المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > الجيش الإسرائيلي يُنفِّذُ عملياته البرية في جنوب لبنان… تصعيدٌ محدودٌ أم بدايةٌ لاحتلالٍ مُتَدَرِّجٍ؟
الجيش الإسرائيلي يُنفِّذُ عملياته البرية في جنوب لبنان… تصعيدٌ محدودٌ أم بدايةٌ لاحتلالٍ مُتَدَرِّجٍ؟
- يوليو 12, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في تصعيدٍ عسكريٍّ جديدٍ يُعَدُّ انتهاكًا إضافيًّا لاتفاق وقْف إطلاق النار، أطلق الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء 9 يوليو الجاري، عمليةً بريةً “خاصَّة ومركَّزة” في جنوب لبنان، استهدفت مواقع عسكرية لحزب الله، وُصفت بأنها خطوات “وقائية تكتيكية” تستند إلى معلومات استخباراتية دقيقة، وتأتي تلك العملية العسكرية بعد أسابيع من التصعيد المتقطع على الحدود الشمالية، لكنها تبدو أكثر من مُجرَّد امتدادٍ طبيعيٍّ للاشتباكات المعهودة؛ إذ تعكس تحوُّلًا نوْعِيًّا في قواعد الاشتباك، بصورةٍ تعكس رغبة إسرائيل لتجاوز النهج التقليدي للرَّدْع نحو فرْض وقائع ميدانية جديدة، في لحظة إقليمية تتسم بتشظِّي التوازنات، وتبدُّل أولويات الأطراف الدولية والإقليمية.
ما يُضفي على العملية أبعادًا أعمق؛ هو تزامنها مع تطورات سياسية بارزة على مستوييْن متوازييْن؛ الأول: يشمل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن واجتماعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والثاني: يستند إلى زيارة المبعوث الأمريكي توم باراك إلى بيروت؛ حيث قدَّمَ مقترحات سياسية تمسُّ جوهر معادلة الدولة والمقاومة، وتُعيد طرْح مسألة تسليم سلاح حزب الله على طاولة القرار اللبناني، ومع استمرار الحملة البرية الإسرائيلية في قطاع غزة تحت اسم “عربات جدعون”، يبدو أن جنوب لبنان أصبح بدوره جزءًا من خطة أوسع؛ تهدف لإعادة الهيكلة الأمنية والسياسية، التي تسعى تل أبيب – ربما – إلى فرضها بتدرُّجٍ محسوبٍ، والتحكُّم بالمشهد من خلال المبادرة الميدانية، في ظلِّ غياب موقفٍ رسميٍّ لبنانيٍّ واضحٍ وتريُّثٍ غير مُعْتَادٍ من حزب الله في الرَّدِّ.
التموْضع الإسرائيلي في الجنوب اللبناني:
مع تصاعُد التوتُّرات التدريجية بين إسرائيل وحزب الله منذ خريف 2024، وتوسيع العمليات خلال الأشهر التي تَلَتْ ذلك، أصبحت إسرائيل تسيطر فِعْلِيًّا على خمس نقاط استراتيجية جنوب الخط الأزرق، تضُمُّ هذه النقاط مواقع، مثل “اللبونة، جبل البلاط، العويْدة، الأعيزّة، والحمايمِس”، وهي مواقع تتميز بموقعها على مرتفعات حاكمة، تُستخدم كمراكز للمراقبة وإطلاق النار وعمليات الهندسة العسكرية؛ مايمنح الجيش الإسرائيلي قدرةً على التحكُّم بمساحات واسعة دون الحاجة إلى احتلال بلدات كبيرة.
ووفْق تقديرات متعددة المصادر، يتراوح عُمْق التوغُّل الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية بين 5 إلى 10 كيلومترات في بعض المحاور، خصوصًا في القطاعات الغربية والوسطى للحدود.
وقد بدأ هذا النَّهْج الجديد مع إعلان إسرائيل، في أكتوبر 2024، عن عمليات برية محدودة داخل الجنوب اللبناني؛ ليتطور تدريجيًّا مع انهيار التفاهمات الأممية وزيادة حِدَّة التوتُّر، منذ مايو 2025، يشبه هذا الأسلوب إلى حدٍّ كبيرٍ استراتيجية “منطقة الأمان” التي اعتمدتها إسرائيل سابقًا بين 1985 و2000؛ مما يثير تساؤلات حول نوايا تل أبيب بإنشاء حزامٍ أمنيٍّ غير مُعْلَنٍ؛ هدفه منْع حزب الله من التموْضع مُجدَّدًا بالقُرْب من الحدود، وتشير تقارير دولية الى أن هذه المواقع لا تقتصر على كونها مواقع تكتيكية فحسب، بل تُعَدُّ نقاط ارتكاز لإعادة تشكيل المشهد الميداني؛ الأمر الذي قد يُترجم لاحقًا إلى واقعٍ تفاوضيٍّ جديدٍ، في ظلِّ غياب موقفٍ لبنانيٍّ حاسمٍ، وتردُّدٍ دوليٍّ في فرْض خطوطٍ حمراءَ واضحةٍ.[1]
وعلى الرَّغْم من اتفاق وقْف إطلاق النار، الذي تمَّ الاتفاق عليه في فبراير 2024، و الذي تضمَّنَ إنهاء الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، بالإضافة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من كافَّة المناطق اللبنانية، مقابل انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني وتعزيز وجود الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيل”، إلَّا أن إسرائيل تواصل اتخاذ خطوات تتناقض مع تلك البنود، فلا يزال الجيش الإسرائيلي متمركزًا في خمس مناطق حدودية داخل الأراضي اللبنانية؛ ما يدفع السلطات اللبنانية إلى مطالبة الأمم المتحدة والجهات الضامنة لاتفاق وقْف إطلاق النار بشكلٍ متكررٍ، بالضغط على إسرائيل للانسحاب من تلك المواقع، إلَّا أن هذه المساعي لم تحقق أيَّ تقدُّمٍ ملموسٍ حتى الآن.[2]
واذا ما أُخذت هذه المؤشرات مجتمعةً، فإن مايجري في الجنوب اللبناني قد تكون بدايةً لتحوُّلات شاملة في الجغرافيا العسكرية على طول الحدود “اللبنانية – الإسرائيلية”، وليس مجرد تصعيد محدود، كما قد يبدو للوهلة الأولى.
طبيعة العملية البرية وأهدافها العسكرية:
أعلن الجيش الإسرائيلي، أن قوات الفرقة 91 الإسرائيلية تواصل عملياتها العسكرية على طول الحدود اللبنانية؛ بهدف “حماية الإسرائيليين والقضاء على التهديدات”، مع التركيز بشكل أساسي على تفكيك البنية التحتية لحزب الله في جنوب لبنان، وفق البيان الصادر يوم الأربعاء 9 أبريل الجاري، وبناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، وتشيرُ التفاصيل الميدانية إلى قيام القوات الإسرائيلية بعمليات خاصَّة في مواقع جنوبية مختلفة، أبرزها منطقة جبل البلاط؛ حيث اكتشفت قوات اللواء “300” مجمعًا يحتوي على مستودعات أسلحة ومواقع إطلاق نار تابعة لحزب الله، تمَّ تفكيكها بالكامل، وفي منطقة اللبونة، عثرت وحدات “اللواء التاسع” على أسلحة مُخبَّأَة داخل منطقة كثيفة، تضمَّنَتْ قاذفةً متعددة الفوهات ومدفعًا رشَّاشًا ثقيلًا وعشرات العبوات الناسفة، إلى جانب مبنى تحت الأرض يُستخدم لتخزين الأسلحة، وأكَّد الجيش الإسرائيلي، أن العمليات نُفِّذَتْ عبْر وحدات الاحتياط بالتنسيق مع فِرَقٍ هندسية متخصصة.[3]
وتأتي هذه العملية في سياق تصعيدٍ تدريجيٍّ يشهده الجنوب اللبناني، ورغم أنها ليست الأولى من نوْعها، إلا أنها تُمثِّلُ تطوُّرًا في نَمَط الاشتباك الميداني الإسرائيلي، مع مقاربة تكتيكية مشابهة لما شهدته مناطق جنوب سوريا سابقًا، حين فرضت إسرائيل سيطرتها على “القنيطرة ودرعا” بعد انهيار نظام بشار الأسد هناك، وبالعودة إلى السَّاحة اللبنانية، فإن العمليات الراهنة في الجنوب، رغم محدوديتها الزمنية والجغرافية، خاصَّةً في ظلِّ تصريحات إسرائيلية، تشير إلى منْع “إعادة تموْضع” حزب الله في تلك المنطقة، صحيحٌ أنَّ العملية لم تهدف في هذه المرحلة إلى احتلال مناطق أو فرْض واقع ميداني دائم، لكنها لا تُستبعد أن تُشكِّلُ تمهيدًا لتكتيك توسعي تدريجي، يُنفّذ عبْر موجات من العمليات الموضعية المدروسة، كما جرى في سوريا، بما يعزز السيطرة الميدانية دون إعلان حرب شاملة.[4]
صمْتٌ رسميٌّ وغياب الموقف: لبنان في حالة ترقُّبٍ حَذِرٍ
حتى مساء الخميس 10 يوليو الحالي، لم تصدر المؤسسات الرسمية اللبنانية أيَّ بيان أو موقف محدَّد، بشأن العملية البرية الإسرائيلية الجارية في جنوب لبنان، كما انسحب الصمت ذاته على حزب الله، وعلى غير عادته في مِثْل هذه السياقات، امتنع عن الإعلان عن أيِّ ردِّ فِعْلٍ رسميٍّ أو خطوةٍ عسكريةٍ تِجَاه التطورات الإسرائيلية؛ وعليه فهذا الغياب شِبْه الكُلِّي للمواقف يعكس حالة من الترقُّب الداخلي الحَذِر، وربما ارتباك في السَّاحة السياسية، حول كيفية التعامل مع هذا الوضع الميداني المُعقَّد، وفي ظلِّ هذا الصمت، تبتعد القوى اللبنانية عن الدخول في مواجهات سياسية داخلية، بينما تبقى الأنظار متجهةً نحو الجنوب، ربما تُرسم ملامح توازن جديد دون أن توضح الدولة اللبنانية موقفها من كوْنها ضمن هذا التحوُّل أو خارجه.
التوقيت والسياق الإقليمي: من غزة إلى لبنان مرورًا بواشنطن
تأتي العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، بعد شهرين تقريبًا من العملية العسكرية واسعة النطاق في غزة، المعروفة بـ “عربات جدعون”؛ مما يبرز نهْجًا إسرائيليًّا يعتمد على إدارة صراع متعدد الجبهات؛ إذ إن نهْجَ غزة ركَّزَ على اجتياحٍ بريٍّ شاملٍ وتفكيكٍ منهجيٍّ للبنية التحتية لحركة حماس، بينما تعتمد العمليات في جنوب لبنان على تكتيكات دقيقة، تشمل الاستخبارات والهندسة العسكرية؛ حِفَاظًا على توازُن التصعيد.
كما تزامنت تلك التطوُّرات مع زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، في ٨ يوليو الجاري؛ ما قد يُوفِّرُ غطاءً سياسيًّا وأمنيًّا للعمليات العسكرية الإسرائيلية في أكثر من ساحة، ورغم مساعي الإدارة الأمريكية للحدِّ من التصعيد، يبدو أن هناك فهْمًا ضِمْنِيًّا، يسمح لإسرائيل بالتحرُّك ضد أهداف، تصنفها بأنها “تهديدات مباشرة”، دون الانزلاق إلى مواجهات إقليمية واسعة، ومن ثمَّ؛ هذا النَّهْج الجديد – ربما – يؤكد محاولات تل أبيب لإعادة صياغة قواعد الاشتباك جنوب لبنان على غرار ما تحاوله في غزة، مستفيدةً من التوجُّه الدولي نحو خفْض الاهتمام بالملفات الإقليمية الساخنة.
في السياق ذاته، جاءت زيارة المبعوث الأمريكي “توم باراك” إلى بيروت، يوم الإثنين 7 يوليو 2025، كعاملٍ محوريٍّ لا يمكن فصْلُهُ عن التطوُّرات الجارية، في إطار مناقشة الورقة التي قدمها “باراك”، والتي تضمَّنَتْ سبعة بنود تمسُّ جوهر الأزمة اللبنانية، على رأسها: نزْع السلاح الثقيل خارج الجنوب والالتزام بالقرار 1701، وتفعيل دور الجيش اللبناني مقابل ضمانات دولية بإعادة الإعمار.[5]
وعليه؛ يطرح هذا التزامن بين الزيارة والعمليات العسكرية فرضيتيْن؛ إمَّا استغلال إسرائيل لهذه اللحظة لتعديل شروط التفاوض، أو اختبار جِدِّيَّة الدولة اللبنانية في تنفيذ الالتزامات المطروحة.
بالمُحَصِّلة؛ يبدو أن إسرائيل تتحرك وفْق استراتيجية تقوم على ضربات نوْعِيَّة متزامنة ومدروسة التأثير؛ بهدف تغيير قواعد الاشتباك وتعزيز أمنها دون الانجرار إلى حرب مفتوحة، كما ان الخيارات الإسرائيلية تُستثمر في لحظة توازن دقيقة بين الضغط الدولي والتردُّد اللبناني وصمْت حزب الله؛ مما يهيئ لتغييرات ميدانية قد تؤثر بشكلٍ ملموسٍ على أيِّ تسوية مستقبلية.
في الختام:
يمكن القول: إن العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، رغم محدودية نطاقها الميداني، تبدو كمرحلة اختبار لمعادلة ردْع جديدة تسعى تل أبيب لتكريسها تدريجيًّا، ترتكز على تنفيذ عمليات محدودة ومتكررة بدلًا من شنِّ اجتياحات واسعة، وعلى استغلال الأزمات السياسية الحَرِجة داخل لبنان بدلًا من الرّهان على الحسْم العسكري السريع، أمَّا الصمْت الرسمي اللبناني، سواء من الدولة أو حزب الله، ربما يعكس توازُنًا هشًّا بين الضغوط الدولية والمخاوف المتعلقة بالانزلاق إلى مواجهة شاملة لا يمتلك لبنان القدرة على تحمُّلِها.
المشهد الحالي يقف على مفترقٍ دقيقٍ؛ فإمَّا أن تتحوَّلَ هذه العمليات إلى نَمَطٍ مستمرٍ يشبه الاحتلال الزاحف كما حدث في جنوب سوريا، أو أن تظلَّ ضِمْن إطار الضربات الوقائية ضد حزب الله، مع التزام الطرف اللبناني بالضغوط الدولية دون الإخلال بمعادلة الردع القائمة، وفي كلا السيناريوهيْن، العملية تتجاوز كوْنها مُجرَّد ردٍّ عسكريٍّ؛ لتصبح محاولةً لإعادة ترسيم الجنوب اللبناني وفْق قواعد اشتباك تفرضها إسرائيل تدريجيًّا، ومن ثمَّ؛ نجاح هذه المعادلة يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على قدرة الدولة اللبنانية على الحفاظ على سيادتها وضبْط الإيقاع، أو على العكس، استمرار التآكُل التدريجي لما تَبَقَّى من فكرة الدولة أمام تصاعُد هيْمنة السلاح واشتداد التدخُّلات الإقليمية.
المصادر:
[1] Israel Launches New Ground Incursion in Lebanon, Raising Fears for Truce, the New York Times, jul 2025.
https://www.nytimes.com/2025/07/09/world/middleeast/israel-lebanon.html
[2] الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عمليات برية في جنوب لبنان.. خطوة محسوبة أم دفع باتجاه التصعيد؟، مونت كارلو الدولية، يوليو 2025.
https://linksshortcut.com/uxwpN
[3] الجيش الإسرائيلي يطلق عمليات برية في جنوب لبنان: دمّرنا بنى تحتية لـ«حزب الله»، صحيفة الشرق الأوسط، يوليو 2025.
https://linksshortcut.com/NgnGv
[4] لبنان بانتظار الموقف الأمريكي من رده على “ورقة باراك”.. وإسرائيل تقابل الرد بالتصعيد الميداني، هنا لبنان، يوليو 2025.
https://www.thisislebanon.com/lebanon/546483/
[5] جو رحال، لا سلاح بلا دولة… ولا دولة بلا موقف، جراند لاب، يوليو 2025.