أصدرت الخارجية الأمريكية فى منتصف الشهر الجارى بياناً يقتضى بتصنيف جماعة “تيرورجرام/Terror Gram” باعتبارها تنظيماً إرهابياً بجانب إدراج 3 من أبرز قادتها كإرهابيين عالميين، وحسب البيان فإن هذه الجماعة عابرة للحدود وتروج عبر الفضاء الرقمى للعنف العنصري والعرقي وارتبط اسمها بهجمات إرهابية وعنصرية فى دول متفرقة[1]. ويشير ذلك التحرك إلى التهديد الذى يشكله الجماعات العنصرية المتطرفة باختلاف نطاقها والتى تحمل جميعها أجندة يمينية متطرفة مستندة على العنف والكراهية ومؤمنة بتفوق “العرق الأبيض” تغذى توجهاتهم وتستقطب مؤيديهم المجتمعات الافتراضية على الإنترنت التى ساهمت فى الانتشار السريع للتطرف وتطبيع الكراهية. وعليه يحاول ذلك التقرير الوقوف على ماهية تلك الجماعة العابرة للحدود والتهديد الذى تحدثه بالداخل الأمريكى وخارجه، ناهيك عن تحليل مدى فاعلية الجهود الأمريكية فى مواجهة التطرف العنصرى.
ماهية جماعة “تيرورجرام/ Terror Gram“؟
تعتبر “تيرورجرام” تنظيم لامركزى يجمع الأفراد والجماعات الذين يؤمنون بنطرية “التفوق الأبيض العنيف” من خلال وسائل التواصل الاجتماعى لاسيما منصة “تيليجرام” التى يرتبط اسم الجماعة بها، ويرجع تاريخ إنشاء الشبكة ما بين عامى 2019 و 2020، هادفة إلى شن حرب عنصرية تدمر الحكومات وتؤدى إلى انهيار الأنظمة السياسية والاجتماعية الراهنة من أجل إقامة دولة يهيمن عليها العنصريون البيض ومؤيدة لأفكارها العنصرية، وذلك من خلال إطلاق هجمات عنيفة وإحداث الفوضى ضد خصومها مثل استهداف شخصيات سياسية أو مسؤوليين حكوميين أو فئات اجتماعية مثل الأقليات العرقية والدينية ناهيك عن استهداف الأعيان المدنية والبنية التحتية[2]. وذلك بجانب إلهام الأفراد للقيام بعمليات إرهابية تخدم إيدولوجياتها متخذة نمط “الذئاب المنفردة”، عبر تقديم معلومات إرشادية ومواد تعليمية حول الأساليب والتكتيكات والأهداف للهجمات.
وقد تورطت تلك الشبكة فى عدد من الهجمات الإرهابية حسب تصريح وزارة الخارجية الأمريكية مثل شن هجوم خارج إحدى أماكن تجمع المثليين فى “سلوفاكيا” فى أكتوبر لعام 2022 والذى أسفر عن سقوط 3 أشخاص، والهجوم الوشيك فى شهر يوليو المنصرم على أحدى منشآت الطاقة فى ولاية “نيوجيرسى” الأمريكية، وما تلاه فى شهر أغسطس حيث استهدف هجوم بسكين لشاب فى الثامنة عشر من عمره 5 أشخاص بالقرب من مسجد فى تركيا. وتستند تلك الجماعة حال التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على الجانب الدعائى فى الترويج لمعتقداتها والدفع بتزايد شعبيتها ومن أبرز منشوراتها مجلة ” Hard Reset” معتمدة على سرد القضايا ونشر أفكارها بطريقة جذابة ومقنعة لاقت صدى واسع كما أشار بعض المحللين[3].
اتهامات عديدة:
حفزت أنشطة جماعة “تيرورجرام” من توجيه وزارة الخارجية الأمريكية الاتهام بالتحريض على جرائم الكراهية، وقتل المسؤولين الفيدراليين، والتآمر لتقديم الدعم المادي للإرهابيين ضد اثنين من قادتها الأمريكين فى شهر سبتمبر من العام الماضى وهم (دالاس هامبر) و(ماثيو أليسون)، ومع إعلان تصنيفها ضمن قائمة الكيانات الإرهابية هذا الشهر حسب البيان الأمريكى “تم تصنيف مجموعة تيرورجرام لارتكابها أو محاولة ارتكابها، مما يشكل خطرًا كبيرًا لارتكاب أو المشاركة في التدريب على ارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد للولايات المتحدة”[4].
وعليه وجهت وزارة العدل الأمريكية لائحة اتهام مكونة من 15 تهمة ضد قادة المجموعة، مع إدراج 3 من قادتها الأجانب على قوائم الإرهاب الدولية كإرهابيين محددين بشكل خاص الأول (سيرو دانييل أموريم فيريرا) من البرازيل، والثانى (نواه ليكول) من كرواتيا، أما الثالث (هندريك وال مولر) المقيم فى جنوب أفريقيا[5]، ومن ثم يتم تجميد جميع الممتلكات والمصالح التي تمتلكها تلك الجماعة، بمعنى أخر عزلها عن استخدام النظام المالي الأمريكي، ويصبح الانتماء إلى الجماعة أو الترويج لها جريمة جنائية في البلاد. وترتب على تلك الإجراءات تصريح المملكة المتحدة بتنصيف جماعة “تيرورغرام” كمنظمة إرهابية فى شهر إبريل، كما قالت منصة “تيليجرام” فى بيان لها “لا مكان للدعوات إلى العنف على المنصة. وقام المشرفون على تيليجرام بحذف العديد من القنوات التي استخدمت أشكالًا مختلفة من اسم “Terrorgram” و يتم حجب المحتوى المماثل كلما ظهر”[6].
خطر متباين:
على الرغم من قيام واشنطن بإدراج بعض من الجماعات العنصرية العابرة للحدود، وإن كان بشكل محدود، باعتبارها جماعات إرهابية، نظراً لأن الحماية الدستورية والمصالح السياسية طبقاً لرؤى بعض الخبراء قد تحد فى بعض الحالات من قدرة وزارة الخارجية الأمريكية على تنفيذ تصنيفات الإرهاب دون وجود رابط واضح عبر الحدود الوطنية. ويتم الحد منهم من خلال العقوبات المالية والعمل العسكري لملاحقة الانتهاكات ومظاهر العنف والتهديد والتى ظهرت فعلياً فى عام 2017 مع تصنيف “الحركة الإمبراطورية الروسية RIM” وواصلت بعد ذلك تصنيفاتها ضد الإرهابيين العنصريين الأجانب[7].
إلا أن تصنيف الجماعة المذكورة ينعكس خطره فى وجود قادة وأتباع لها داخل الولايات المتحدة على عكس الجماعات الأخرى العابرة للحدود التى كانت لا تتسم بأى جاذبية داخل الأراضى الأمريكية، ولا يُخفى اتساق مظاهر العنصرية بالمجتمع الأمريكى الذى ينجذب إلى مجموعات العنصريين البيض مع وجود عدد من جماعات “تفوق العرق الأبيض” المحلية والجماعات اليمينية المتشددة والتى اشتهرت بأعمال الشغب والفوضى وترويج خطاب الكراهية ضد السود والأقليات، ومن ثم يستهدف التصنيف الأمريكى القاعدة الشعبية لتلك الجماعة التى تضم مواطنيين أمريكين[8].
تفاقم الأزمة الديمغرافية فى أمريكا:
على صعيد أخر تكشف التحليلات الحديثة داخل الولايات المتحدة إلى تفاقم الاقليات داخل المجتمع الأمريكى الذى من المفترض أن تشكل الأقلية غالبية سكان البلاد بحلول عام 2050 طبقاً لتحليل تابع لصحيفة “The Hill” الأمريكية مع الإشارة إلى التغيرات التى سيتبعها هذ التحول فيما يخص بعض النتائج السياسية والأمنية والاجتماعية[9]، وتلقى تلك التغيرات الديموغرافية بظلالها على ردود فعل التيارات اليمينية المتشددة، التى تتمتع بتاريخ طويل فى واشنطن، وتروج للمحافظة على العرق الأبيض والرافضة لوجود الأقليات بحيث باتت المظاهر الدافعة لخطاب الكراهية والقوة البيضاء تحدث بشكل متكرر في الولايات المتحدة.
وفى هذا الإطار لفت تقرير صادر العام الماضى عن “مركز قانون الفقر الجنوبي SPLC” بعنوان (عام فى الكراهية والتطرف) أن هناك حوالى 1430 مجموعة متطرفة تروج للكراهية ومعادية للحكومة في الولايات المتحدة في عام 2023، وهو ما يمثل زيادة عن عام2021 والتى قُدر العدد الإجمالى حينها 733مجموعة. أما فيما يخص الحوادث العنصرية، والتي تشمل توزيع المنشورات واللافتات والرسومات والملصقات العنصرية والمعادية للسامية والمعادية لمجتمع الميم وتحديداً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى، سجل المركز زيادة جديدة لعام 2023 بنسبة 12% عن العام السابق له[10]. وفى سياق أخر نوه تقرير سنوى تابع لمكتب الاستخبارات الوطنية لعام 2023 أن “المتطرفين العنيفين العابرين للحدود الوطنية بدوافع عنصرية وإثنية ما زالوا يشكلون التهديد الأكثر خطراً للأشخاص والمصالح الأمريكية، وتهديدًا كبيرًا لعدد من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها من خلال الهجمات والدعاية التي تتبنى العنف”.
فاعلية جهود الإدارة الأمريكية:
أمام تلك المستجدات التى يواجهها البيت الأبيض يظل تساؤل”هل تؤتى جهود الولايات المتحدة ثمارها فى مواجهة العنف؟” فى حاجة إلى تحليل وتمحيص للجهود الأمريكية وتحديداً منذ العقد الماضى، وبتتبع جهود الإدارة الأمريكية للرئيس السابق (جو بايدن) الذى شن هجوماً على نظرية تفوق العرق الأبيض، وأكد فى أكثر من موقع أنه “لا مكان لهيمنة البيض في الولايات المتحدة” مع إصداره “مذكرة لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب والتعصب ضد الأميركيين الآسيويين” بعد توليه منصبه فى عام 2021، بجانب إصدار قرارًا يعزز المساواة في الحكومة الفيدرالية، فضلاً عن توجيه الوكالات الحكومية بدراسة تهديد التطرف العنيف المحلي في الولايات المتحدة.
وفى ضوء ذلك التوجه تجدر الإشارة إلى أن الواقع العملى لمكتب التحقيقات الفيدرالى كما سلف الذكر ركز بشكل أكبر على مواجهة ما عرفوا ب “الجهادين” أكثر من مكافحة التطرف اليمينى وتحديداً بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر الشهيرة، حيث وجهت الإدارة الأمريكية أجندتها السياسية والإعلامية وخصصت موارد هائلة نحو جهود مكافحة الإرهاب وتهديد الجهاديين والتنظيمات المستندة على “السلفية الجهادية”، ولكن مع النمو المتصاعد للجماعات اليمينية المتطرفة واستمرارية الجماعات العنصرية العابرة للحدود فى محاولة استقطاب المواطنيين الأمريكيين فإن واشنطن “تقف عند مفترق طرق حاسم في الحرب ضد العنصرية والتمييز العنصري” حسب تصريح الخبيرة الحقوقية والمقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب فى الأمم المتحدة (أشويني كيه بي) [11]، مما يستدعى اتخاذ الولايات المتحدة مزيد من الجهود اللافتة فى هذا الاتجاه، وهو ما يُعتبر تحدى للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة (دونالد ترامب) المتهم فى بعض الأحيان بلغته العنصرية والمشجعة للتيارات اليمينية المتطرفة التى تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وتعارض قوانين المساواة بين الأعراق.
مما سبق؛ قطعت الولايات المتحدة تاريخ ممتد فى مجابهة العنصرية التى يستمر مظاهرها فى المجتمع الأمريكى حتى الوقت الراهن مع تمدد خطر الجماعات المتطرفة التى تدعو إلى تفوق البيض على المستوى المحلى والعابر للحدود بشكل سريع، ناهيك عن صعود الخطاب اليمينى المتطرف الذى استحوذ على المجتمات الغربية رافعيين شعارات الكراهية والعنف، وبالرغم من المحاولات الأمريكية فى السنوات الأخيرة لمحاربة العنصرين والمتطرفين العنيفين كما هو الحال فى قرار تصنيف “تيرورجرام” جماعة إرهابية إلا أنها خطوة لا تضاهى المجهودات المبذولة ضد تهديدات الجماعات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” وغيرهما، ومن ثم تحتاج إلى مزيد من التحسينات والقرارات التى تدعم مكافحة العنصرية والتمييز العنصرى لاسيما العابر للحدود الوطنية.
المصادر:
[1] “تيرورغرام “حرب البيض”.. ماذا نعرف عن الجماعة التي وضعتها أمريكا على قائمة الإرهاب؟”، موقع BBC NEWS، 15 يناير 2025، متاح على الرابط أدناه:
[3] “أمريكا تصنف جماعة “تيرور غرام” تنظيما إرهابيا.. ماذا تعرف عنها؟”، معربي21 ، 14 يناير 2025، متاح على الرابط أدناه:https://arabi21.com/story/1654353
“؟