رضوى رمضان الشريف
قام ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بجولة إقليمية، استمرت 3 أيام «20 -22 يوليو»، استهلَّها بزيارة لمصر، مرورًا بالأردن، ثمَّ إلى تركيا كمحطة أخيرة، وتستبق الجولة الإقليمية، للأمير محمد بن سلمان، زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المملكة، في منتصف شهر يوليو القادم، والذي سيلتقي خلالها، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده، مع «قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، ورئيس وزراء العراق».
تأتي جولة ولي العهد السعودي، في توقيت غاية الأهمية؛ حيث تشهد المنطقة ظروفًا وتحديات «سياسية، واقتصادية» غير مسبوقة، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما ترتب عليها من تداعيات وتحديات، طالت مختلف دول العالم.
خطوة استثنائية
زيارة السعودية إلى مصر ليست بالغير اعتيادية على مسامع الجميع؛ فالحديث عن العلاقات «السعودية – المصرية» هو حديثٌ عن تاريخٍ طويلٍ وعريقٍ بين البلديْن، تربطه أواصرُ قوية، واحترامٌ متبادلٌ، وعلاقات وثيقة على كافة المستويات، وفي كافة مجالات التعاون، في خدمة المصالح المشتركة للبلديْن، وخدمة القضايا «العربية، والإسلامية»، و«الأمن، والسِّلْم» الدولييْن.
أما في المقابل، فتُمثِّل زيارة السعودية إلى تركيا خطوةً استثنائية في العلاقات بين البلديْن، فهي الزيارة الأولى للمملكة منذ 2018، وذلك بعد تحسُّن العلاقات بين البلديْن في الفترة الأخيرة؛ حيث زار الرئيس التركي، رجب طيب أوردغان، السعودية، في شهر أبريل الماضي، والتقى بولي العهد السعودي، قبل أن يؤدي مناسك العمرة بالمسجد الحرام، في مكة المكرمة، وهي الزيارة التي اعتبرها مراقبون أُولى خطوات «أنقرة» نحو إنقاذ اقتصادها المنهار، عبر دول الخليج.
وبلا شك، فإن هذا التطور في تحسُّن العلاقات بين البلديْن، لم يأتِ من دون مقدمات، فمنذ عام 2021، بدأت «أنقرة» في السعي لتسوية خلافاتها الكثيرة، مع دول المنطقة، من ضمنها «الرياض»، من خلال اتِّباعها لسياسةٍ خارجيةٍ جديدةٍ، استهدفت من خلالها، دول «مصر، والإمارات»، وأيضًا السعودية، وعملت على تحسين علاقاتها معها، وتطويرها بشكل ملحوظ، في حين زار الرئيس التركي «أبو ظبي»، في فبراير الماضي، وتمَّ توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلديْن.
نقاط عريضة
تضامُن وحشْد عربي:
يأتي على مقدمة تحليل دلالات جولة السعودية لمصر في هذا التوقيت، والتي يجب أن توضع في إطارها الصحيح، ألا هو «التضامُن العربي للملفات والقضايا المشتركة»، خاصةً في الوقت الذي يسيطر عليه الغموض والقلق الدولي، واستهلال ولي العهد السعودي جولته الخارجية بمصر، يعكس أهمية «القاهرة»، خاصةً لما تملكه من ثقلٍ كبيرٍ في المنطقة، ولدورها على الصعيد «العربي، والدولي»، ومن المأمول أنَّ تحالُف «السعودية، ومصر» بجانبهم الإمارات أيضًا كشريكٍ أساسيٍ في المعادلة سيتضخم، وسيتصاعد مستوى نفوذِه إقليميًّا ودوليًّا.
ويرجح أيضًا، أن ولي العهد السعودي، يهدف في إطار القمة «الخليجية – الأمريكية» المرتقبة؛ للدفع باتجاه الدول القريبة إقليميًّا، ومنها «مصر، والأردن، وتركيا»؛ من أجل إبراز الدور العربي، وحشْد الموقف العربي، ودوره في القضايا الإقليمية والعالمية.
كسْر الجليد:
أما بالنسبة لتركيا، تكشف زيارة السعودية لتركيا، عن آفاقٍ جديدةٍ لتطوير العلاقات مع جيران تركيا الإقليميين، وتفتح الباب أمام نقاشٍ واسعٍ عن سياسة «أردوغان» في المنطقة، وعمَّا قد تشهده الأيام القادمة، من تطبيعٍ كاملٍ للعلاقات مع دول، استحكم العداء بينها وبين «أنقرة» لسنوات، وأيضًا عن الرابحين والخاسرين من التقارب التركي، مع هذه القوى الإقليمية، وعلى رأسهم، شخصيات المعارضة المصرية، الذين يعيشون في تركيا، والذين وفَّرت لهم «أنقرة» الحماية على مدى السنوات الماضية.
ضرورة إثبات حسن النوايا:
لكسْر الجليد وترميم العلاقات بين تركيا والقوى الإقليمية في المنطقة، تسعى «الرياض» من خلال تلك الزيارة، أن تجعل «أنقرة» تُقدِّم مزيدًا من الخطوات الحقيقية، والتي تُثْبِت فيها عدم رغبتها بالتدخل في الشأن الداخلي السعودي بوجه الخصوص، أو الخليجي والعربي بصفة عامة.
وبناءً على ذلك، يتوجب على «أنقرة» أن تُثْبِت أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع في المنطقة العربية، وتأكيد حرصها على سلامة المنطقة، لا سيما أن الواقع يشير إلى أنها لا تزال موجودة في الداخل الليبي، وتقصف شمال العراق، ولم تُثْبِت فعليًّا أنها تحترم سيادة القرار العربي والدول العربية.
الاقتصاد جانب مهم
لا تتوقف أهمية الزيارة على جانبها السياسي، بل تحمل زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بُعْدًا اقتصاديًّا مهمًّا، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الطاقة من ناحية، وربما تأزم سلاسل الإمدادات، وخصوصًا القمح الذي تستورد الدول العربية جزءًا كبيرًا منه، من «روسيا، وأوكرانيا»، ويشكِّل الأمن الغذائي لما يزيد على «ثلاثمائة مليون عربي».
وتهدف الزيارة إلى ترسيخ وتعزيز سُبل جديدة للتعاون «التجاري، والاستثماري» بين تلك البلدان، خاصةً تركيا التي تنظر للسعودية كأكبر سوق في الشرق الأوسط، وتطمح لإعادة جذْب رؤوس الأموال السعودية باتجاه الأسواق التركية.
ويعي الرئيس التركي خطورة الوضع الراهن للاقتصاد التركي، فلذلك يُعوِّل على حدوث مثل هذه الزيارة؛ لأنها أحد أهم المفاتيح الضامنة؛ لإعادة انتخابه، في حال نجح في انتشال الاقتصاد التركي من أزمته الحالية، وإعادة الحياة للشراكة «السعودية – التركية» اقتصاديًّا، والتي سيتبعها جذْب استثمارات خليجية كثيرة، تساعد «أنقرة» على تحريك عجلة الاقتصاد.
الخلاصة، يمكن القول: إن الجولة الإقليمية للمملكة، تأتي لتضع النقاط فوق العديد من الملفات الإقليمية، قبل زيارة «بايدن»، فبجانب الامتيازات النفطية للمملكة، يعزِّز أيضًا دور السعودية «الريادي، والقيادي» للعالم «العربي، والإسلامي»، بأن تصبح فاعلًا أساسيًّا في تحريك المياه الراكدة، فزيارة المملكة لتركيا هي بالتأكيد خطوةٌ مُرحَّبٌ بها، وخطوة في الاتجاه الصحيح؛ لإعادة الدِّفْءِ للعلاقات بين البلديْن، ومن ثمَّ قد يفتح ذلك الباب لتطبيع علاقة تركيا مع مصر، ولكن مقابل أن تثبت تركيا حُسْن نوايها.
بالرغم من أنه لا يمكن نُكْران حقيقة تركيا كدولة محورية في المعادلة الإقليمية، في الصورة الأشمل للشرق الأوسط؛ لذلك من الطبيعي أن تشجع «الرياض» أيَّ خطوات تقارُب مع تركيا؛ لحيوية مركزها سياسيًّا، وموقعها جغرافيًّا، إلا أن على «أنقرة» الاستفادة من دروس الأمس، التي كلَّفت تركيا قيمة ذلك الموقع السياسي، والتعاطي مع القضايا الإقليمية، من منطلقات المصالح المشتركة، لعموم دول المنطقة؛ لخدمة أجندات حزبية ضيقة.
ويتوجب على «أنقرة» من خلال تلك الزيارة، التأكيد على حرصها لإيجاد علاقات متينة على المدى البعيد، وليس الفترة القريبة الحالية؛ لذا من الضروري على «أنقرة» أن تُثْبت حُسْن نوياها، من خلال خطوات ملموسة وحقيقية، مع الأخذ في الاعتبار جميع المخاوف العربية الأمنية، وعدم التعاطي مع التنظيمات التي تراها دولٌ عربيةٌ مُهددةً لأمنها القومي.