المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > الحديث عن اتفاق أمنى (سعودى – أمريكى) يتضمن برنامج نووى للمملكة: الدوافع والمعوقات
الحديث عن اتفاق أمنى (سعودى – أمريكى) يتضمن برنامج نووى للمملكة: الدوافع والمعوقات
- يونيو 9, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
رددت بعض الصحف الغربية خلال الآونة الأخيرة، أنباءً عن اقتراب السعودية والولايات المتحدة، من إبرام اتفاقات أمنية ودفاعية تتضمن برنامجًا نوويًا سلميًا للمملكة، وهو ما يتفق مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، يوم 21 مايو 2024، والتى أكد خلالها أن “واشنطن والرياض توصلتا إلى مجموعة شبه نهائية من الترتيبات فى مجالات الطاقة النووية والتعاون الأمنى والدفاعى”[1].
وكان من المفترض أن تأتى هذه الاتفاقات ضمن صفقة أمريكية تهدف لتحقيق السلام بين السعودية وإسرائيل، وذلك وفقًا لتقارير نشرتها صحيفتا “وول ستريت جورنال وواشنطن بوست” فى أغسطس 2023، ولكن جاءت حرب غزة لتعرقل إتمام هذه الصفقة، خاصةً مع إصرار السعودية على أن يشتمل أى اتفاق على اعتراف إسرائيلى بمسار إقامة دولة فلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل، ولذلك من المرجح أن يقتصر الأمر حاليًا على المكون الأمنى والنووى فقط بين الرياض وواشنطن.
وبغض النظر عن مدى صحة الأنباء الواردة عن هذا الاتفاق، إلا أنها تؤكد مرة أخرى على رغبة السعودية فى امتلاك برنامج نووى سلمى، وقد باتت هذه الرغبة واضحة وصريحة وقائمة على أرض الواقع، وهو الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات حول دوافع المملكة لامتلاك مثل هذا البرنامج، والمعوقات التى قد تقف فى مسار تقدم البرنامج النووى السعودى.
مساعٍ سعودية مستمرة لامتلاك الطاقة النووية:
الحديث عن الرغبة السعودية فى الحصول على برنامج نووى سلمى ليس أمرًا جديدًا، بل إن المملكة بذلت جهودًا حثيثة على مدار سنوات عدة، من أجل الحصول على الطاقة النووية؛ حيث[2]:
فى العام 2010؛ أعلنت المملكة تأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، بهدف ضمان مستقبل مستدام للطاقة، وإضافة الطاقة الذرية والمتجددة إلى مصادر الطاقة المعتمدة من قبل السعودية.
فى العام 2011؛ أعلنت السعودية عزمها الاستثمار فى بناء 16 مفاعلًا نوويًا على مدار عقدين مقبلين بمبلغ قدره 80 مليار دولار، وجرى تأكيد هذا الإعلان مرة أخرى فى عام 2013.
فى العام 2017؛ وقعت المؤسسة النووية الوطنية الصينية مذكرة تفاهم مع هيئة المسح الجيولوجى السعودية، وذلك بهدف إجراء مسح عن رواسب اليورانيوم، وفى يونيو من العام نفسه، أطلقت الرياض المشروع الوطنى للطاقة الذرية، وتبع ذلك تعاون (سعودى – صينى) فى التنقيب عن اليورانيوم فى ثمانية مواقع داخل المملكة.
فى العام 2018؛ دشن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، أول مفاعل نووى بحثى منخفض الطاقة فى المملكة، وذلك ضمن خطط بلاده فى تطوير صناعة المفاعلات النووية، وتأهيل الكوادر البشرية لتشغيل تلك المفاعلات، بالإضافة إلى تأهيل الشركات الوطنية فى تصنيع بعض أجزاء من المفاعلات.
وكذلك أعلنت الرياض رغبتها فى إدخال الطاقة الذرية السلمية ضمن مزيج الطاقة الوطنى، والإسهام فى توفير متطلبات التنمية الوطنية المستدامة التى تنص عليها رؤية المملكة 2030.
فى العام 2019؛ أعلنت السعودية عزمها تخصيب اليورانيوم من أجل برنامجها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، موضحة أن برنامجها للطاقة النووية سيبدأ بمفاعلين يبلغ مجموعهما 3-4 جيجاوات، على أن تقوم لاحقًا بتوسيع قطاع الطاقة النووية لديها، حتى تصل لخطتها الأولى وهى بناء 16 مفاعلًا.
وفى العام نفسه، وقعت المملكة والصين اتفاقية بقيمة 10 مليارات دولار، تهدف إلى تطوير مجمع للتكرير والبتروكيماويات، كما أبرمت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة اتفاقية تأسيس وتشغيل مركز للأبحاث والتطوير المشترك مع معهد أبحاث الطاقة الذرية الكورى، وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز ودعم التعاون المستمر بين الطرفين فى مجال البحث والتطوير السلمى النووى.
فى العام 2020؛ أفادت صحيفة وول ستريت جورنال فى الرابع من أغسطس، بأن الصين قد أقامت منشأة فى الصحراء السعودية لتحويل خام اليورانيوم إلى الكعكة الصفراء، وهى مرحلة تسبق عملية التخصيب، وفى اليوم التالى، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا زعم أن هناك مبنيين بالقرب من الرياض يُحتمل أن يكونا منشأتين نوويتين غير معلن عنهما.
وكذلك أشار تقرير لوكالة الطاقة النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن السعودية أنفقت أكثر من 37 مليون دولار منذ عام 2017 بهدف البحث عن اليورانيوم.
فى العام 2022؛ تأسست الشركة السعودية القابضة للطاقة النووية، لتكون كيانًا قانونيًا مستقلًا، يقوم بمتابعة وتحقيق المصالح التجارية لمشروع الطاقة الذرية عن طريق المشاركة والاستثمار محليًا وعالميًا، بالإضافة إلى تطوير وامتلاك وتشغيل الأصول النووية.
وفى أواخر العام، أعلنت السعودية مناقصة لبناء أول محطة نووية تتكون من وحدتى إنتاج الكهرباء، وذلك ضمن خططها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية من خلال الوصول إلى 17 جيجاوات من الطاقة النووية بحلول عام 2040.
فى العام 2023؛ صرح وزير الطاقة السعودى عبدالعزيز بن سلمان، خلال كلمة ألقاها فى منتدى مستقبل المعادن الذى عُقد بالرياض فى يناير 2023، بأن لدى المملكة كمية هائلة من موارد اليورانيوم، وأنها ستسعى إلى استغلالها، موضحًا أن خطط السعودية ستتضمن الدورة الكاملة لإنتاج الوقود النووى التى تحتوى على الكعكة الصفراء، واليورانيوم منخفض التخصيب، وإنتاج الوقود النووى للاستهلاك المحلى وللتصدير.
وفى أغسطس من العام ذاته؛ ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن السعودية تعتزم تقديم طلبات لبناء محطة للطاقة النووية، إلى عدد من الدول، من بينها الصين وفرنسا وروسيا.
فى أبريل 2024؛ أوضحت شركة أرامكو السعودية، أنها تبحث مع شركة رونغشنغ الصينية للبتروكيماويات، إمكانية إنشاء مشروع مشترك فى شركة مصفاة أرامكو السعودية الجبيل “ساسرف”.
دوافع عدة للمملكة:
تعود الرغبة السعودية الملحة فى امتلاك برنامج نووى سلمى إلى مجموعة من الدوافع التى تتزايد مع مرور الوقت وتشابك الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية؛ حيث[3]:
1- الدوافع الاقتصادية:
تنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على محطات الطاقة الغازية، وهو ما يدعم خطط المملكة لرؤية 2030 فى تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفورى، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة فى تطوير مشاريع الطاقة المستقبلية.
دخول الطاقة النووية وتقنياتها فى مختلف القطاعات، مثل القطاع الزراعى والطبى والفضائى والكهربائى، ومن ثم؛ فإن الاستثمار فى البرنامج النووى السعودى، سيسهم فى تطوير الأنشطة الاقتصادية والخدماتية المختلفة.
استخدام رواسب اليورانيوم المحلية المكتشفة مؤخرًا لتزويد مفاعلات جديدة بالوقود وتوليد الكهرباء، سيمكن المملكة من تصدير معظم نفطها، الذى ما زال إنتاجه الأكثر رخصًا فى العالم، وما زال ضروريًا لتمويل انتقال السعودية إلى اقتصاد أكثر تنوعًا فى العقود القادمة، وبالتالى؛ تعزيز مكانة الرياض فى سوق الطاقة الدولية.
مع تزايد السكان، يزداد الطلب على المياه فى السعودية، وهو ما جعلها من بين الدول الأولى عالميًا فى مجال تحلية مياه البحر، إلا أن هذه العملية تستهلك الكثير من الطاقة لإتمامها، وستستهلك أكثر مستقبلًا مع زيادة الطلب وبناء محطات تحلية جديدة، ومن ثم؛ فإن الطاقة النووية ستكون سبيلًا لتخطى هذا التحدى، وضمان الأمن المائى للسعوديين، خاصةً مع التغيير المناخى الذى يهدد المصادر المائية.
وبناءً عليه؛ يسمح البرنامج النووى السعودى بزيادة صادرات المملكة من النفط والغاز المستخدم اليوم فى إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وإنتاج الطاقة الحرارية للعمليات الصناعية، فضلًا عن دوره فى تنويع مصادر الدخل الناتج عن الطاقة، وبذلك تكون المملكة قد عبرت عصر النفط.
2- الدوافع الأمنية:
فى ظل الانسداد السياسى فى الملف النووى الإيرانى، واستمرار إيران فى تطوير برنامجها النووى، والحديث عن اقترابها من إنتاج قنبلة نووية، تتزايد رغبة المملكة فى أن يكون لديها برنامجها النووى، ليوفر لها ما يُعرف بـ”الردع النووى”، وذلك فى حال وصلت طهران إلى حد امتلاك سلاحًا نوويًا.
وقد أعلنت الرياض صراحةً عن مخاوفها الأمنية، حيث صرح ولى العهد السعودى فى مارس 2018، بأن “لا تريد المملكة العربية السعودية امتلاك أى قنبلة نووية، ولكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها فى أقرب وقت ممكن”، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان على الأمر مجددًا خلال لقائه مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية فى سبتمبر 2023، قائلًا “إذا نجحت إيران فى تطوير سلاح نووى، سيتعين علينا أن نحصل على سلاح نووى”.
وهو ما يعنى أن البرنامج النووى السعودى قد يتطور أكثر من أجل تحقيق التوازن الإستراتيجى فى مواجهة إيران، وهذا لا يتعارض مع الاتفاق الذى رعته الصين بين الرياض وطهران، فتهدئة التنافس بين البلدين فى عدد من الجهات فى المنطقة، لا تعنى تسوية الجانبين للملف النووى الإيرانى، نظرًا لكونه أحد أهم العقبات بينهما.
3- الدوافع السياسية:
ترغب السعودية فى امتلاك عناصر قوة فى سياستها الخارجية، بما يؤمن لها تحقيق أهدافها فى المنطقة والعالم دون أن تكون رهنًا لقوى أخرى، ولذلك تسعى فى أن يكون لديها هى الأخرى مكونًا نوويًا خاص بها، خاصةً وأن هناك قوى عربية فى المنطقة تمتلكها، مثل الإمارات التى أصبحت أول دولة عربية تقوم بتشغيل محطة للطاقة النووية.
كما يرتبط المشروع النووى السعودى بالمحافظة على ثقل مركز المملكة الإقليمى فى المنطقة، حيث إن حصول الرياض على الطاقة النووية سيُعد مصدر دخل جديد لها يمنحها ثقلًا جيوسياسيًا أكبر، كما يضع أقدامها على الطريق النووى بوصفها قوة إقليمية مركزية ولاعبًا دوليًا مؤثرًا.
ماذا عن دوافع الولايات المتحدة؟:
لا شك أن الولايات المتحدة لديها أيضًا دوافعها التى تدفعها نحو إتمام الاتفاق المزعم؛ حيث:
إذا لم تستجيب الولايات المتحدة للرغبة السعودية، فقد تلجأ المملكة إلى دول أخرى مثل الصين، للحصول على المساعدة فى التكنولوجيا النووية، ولذلك تريد واشنطن عقد مثل هذا الاتفاق حتى تهمش أى نفوذ صينى فى هذا الملف.
سيصب الاتفاق فى صالح الشركات الأمريكية المتخصصة فى هذا المجال، والتى ستربح مليارات الدولارات إذا حصلت على عقود بناء وتشغيل المنشآت النووية السعودية.
قد يكون الاتفاق مقدمة لتحقيق سلام بين السعودية وإسرائيل بعد تهدئة الأوضاع فى غزة، وهذا سيكون بمثابة إنجاز كبير لإدارة الرئيس جو بايدن الذى يأمل فى أن يُعاد انتخابه لفترة ثانية.
تأمل واشنطن أن يؤدى التعاون الوثيق بينها وبين السعودية فى المجال النووى، إلى تعزيز التقارب بين البلدين فيما يخص سياسة المملكة النفطية، خاصةً وأن إدارة بايدن تفضل أن تظل أسعار النفط منخفضة فى الفترة التى تسبق الانتخابات.