المقالات
الحديث عن هجوم إسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية… الرسائل والدلالات
- أبريل 19, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
استمرارًا لحالة الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، أفادت وسائل إعلام إيرانية في ساعة مبكرة من صباح اليوم 19 أبريل 2024، بسماع دوي انفجارات في مدينة أصفهان بوسط إيران، والتي يُقال أنها جاءت جراء هجوم إسرائيلي استهدف مناطق قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية العسكرية التابعة للجيش الإيراني. وقد اختلفت الروايتان الإيرانية والإسرائيلة حول الحادث؛ حيث:
– الرواية الإسرائيلية؛ صرحت تقارير صحافية، نقلًا عن مسؤوليين أمريكيين وإسرائيليين، بأن الجيش الإسرائيلي شن هجومًا جويًا داخل إيران، ردًا على الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة الذي استهدف الأراضي الإسرائيلية يوم 13 أبريل الجاري، حيث وفقًا لصحيفة جيروزاليم بوست، فقد تم استهداف قاعدة هشتم شكاري العسكرية لأنها من ضمن القواعد التي انطلقت منها المسيرات التي هاجمت إسرائيل.
كما أفادت تقارير بأن تل أبيب أخطرت الولايات المتحدة بالهجوم مسبقًا؛ إذ أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل وشبكتا “NBC NEWS” و”CNN” ، أن إسرائيل أبلغت واشنطن يوم 18 أبريل، بأنها تعتزم مهاجمة إيران خلال الساعات القادمة، فيما أكدت شبكة NBC News أن الولايات المتحدة لم تشارك في الهجوم.
وبينما لم تتبنى تل أبيب الهجوم حتى الآن، علقت النائبة الإسرائيلية طالي جوتليب، عضوة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، على الحادث بـ”إسرائيل دولة قوية ومقتدرة، تستعيد قوة الردع لديها”، فيما وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الهجوم بـ”الضعيف”.
– الرواية الإيرانية؛ نفت طهران تعرضها لهجوم من الخارج، مؤكدة أنه لا هجوم صاروخي على البلاد، فيما أوضحت إيران أن دوى الانفجارات جاءت نتيجة لتصدي أنظمة الدفاع الجوي التي تم تفعيلها على عدد من المحافظات، إلى ثلاث مسيرات تم إطلاقها من قبل أشخاص تسللوا إلى داخل الأراضي الإيرانية، مشددة على أنه تم إسقاط الطائرات المسيرة بنجاح ودون حدوث أي أضرار.
وفي أعقاب هذا الهجوم، قامت السلطات الإيرانية بإغلاق المجال الجوي وتعليق الرحلات الجوية لمطارات طهران وأصفهان وشيراز والمطارات الغربية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية، فيما غيرت شركات الطيران مسارات رحلاتها سريعًا فوق إيران وحولت رحلاتها إلى مطارات بديلة أو أعادت الطائرات إلى نقاط انطلاقها، ولكن بحلول الساعة 0445 بتوقيت غرينتش، أُعيد فتح المطارات والمجال الجوي واستئناف الرحلات الجوية في مطارَي الخميني الدولي ومهرآباد بطهران.
وجدير بالذكر أن هذا الحادث أثار ردود فعل عربية وإقليمية ودولية سريعة، والتي بدورها حذرت من تبعات اتساع دائرة الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث:
- أعربت مصر عن قلقها البالغ تجاه استمرار التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران، محذرة من عواقب اتساع رقعة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة، وآثارها الخطيرة على أمن وسلامة شعوبها، مطالبة الطرفين بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والامتثال الكامل لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مؤكدة أنها ستستمر في تكثيف اتصالاتها مع جميع الأطراف من أجل احتواء التصعيد الجاري.
- صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن بكين تعارض أي عمل من شأنه تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، فيما دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الدولتين وحلفاءهما إلى الامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات التصعيدية.
- أدان ناطق باسم وزارة الخارجية في سلطنة عُمان، الهجوم الإسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية، مشيرًا إلى أن السلطنة تناشد مجددًا المجتمع الدولي بضرورة معالجة أسباب وجذور التوتر والنزاع عبر الحوار والدبلوماسية والحلول السياسية.
- أعادت السفارة الأمريكية في إسرائيل فرض قيود على حركة موظفيها، فيما أصدرت أستراليا تحذيرًا مماثلًا، وحثت مواطنيها على إعادة النظر في السفر إلى إسرائيل.
رسائل ودلالات الهجوم:
1- رغبة مشتركة في عدم تجاوز قواعد الاشتباك؛ حيث يتضح من الهجوم الإسرائيلي على أصفهان ومن قبله الهجوم الإيراني على تل أبيب، أن الدولتان لا يرغبان في تحويل الوضع الراهن إلى حالة حرب شاملة إدراكًا منهما لخطورة تداعيات هذه الحرب في حال حدوثها، ولذلك فإنهما يتبادلان الضربات بشكل محدود ووفقًا لقواعد الاشتباك الحاكمة للصراع الإيراني الإسرائيلي، دون وقوع ضحايا أو أضرار، مما يشير إلى رمزية تلك الضربات، وهناك العديد من المؤشرات والمعطيات الدالة على هذه الرغبة؛ منها:
- سعي إيران إلى التقليل من تأثير الهجوم، وتجنبها إلقاء مسؤولية الحادث على إسرائيل سريعًا، عكس ما كانت تفعل في الهجمات المماثلة في الآونة الأخيرة، والتي دائمًا ما سارعت طهران باتهام تل أبيب بالوقوف وراءها.
- عدم إعلان إسرائيل رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم، وطلب وزارة خارجيتها من ممثلياتها بالخارج، الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات بشأن الضربة الإسرائيلية على أصفهان.
- تنفيذ الهجوم بشكل محدود ورمزي، يسمح لإيران بأن تتغاضى عنه، دون الحاجة لجولة أخرى من تبادل الضربات مع إسرائيل، وكأن هناك رغبة بإغلاق الملف وعدم التصعيد لأكثر من ذلك.
2- التلويح بإمكانية الوصول للمنشآت النووية الإيرانية في الداخل؛ حيث يشير هذا الحادث إلى أن إسرائيل لديها القدرة على الضرب في العمق الإإيراني، وأن البرنامج النووي الإيراني ليس بمعزل عن الضربات الإسرائيلية، ولذلك اختارت تل أبيب مدينة أصفهان حيث توجد العديد من المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة نطنز التي تُعتبر محور البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم.
ولذلك؛ سارعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتأكيد على عدم وقوع أي ضرر في المواقع النووية الإيرانية في الهجوم، مشددة على أن المنشآت النووية لا ينبغي أن تكون أبدًا هدفًا في الصراعات العسكرية، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس بأقصى درجة، فيما أكدت وكالة تسنيم الإيرانية على سلامة المنشآت النووية في أصفهان، موضحة أنها آمنة بالكامل.
3- دور محوري للطائرات المسيرة في الصراع بين الدولتين؛ يبدو من الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل سواء العلنية أو خلال حرب الظل التي حكمت التنافس بينهما في السنوات الماضية، أن سلاح المسيرات بات ورقة رابحة ومؤثرة في الصراع بين طهران وتل أبيب، وهذا يعود لبرنامج المسيرات الذي طورته الدولتان، إذ تمتلك إيران ترسانة طائرات مسيرة تقارب الـ10 آلاف مسيرة، فيما تُعد إسرائيل رائدة في مجال تكنولوجيا الطائرات المسيرة، فتمتلك مثلًا مسيرات من طراز “هيرون” القادرة على التحليق لأكثر من 30 ساعة، وهو ما يكفي لتنفيذ عمليات بعيدة المدى.
4- تبعات اقتصادية مقلقة للصراع الإيراني الإسرائيلي؛ لا شك أن الضربات المتبادلة بين الدولتين تنمي مخاوف احتدام الصراع وتحويله إلى حرب شاملة موسعة، وهو ما يثير بدوره انعكاسات سلبية سواء على أسعار النفط أو حركة التجارة العالمية.
ولذلك قفزت أسعار النفط بثلاثة دولارات للبرميل اليوم بعد الهجوم على أصفهان، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بـ2.63% إلى 89.74 دولار للبرميل، فيما قفز عقد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بـ2.56% إلى 84.66 دولار للبرميل، كما ربح الدولار على نطاق واسع، وصعد الذهب بـ1%، بينما هبطت العقود الآجلة للمؤشر ستاندرد اند بورز بـ500.
وإجمالًا:
يبدو أن التنافس الإيراني الإسرائيلي بات يأخذ منحى مختلف تمامًا عن الوضع السابق لهجوم السابع من أكتوبر 2023، كما يتضح من الوضع الراهن أن إسرائيل نجحت في تحويل أنظار المجتمع الدولي بعيدًا عن غزة والقضية الفلسطينية، والتركيز على مناوشات طهران وتل أبيب غير الهادفة إلى التصعيد، بل إرسال الرسائل التحذيرية والتأكيد على معادلات توازن القوى الإقليمية حتى ولو تواصلت تلك الضربات الرمزية بين الجانبين.