الإسلام السياسي بأن يصبحَ ذريعةً لوصمِ المسلمين وخدمةِ أجنداتٍ سياسيةٍ معينةٍ” مستنكراً بناء مشكلة إسلامية والتطور الخبيث لخطاب تمييزي غير مقيد ([5]).
وعلى صعيد آخر أعرب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن قلقه من تعميم الاتهامات محذراً من وصم جميع المسلمين في فرنسا بالإسلاموية، وأكد على أن جماعة “الإخوان المسلمين” لا تمثّلُ سوى أقلية داخل الطيف الإسلامي في فرنسا، أشار المجلس في بيانه أن “مكافحة التطرف الذي يتستر بالإسلام هي في صميم أولوياتنا إلا أن غيابَ تعريفاتٍ واضحةٍ للمفاهيم المستخدمة في التقرير الحكومي يُبقي على حالة من الالتباس الضار”، وأضاف البيان أن: “عدداً كبيراً من المواطنين المسلمين يشعرون اليوم بأنهم لم يعودوا بمنأى عن الشك الدائم”.
-
موقف جمعية “مسلمو فرنسا”
سارعت جمعية “مسلمو فرنسا” التي يصفها التقرير بأنها “الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا” إلى إصدارِ بيانٍ تُنددُ فيه بما جاء في التقرير الحكومي ووصفتها بأنها ـاتهاماتٌ لا أساس لها من الصحة بحق الجمعية، وأكدت في البيان أن “هذا التصور الأيديولوجي لا يعكسِ واقعنَا المؤسسَي ولا عملنا الميداني” مؤكدةً على تمسّكها بقيم الجمهورية الفرنسية الراسخة، كما انتقدت الجمعية ما وصفته “بالخلط” حتى وإن كان غيرَ متعمّدٍ بين الإسلام والإسلام السياسي والتطرف الذي لا يُعدّ خطيراً فحسب بل يصاحبهُ نتائجُ عكسيةٌ على الجمهورية نفسها، وعليه نددت المنظمة بما وصفته بـ”الاتهامات الباطلة” محذرة من هذا الخلط الخطير بين الإسلام والتطرف ورافضة لأي اتهاماتٍ بمحاولة فرْضِ مشروعٍ سياسيٍ أجنبي أو استراتيجية الاختراق ضد الجمعية ([6]).
مخاوفُ من تصاعد الإسلاموفوبيا:
تأتي هذه التطورات في سياقِ تصاعد الجدل حول الإسلاموفوبيا في فرنسا خاصة بعد تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية “فرنسوا بايرو” بشأن ارتفاع معدلات “الإسلاميوفوبيا” في فرنسا الأمرُ الذي أثار جدلاً داخل حكومته، فقد رفضَ عددٌ من الوزراء استخدامَ هذا التوصيف أو الإقرارَ بوجودِ معادٍ للمسلمين، وعليه فإن التطورات الحالية تواكب سياق السياسات الفرنسية المستمرة منذ سنوات لمواجهة ما تصفه بـ”الانفصالية الإسلامية”، فقد أقر البرلمان الفرنسي في مايو 2023 بشكل نهائي مشروع قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية” الذي صاحبه جدلٌ واسعٌ وقد طُرح أولَ مرة متضمناً تعريف “مكافحة الإسلام الانفصالي” وفق القانون الجديد، تصل عقوبة من يدان بجريمة “الانفصالية” إلى السجن 5 سنوات وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو لمن يهددون أو يعتدون على مسؤول منتخب أو موظف مدني لعدم رغبتهم في اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية .
كما ينصُ القانونُ على فرْضِ رقابةٍ على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين كما يفرضُ قيوداً على حريةِ تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل ويحظر ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي، وعليه يواجه “قانون الانفصالية” انتقادات من قبيل أنه يستهدف المسلمين في البلاد ويكاد يفرض عليهم قيوداً على كل مناحي حياتهم [7].
في ديسمبر 2020م أكد رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك “جان كاستيكس” أن القانون الذي يعزز “مبادئ الجمهورية” ليس ضد الأديان، بل يستهدفُ الفكرَ الخبيثَ الذي يحملُ اسم الإسلام المتطرف، وأشار “كاستيكس ” إلى أن هذا القانون ليس نصاً ضد الأديان ولا ضد الديانة الإسلامية بشكل خاص بل إنه قانونٌ للحريةِ وقانونٌ للحماية وقانونٌ للتحرر في مواجهة الأصولية الدينية، وشدد على أن فرنسا تريد “التشديد على الفصل بين الدين والدولة” خاصة أن أجندةَ الإسلامِ السياسيِ تحصلُ على دعمٍ خارجيٍ يُقوضُ مبادئَ الجمهورية الفرنسية، كما ذكرت وزيرة الدولة لشؤون المساواة و العنصرية “مارلين شيابا” في 2020م أن الحكومة ستوقف التمويل الحكومي للجمعيات التي لا تحترم قيم الجمهورية كالمساواة بين المرأة والرجل أو تروج لخطاب الكراهية، وعليه أعلنت الحكومة الفرنسية في سبتمبر 2020م استعدادها لتقديم مشروع قانون يهدف لمناهضة ما سمته “النزعات الانفصالية”، ويستهدف أساساً جماعات الإسلام السياسي.
الانعكاساتُ والآثارُ المحتملةُ:
-
تأثيرات على المجتمع المسلم
تشير التطورات الحالية إلى احتمالية تصاعد التوترات بين السلطات الفرنسية والمجتمع المسلم، خاصةً في ظل المخاوف من التعميم والوصم، إلا أن مسؤولي الإليزيه قد شددوا على أهميةِ عدمِ الخلطِ بين المسلمين ككل وبين جماعة الإخوان فقد صرّح مسؤولٌ في الرئاسة الفرنسية بأن بلاده تقاتل ضد الإسلاموية وتطرفها وليس ضد المسلمين، وأضاف أن الهدفَ هو “رفعُ الوعي” داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا التهديد، وعلى الرغم من ذلك ،تبقى المخاوفُ قائمةً من أن تؤديَ هذه السياسات إلى تهميش أكبر للمسلمين في فرنسا التي تستضيف نحو 5.7 ملايين مسلم يشكلون 8.8% من مجموع السكان، وعليه يثير تصاعد هذا الجدل تساؤلات حول فعالية السياسات الحكومية في تحقيق التوازن المطلوب بين الأمن والحريات كما أشارت النائبة في مجلس الشيوخ الفرنسي “نتالي غوليه” إلى أن فرنسا أصبحت تدركُ حجمَ تغلغل تنظيم “الإخوان المسلمين” داخل المجتمع الفرنسي معتبرةً أن التنظيمَ يشكّل تهديداً مباشراً للتلاحم الوطني واستقرارِ الدولة أضافت أن كل دور العبادة باتتْ مهددةً، مؤكدة أن الحكومة الفرنسية بدأت بالفعل في اتخاذ إجراءات ضد الإخوان المسلمين.
-
الآثار على المستوى الأوروبي
يأتي هذا التقرير في وقتٍ تسعى فيه فرنسا لمنع انتشار الأفكار المتطرفة داخل المجتمع الفرنسي وفي الأوساط الأوروبية كلل مما يجعل هذا التقريرَ جزءاً من استراتيجيةٍ أوسع لتعزيز الأمن القومي الفرنسي والأوروبي معاً، خاصة أن هذ التقرير أشار إلى أن الجماعةَ التي تفقد نفوذها في العالم العربي تركّز الآن جهودها على أوروبا لفتْحِ مجالِ نفوذٍ وتأثيرٍ بديلٍ وتركز بشكل خاص على فرنسا التي تستضيف أكبر جالية مسلمة في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ألمانيا، هذا التوجّهُ قد يؤثر على السياسات الأوروبية تجاه الجماعات الإسلامية ويفتحُ نقاشاتٍ مماثلةّ في دولٍ أوروبية أخرى، وعليه يتطلب التعامل مع هذه القضية نهجاً متوازناً يأخذ في الاعتبار مخاوف الأمن القومي دون التضحية بمبادئ الحرية الدينية والعدالة الاجتماعية فإن نجاحَ أيِ استراتيجيةٍ لمكافحة التطرف بشكل عام يتطلب تعاوناً وثيقاً مع المجتمعات المسلمة المعتدلة وليس تهميشها أو وصمها بالتعميم ([8]).
وختاماً، تكشفُ التطوراتُ الأخيرةُ في فرنسا حول جماعة “الإخوان المسلمين” عن تعقيدات السياسة الأمنية في مجتمعٍ متعددِ الثقافات، حيث تتداخل مخاوف الأمن القومي مع قضايا الحريات الدينية والعدالة الاجتماعية، يواجهُ النهجُ الفرنسيُ تحديَ تحقيقِ التوازنِ بين مكافحة التطرف وحماية المسلمين من الوصم والتمييز وهو تحدٍ يتطلبُ حكمةً ودقةً ومرونةً شديدةً في التعامل مع مختلف أطياف المجتمع.
وتشير ردود الفعل المتباينة من المؤسسات الإسلامية والمجتمع المدني إلى ضرورة إشراك جميع الأطراف في الحوار لضمان فعالية أي استراتيجية لمكافحة التطرف، كما تؤكد أهميةَ وضعِ تعريفاتٍ واضحةٍ ودقيقةٍ للمفاهيم المستخدمة في هذا السياق؛ لتجنّب الالتباس والتعميم الضار، وعلى الرغم من ذلك يبقى التحدي الأكبر في كيفية ترجمة نتائج التقرير إلى سياسات عملية تحقق الأهداف الأمنية دون الإضرار بالتماسك الاجتماعي أو انتهاك حقوق المواطنين المسلمين خاصة وأن نجاحَ فرنسا في التعامل مع هذه القضية سيكونُ له تأثيراتٌ بعيدةُ المدى ليس فقط على المجتمع الفرنسي بل على السياسات الأوروبية تجاه الإسلام والمسلمين بشكلٍ عام.
المصادر:
[1]) تقرير حكومي فرنسي: جماعة الإخوان متغلغلة في مفاصل الدولة، سكاي نيوز عربية، 20 مايو 2025، متوفر على: https://www.skynewsarabia.com
[2]) تقرير حول “الإخوان المسلمين” في فرنسا يثير مخاوف من وصم المسلمين، مونت كارلو الدولية، 22 مايو 2025، متوفر على: https://www.mc-doualiya.com
[3]) فرنسا: برئاسة ماكرون اجتماع لبحث ملف حركة الإخوان المسلمين بعد تقرير عن “تهديدها للتلاحم الوطني”، FRANCE 24، 21 مايو 2025، متوفر على: https://www.france24.com
[4]) حملة فرنسا ضد “الإخوان” جدل متصاعد والحكومة تحذر من “مشروع الجماعة”، الشرق، 23 مايو 2025، متوفر على: https://asharq.com
[5]) مرجع سابق، متوفر على: https://www.mc-doualiya.com
[6]) جماعة “الإخوان المسلمين” في مرمى السلطات الفرنسية، الشرق الأوسط، 21 مايو 2025، متوفر على: https://aawsat.com
[7]) رئيس وزراء فرنسا: القانون الجديد ليس موجها ضد الإسلام، سكاي نيوز عربية، 9 ديسمبر 2020، متوفر على: https://www.skynewsarabia.com
[8]) الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون تقرير أمني صادم يشعل جدلا واسعا بباريس، RT، 21 مايو 2025، متوفر على: https://arabic.rt.com