المقالات
الحرب بين إسرائيل وحماس: السيناريوهات المطروحة لقطاع غزة في نهاية الصراع
- نوفمبر 21, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: مروة سماحة
مقال لفالنتين باسكسون
المقدمة:
تدخل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الثالث والأربعين منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، والتي خلفت حتى الآن أكثر من 11 ألفاً و500 شهيد فلسطيني، بينهم نحو 5000أطفال و3160 امرأة، فضلاً عن 29 ألفاً و800 مصاب، 70% منهم أطفال ونساء وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، ناهيك عن شح المساعدات والافتقار إلى الرعاية الصحية.
وبالرغم من أن الوضع الإنساني في غزة يزداد فجاعة يوم تلو الآخر في ظل إبادة جماعية مُهَندسة يشنها الكيان الإسرائيلي على سكان غزة، في خضم تعنت غربي جامد ضد إحياء مبدأ وقف اطلاق النار في غزة والاكتفاء ببضع ساعات فقط، إلا أن الشاغل الأساسي الآن في أروقة السياسة الغربية هو مصير غزة في مرحلة ما بعد حماس. وانطلاقًا من ذلك، سيتم عرض تحليل نقدي لمقالة فرنسية للكاتبة فالنتين باسكسون تحمل تحت طياتها سيناريوهات مستقبل غزه عقب انتهاء الحرب، بعنوان ” الحرب بين إسرائيل وحماس: الخيارات المطروحة لقطاع غزة في نهاية الصراع” .
أولًا: التعريف بالكاتبة
فالنتين باسكسون هي كاتبة صحفية يسارية التوجه السياسي، من مواليد باريس 1985، حاصلة على درجة الماجستير في الصحافة الرقمية من جامعة كولومبيا عام 2013، ولها مقالات عديدة معنية بالشأن الدولي والصراعات السياسية. فضلًا عن ذلك، تعد باسكسون من أبرز كتاب franceinfo، فيما يخص تغطية وتحليل الشؤون الدولية.
ثانيًا: أهم ما طُرح في المقالة من أفكار
استهلت الكاتبة المقال بالتطورات الميدانية التي اقترفتها الحرب على غزة، ناهيك عن تفاقم الأمن الإنساني بالقطاع مسلطة الضوء على عدد القتلى والاصابات من الجانب الفلسطيني وفقًا لوزارة الصحة بغزة، والجانب الإسرائيلي وفقًا للقناة 13 الإسرائيلية، معربة عن خلو مسؤوليتها من صحة عدد القتلى والمصابين من الجانب الفلسطيني .
ثم انتقلت لتعرض أبرز السيناريوهات المستقبلية المطروحة لقطاع غزة نافية وجود أثر لحماس في المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب وأن حماس لن تكون جزءًا من المعادلة هكذا كما أفاد جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض في 7 نوفمبر. ومن أبرز تلك السيناريوهات ما يلي:
تسليم حكم القطاع إلى اشراف أُممي
وأعربت الكاتبة أن سيناريو خضوع غزة لإدارة دولية مؤقته عقب الصراع هو حل محل اتفاق لعديد من الأصوات، على رأسهم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيليبان والذي أدلى بأن افضل استراتيجية هي أن تكون هناك ادراة دولية وانهاء سيطرة إسرائيل على غزة، وتلك الإدارة من الممكن أن تكون عربية خالصة أو هجين بين العرب وبعض من أعضاء المجتمع الدولي تحت رعاية الأمم المتحدة، وأن الأساس من تلك الإدارة المؤقتة هو توفير الرعاية للمدنيين وتلبية احتياجاتهم وتجريد المنطقة من السلاح.
وأكدت الكاتبة أن إدارة الأمم المتحدة للقطاع أطروحة ليست بالبعيدة، فالأمم المتحدة تقوم بالأشراف على اللاجئين الفلسطينيين وتقديم المعونات لهم، ويمثل اللاجئين من الشعب الفلسطيني قرابة 71% من السكان وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط ( الأونروا)، وترى فالنتين أن الاونروا تمثل شكل من أشكال الحكومة داخل غزة، وبالتالي فإن توسيع نفوذها سيكون إيجابي لاعتبارات تتعلق بتلبية الاحتياجات الأساسية والحفاظ على الخدمات العامة في القطاع بعد الحرب.
تسليم مسؤولية القطاع إلى السلطة الفلسطينية
يعد هذا الاحتمال هو المفضل لدى زعيم المعارضة الإسرائيلي جاير لابيد وهو أن تسلم إسرائيل القطاع مرة أخرى إلى السلطة الفلسطينية، وكان للكاتبة رأي مخالف لذلك، حيث أن السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس تفتقر بشكل كبير إلى الشعبية الفلسطينية، ففي سبتمبر، كان 76% من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع غير راضين عن تصرفات محمود عباس، لأسباب تتعلق بضعف سلطته وافتقارها للشرعية والديموقراطية ولاسيما في ظل جمود العملية الانتخابية .
احتلال إسرائيل لقطاع غزة
تشير الكاتبة أن فكرة احتلال غزة ليست بالمستحيلة فسبق واحتلتها إسرائيل من عام 1967 إلى عام 2005 ثم خضع لحصار إسرائيلي عام 2006، وها قد سبق وطرح نتنياهو أن إسرائيل ستتولى السيطرة على القطاع بعد الحرب لأجل غير مسمي، وبالرغم من أن هذا الأمر عارضته السياسة الأمريكية بشدة، فإنه ممكنًا وليس بالبعيد وخصوصًا إذا كانت الحكومة الإسرائيلية يمينية ولديها مساعي قوية لتوسيع العملية الاستيطانية.
وفي السياق نفسه، أفادت الكاتبة أن ما حدث في 7 أكتوبر عزز بشكل واسع فكرة أن الأمن القومي الإسرائيلي لا يمكن ضمانه إلا من خلال إعادة احتلال غزة وهذا ما يتفق عليه طبقة ليست بصغيرة من المجتمع الإسرائيلي. ويرى آخرون بما فيهم إيلي كوهين وزير الخارجية الإسرائيلي الذي طرح فكرة تقليص مساحة القطاع بعد انتهاء الحرب، وتعقيبًا على ذلك نوهت الكاتبة أن كل خيار متعلق باحتلال القطاع سواء كان بشكل ضيق أم واسع سيكون مرفوض بموجب القانون الدولي، بالإضافة لكونه كارثة إنسانية سيتبعها تهجير قسري للسكان في غزة، وهذا أمر ستقف حيالة الدول العربية ولاسيما مصر والأردن.
ثالثًا: الجانب التحليلي
أولًا: تناولت الكاتبة فالنتين باسكسون مستقبل قطاع غزة بشكل فيه الكثير من الموضوعية، ولكن لفت نظري مسألة تشكيكها في عدد القتلى من الجانب الفلسطيني وخلو مسؤوليتها عن صحة الأرقام. ويستمر التساؤل الى متى سيستمر التشكيك في عدد القتلى الفلسطينيين وأخذ المسألة على محمل من عدم اليقين والاستباحة بالرغم من أن المعلومات صادرة عن وزارة الصحة بغزة، ويأتي ذلك على عكس موقفها من صحة عدد القتلى من الجانب الإسرائيلي، وأجد أن في ذلك تنصل من الموضوعية وشيء من الازدواجية في المعايير.
ثانيًا: بالنسبة لسيناريو أن تكون إدارة القطاع أممية فهو بعيد ولكن ليس مستبعد، أرى أن تلك المهمة في غاية الصعوبة بالنسبة للأمم المتحدة من حيث إدارة القضايا الأمنية و الإدارية اليومية، كدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية التي سبق وكانت تدفعها حماس، وحتى وأن تولت الإدارة فستكون فترتها قصيرة المدى، وبالنسبة للدول العربية التي من الممكن أن تشارك تحت الرعاية الأممية، ففي الغالب سيكون هناك تردد كبير من جانب الامارات والسعودية بالنسبة للمشاركة، وبالنسبة لمصر ستكون الدولة المرحب بها من الناحية الدولية والإسرائيلية ايضًا، وبالنسبة لقطر، فوارد جدًا أن تقوم إسرائيل بالنقض ضد أي دور مستقبلي لقطر في القطاع الفلسطيني.
ثالثًا: في السيناريو الثاني الذي يدور حول تسليم إدارة غزة إلى السلطة الذاتية، أرى أن ذلك الحل هو الأقرب ولاسيما في حالة تبديل محمود عباس بقائد آخر يحظى بدعم شعبي، فهناك بغض شعبي كبير من الفلسطينيين اتجاه عباس بسبب ضعف موقفه إزاء الحرب بغزة وهناك من يتهمونه بالفساد والعجز عن حماية شعبه، ومن المحتمل ان يقتظ القطاع مرة أخرى بالصراعات بين الفصائل المسلحة مع حركة فتح، فالقضاء على حماس لا يعني القضاء على الفصائل المسلحة. وبالتالي فهذا السيناريو مستبعد حال طرأت تغيرات بتغيير محمود عباس، سيكون الأقرب.
رابعًا: بالنسبة للسيناريو الثالث واحتلال إسرائيل لقطاع غزة، أرى أن السيناريو الأقرب الأكثر واقعية هو أن تقتص إسرائيل مساحة من غزة وتكون منطقة عازلة لكي تؤمن نفسها من أي غارة إرهابية ممكنة الحدوث من ذلك القطاع، وبالنسبة للقانون الدولي، فإسرائيل دائمًا ما تتنصل من القانون الدولي ولطالما كانت فوق كل الموازيين، وبالتالي فلن يكن عليها حرج في ذلك، وسيتم تبرير ذلك عالميًا بأنه حماية لأمنها القومي ليس بإلا، ثم يتوسع الكيان شيئًا شيئًا في القطاع.
خامسًا: لقد اغفلت الكاتبة عنصر في غاية الأهمية إبان حديثها عن مخطط مستقبل غزة في مرحلة بعد حماس، وهو فرص حل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية، وهذا أمر فأساسه دلالة مشوبة بأن الأمل في حل الدولتين أصبح شيء من المستحيلات التي يصعب بالكاد التنبؤ بها. وهذا أمر في غاية الخطورة ولن يحعل غزة إلا بؤرة للمقاومة وأعمال العنف ضد الكيان الإسرائيلي. الأمر ليس حماس فحسب، ولكن جذور الصراع والاحتلال المسلح الوحشي الإسرائيلي الذي لا طالما لا تذكره الصحف الغربية.
وقد أكد الكاتب السياسي الأمريكي توماس فريدمان سابقًا أن الحل الاستراتيجي أمام إسرائيل لكي تضمن أمنها القومي وتعيد ما فقدته من ثقة بعد العملية التي شنتها حماس باسم طوفان الأقصى، هو حصولها على دعم مادي كبير من أمريكا لمحاربة كل أشكال التطرف والإرهاب، وهذا لن يبدأ إلا إذا غير نتنياهو من سياسته الجامدة لأنه يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية في المنطقة بشكل كبير، وذلك يبدأ باختصار بإحياء مبادرات سلام إسرائيلية مع الجانب الفلسطيني المفترض أن يكون متوحد وإحياء فكرة حل الدولتين من جديد والعمل على تطبيقها بإخلاء بعض من الكيبوتس الإسرائيلية على الضفة الغربية، وبالتالي ستساعد أمريكا إسرائيل بشكل كبير في خلق تحالفات عربية في المنطقة وستساعدها بشكل مادي في حربها على حماس، وهذا من مالاته توطيد الاستقرار ف كلتا إسرائيل وفلسطين، ولكن وفقًا لحكومة نتنياهو الأسوأ في تاريخ إسرائيل لن تقبل بذلك مطلقًا، بل سيقوم نتنياهو بالتوسع أكثر واقتصاص غزة بشكل لن يضمن استقرار إسرائيل بتاتًا.
ختامًا:
بعدما شنت حماس عبر جناحها المسلح كتائب عز الدين القسام هجومها على إسرائيل، أصبح الأمن القومي الإسرائيلي هاجس شعبي وحكومي، لذا فإن الحكومة الإسرائيلية ستولي له اهتمام بالغ في سياستها القادمة ، وبالتالي ستفعل ما بوسعها لفرض سيطرتها على القطاع سواء بالاحتلال الكامل أو الاقتصاص في مرحلة ما بعد الحرب، حتى تمارس الخناق عليه، وتقلل من فرص نشوب عمليات إرهابية مثلما حدث في السابع من أكتوبر. ولكن كل ما ستفعله إسرائيل من تضييق وحصار لن يساعد في إخماد المقاومة واستأصالها بل سيعمل على تأجيجها، حتى إذا انتهت حماس، فالمقاومة فكرة لا تموت هكذا يشهد التاريخ.