المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية بحرية: ماذا تريد روسيا من التقارب مع السودان؟
الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية بحرية: ماذا تريد روسيا من التقارب مع السودان؟
- يونيو 12, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء ماهر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
تشهد العلاقات بين موسكو والخرطوم نموًا متسارعًا خاصة بعد الحديث عن اتفاق روسي سوداني والذي بموجبه يتم منح موسكو مركز دعم فني ولوجستي وعسكري في ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر شرقي البلاد، في ظل وجود العديد من التحذيرات من المضي في مثل هذا الاتفاق نظرًا لوجود مخاوف منها، وضع الخرطوم في اتفاقية تتعلق بالمحافظة على عروبة البحر الأحمر الأمر الذي يجعل السودان ساحة ساخنة للصراع الدولي والإقليمي.
تواجد روسي على البحر الأحمر ما وراء ذلك؟
شهدت مدينة بورتسودان في 27 إبريل الماضي زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والذي يشغل حاليًا مهمة مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وتمثل هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 إبريل 2024م، وخلال اللقاء تم التطرق إلى الاتفاق الذي بموجبه الذي يقتضي بإنشاء قاعدة بحرية روسية في سواحل السودان على البحر الأحمر، وبدأ الحديث عن هذه القاعدة خلال عهد الرئيس عمر البشير في عام 2017م وبالفعل وقع البشير اتفاقًا لإنشاء هذه القاعدة.
وقد أوقف اندلاع هذه القاعدة الثورة السودانية في عام 2018م بعد انتصارها بإسقاط نظام عمر البشير في عام 2019م وأوقفت حكومة الثورة ترجمة هذا الاتفاق على أرض الواقع ولم يتم الحديث عنه ولا عن إنشاء القاعدة البحرية الروسية حتى انقلاب أكتوبر 2021م، وعقب الانقلاب وزيارة قائد قوات الدعم السريع إلى روسيا تم الحديث عن إنشاء قاعدة اللوجستية الروسية على سواحل البحر الأحمر.
وفي السياق ذاته زار المبعوث الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا بورتسودان في مايو الماضي وأعلن خلالها عن موقف موسكو من الصراع الدائر في السودان وأشار إلى أن مجلس السيادة هو السلطة الشرعية التى تمثل الشعب السوداني، على الجانب الآخر أعرب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان مالك عقار الذي وصل إلى روسيا في زيارة رسمية على وفد وزاري يوم الجمعة 7 يوليو 2024م على حرص الخرطوم على تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية مع موسكو في كافة المجالات خاصة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى رغبته في دعم ومساندة روسيا للسودان في مرحلة الإعمار واستعداد الخرطوم لتنشيط وتفعيل الاتفاقيات واللجان المشتركة بين البلدين خاصة فيما يتعلق بلجنة التشاور السياسي واللجنة الوزارية المشتركة واللجنة العسكرية من أجل العمل على وضع الخطط والبرامج ورسم خارطة طريق واضحة المعالم لتطوير العمل للوصول إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية[1].
بنود الاتفاقية الروسية- السودانية
تمتد الاتفاقية الروسية السودانية لمدة 25 عامًا وتنتهي برغبة أحد الطرفين في إنهاء الاتفاق وتنص على دعم ومنح روسيا الجيش السوداني عتادًا حربيًا وفقًا لبرتوكول منفصل ومساعدة روسيا في تطوير القوات المسلحة السودانية، ولا يتعدى عدد السفن الموجودة بنقطة الدعم الفني 4 قطع في آن واحد متضمنة السفن الحربية ولا يتعدى التواجد الروسي 300 فرد فقط للفنيين العاملين بنقطة الدعم اللوجستي، وتلزم الاتفاقية روسيا بعدم الإضرار بالبنية التحتية والبيئية، وستعمل هذه الأسلحة على حسم جميع التهديدات الأمنية والمستقبلية، وستعمل الاتفاقية الجديدة على تعزيز الوجود الروسي في السودان من خلال خمس وحدات متمثلة في الوحدة العسكرية، الوحدة الأمنية، الوحدة التعدينية، الوحدة العقارية فضلًا عن الوحدة الزراعية.
مصالح الحكومة السودان من التقارب مع روسيا
ستستفيد السودان من هذه الاتفاقية بالإمدادات المباشرة من الأسلحة والذخائر لتلبية احتياجاته، إلى جانب الدعم السياسي الذي ستقدمه روسيا للحكومة السودانية داخل مجلس الأمن الدولي وبالتالي مساعدتها في مواجهة واشنطن والغرب، خاصة بعد الجلسة المغلقة في مجلس الأمن بشأن السودان والتى حرم منها مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، فضلًا عن الضغوط الأمريكية في العودة إلى مفاوضات منبر جدة، ويؤكد ذلك على رغبة الجيش في التأكيد على قدرة السودان بوضعه الحالي على صنع تحالفات جديدة بعيدة عن واشنطن والغرب خاصة في ظل اشتداد المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع وعدم قدرة الجيش على حسم النزاع لصالحه ويمثل الجانب الاقتصادي حيزاً كبيراً من الاتفاقية والتي ستتضمن اتفاقيات اقتصادية في مجالات القمح، والوقود والغاز وستصب هذه الفوائد في إيقاف الحرب وخروج الجيش منتصرًا[2].
دوافع موسكو من التقارب مع الحكومة السودانية
تنتهج روسيا سياسة واضحة في علاقاتها مع الخرطوم لخدمة مصالحها في المنطقة بما يتعدى السودان نفسه، وعليه تتمثل أبرز أهداف موسكو من التقارب مع السودان في الآتي:
تأمين التواجد البحري لموسكو في البحر الأحمر:
تعتبر القاعدة اللوجستية الروسية في بورتسودان مرحلة أولية لمشروع روسي طويل الأمد ترغب من خلاله تحقيق مجموعة من الأهداف منها أن وجود منشأة عسكرية لوجستية في بورتسودان يعد مؤشرًا لمحاولة روسيا في تأمين ارتكازها البحرى في السودان مما ينجم عنه إمكانية التأثير على عمليات النقل للتجارة الدولية في البحر الأحمر وفرض روسيا نفسها كلاعب متحكم في معادلات الطاقة الجديدة التى يمر جزء كبير منها عبر مضيق باب المندب، وسيمكن المركز اللوجستي روسيا من تعزيز الأسطول الروسي لموقعه البحري في المحيط الهندي مما يوفر مرفقًا آخر للمياه الدفيئة، وسيسمح ذلك للسفن الروسية بالمرور من خلال خليج عدن والبحر الأحمر من أجل تأمين الإمداد والخدمات اللوجستية المختلفة.
ومن المحتمل أن تصبح القاعدة العسكرية الروسية في بورتسودان نقطة مهمة لإيصال الدعم اللوجيستي لقواعدها الأخرى بالدول الإفريقية مثل مالي، بوركينافاسو، النيجر فضلًا عن أفريقيا الوسطى حيث أصبحت من أهم القواعد الروسية بالإضافة إلى امتلاك روسيا لتقنية الإستشعارعن بعد التي يمكن استخدامها بالسودان في مجالات النفط والتعدين عن الذهب واليورانيوم ومن ثم إمكانية الاستغلال الروسي لتلك الموارد.
البحث عن النفوذ في القرن الأفريقي:
يمثل الوجود في السودان فرصة مهمة للقوى من أجل تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي إذ تشكل منطقة القرن الأفريقي موضع تنافس دولي كبير على النحو الذي يجعلها إحدى بؤر الاشتعال الدولية المحتملة وهذا الأمر يتسق مع الأهمية الجيوسياسية للمنطقة ومكانتها بالنسبة للتجارة العالمية، ويمثل السودان مكونًا هامًا في منطقة القرن الأفريقي فهي تطل على البحر الأحمر مما يعطي السودان ثقلًا استراتيجيًا يعززه وجود مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقناة السويس في الشمال الأمر الذي يجعل السودان وثيق الارتباط بتفاعلات النظامين الإقليمي والدولي.
البحث عن الدعم السياسي وتفعيل النفوذ مع الدول العربية والأفريقية:
نجد أن أحد أهم الأهداف الاستراتيجية لروسيا من وراء سعيها لتقوية نفوذها في السودان محاولتها لتأسيس نظام إقليمي يحمي مصالحها من أجل خدمة أهدافها في شرق أوروبا وشرق المتوسط بالإضافة إلى التهرب من حزمة العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والسعي إلى كسب الدعم السياسي خاصة من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان من خلال التحركات التى يقوم وزير الخارجية الروسي من خلال عدد من الجوالات خاصة في القارة الأفريقية، كما تسعى موسكو إلى مواجهة المساعي الغربية والأمريكية لتقويض النفوذ الروسي في أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، في ضوء تنامي القلق من تزايد الدور الروسي في عدد من المناطق الاستراتيجية لذلك تصر موسكو على عدم ترك فراغ استراتيجي في الساحة السودانية للقوى المناهضة لها.
تعزيز المصالح الاقتصادية المتبادلة:
تسعى روسيا لتعزيز الاستفادة من السودان حيث تتحكم الدولة في صادرات النفط من جنوب السودان بشكل كامل، حيث تمثل أحد دوافع روسيا لإقامة قاعدة عسكرية داخل الأراضي السودانية لمساعدتها في فرض قدر من السيطرة على تدفق النفط، فهناك سنوات عديدة من التعاون الروسي السوداني في مجال التنقيب عن المعادن والنفط في السودان، حيث دخل سوقَ التنقيب السوداني منذ عام 2017م عدد من الشركات الروسية على رأسها شركة فاغنر التي أطلقت بحثها عن الذهب من خلال شركتي “مروي جولد” و” إم إنفست” خاصة وأن تواجد فاغنر في دارفور وجنوب كردفان، يعود إلى أن تلك المناطق غنية بالذهب واليورانيوم والمعادن الثمينة الأخرى؛ خاصة أنها بعيدة عن الرقابة الحكومية وتنتشر فيها الحركات المُسلحة فضلاً عن أنها مناطق واسعة تعاني من سيولة أمنية ومفتوحة على دول الساحل الأفريقي[3].
معوقات إنشاء القاعدة الروسية:
من المتوقع أن ينجم عن إنشاء هذه القاعدة عدد من المعوقات والتى يمكن توضيحها على النحو الآتي:
-
شرعية الاتفاقية الموقعة: تواجه الحكومة السودانية تحديات عديدة تتعلق بمشروعيتها وبالتالي فإن الحكومة السودانية الحالية ليس لديها المشروعية السياسية والقانونية لتوقيع مثل هذه الاتفاقية في بورتسودان ولذلك يتوجب موافقة البرلمان السوداني عليها الأمر الذي يصعب تحقيقه في الفترة الراهنة في ظل تفاقم الصراع ووجود حالة عدم الاستقرار في البلاد مما يثير التشكيك في مدى مشروعية توقيع هذا الاتفاق بين روسيا والحكومة السودانية.
-
حساسية ملف البحر الأحمر للدول المتشاطئه عليه: تدخل السودان في اتفاقية أمنية تقضي برفض أي تواجد لقوات أجنبية أو منح قواعد لدول أجنبية وبموافقة السودان قد تتأثر علاقاتها بالمملكة العربية السعودية حيث ترى أن إنشاء أي قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر يمثل تهديدًا لأمنها القومي، ومن الممكن أن تؤثر موافقة السودان على علاقاتها مع مصر التى تعد من أهم دول الجوار السوداني حيث ترفض مصر عسكرة البحر الأحمر باعتباره البوابة الجنوبية لقناة السويس عن طريق إنشاء قواعد عسكرية بما يحول ساحل البحر الأحمر إلى ساحة للتنافس الدولي لا سيما بين الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة والصين الأمر الذي يشكل تهديدًا صريحًا للأمن القومي المصري وحركة الملاحة بقناة السويس.
-
رفض الولايات المتحدة الأمريكية تمدد النفوذ الروسي في السودان: حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية من المضي قدمًا لتنفيذ هذا الاتفاق وصرح بأن التعاون بين السودان وروسيا من شأنه أن يزيد من عزلة الخرطوم ويُعمق الصراع الحالي ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي يمثل تحديًا واضحًا للنفوذ الأمريكي بمنطقة البحر الأحمر والسودان بشكل خاص وإفريقيا بشكل عام، خاصة عقب تراجع النفوذ الأمريكي والغربي في معظم دول غرب أفريقيا التى شهدت انقلابات عسكرية خلال العام الماضي واتجاه روسيا لتوطيد علاقاتها مع هذه الدول، وفي هذا الأثناء يتخوف بعض السياسيين السودانيين من أن إنشاء هذه القاعدة قد ينجم عنه تحويل السودان والمنطقة إلى ميدان صراع للقوى العظمى.
ختامًا
يمكن القول أن روسيا تسعى من خلال اتفاقها مع الحكومة السودانية إلى تأسيس تواجد طويل الأمد يتخذ من السودان بوابة استراتيجية إلى العمق الإفريقي خاصة في أفريقيا ومنطقة الساحل، خاصة أن موسكو تنتهج سياسة اختراق المناطق الهشة لتملأ الفراغ الأمريكي والغربي حيث سعت لتعزيز تواجدها داخل القارة الإفريقية من خلال تعاونها العسكري مع العديد من الدول الإفريقية كمالي والنيجر وبوركينا فاسو، وعليه سيشهد السودان حالة من التنافس المحتمل على كسب النفوذ بين الغرب وروسيا، شأنه في ذلك شأن العديد من دول القارة ويعزز من احتمالات ذلك السباق المحتدم بين الطرفين على تعزيز الوجود في أفريقيا على كافة المستويات.
المصادر:
[1] روسيا والسودان “اتفاق مرتقب” يصطدم بمخاوف الجيران وتحذيرات واشنطن، الشرق بلومبرغ، 8 يونيو 2024م، متاح على: https://asharq.com/politics/90622
[2] أمجد فريد الطيب، روسيا وحرب السودان… متغيرات الدبلوماسية البحرية، المجلة، 27 مايو 2024م، متاح على: https://www.majalla.com/node/318681
[3] بوابة جيواستراتيجية: ماذا تريد روسيا من التقارب مع السودان، الحائط العربي، 2023م، متاح على: https://arabwall.com/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7