المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > رؤى تحليلية > الجمهوريةُ الجديدةُ بين الأزماتِ الدوليةِ وأزمةِ الهُويةِ الوطنيةِ
الجمهوريةُ الجديدةُ بين الأزماتِ الدوليةِ وأزمةِ الهُويةِ الوطنيةِ
- يوليو 27, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: رؤى تحليلية
لا توجد تعليقات
إعداد: حسام عيسى
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
“إن حريةَ الفردِ من حريةِ الدولةِ – فعندما تُستعمرُ الدولُ يفقدُ الفردُ حريتَة – فلا حريةَ للفردِ بدونِ حريةِ الدولةِ” من كلماتِ العالمِ ” كار بوبر” من كتابهِ ” العالمِ المفتوحِ وأعدائهِ”- لذا ألزمَ العالمَ “كار بوبر” الفردَ أن يستميتَ ويدافعُ من أجلِ حريةِ الدولةِ حيثُ لا حريةَ للفردِ بدونِ حريةِ الدولةِ .
تهدفُ هذه الكلماتُ بعرضٍ علميٍ استناداً بالكتبِ العلميةِ لأساتذةٍ من العلماءِ
لتوضيحِ تساؤلٍ رئيسيٍ :
ما مقدارُ تأثيرِ الفردِ في الشعبِ لبناءِ قوةِ الدولةِ الناشئةِ في ظلِ التحدياتِ الإقليميةِ والدوليةِ في وقتِنا المعاصرِ _ أنموذجُ مصرَ؟
من هذا التساؤلِ سوف نطرحُ عدداً من الأسئلةِ الفرعيةِ:
كيف تُوضعُ استراتيجيةُ الأولوياتِ للدولِ الناشئةِ ؟
من هي الدولُ الناشئةُ وكيفيةُ تفاعلِها مع الشعبِ والبيئةِ الدوليةِ والإقليميةِ ؟
من هو المحركُ الرئيسيُ في استراتيجيةِ الأولوياتِ للدولِ الناشئةِ ؟
ما هي التحدياتُ الداخليةُ والإقليميةُ والدوليةُ لمصرَ في وقتنِا المعاصرِ؟
كيف يؤثرُ الفردُ في بناءِ قوةِ الدولةِ المصريةِ في وقتنِا المعاصرِ؟
أولًا: استراتيجيةُ الأولوياتُ للدولِ الناشئةِ
” إن استراتيجاتِ الأولوياتِ في اتخاذِ القرارِ – تقدمُ للدولِ منهجيةَ إتخاذِ القرارِ وفقاً لمبادئَ رئيسيةٍ لاتحيدُ عنها الدولُ وتصاغُ تلك المبادئُ من خلالِ البيئةِ الإقليميةِ والدوليةِ والقدرةِ الذاتيةِ للدولةِ تلك العناصرُ التي تحددُ طرقُ وآلياتُ الالتزامِ بالمبادئِ الاستراتيجيةِ للدولةِ ” من كتابِ ” الاستراتيجيةُ ومحترفو الامنِ القوميِ للعالمِ ” للعالم “هاري.أر يارجر” .
تلخيصاً لفكرِ العالمِ “إسماعيل صبري مقلد” – أن هناكَ ثوابتَ لدىَ الدولِ في اتخاذِ القرارِ على أن تكونَ أولُ المهامِ هي: بقاءُ الدولةِ ثم استمرارُها ثم السعيُ لتنميتِها وأخيرا تحققُ الرفاهيةَ لشعبهِا في تحقيقِ احلامهِ وطموحاتِه، حيث تكونُ تلكَ الاستراتيجيةُ وفقاً للقدرةِ الذاتيةِ من قوةٍ بشريةِ وماديةِ بالإضافةِ الى المحيطِ الإقليميِ والدوليِ في تحديدِ الأهدافِ التي سوف يتمُ التركيزُ عليها لتحقيقِ مصالحِها – ولكن البيئةَ الإقليميةَ و الدوليةَ هي أكثرُ المحدداتِ تأثيراً في تحديدِ أهدافِ الدولةِ الناشئةِ _ وهذا ما أكد عليها العالم “إسماعيل صبري مقلد” في كتابة “نظرية العلاقات في السياسة الخارجية” _ أن البيئةَ المحيطةَ هي المحددةُ للنظامِ السياسيِ للدولِ وطرقِ تعاملِها في البيئةِ الدوليةِ وفي علاقاتِها الخارجيةِ.
ويأتي كتابُ ” نظريةُ السياسةِ الخارجية ” للعلماءِ ” جلين بالمر” و “كليفتون مورجان” يضعُ المؤثراتِ الرئيسيةَ في صنعِ القرارِ والتي تأتي بدوافعَ اقتصاديةٍ ومدى قوةِ تلك الدوافعِ على متخذِ القرارِ في تحديدِ اولوياتةِ للدولةِ وطريقةِ تفاعلهِ في البيئةِ الدوليةِ، وخاصةً الضغوطَ الاقتصاديةَ التي تفرضُها الدولُ الكبرى على الدولِ الناشئةِ من أجلِ بسطِ نفوذِها لتحقيقِ مصالحِها، مما يؤثرُ على استقرارِ الدولِ الناشئةِ، مما يدفعُ الدولَ الناشئةَ للتبعيةِ للدولِ الكبرىَ من أجلِ الحفاظ ِعلى بقائِها.
وقد قدمَ الباحثُ السياسيُ ” ريتشارد نيد ليبو” في كتابة “لماذا تحارب الأمم” – أن المحركَ الرئيسيَ للدولِ في استراتيجيِتهم هي دوافعُ اقتصاديةٌ وليستْ عقائديةً أو فكريةً أو ثقافيةً أو أخلاقيةً .
لقد قدمَ العالمُ “ألن.ج استوابرج” كتابًا تمَ تحت اشرافِ معهدِ الدراساتِ البحريةِ الامريكيةِ ” كيف تصوغُ الدولُ القوميةُ استراتيجيةَ الأمن القوميِ” – وفيه يوضحُ ان الضغوطَ الاقتصاديةَ هي أكثرُ العواملِ تأثيراً في قيادةِ الدولِ والسيطرةِ عليها، وأن الحروبَ تخلقُ من أجلِ فرضِ القوةِ الاقتصاديةِ للدولِ الأقوى؛ لذا فإن الحروبَ وسيلةٌ للوصولِ للضغوطِ الاقتصاديةِ؛ من أجلِ السيطرةِ على الدولِ لنهبِ ثرواتِهم، ولسلبِ إرادتِهم السياسيةِ، وتكونُ تلك الدولُ أداةً لتحقيقِ مصالحِ الدولِ الكبرى .
يُظهرُ العالمُ “ريتشارد اسنايدر” في كتابه ” نموذجُ اتخاذِ القرار” أن من العواملِ المؤثرةِ في صنعِ القرارِ في الدولِ هي البيئةُ الداخليةُ وصانعُ القرارِ والبيئةُ الخارجيةُ، وإن أكثرَ التأثيراتِ على صانعِ القرارِ هي البيئةُ الخارجيةُ، وذلك لأننَا نستطيعُ ان نغيرَ البيئةَ الداخليةَ وصانعَ القرارِ ولكن لا نستطيعُ ان نغيرَ البيئةَ الخارجيةَ، حيثُ إن تأثيراتِها الأكثرُ قوةً على النظامِ السياسي دا .
لقد أوضحَ العالمُ ” جوزيف فرانكل” في كتابة ” العلاقاتُ الدوليةُ” _ أن أكبرَ مؤثرٍ على الدولِ في صياغةِ سياستهِم الداخليةِ هي المؤثراتُ الاقتصاديةُ التي تفرضُها البيئةُ الدوليةُ ومن هنا فمن يتحكمُ في صياغةِ سياسةِ الدولِ هي البيئةُ الدوليةُ بقوتِها الاقتصاديةِ بالإضافةِ الى قوتِها العسكريةِ .
تلخيصاً لما سبقَ:
إن اولَ أولوياتِ الدولِ هي البقاءُ ثم الاستمرارُ ثم التنميةُ ثم الرفاهيةُ .
إن الدافعَ الرئيسيَ للدولِ للحروبِ هو الدافعُ الاقتصاديُ وليس العقائديُ.
إن المحركَ الرئيسيَ للدولِ هو الاقتصادُ.
إن البيئةَ الدوليةَ والإقليميةَ هي المحددُ الرئيسيُ للسياسةِ للدولِ الناشئةِ .
ثانيًا: الدولُ الناشئةُ وكيفيةُ تفاعلِها مع الشعبِ والبيئةِ الدوليةِ
لقد أوضحَ العالمُ “كينث والتز” بنيةَ النسقِ الدوليِ في كتابه “نظريةُ السياسةِ الدولية” بتفسيمِ الدولِ الى ثلاثةِ مستوياتٍ – المستوىَ الأولُ: دولٌ عالميةُ الاتجاهِ تستطيعُ ان تؤثرَ في البيئةِ الدوليةِ مثلُ – الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصين الشعبية ورورسيا الاتحادية . المستوى الثاني: دولٌ عالميةٌ ولا تستطيعُ ان تؤثرَ في البيئةِ الدوليةِ مثلُ – الاتحادِ الأوروبيِ اليابان الهندِ وبريطانيا . المستوى الثالثُ: دولُ ساحةٍ استراتيجيةٍ للدولِ العالميةِ الاتجاهِ مثلُ مصرَ ودولِ الخليج والدولِ الأفريقيةِ وأمريكا اللاتينية، و أن الدولَ عالميةَ الاتجاهِ مثلُ أمريكا هي القادرةُ على التأثيرِ في البيئةِ الدوليةِ فلها سياسةٌ قادرةٌ أن تفرضَها على النسقِ الدوليِ – ويوجدُ دولٌ عالميةٌ ولكنها دولٌ تابعةٌ مثلُ الاتحادِ الأوروبيِ واليابان أو على الأقلِ تسيرُ وفقاً للقوةِ المهيمنةِ مثلُ الهندِ وأن الدولَ الناشئةَ مثلُ مصرَ ودولِ الخليجِ العربيِ ودولِ أفريقيا وأمريكا اللاتينية هي دولٌ غيرُ قادرةٍ على فرضِ سياسةٍ على الدولِ العظمي ولكنها تتكيفُ مع سياساتِ البيئةِ الدوليةِ وسياسةِ الدولةِ المهيمنةِ أو الدولِ القادرةِ على التأثيرِ في العالمِ مثلُ أمريكا والصينُ وروسيا ؛ لذا على الدولِ الناشئةِ مثلُ مصرَ مراعاةُ توجهاتِ الدولِ العظمى مثلُ أمريكا والصين وروسيا وتتكيفُ مع سياستِهم من أجلِ البقاءِ و الاستمرارِ.
لقد اقرَّ أصحابُ النظريةِ الواقعيةِ – “هانز مورجنثاو” في كتابه ” السياسةُ بين الأممِ” و العالمُ “جون ميرشايمر” في كتابه ” مأساةُ سياسةِ الدولةِ العظمى” أن الدولَ العظمى مثلُ أمريكا و الصين و روسيا قادرونَ ان يضعوا سياسةً تنمُ عن قوتِهم الفعليةِ الاقتصاديةِ والعسكريةِ و ان يفرضوا تلكَ السياسةَ على البيئةِ الدوليةِ .
وبناءً على النظريةِ الواقعيةِ فإن مصرَ ما بين التحدياتِ التي تفرضُها سياساتُ الدولِ العظمى التي تسعىَ الى القوةِ والسيطرةِ ونهبِ الثرواتِ- وما بين احتياجاتِ الفردِ البسيطِ من أجلِ العيشِ حياةٍ كريمةٍ _ ولكن طبقاً لاستراتيجيةِ الأولوياتِ للعالمِ _ “جلبين بالمر” في كتابه ” الاسترتيجيةُ ومحترفو الأمنِ القوميِ” _ أن مصرَ لا خيارَ لها في ان تسعىَ أولا من أجلِ البقاءِ و الإستمرارِ لتقويةِ جيشِها على حسابِ التنميةِ وتلبيةِ احتياجاتِ الفردِ، تلك تُسمىَ بأزمةِ التنميةِ.
تلخيصاً لما سبقَ:
إن الدولَ الناشئةَ ومنها مصرُ تتعاملُ مع سياستِها الداخليةِ وفقاً للضغوطِ الخارجيةِ.
إن الدولَ العظمىَ مثلُ أمريكا والصينِ وروسيا هي صاحبةُ التأثيرِ في الدولِ الناشئةِ من أجلِ تحقيقِ مصالحهِا.
إن العالمَ قائمٌ على الصراعِ ما بين الدولِ وأساسُ الصراعِ هو القوةُ.
من يحددُ أولوياتِ الدولِ الناشئةِ هي الدولُ العظمى عن طريقِ الضغوطِ التي تفرضهُا.
ثالثًا: المحركُ الرئيسيُ في استراتيجيةِ الأولوياتِ للدولِ الناشئةِ
لقد أكدتْ النظريةُ الواقعيةُ لرائدِها العالمِ “هانز مورجنثاو” في كتابه “السياسةُ بين الأممِ” – أن الدولَ كائنٌ حيٌ وأن الدولَ تمتدُ أولاً لدولِ الجوارِ وفي دولِ الجوارِ تكمنُ قوةُ الدولِ أو تكونُ مدخلاً لفنائهِا – فتؤكدُ النظريةُ الواقعيةُ أن العالمَ ليس له أخلاقياتٌ وأن الحكمَ للأقوى ولا يوجدُ أخلاقياتٌ في العلاقاتِ الدوليةِ في عالمٍ فوضويٍ يحكمُ بقانونِ القوةِ _ أن العالمَ يفرضُ البقاءَ للأقوى _ من أجلِ ذلكَ إن السعيَ للقوةِ هي وسيلةٌ وغايةٌ لكلِ دولِ العالمِ .
تقرُ النظريةُ الواقعيةُ في كتابِ “جون ميرشايمر” “مأساةُ سياسةِ الدولِ العظمى” _ أن الدولَ العظمىَ هي القادرةُ على إحداثِ التغيراتِ في النسقِ العالميِ _ تلك الدولُ التي لديها قوةٌ عسكريةٌ واقتصاديةٌ وتكنولوجيةٌ وذاتُ مساحةٍ من الأرضِ وقوةٍ بشريةٍ _ ومكانتِها في مقدمةِ النسقِ العالميِ _ وتتمثلُ تلك الدولُ الآنَ في الولاياتِ المتحدةِ والصينِ الشعبيةِ وروسيا الاتحاديةِ _ تلك الدولُ هي القادرةُ على أن تفرضَ سياستهَا الساعيةَ الي القوةِ بالإضافةِ الى القضاءِ على أيِ قوةٍ منافسةٍ أو تسعىَ الى ان تنافسَها بالإضافةِ الى سعيهِا الى السيطرةِ على الدولِ الناشئةِ من أجلِ مصالحهِا العالميةِ.
لقد أظهرَ العالمُ “راتزال” في كتابه ” أسسُ الجغرافيا السياسية” – أن قوةَ الدولةِ لها خصالٌ سبعةٌ – أولها هي القوةُ الثقافيةُ _ أن قوةَ الدولةِ تبدأُ بثقافةِ الفردِ ووعيهِ وإدراكهِ للدولةِ وللتحدياتِ الدوليةِ _ وأن قوةَ الدولةِ هي واهبةٌ لقوةِ الفردِ؛ لذا تبدأُ قوةُ الدولةِ بالفردِ وتنتهي بتجانسِ الفردِ مع المجتمعِ من أجلِ الدولةِ وقوتِها.
يؤكدُ العالمُ “إسماعيل صبري مقلد” في كتابهِ “نظرياتُ السياسةِ الخارجية” أن محركَ الدولِ الناشئةِ هو التحدياتُ التي تفرضُها الدولُ عالميةُ الاتجاهِ القادرةُ على أن تغيرَ النسقَ العالمَي مثلُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والصينِ الشعبيةِ وروسيا الاتحاديةِ، وأن ما ينشأُ في المحيطِ الإقليميِ من صراعاتٍ وما يصدرهُ من صراعاتٍ دوليةٍ هي المؤثرُ الرئيسيُ في سياساتِ الدولِ الناشئةِ، وأن النظامَ السياسيَ في الدولِ الناشئةِ يضعُ اولوياِته الأولى وفقاً لما تصدرهُ القوةُ الدوليةُ أولا ثم يضعُ الصراعاتِ الإقليميةَ التي في الغالبِ تكونُ وراءهَا الصراعاتُ الدوليةُ وأخيراً يضعُ متطلباتِ الشعبِ .
أوضحَ العالمُ “الكسندر دوجن” في كتابة ” أسس الجيوبولتيك” _ وفية يوضح أهميةَ دولِ الجوارِ في أنهم مصدرٌ رئيسيٌ للمحركاتِ الاستراتيجيةِ للدولِ وأن أساسَ قوةِ الدولةِ في مدى امتدادِها الثقافيِ والتعاونِ والمشاركةِ بين الدولِ – لقد قدمتْ دولُ الجوارِ قوةً دافعةً للاقتصادِ المصريِ حتى 1991م، حين كان تعدادُ مصرَ، حوالي 58 مليونَ نسمةٍ وكان عددُ العاملينَ في العراقِ وليبيا واليمن فقط، حوالي أربعةِ مليونَ نسمة تمثلُ حواليَ 9% من سكانِ مصرَ يمثلوا دخلاً بالعملةِ الدولاريةِ، حوالي 20 مليارَ دولار سنويا دخلُ العاملينَ من الخارجِِ – (هذه النسبةُ خارجٍ منها العاملون في دولِ الخليجِ وباقيِ دولِ العالمِ) – لذا كان دورُ دولِ الجوارِ العربيِ له دوافعُ إيجابيةٌ على الاقتصادِ المصريِ، بينما نجدُ الآنَ هذه النسبةَ قد تلاشتْ بل بالعكسِ اصبحتْ دولُ الجوارِ تمثلُ عبئاً أمنياً على الدولةِ ويكلفهُا زيادةً ماليةً من أجلِ حمايةِ الأمنِ القوميِ المصريِ من دولِ الجوارِ ليبيا والسودان وإسرائيل والدولِ الطامعةِ في ثرواتِ مصرَ في البحرِ المتوسطِ والممرِ التجاريِ في قناةِ السويس – البحرِ الأحمرِ، مما أثرَ سلباً على الاقتصادِ المصريِ والتنميةِ وتغيراً في تحديدِ أولوياتِها الداخليةِ وفي طريقِ ومنهجِ علاقاتِها الدوليةِ – حيث أنخفضتْ أيضا نسبةُ العاملينَ بالخارجِ و نسبةُ العائدِ الدولاريِ؛ مما أدىَ الى تزايدِ الأعباءِ الماديةِ على استراتيجيةِ أولوياتِ الدولةِ في اتخاذِ القرارِ.
تلخيصاً لما سبقَ:
إن الدولَ العظمىَ من المحدداتِ الأكثرِ تأثيراً على استراتيجيةِ الأولوياتِ لمصرَ.
إن دولَ الجوارِ وحالةَ التعاونِ والامتدادِ الثقافِي لها تأثيرٌ على استراتيجيةِ أولوياتِ مصرَ.
إن حالَ دولِ الجوارِ من استقرارٍ أو صراعاتٍ لها تأثيرٌ على استراتيجيةِ أولوياتِ مصرَ.
رابعًا: التحدياتُ الداخليةُ والإقليميةُ والدوليةُ لمصرَ في وقتنِا المعاصرِ
تمرُ مصرُ في وقتِنا المعاصرِ بعددٍ غيرِ مسبوقٍ من التحدياتِ _ أكثرُ هذه التحدياتِ فُرضتْ على الدولةِ المصريةِ من الدولِ العظمي، فمنذُ استقلالِ مصرَ عام 1952، وخروجِ المحتلِ الإنجليزيِ من مصرَ، فرضتْ الولاياتُ المتحدةُ على مصرَ حصاراً اقتصادياً استمرَ أكثرَ من عقدينِ من الزمنِ.
بنظرةٍ عابرةٍ عبرَ التاريخِ _ فقد احُتلتْ مصرُ من قبلِ الهكسوس عام 1730 قبلَ الميلادِ واستمرَ حواليَ قرنٍ ونصفٍ ثم احتلالُ مصرَ من قبلِ الأشوريين ومن بعدِهم اليونان ثم الرومانِ ومن بعدهم المماليك ثم احَتلتْ الدولةُ العثمانيةُ مصرَ وثم احَتلتْ بريطانيا مصرَ عامَ 1882م، وحتى عام 1952م، ثم حررَ الضباطُ الأحرارُ مصرَ _ أي مصرُ قضتْ حواليَ ثلاثةِ الاف عام تحتَ الاحتلالِ _ ولقد سجلَ العالمُ المصريُ جمال حمدان في كتاباتهِ خاصةً في كتابهِ “شخصيةُ مصرَ دراسةٌ في عبقريةِ المكانِ” في اجزائهِ الأربعةِ – حالةَ مصرَ من فقرٍ وأميةٍ وتردٍ في الحالةِ الصحيةِ والمعيشيةِ وتخلفٍ فكري لأكثرَ من 98% من الشعبِ المصريِ، كما أكدَ “حمدان” أن المكانَ الجغرافيَ المتميزَ لمصرَ عبرَ العصورِ هو السببُ وراءَ سعيِ الدولِ الكبرى الى احتلالِ مصرَ.
فقد عانتْ مصرُ كثيرا لكي تستطيعَ بناءَ دولتهِا في وقتِ الحربِ الباردةِ ما بين الاتحادِ السوفيتيِ والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ _ فقد فرضتْ على مصرَ الاشتراكيةُ ثم الرأسماليةُ من قبلِ تبعيةِ مصرَ الى المعسكرِ الشرقيِ بقيادةِ الاتحادِ السوفيتيِ ثم المعسكرِ الغربيِ بقيادةِ أمريكا _ حيث تم استغلالُ مصرَ لموقعِها الجغرافِي _ من خلالِ هذه النظرةِ نجدُ أن بناءَ الدولةِ المصريةِ كمؤسساتٍ وكدولةٍ لها سيادةٌ بدأَ من 72 عاماً، خاضتْ مصرَ فيهم ثلاثةَ حروبٍ وفُرضَ عليها حصارٌ اقتصاديٌ من قبلِ الغرب ِحوالي عشرين عاما، مما أديَ الى توجيهِ كلِ إمكانيةِ البلادِ المتاحةِ من أجلِ الحروبِ وحتى عامِ 1973م، _ يتضحُ من ذلك _ أن محاولةَ مصرَ بناءُ دولتِها بدأتْ في سعيِها البناءِ منذ الثمانينياتِ، ولكن سيطرتْ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ والتي فرضتْ هيمنتَها على العالمِ بعد تفككِ الاتحادِ السوفيتِي _ وأبقتْ مصرَ بدونِ تنميةٍ حقيقيةٍ منذ التسعينياتِ _ ويوضحُ كثيرٌ من العلماءِ ومن بينهم “سعد طة علام” في كتابهِ “التنميةُ والمجتمعُ” _ عدمَ قدرةِ مصرَ من قياداتِ وشعبٍ ومجتمعٍ على إحداثِ تنميةٍ حقيقيةٍ في مصرَ _ وذلك ما فرضتهُ الاستراتيجيةُ الأمريكيةُ على الإقليمِ العربيِ وعلى مصرَ بشكلٍ خاصٓ _ وذلك ما وضحهُ مستشارُ الامنِ القوميِ الأمريكيِ “بريجينسكي” في كتابهِ “رؤية استراتيجية أمريكية وأزمة السيطرة على العالم” _ وذلك من خلالِ الحصارِ الاقتصاديِ والتكنولوجيِ على الإقليمِ العربيِ وخاصةً مصرَ مع مساعدةِ إسرائيلَ بالتفوقِ العسكريِ والتكنولوجيِ عن باقيِ الإقليمِ – وهذا ما أعلنهُ الرئيسُ عبد الفتاح السيسي في خطابهِ “بالأممِ المتحدةِ في دورتهِا 72 في عام 2017م”، _ أن التنميةَ حقٌ للشعوبِ وأن نقلَ التكنولوجيا مسؤليةُ الدولِ الكبرى بإمدادِها لشعوبِ الدولِ الناشئةِ _ وأن عدمَ اتاحةِ التنميةِ للدولِ الناشئةِ سوف يؤديِ الى تزايدِ الإرهابِ في العالمِ وتزايدِ فقرِ الدولِ وتزايدِ الفوارقِ الاقتصاديةِ بين الشمالِ والجنوبِ لمصلحةِ الشمالِ .
لقد وضعتْ التحدياتُ الأقليميةُ مصرَ في مشكلةِ أزمةِ التنميةِ وذلك عن طريقِ خلقِ نقطةِ صراعٍ دائمةٓ في الجوارِ المصريِ هي “إسرائيلُ” _ والآن الصراعُ في ليبيا والسودان وفي البحرِ المتوسطِ والاحمرِ؛ لذا سعتٰ مصرُ دائماً والأن وفي وقتنِا المعاصرِ بتوجيهِ مواردِها الى بناءِ جيشٍ قويٍ يستطيعُ ان يقفَ أمامَ إسرائيلَ التي تدعمُها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ بالأسلحةِ المتطورةِ والتكنولوجيا الحديثةِ والوقوفِ أمامَ جميعِ الصراعاتِ على جميعِ الحدودِ المصريةِ _ مما أدىَ الى توجيهِ كل مواردِ الدولةِ الى بناءِ جيشٍ قويٍ على حسابِ التنميةِ في الدولةِ بشكلٍ عامٍ وفي جميعِ النواحيِ، رغم ذلكَ استطاعتْ مصرُ في العقدِ الأخيرِ إحداثَ تنميةٍ خاصةٍ بالتمكنِ الجغرافيِ لمصرَ وإعلاءَ أهميةِ مصرَ الجيوسياسيةَ في الإقليمِ العربيِ، واستطاعتْ أن تكونَ إحدى الممراتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ في عصرِ الممراتِ العالميةِ.
كما فرضتْ على مصرَ ضغوطاً أخرى من خلالِ العولمةِ ومدىَ تأثيراتِها على اقتصادياتِ الدولِ الناشئةِ المحرومةِ من التكنولوجيا المتطورةِ والتصنيعِ، وعدمِ قدرتهِا التنافسيةِ مع الدولِ المتقدمةِ تكنولوجيا، ولقد أوضحَ العالم ُ.”جاك فونتانال” الحائزُ على جائزةِ نوبل في الاقتصادِ في كتابهِ ” العولمةُ والأمنُ القوميُ الدولي مدخل الجيواقتصادي” – وفيه يوضحُ كيف استطاعتْ الاستراتيجيةُ الامريكيةُ اختراقَ الدولِ الناشئةِ والسيطرةَ على اقتصادياتهِا من خلالِ فتحِ أسواقِها بالسلعِ المتطورةِ وبالتكنولوجيا الحديثةِ، بالإضافةِ الى منعِ تلك التكنولوجيا عن تلكَ الدولِ الناشئةِ مما يخلقُ عدمَ القدرةِ على المنافسةِ فتسيطرُ الاقتصادياتُ العالميةُ الأمريكيةُ على الدولِ الناشئةِ أكثرَ فأكثرَ،من أجلِ سلبِ الدولِ الناشئةِ اراداتهِم السياسيةِ لتعملَ على تحقيقِ مصالحِ الدولِ الكبرى.
لقد شرحَ الدكتور “مصطفى السعيد” في كتابة “الاقتصاد المصري وتحديات الأوضاع الراهنة” حيثُ أجابَ على تساؤلاتٍ عديدةٍ في تراجعِ الاقتصادِ المصريِ وذكرَ ذلك في الفصلِ الأولِ ” واقع الاقتصاد المصري” _ كتب هذا الكتاب في منتصفِ عامِ 2002م، والذي أقرَ الواقعَ المصريَ البعيدَ عن اساسياتِ البناءِ الاقتصاديِ وأرتكز على أمرين أولا- الوضع الاقتصادي المفروض على مصر من قبل المهيمن الأمريكي، والذي فرض هذه الطبيعة على مصر أن لا تقوم في مصر تنمية اقتصادية لتكبر وتنمو ولكنها تبقى فقط دون انماء حقيقي _ والأمر الثاني – عدم وجود قيادات قادرة على ان تطور الواقع وتعظم ذاتية الدولة، مما أدى الى أن تكون مصر بلا اقتصاد قادر على البناء أو مواجهة الأزمات الدولية؛ حتى أصبحت مصر تابعة اقتصاديا للبيئة الاقتصادية الدولية، وخاصة لأمريكا.
بالأضافة الى الاستراتيجية الأمريكية على الاقتصاد العالمي في اتفاقية “بريتون وودز” وذلك عام 1944م، قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفيها أن تكون القوة العسكرية الأمريكية هي الضامن للدولار الأمريكي وإلغاء نظام العملة مقابل الذهب – كان ذلك فرض من السياسة الأمريكية على الدول الأوروبية من أجل إعادة اعمار أوروبا بعد انهيار اقتصادها من الحرب – وكان المقابل “مشروع مارشال” – وهو اعمار أوروبا بداية من 1945م، ولمدة عشرون عام تم انفاق حوالي 200 مليار دولار لأعمار الدول الأوروبية وشراء اسهم سيادية في المشاريع التي أقيمت في أوروبا – مما أدي الى تباعية الدول الأوروبية اقتصاديا وأنضمام الدول الأوروبية الى حلف الناتو فأصبحوا تابعين عسكريا وسياسيا الى الولايات المتحدة الأمريكية _ ومن تلك الأتفاقية وبالأضافة الى ربط البترول بالدولار بأتفاقية ما بين أمريكا والسعودية مقابل الأمن الأمريكي أصبحت الورقة الأمريكية “الدولار” هي عملة التواصل الاقتصادي العالمي؛ مما أدي الى سيطرة مالية أمريكية على العالم عن طريق – إذا أرادت ان تحدث أزمة مالية في الدول الناشئة ترفع فائدة الدولار؛ من أجل خفض قيمة العملات المحلية للدول الناشئة، مما يؤدي الى زيادة الأعباء المالية على تلك الدول- سواء في سداد الديون أوفوائدها لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي التابعين أيضا الى الولايات المتحدة الأمريكية _ وهذا ما فعلتة السياسة الأمريكية في رفع الفائدة على الدولار من صفر الى أكثر من 5% ، مما أثر في أقتصاد جميع الدول ومصر بشكل خاص، في أحداث أزمة تنمية وأزمة اقتصادية وتضخم في مصر.
أما من خلال نظرة الى الصراع الدولي _ و من وجهة تحليلة للنظرية الواقعية لرائدها “جون ميرشايمر” والذي أقر في كتابة ” مأساة سياسة الدول العظمى” – أن الدول العظمى (عالمية الاتجاه القادرة على إحداث تغير في النسق العالمي) _ تسعى دائما الى الحصول على القوة وان القوة هي وسيلة وغاية، وأن مفهوم الأساس في العلاقات الدولية هي القوة؛ لذا تسعى السياسة الأمريكية الى السيطرة على الدول وفرض نفوذها من أجل مصالحها الاقتصادية والسياسية وتسعى الى القضاء على أي منافس يهدد قوتها العالمية_ بينما تسعى كل من الصين وروسيا الى فرض نفوذهما على الدول من أجل مصالحهم ولكنها ترفض القضاء على منافسيهم لان استراتيجيتهم الخارجية نسق متعدد الأقطاب قائم على المنافسة بين اقطابها، في تلك المرحلة، إن الصراع ما بين الدول الكبرى في الصراع الروسي _ الأوكراني ومن ورائها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ذلك الصراع الذى أثر على زيادة أعباء تكلفة الإنتاج سواء في العلف والإنتاج الحيواني والمواد البترولية، حيث تمثل روسا وأوكرانيا أكبر دول مصدرة للعلف في العالم، وروسيا أكبر مصدر للبترول والغاز للدول الأوروبية؛ ذلك الصراع أثر بالسلب على التنمية في مصر بشكل قاسي، وذلك لتتابع الأزمات الدولية من خلال فيروس “الكورونا” ثم الصراع الدولي ما بين الولايات المتحدة وروسيا على الأراضي الأوكرانية .
بينما تري الواقعية الدفاعية لرائدها “كينث والتز” في كتابة “نظرية السياسة الدولية” وفيها يوضح فكرة النظرية البنيوية – أن للنسق العالمي لة بنية تحددها قوة الدولة وتفرضها في ترتيب بناء النسق الدولي، وأن الدول الكبرى لها استراتيجية في علاقاتها الدولية تستطيع أن تفرضها على البيئة الدولية، بينما الدول الناشئة فهي ساحة استراتيجية تتلقى استراتيجيات الدول الكبرى؛ لذا فأن سياسات الدول الناشئة تتفاعل مع البيئة الدولية بمنهجية التكيف والموائمة، وذلك لعدم قدرتها في فرض سياستها على البيئة الدولية.
لقد أوضح العالم “يازا جنكياني” في كتابة ” صراع القوة الدولية في ضوء النظام العالمي الجديد” والذي احدث تغير في تحليل العلاقات الدولية، الخاصة بالشرق الأوسط والقوة النووية لإسرائيل وصراع ايران على القوة النووية، وسعي تلك الدول الى القوة النووية وهي ممنوعة عن باقي دول الإقليم مما دفع دول المنطقة الى سعيها الدائم لمحاولة زيادة قوتها العسكرية كي تستطيع ان تقف امام القوة المتواجدة بالاقليم؛ مما أدى الى تزايد التوجة الى القوة العسكرية على حساب التنمية في دول المنطقة، وهذا ما اتبعتة الإدارة المصرية.
بالأضافة الى ما فرضة الموقع الجغرافي على الشرق الأوسط من تنافس القوى العظمى خاصة في عصر الحرب الباردة والممتد حتى الأن _ وذلك ما شرحة الدكتور “يحي الكعكي” في كتابة ” الشرق الأوسط والصراع الدولي” – ذلك التنافس على السيطرة على الموقع بين القطبين الذي أوقع دول المنطقة في التبعية والانحياز الى الدول الكبرى وفقدان دول الإقليم من قوتها الذاتية في القدرة على الإنماء والتنمية والاتجاه الى التبعية، و ذلك كان لة التأثير الكبير بعدم استطاعة مصر في انماء حقيقي للمؤسسات أو في الإنماء الاقتصادي أو التجاري .
كما أظهر الدكتور “كريم مطر” في كتابة “الصراع الدولي في البحر الأحمر”_ الذي أشار الى تزايد أهمية هذا المعبر المائي في وقتنا المعاصر وتنافس القوى الدولية على ذلك الممر الذي يُعد من أهم الممرات أهمية اقتصادية وسياسية؛ مما أدى الى سعي الدول الكبرى للتوغل في الدول المطلة على البحر الأحمر؛ من أجل عدم حدوث انماء وتنمية لتكون تابعة ومنفذة لمصالح الدول الكبرى، مما زاد الضغوط على مصر في تزايد توجية الموارد لبناء جيش قوي لحماية مقدرات الدولة المصرية.
لقد وضحة “الفريد ماهان” الاستراتيجية الأمريكية في سياستها الخارجية في كتابة “تأثير القوة البحرية على التاريخ” _ والتي اقر فيها بأهمية الممرات المائية وقال “مفتاح القارة الشمالية ( القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية)_ قناة السويس وقناة بنما” _ لقد وضعت السياسة الخارجية الأمريكية أهمية قصوى لقناة السويس حيث يُعد ممر مائي ذات أهمية استراتيجية اقتصادية وسياسية؛ لذا تسعى دائما الى إستمالة مصر إليها، وفرض الضغوط الاقتصادية والسياسية على مصر وليس مساعدتها في الأنماء والتنمية.
كما وضع “نيكولاس سبيكمان” نظرية الإطار_ التي وضحت كيفية أحتواء أمريكا للاتحاد السوفيتي _ كما وضح استراتيجية وطريقة المواجه مع الخصم مع أهمية الإقليم العربي وخاصة مصر نقطة أرتكاز الإقليم العربي _ كان ذلك في كتابة “استراتيجية أمريكا في السياسة العالمية” _ مما أدى الى تغير الاستراتيجية الأمريكية باستقطاب مصر من الاتحاد السوفيتي بعد حرب أكتوبر 1973م.
إن سيطرة مصر على ممر قناة السويس كمعبر للنفط العربي زاد من أهمية مصر عالميا، خاصة لأمريكا الساعية للسيطرة على الطاقة والسيطرة على تجارتها من أجل بقائها دولة عظمي، بالأضافة الى ظهور الغاز في شرق المتوسط حيث تمتلك مصر الغاز في المياة الإقليمية وعلى الحدود مع ليبيا وفلسطين؛ مما أدى الى تزايد أهمية مصر الجيواقتصادي والجيوسياسي _ وقد كتبت “خديجة محجوب” في رسالة ماجستير ” النفط العربي كمحدد للسياسة الأمريكية في منطقة قناة السويس” _ بالأضافة الى الورقة البحثية للدكتور “عامر عيد” بعنوان “البترول والغاز وتزايد الصراع الدولي” _ وأضاف الباحث “حارث العزاوي” في ورقة بحثية “التنافس الدولي على النفط والغاز وأثرة في العلاقات الدولية” _ كما أضافت الدكتورة “أسماء الخولي” باحثة في الاقتصاد السياسي بورقة بحثية بعنوان “التغيرات الراهنة في موازين سوق النفط العالمية وأثرها على المنطقة العربية” _ كل هذه الدراسات تؤكد مدى أهمية أمتلاك مصر للغاز وحرص السياسة الأمريكية الى استقطاب مصر الى العالم الأمريكي، وتزايد الأهمية الاستراتيجية لمصر كموقع وقوة اقتصادية كامنة بالإضافة الى عمق مصر في سياستها بالمنطقة العربية، مما أدى الى فرض القوى الدولية الضغوط لأستقطاب مصر سلبا وليس إيجابيا، في وضعها تحت ضغوط الصراع سواء خارجي أو صراع من أجل التنمية في البلاد.
أن أهمية الإقليم العربي في السياسة الأمريكية أدى الى سعي السياسة الامريكية في التوغل في الشئون الدول في الأقليم العربي عن طريق نشر الديمقراطية الأمريكية؛ من أجل القدرة على السيطرة على النظم السياسية في الإقليم العربي، وكان دعم الولايات المتحدة للثورات العربية في عام 2011م، كان الهدف منها أن تدين النظم السياسية بالديمقراطية الأمريكية، هذا ما أوضحة الباحث “أحمد سليم” في رسالة الماجستير بعنوان “دور السياسة الأمريكية في التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية”_ والضغط على الأدارة المصرية عن طريق منع المساعدات الاقتصادية لمصر، وذلك بفرض الديمقراطية الأمريكية على مصر، الهدف منها خلق نظام سياسي بطريقة غير مقبولة للعادات والتقاليد المصرية، وهذا ما أكد علية العالم “نصر محمد عارف” في كتابة “نظرية التنمية السياسية المعاصرة” _ وفيها أكد “نصر عارف” بصعوبة نظام حكم من بيئة الى بيئة أخرى وذلك لأختلاف العادات والتقاليد بين المجتمعات .
كما كان للصراعِ الأمريكيِ _ الروسيِ على الأرضِ الأوكرانيةِ الأثرُ البالغُ على الشرقِ الأوسطِ وخاصةً مصرَ، وكيفيةِ أستغلالِ السياسةِ الأمريكيةِ ذلكَ الصراعَ في بسطِ نفوذِها في الشرقِ الأوسطِ سياسياً وخاصةً بعدَ التواجدِ الصينيِ الاقتصاديِ في الشرقِ الأوسطِ، وتعميقِ التواجدِ العسكريِ لبسطِ النفوذِ السياسيِ وأحتواءِ الدولِ المنتجةِ للبترولِ وزيادةِ القبضةِ الأمريكيةِ على الإقليمِ العربيِ والممراتِ بالشرقِ الأوسطِ للسيطرةِ على المنطقةِ_ هذا ما ذكرتهُ الدكتورة “إيمان زهران” المتخصصةُ في العلاقاتِ الدوليةِ والشرقِ أوسطيةٍ في ورقةٍ بحثيةٍ بعنوانِ “تحولاتُ السياسةِ الأمريكيةِ تجاهَ الشرقِ الأوسطِ” _ أن التواجدَ الأمنيَ والعسكريَ الأمريكيَ في الشرقِ الأوسطِ يعطي مميزاتٍ عسكريةً لإسرائيلَ، وخاصةً بعد حربِ الإبادة التي تقومُ بها إسرائيلُ للشعبِ الفلسطينيِ في غزة_ مما يزيدُ الضغوطَ الأمنيةَ على مصرَ، والمتعلقةَ بحدودِها الشماليةِ الشرقيةِ، كما أن رغبةَ الإدارةِ الأمريكيةِ أن تكونَ قناةُ السويس ضمنَ نفوذِها وهذا ما ترفضهُ الإدارةُ المصريةُ، كل ذلكَ ضغوطِ على الإدارةِ المصريةِ تمارسهُا القوةُ الكبرى سواءٌ سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً، مما يؤثرُ ذلك على معدلِ التنميةِ في مصرَ.
تلخيصاً لما سبقَ:
إن الحروبَ التي خاضتَها مصرُ منذُ الاستقلالِ دفعتْ مصرَ الى توجيهِ معظمِ مواردِها الى التسليحِ وبناءِ جيشٍ قويٍ .
إن الصراعاتِ التي على الحدودِ المصريةِ في ليبيا والسودانِ وفلسطين والبحرِ الأحمرِ دفعتْ مصرَ الى توجيهِ معظمِ مواردِها الى تقويةِ الجيشِ المصريِ لحمايةِ أمنهِا وثرواتِها.
إن موقع مصر الجغرافي وتواجد الغاز في أراضيها زاد من أهميتها بالنسبة للأستراتيجية الامريكيىة مما أدى الى تزايد الأستقطاب الأمريكي لمصر من أجل تزايد نفوذها بالمنطقة.
خامسًا: كيف يؤثرُ الفردُ في قوةِ الدولةِ المصريةِ في وقتنِا المعاصرِ
أكدَ الفليسوفُ “جان جاك روسو” منذُ القرنِ السادسَ عشرَ في كتابهِ ” العقدُ الاجتماعيُ” _ أن الفردَ هو من يهبُ حريةَ الدولةِ وهو المكونُ الرئيسيُ للدولةِ _ حيث إن الفردَ يهبُ جزءاً من نفسهِ لصالحِ الجميعِ من أجلِ الدولةِ _ إن الفردَ هو صانعُ الدولةِ والحامي لحريتِها _ تلك الأفكارُ كانت سبباً بإنهاءِ الحكمِ الكهانوتيِ في أوروبا وبدايةِ بناءِ الدولِ.
وتأكيداً لنظريةِ العقدِ الاجتماعيِ في ان الفردَ هو أساسُ الدولةِ_ يُظهرُ الفيلسوفُ “توماس هوبز” _ ويؤكدُ على الملكيةِ المطلقةِ للفردِ وأن الدولةَ أحدى ممتلكاتهِ _ وأنه من يضعُ الأفرادَ لإدارةِ الدولةِ طبقاً لذاتيةِ الفردِ وتطلعاتهِ وطبقاً لقدراتهِ الفكريةِ والعلميةِ _ أكدَ ذلك في القسمِ الثاني في كتابهِ الصادرِ عام 1651م، منتصفَ القرن السابعَ عشرَ”اللفياثان… الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة” .
كما وضعَ الفيلسوفُ “جون لوك” في نهايةِ القرنِ السابعَ عشرَ بعضاً من الأفكارِ الفلسفيةِ في كتابهِ “الحكومة المدنية” _ حيث أكدَ يجبُ على الفردِ أن يدعمَ الملكيةَ المنضبطةَ والمقيدةَ من أجلِ أمنِ وأمانِ المجتمعِ وان الفردَ هو الواضعُ لتلكَ القوانينِ المقيدةِ للفردِ في الحريةِ والملكيةِ.
من خلالِ هؤلاءِ الفلاسفةِ قد وضعوا الأسسَ الرئيسيةَ في الدولةِ المدنيةِ الحديثةِ _ حيثُ أكدوا أن الفردَ هو واهبُ حريةِ الدولةِ وهو حاميها وأن الفردَ من يضعُ الأفرادَ لإدارةِ الدولةِ وأن الفردَ من يضعُ القوانينَ المقيدةَ لحريتهِ وممتلكاتهِ ومنظماً للأمنِ في الدولةِ، وأن الفردَ هو أساسُ الدولةِ_ ” إن صلحَ الفردُ صلحتْ الدولةُ “_ كما إن اصلاحَ الدولةِ يبدأُ من الفردِ .
لقد وضعَ العالمُ “رتزال” قائدُ علمِ الجيوبولتيك في كتابهِ “أسس الجغرافيا” _ أسسَ قياسِ الدولِ الكبرى فوضعَ أولَ هذه الصفاتِ هي ثقافةُ الفردِ وكيف ينشرُها في المجتمعِ لتكونَ هي الأكثرَ تأثيرا في محيطهِ الأقليميِ، وكيف تكونُ الثقافةُ هي على قمةِ مميزاتِ الدولِ لتكونَ دولةً كبرى .
وضعَ العالمُ “تالكوت بارسونز” في كتابهِ ” السياسة والبناء الاجتماعي” _ كيفيةَ مواجهةِ الفردِ للتحدياتِ الداخليةِ في احتياجاتهِ ومواجهةِ تحدياتِ البيئةِ الدوليةِ في الاعتمادِ على الذاتِ وتوجيِ رغباتِ الفردِ فيما هو لصالحِ الفردِ والدولةِ وخلقِ توازنٍ اجتماعيٍ يكونُ حراً من الضغوطِ الخارجيةِ، وبذلك تم وضعَ “بارسونز” كيفيةَ مواجهةِ الفردِ لرغباتهِ والاعتمادِ على مجتمعهِ في تلبيةِ احتياجاتهِ ليكونَ مجتمعاً أكثرَ قوةً وأكثرَ قدرةً على مواجهةِ الضغوطِ الخارجيةِ.
إن المجتمعَ بعاداتهِ وتقاليدهِ هي الحاكمةُ والمحددةُ لنظامهِ السياسيِ تلك العاداتُ والتقاليدُ التي نشأَ عليها الفردُ في مجتمعهِ والتي تدلُ على أصولهِ الاجتماعيةِ؛ لذا من الصعبِ فرضُ نظامٍ سياسيٍ على الفردِ والمجتمعِ مختلفٍ في عاداتهِ وتقاليدهِ وغيرِ متوافقٍ مع هُويتهِ _ وبذلك يكونُ الفردُ هو من يقرُ ويلتزمُ بالعاداتِ والتقاليدِ وهو من يضعُ كيفيةَ تكوينِ النظامِ السياسيِ في إدارةِ شئونِ الدولةِ_ هذا ما كتبهُ العالمُ “نصر محمد عارف” في كتابهِ ” نظريةُ التنميةِ السياسيةِ المعاصرةُ” _ وتلك الأفكارُ قد أكدَ عليها العالمُ “ريتشارد هيجوت” في كتابٍ بنفسِ عنوانِ عارف “نظريةُ التنميةِ السياسيةِ” _ وبذلك ما تفرضهُ الإدارةُ الأمريكيةُ من نظامٍ سياسيٍ أمريكي ما هو إلا اختراقٌ في الهويةِ المصريةِ و تغيرٌ في مفاهيمِ إدارتهِ لحكمِ الدولةِ، مما ينتجُ عنه اضطراباتٌ فكريةٌ لدى الفردِ، ويؤدي الى عدمِ استقرارٍ سياسيٍ في مصرَ .
لقد فجرَ العالمُ “دايوش شيغان ” في كتابهِ “أوهام الهوية” _ أن العالمَ الثالثَ قُتلتْ هويتهُ سواءٌ بعدمِ استقرارِ المجتمعِ على مرتكزاتٍ فكريةٍ تكونُ هي المرجعَ أو المنارةَ الفكريةَ للفردِ أو للمجتمعِ، حيث فرضَ المحتلُ على تلك الشعوبِ طريقةَ تفكيرٍ مختلفةٍ عن بيئتهِ الاجتماعيةِ ومختلفةٍ في تناولِ الحلولِ، وأصبحتْ تلك الشعوبُ بلا هوية، أي غيرُ قادرةٍ على التوصلِ الى حلولٍ مجتمعيةٍ ترضيِ أغلبيةَ أفرادِ المجتمعِ، وهذا ما فعلهُ الإحتلالُ في مصرَ على مدارِ ثلاثةِ الافِ عامٓ، فقدَ فيها الفردُ قدرتَه على بناءِ هويةٍ وطنيةٍ تستطيعُ أن تبنيَ هويةً حضاريةً.
لقد جمعَ الكاتبُ “كلود دوبار” في كتابهِ “أزمات الهويات”_ أن سقطاتِ الفردِ في المجتمعِ في تشبثهِ بالهوياتِ الأثنيةِ أو الهوياتِ المصطنعةِ التي تؤديِ الى انقسماتِ المجتمعِ وشرذمتهِ فكرياً، وتخلقُ هوياتٍ متضاربةً تعجزُ عن حمايةِ المجتمعِ وعن هويتهِ امامَ التحدياتِ التي تواجهُها الدولةُ، وذلك من خلالِ فرضِ ديمقراطيةٍ أمريكيةٍ على مصرَ، حيث إن الإيمانَ بالهوياتِ المصطنعةِ مثلُ الأحزابِ والنقاباتِ أو تطبيقُ نظامِ حكمٍ مخالفٍ للبيئةِ الاجتماعيةِ قد يؤثرُ سلباً على الهويةِ الوطنيةِ للفردِ وهذا من الأثارِ السلبيةِ لغرسِ نظمِ حكمٍ بعيدةٍ عن الطبيعةِ الاجتماعيةِ للدولِ، كما أن بعضَ الأفرادِ الذين يتشبثونَ بهويتهِم الأثنيةِ، في كونهم من القبائلِ أو من عائلة ينتمي أليها أكثرَ من أنتمائهِم الى الدولةِ، ذلك يؤدي الى الإنقسامِ المجتمعيِ وضعفِ الدولةِ من الداخلِ وعدمِ تجانسِ افرادِها، هذة الصفاتُ ظهرتْ بشكلٍ واضحٍ في المجتمعِ المصريِ.
يظهرُ العالمُ “أمارتيا صن” في كتابهِ ” الهويةُ والعنفُ _ وهمُ المصيرِ الحتميِ” _ وفيهِ يوضحُ فلسفةَ الهويةِ وما وراءَها وكيفيةَ الأستفادةٌ منها بشكلٍ إيجابيٍ، حيثُ يُقرُ أن هويةَ الفردِ هي معتقدٌ فكريٌ وأن الفردَ هو صانعُ هويتهِ الأثنيةِ وأن التشبثَ بتلك الهويةِ الأثنيةِ قد تؤدي في الغالبِ الى صراعٍ حتميٍ وأن توظيفَ الهويةِ بهذا الشكلِ يؤدي الى العنفِ سواءٌ العنفُ الفكريُ في رفضِ الآخرِ و التشبثِ بفكرهِ وأيمانهِ بهويتهِ فقط أو اللجؤِ الى عنفِ الصراعِ والصدامِ بين الهوياتِ والتي تحدثَ عنها “هنتنجتون” في كتابهِ “صراعُ الحضاراتِ” تلك هي اسوءُ استخدامٍ للهويات، كما أن الفردَ الذى بلا هويةٍ يرفضُ الهويةَ الوطنيةَ، وهذا ما أصابَ بعضْ من أفرادِ المجتمعِ المصريِ وخاصةً الشبابَ، إن الهويةَ الوطنيةَ هي الحاميةُ للفردِ والدولةِ من الإنقسامِ والإختلافِ، إن بعضاً من الأفرادِ في مصرَ جاهلأ بهويتهِم الوطنيةِ ولا يدركونَ معانيَها ولا الفائدةَ منها.
لقد قدمَ عالمُ الاجتماعِ السياسيِ “إيريك إيركسون” في كتابه “البحثُ عن الهويةِ”_ حيث يؤكدُ أن المجتمعَ المعاصرَ بعولمتهِ الاقتصاديةِ ربط َالانسانَ بالعوائدِ الماديةِ وبالعائدِ الاقتصاديِ دونَ النظرِ في المرجعيةِ النفسيةِ والمرتبطةِ بالشقِ الروحيِ والعقائديِ الذي يقدمُ للفردِ سيرورتَه وسلامَه النفسيَ؛ لذا يقدمُ “إريكسون” الوصفةَ العامةَ للبحثِ عن الهويةِ في أن الفردَ عليه أن يسعَى لتلبيةِ احتياجاتهِ الماديةِ لابد أن يسعَى أيضا الى سيرورتهِ التفسيةِ المرتبطةِ بالأمنِ النفسيِ بالترابطِ المجتمعيِ، وأن أفضلَ الهوياتِ هي الهويةُ الوطنيةُ التي تربطُ الفردَ بالوطنِ الذي يقدمُ الأمانَ التفسيَ مع الأمانِ الفكريِ ويقدمُ الأمنَ الماديَ، ولكن سيرورةَ الفردِ تتعاظمُ من خلال هويتهِ الفكريةِ والنفسيةِ عنها في تلبيةِ احتياجاتهِ الماديةِ، تلك هي الهويةُ الوطنيةُ التي تقدمُ إضافةً حضاريةً وإبداعاً فكرياً، وأن افضلَ الهوياتِ هي الهويةُ الوطنيةُ، وذلك واجبٌ على كلِ مواطنِ مصريٍ أن يبحثَ عن الهويةِ الوطنيةِ المصريةِ في أعماقِ نفسهِ وفكرهٍ وقلبهِ، لأن ذلك هو السبيلُ للجمهوريةِ الجديدةِ القادرةِ أن تلبَي طموحاتِ الفردِ وأحلامهِ والتي تتوافقُ مع معظمِ بل أغلبيةُ أفرادِ المجتمعِ المصريِ.
لقد قدمتْ النظريةُ البنائيةُ الاجتماعيةُ لرائدِها “الكسندر ويندت”_ أن الدولَ الناشئةَ وسيلتُها الأولى للتصديِ للتحدياتِ الدوليةِ من خلالِ الهُويةِ الوطنيةِ _ والاعتمادِ على الذاتِ في الإنماءِ الفكريِ للفردِ وترابطهِ بالمجتمعِ لخلقِ فكرٍ متجانسٍ يقدرُ ان يتكيفَ مع التحدياتِ الدوليةِ وبناءِ هويةٍ وطنيةٍ تكونُ قادرةً على التنميةِ وتلبيةِ مصلحةِ الفردِ من خلالِ تلبيةِ مصلحةِ المجتمعِ، هذا هو الطريقُ الى الجمهوريةِ الجديدةِ، على أن تكونَ الهويةُ الوطنيةُ للفردِ هي أساسُ الدولةِ، حتى نستطيعَ أن نتصدىَ للضغوطِ التي تفرضهُا الدولُ الكبرى .
كما قدمتْ النظريةُ البنائيةُ الوظيفيةُ كيف يقومُ الفردُ في بناءِ هويتهِ الوطنيةِ و كيفيةِ القدرةِ على توظيفِ أفرادهِ لبناءِ الهويةِ الوطنيةِ القادرةِ على بناءِ هويةٍ حضاريةٍ وقادرةٍ على التنميةِ _ قدمَ ذلك العالمُ “ايان كريب” في كتابه ” من بارسونز الى هابرماس” _ وفيه جمعَ أراءَ فلاسفةِ الاجتماعِ السياسيِ في تقديمِ فكرةٍ فلسفيةٍ في توظيفِ الأفرادِ لبناءِ هويةٍ وطنيةٍ قادرةٍ على التصدي للتحدياتِ الدوليةِ والقدرةِ على التنميةِ في بناءِ مجتمعٍ بتوظيفِ أفرادهِ بشكلٍ قادرٍ على التنميةِ التي تلبي احتياجاتهِ المتوافقةِ مع إمكانياتِ الدولةِ، والتي تعتمدُ على ذاتيةِ الدولةِ، ويلغي رغباتهِ المتعارضةِ مع الدولةِ .
قدم “كينث ولتز” في كتابهِ “نظريةُ السياسةِ الدولية” _ النظريةُ الواقعيةُ الجديدةُ أو “النظريةُ البنيوية”_ حيثُ قدمتْ بناءَ النسقِ يكونُ من خلالِ قوةِ الدولِ فيتكونُ من دولٍ كبرى ذاتِ تأثيرٍ في البيئةِ الدوليةِ ودولٍ كبرى تابعةٓ لا تستطيعُ أن تؤثرَ في البيئةِ الدوليةِ ودولٍ ناشئةٍ تتأثرُ بالدولِ الكبرى ولا تستطيعُ أن ثؤثرَ في البيئةِ الدوليةِ وهي دولُ مسرحٍ استراتيحيٍ للدولِ الكبرى_ كما قدمَ “والتز” أن الدولَ الكبرى لها استراتيجيةٌ سياسيةٌ خاصةٌ بها تتعاملُ بناءً على قوتِها وامكانياتهِا _ كما ان الدولَ الناشئةَ لها استراتيجيةٌ سياسيةٌ في كيفيةِ التكيفِ مع الدولِ الكبرى_ كما قدمَ “ولتز” كيف تستطيعُ الدولُ الناشئةُ التصديَ لضغوطِ الدولِ الكبرى، وذلك عن طريقِ بناءِ مجتمعٍ يكونُ قادراً ببنيانهِ أن يمتصَ ويتكيفَ مع الضغوطِ التي تفرضُها الدولُ الكبرى، ولكن هذا البناءَ يعتمدُ على معرفةِ وإداركِ الفردِ بتحدياتِ الدولِ الناشئةِ والتعرفِ على الضغوطِ التي تمارسُها الدولُ الكبرى، هذا البناءُ يكونُ عن طريقِ بناءِ الهويةِ الوطنيةِ _ ذلك البنيانُ يكونُ من خلالِ بناءِ هويةٍ وطنيةٍ قادرةٍ على الاعتمادِ على الذاتِ المتاحِ ورفضِ ما هو خارجٌ عن الدولةِ ومتداولٍ لدى الدولِ الكبرى _ ذلك هو الهويةُ الوطنيةُ .
لقد قدمَ العالمُ “جبريل ألموند” في كتابه “الثقافة المدنية”_ على الفردِ أن يدركَ تماماً بكلِ التحدياتِ التي تواجههُا الدولةُ وينقلُ هذه المعرفةَ لكافةِ أطيافِ المجتمعِ ليكونَ لدى المجتمعِ درايةً كاملةً بتحدياتِ الدولةِ مع العلمِ المسبقِ بالإمكانياتِ المتاحةِ للدولةِ ومعرفةِ كيفيةِ تعظيمِ تلك الإمكانياتِ بالمقدرةِ الفكريةِ والبشرية للمجتمع _ حتى يستطيعَ المجتمعُ ليكونَ هويةً وطنيةً مدركةً للإمكانياتِ البشريةِ والماديةِ للدولةِ مما يؤديِ الى الوصولِ الى حلولٍ تتناسبُ مع قدرةِ المجتمعِ بتحملِ تكلفةِ القرارِ التي تنفذِ تلك الحلولَ التي تكون هدفاً للتنميةِ والإنماءِ الذاتيِ للدولةِ، تلك هي صفاتُ الهويةِ الوطنية والتي يفتقدُها الفردُ ولا يسعىَ المجتمعُ المصريُ الى تحقيقهِا .
كما قدمَ المفكرُ ” كار بوبر” في أكثرَ من كتابٍ وخاصةً كتابَه “المجتمعُ المفتوحُ وأعداؤه” _ ويخصُ في كتابهِ أن الدولَ الناشئةَ والمنغمسةَ بالعولمةَ معرضةٌ للاختراقِ في محوِ هويتهِم من أجلِ السيطرةِ على ثرواتِهم مستغلينَ الجهلَ وفقدانَ الثقافةِ والهويةِ للوصولِ الى مصالحهِم عن طريقِ سلبِ ثرواتِ الدولِ الجاهلةِ التي بلا هويةٍ _ فيقول “كار بوبر” إذا أردتَ أن تقتلَ دولةً فأنزعْ منها هويتهَا _ فإن الهويةَ هي قلبُ الدولةِ”_ كما يقولُ بوبر “إن حريةَ الدولةِ هي واهبةُ حريةِ الفرد” _ وأن من يحميِ الدولةَ من الداخلِ هي الهويةُ الوطنيةُ ومنها تستمدُ الدولةُ حريتهَا وقوتهَا وقدرتهَا على التصدي لكلِ التحدياتِ الدوليةِ والداخليةِ، تلك هي مميزاتُ الهويةِ الوطنيةِ المفتقدةُ لدى المجتمعِ المصريِ .
وأخيراً _ يقدمُ “على حمدان” في كتابه “الهويةُ والتنميةُ” أن الهويةَ الوطنيةَ هي القادرةُ على بناءِ التنميةِ المتوافقِ عليها أفرادُها _ وان الهويةَ الوطنيةَ هي القادرةُ على بناءِ الحضارةِ _ وذلك من خلالِ الولاءِ والانتماءِ للدولةِ، فتكونُ مصلحةُ الفردِ من خلالِ مصلحةِ الدولةِ، ذلك ما تقدمهُ الهويةُ الوطنيةُ، ترتقي بالفردِ وبتراجعِ الذاتيةِ و تتعاظمُ فيه روحُ الدولةِ، فيضعُ أهدافَه ومصالحَه من خلالِ بناءِ الدولةِ وتعظيمِ قدراتهِا وقوتهِا؛ لذا فإن الهويةَ الوطنيةَ التي تتكونُ من خلالِ إرادةِ الأفرادِ هي صانعةُ الهويةِ الوطنيةِ التي تكونُ قادرةً على بناءِ حضارةِ الدولِ.
تلخيصاً لما سبقَ:
أن الفردَ من يصنعُ الدولةَ وهو اللبنةُ الأولى في المجتمعِ وهو المحركُ الرئيسيُ للدولةِ.
أن الفردَ هو من يضعُ الأفرادَ التي تديرُ الدولةَ وأن الفردَ هو واضعُ القوانينِ الحاكمةِ.
إن ثقافةَ الفردِ وهويتَة هي المحددةُ لهويةِ الدولةِ _ وأن الفردَ هو صانعُ الهويةِ الوطنيةِ.
أن الهويةَ الوطنيةَ هي القادرةُ على بناءِ الحضارةِ كما أنها القادرةُ على التصديِ للتحدياتِ الدوليةِ والداخليةِ .