شهدتْ المملكةُ المتحدةُ لحظةً حاسمةً في تاريخِها السياسيِ، حيث أُجريتْ الانتخاباتُ العامةُ يومَ الخميسِ 4 يوليو 2024، وسطَ توقعاتٍ وتحليلاتٍ مكثفةٍ حول إخفاق حزب المحافظين، حيث تأتِي هذه الانتخاباتُ في ظلِ اضطراباتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وتقلباتٍ نجمتْ عن خروجِ بريطانيا من الاتحادِ الأوروبيِ، وهو الحدثُ الذي أعادَ تشكيلَ الخارطةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ للبلادِ منذُ أوائلِ عامِ 2020، ومنذُ الانتخاباتِ البرلمانيةِ الأخيرةِ في عام 2019، عانت بريطانيا من تباطؤٍ اقتصاديٍ حادٍ وتوتراتٍ سياسيةٍ كبيرةٍ نتيجةَ سياساتِ حزبِ المحافظينَ الذي حكمَ البلادَ لمدةِ 14 عاماً.
الانتخاباتُ التشريعيةُ البريطانيةُ:
على وقعِ الانتخاباتِ البرلمانيةِ الأخيرةِ في المملكةِ المتحدةِ عام 2019، واجهتْ بريطانيا موجةَ اضطراباتٍ محتدمةٍ نتيجةَ خروجِها من الاتحادِ الأوروبي، مروراً بجائحةِ كورونا، مما أدىَ إلى تباطؤِ النظامِ الاقتصاديِ وحدوثِ حالةٍ من الفوضَى في النظامِ السياسيِ بسببِ سياساتِ المحافظين، ومن هنا جرتْ الانتخاباتُ التشريعيةُ البريطانيةُ يومَ الخميس 4 يوليو، في خطوةٍ هامةٍ لإعادةِ النظامِ وإنهاءِ حكمِ المحافظينَ الذي دامَ 14 سنة، وانتهتْ بفوزٍ ساحقٍ لحزبِ العمالِ بقيادةِ كير ستارمر الذي اكتسحَ مئاتِ المقاعدِ في جميعِ أنحاءِ البلادِ، إذ حصلَ حزبُ العمالِ على 410 مقعداً في البرلمانِ من أصلِ 650، مقابل 131 مقعداً للمحافظين، وهو أقل بـ 243 مقعداً مقارنةً بانتخاباتِ عام 2019، ثم جاءَ في المركزِ الثالث حزب الديمقراطيين الليبراليين بحصولِهم على 61 مقعداً، يليهِ حزبُ الإصلاحِ البريطانيِ الشعبويِ بـ 13 مقعداً، وحل الحزب الوطني الأسكتلندي في المركزِ الخامسِ بـ 10 مقاعدَ بعد فقدانهِ 38 مقعداً كان قد حصلَ عليها في الانتخاباتِ الماضيةِ، بينما حصلَ المستقلونَ على 6 مقاعدَ، والحزبِ الديمقراطِي الوحدويِ بـ5 مقاعد.[1]
ومن خلالِ هذه النتائجِ، يبدو أن حزبَ العمالِ حققَ انتصاراً ساحقاً، مما يشكلُ زلزالاً سياسياً وتحولاً كبيراً في السياسةِ البريطانيةِ خاصةً بعدما أنهى 14 عاماً من حكمِ حزبِ المحافظين، وتم تعيينُ ستارمر رئيساً للحكومةِ، مستلماً مهام منصبهِ في 10 داونينغ ستريت من رئيسِ الوزراءِ السابقِ ريشي سوناك، في خطوةٍ حاسمةٍ من شأنهِا إنهاء حقبةٍ تضمنتْ إدارةَ البلادِ من قبل خمسةِ قادةٍ مختلفين من المحافظينَ. وبناءً على ما سبقَ، تعتبرُ هذه النتائجُ هزيمةً كارثيةً للمحافظين، إذ عاقبهُم الناخبونَ على الـ 14 عاماً وما تضمنتَها من سياساتِ التقشفِ والركودِ الاقتصاديِ، وجائحةِ كورونا، وخروجِ بريطانيا من الاتحادِ الأوروبيِ، والتوتراتِ السياسيةِ والصراعِ الداخلي بين المحافظين، لذلكَ من المتوقعِ أن تتمَ منافسةٌ فوريةٌ لاختيارِ زعيمٍ آخرَ للحزبِ بدلاً من سوناك.
سياساتُ الحكومةِ البريطانيةِ الجديدةِ:
في الواقعِ يبدو أنه ليس هناك اختلافاتٌ كبيرةٌ بين سياساتِ العمالِ والمحافظينَ في التعاملِ مع الأوضاعِ الداخليةِ والخارجيةِ للبلادِ، ولكن تتمحورُ أبرزُ الاختلافاتِ بين الحزبينِ فيما يتعلقُ بقضايا الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ، والحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ والعلاقاتِ مع أوروبا، والموقفِ من الصين، فيما عدا ذلك فنجدُ هناك تشابهٌ بين سياساتِ الحزبينِ، ولكن في الأساسِ سوف ينصبُ التركيزُ على مدى قدرةِ حكومةِ ستارمر على تحسينِ مكانةِ بريطانيا في العالمِ، وكيفية معالجة المشكلات الداخلية بما في ذلك ما يتعلقُ بالأوضاعِ الاقتصاديةِ والاخفاقِ في نموِ الإنتاجيةِ والنظامِ الصحيِ والتعليميِ المتفاوتِ وغيرِها، وبالتاليِ يبدو أن ستارمر ووزيرَ خارجيتهِ سيجدان صعوبةً فيما يتعلقُ بالقراراتِ الأوليةِ بشأنِ السياسةِ الخارجيةِ البريطانيةِ للبلادِ، الأمرُ الذي سيحسمُ مدى قدرتهِم على إعادةِ نفوذِ بريطانيا وسمعتِها والحفاظِ على مصالحِها. وفيما يلي أبرزُ التحولاتِ السياسيةِ البريطانيةِ المنتظرةِ من الحكومةِ الجديدةِ:
1- قضيةُ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ
برزتٰ قضيةُ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ خلال الانتخاباتِ الأخيرةِ كأحدِ أهمِ الهواجسِ الرئيسيةِ للناخبينَ، فقد شهدتْ السنواتُ الأخيرةُ تدفقاً كبيراً للمهاجرينَ عبرَ القناةِ الإنجليزيةِ، مما أثرَ على النظامِ الاجتماعِي والاقتصاديِ في البلادِ، مما دفعَ رئيسَ الوزراءِ البريطانيِ السابقِ بوريس جونسون للإعلان عن خطة رواندا لأولِ مرةٍ، ووصلتْ خليفتهُ ليز ترس ثم ريشي سوناك الحديثَ بشأنهِا إلا أنها أصبحتْ نقطة خلافيةً في الحملاتِ الانتخابيةِ الأخيرةِ، فمنذُ أن تسلمَ كير ستارمر رئاسةَ الحكومةِ، أعلنَ عن عدةِ قراراتٍ كان أبرزُها الإطاحةَ بخطةِ المحافظينَ التي تقضي بترحيلِ المهاجرينَ إلى رواندا، مستبدلاً إياها بوعودِ تحقيقِ النموِ في البلادِ والنهوضِ بالاقتصادِ، مما جعلَ رئيسَ الوزراءِ السابقِ توني بلير يوجهُ نصيحتَه إلى ستارمر بشأنِ وجودِ تهديدٍ يمثلُ تحدياً لحزبِ العمالِ وهو حزبُ الإصلاحِ البريطانيِ المناهضِ للهجرةِ، منوهاً إلى ضرورةِ وضعِ خطةٍ محكمةٍ للسيطرةِ على الهجرةِ.[2]
وبالتالي فقد تواجهُ الحكومةُ البريطانيةُ الجديدة تحديات كبيرة في ملفِ الهجرةِ، إذ تتزايدُ الضغوطُ لإيجادِ حلولٍ مستدامةٍ لموجاتِ الهجرةِ غير الشرعيةِ، لذا سيحتاجُ حزبُ العمالِ بقيادةِ كير ستارمر إلى تبني سياساتٍ تجمعُ بين الحزمِ والإنسانية لضبطِ الحدودِ وتوفيرِ الحمايةِ للاجئين الحقيقيين، بينما يتمُ مواجهةُ تهريبِ البشرِ بشكلٍ فعالٍ، وقد تشملُ هذه السياساتُ تعزيزَ التعاونِ مع الدولِ الأوروبيةِ لتحسينِ إجراءاتِ اللجوءِ وتقاسمِ الأعباءِ، بالإضافةِ إلى تحسينِ نظامِ الهجرةِ الشرعيةِ لجذبِ المهاراتِ والكفاءاتِ التي يحتاجُها الاقتصادُ البريطانُي.
2- الحربُ الروسيةُ الأوكرانيةُ:
تشكلُ الحربُ في أوكرانيا تحدياً دولياً يؤثرُ على السياسةِ البريطانيةِ، إذ يتعينُ على الحكومةِ الجديدةِ تحديدُ موقِفها ودورِها في دعمِ أوكرانيا ضد العدوانُ الروسيِ، مع الأخذِ في الاعتبارِ التوازنُ بين التدخلِ المباشرِ والدعمِ الدبلوماسِي والإنساني، حيث تُعدُ لندن من أكثرِ المؤيدينَ لكييف، وظهرَ ذلك جلياً خلالَ دعمهِا بالمالِ والأسلحةِ وتدريبِ القواتِ الأوكرانيةِ لمساندتهِا في صدِ الغزوِ الروسيِ، ومن المتوقعِ أن تستمرَ بريطانيا في تقديمِ المساعداتِ العسكريةِ والإنسانيةِ لأوكرانيا، مع تعزيزِ التعاونِ مع حلفِ الناتو والاتحادِ الأوروبي لضمانِ استقرارِ المنطقةِ، كما يجبُ على الحكومةِ العملُ على حماية الاقتصاد البريطاني من تبعات الصراع، خاصة فيما يتعلقُ بأسعارِ الطاقةِ والغذاءِ، وضمانِ استمراريةِ إمداداتهِا للمواطنينَ، في هذا السياقِ أكد ستارمر على دعمهِ لكافةِ الجهودِ الغربيةِ الراميةِ إلى محاسبةِ روسيا على سياساتِها في أوكرانيا، بالإضافةِ إلى التنسيقِِ مع الحلفاءِ للتمكنِ من مصادرةِ الأصولِ الروسيةِ المجمدةِ واستخدامهِا لدعمِ أوكرانيا.[3]
3- الحربُ في غزة:
تعتبرُ الحربُ في غزة ملفاً حساساً يتطلبُ موقفاً متوازناً من الحكومةِ البريطانيةِ الجديدةِ، لذا يجبُ على الحكومةِ العملُ على تحقيقِ السلامِ والاستقرار في المنطقة من خلالِ دعمِ الحلولِ الدبلوماسيةِ وتقديمِ المساعداتِ الإنسانية للفلسطينيين المتضررين من النزاعِ، ويتطلبُ ذلك تعزيزَ دورِ بريطانيا في الجهودِ الدوليةِ للوساطة بين الأطرافِ المتنازعةِ، والعملَ على وقفِ إطلاقِ النارِ الدائمِ وإيجادِ حلولٍ دائمةٍ للصراعِ الإسرائيليِ الفلسطيني، كما ينبغي على الحكومةِ التزامُ الحياديةِ والعملُ على تعزيزِ حقوقِ الإنسانِ في المنطقةِ، مما يسهمُ في تحسينِ صورةِ بريطانيا على الساحةِ الدوليةِ.
فقبلَ الانتخاباتِ ظهرَ تأييدُ ستارمر ودعمهُ لإسرائيلَ في حقِ الدفاعِ عن نفسهِا على وقعِ الهجماتِ التي نفذتهَا حركةُ حماس والتي تصنفُ على أنها منظمةٌ إرهابيةٌ من قبلِ ألمانيا والاتحادِ الأوروبيِ والولاياتِ المتحدةِ ودولٍ أخرى، وهو موقفٌ مماثلٌ لحكومةِ سوناك، لكن تكلفةَ ذلك كانت أكبرَ مقارنةً بسوناك، خاصةً في ظل المعارضةِ بين مؤيديِ حزبِ العمالِ للممارساتِ الإسرائيليةِ في غزة، لذلكَ يبدو أن ستارمر سيواجهُ ضغوطاً إذ اتخذَ موقفاً متشدداً من إسرائيل، فضلاً عن أنه سيسعيَ إلى اختبارِ نفوذِ بلادهِ لدى واشنطن بهدفِ الضغط ِعلى تل أبيل، وبالتالي سيكونُ الدورُ الفعالُ لبريطانيا هو عقدَ مناقشاتٍ مع الفاعلينَ الدوليينَ والإقليميين للوصولِ إلى تأثيرٍ فعالٍ في هذا الصددِ.[4]
4- العلاقاتُ مع أوروبا:
تتطلبُ العلاقةُ مع الاتحادِ الأوروبيِ اهتماماً خاصاً من الحكومةِ البريطانيةِ الجديدةِ، خاصةً بعد تبعاتِ خروجِ بريطانيا من الاتحادِ، لذا ينبغي على الحكومةِ العملُ على إعادةِ بناءِ الثقةِ مع الشركاءِ الأوروبيين وتحقيقِ تعاونٍ مثمرٍ في مجالاتِ التجارةِ، والأمنِ، والبيئةِ، وبالتالي سيحتاجُ ستارمر إلى إعادةِ التفاوضِ على بعضِ الاتفاقياتِ التجاريةِ لتسهيلِ حركةِ البضائعِ والخدماتِ، مما يساهمُ في إنعاشِ الاقتصادِ البريطانِي المتضررِ، ويمكنُ أن تتضمنَ السياساتُ أيضاً تعزيزَ التعاونِ الأمنيِ لمواجهةِ التحدياتِ المشتركةِ، مثل الإرهابِ والجريمةِ المنظمةِ، والعملَ سوياً على قضايا البيئةِ والتغيرِ المناخي لتحقيقِ أهدافِ التنميةِ المستدامةِ، ويظهرُ ذلك بوضوحٍ خلالَ الخططِ المعلنةِ لحزبِ العمالِ والسعيِ لإبرامِ اتفاقٍ أمنيٍ جديدٍ بين لندن والاتحادِ الأوروبي، من شأنهِ تعزيزُ وتنسيقُ التعاونِ المشتركِ وإعادةُ بناءِ العلاقاتِ مع الحلفاءِ الأوروبيين مثل فرنسا وألمانيا، ومن المنتظرِ أن يلتقيَ ستارمر مع الرئيسِِ الأمريكيِ وعددٍ من القادةِ الأوروبيين خلالَ قمةِ الناتو التي تنطلقُ في واشنطن الخميسَ المقبلَ.[5]
5- الموقفُ من الصين:
تتطلبُ العلاقاتُ مع الصينِ توازناً دقيقاً بين التعاونِ الاقتصاديِ والحفاظِ على المبادئِ والقيمِ الديمقراطيةِ، حيث تعتبرُ الصينُ شريكاً تجارياً مهماً لبريطانيا ولكن هناكَ قضايا تتعلقُ بحقوقِ الإنسانِ والأمنِ الوطنيِ تتطلبُ الحذرَ، لذا يجبُ على الحكومةِ الجديدةِ تبني سياسةً تجمعُ بين الحوارِ والتعاونِ الاقتصاديِ، مع الحفاظِ على موقفٍ حازمٍ تجاه القضايا الحساسةِ مثل حقوقِ الإنسانِ في هونغ كونغ وشينجيانغ، كما ينبغي تعزيزُ الشراكاتِ مع الحلفاءِ الدوليين لمواجهةِ التحدياتِ التي تفرضُها الصينُ في مجالاتِ التكنولوجيا والتجارةِ والأمنِ السيبرانيِ، لضمانِ حمايةِ المصالحِ الوطنيةِ البريطانيةِ. وفي الواقعِ لا يلوحُ في الوسطِ البريطانيِ الآن قرارٌ فوريٌ يتعلقُ بالصينِ، فقد وضعَ ستارمر توازناً دقيقاً مماثلاً لحزبِ المحافظينَ فيما يتعلقُ بالتجارةِ ومتابعةِ المشكلاتِ العالميةِ، والدفاعِ عن لندن ضد أي تهديداتٍ، كما اقترحَ العمالُ مراجعةَ العلاقاتِ البريطانيةِ الصينيةِ، الأمرُ الذي من شأنهِ يبرزُ مدى قدرةِ الحكومةِ على التوافقِ مع إجراءاتِ واشنطن ضد بكين، وبالتاليِ يبدو أن ستارمر سيظلُ مجبراً على الانحيازِ لأحدِ الطرفين، ومن المتوقعِ أن تتخذَ الحكومةُ البريطانيةُ قراراً بشأنِ وارداتِ السياراتِ الكهربائيةِ وألواحِ الطاقةِ الشمسيةِ من الصينِ.[6]
تحدياتٌ تواجهُ الحكومةَ البريطانيةَ الجديدةَ:
تواجهُ الحكومةُ البريطانيةُ الجديدةُ تحدياتٍ كبيرةً بعد فوزِ حزبِ العمالِ الساحقِ في الانتخاباتِ التشريعيةِ، مما يضعُها أمامَ اختبارٍ حقيقيٍ لقدرتِها على تنفيذِ وعودِها الانتخابيةِ وتحقيقِ التغييرِ المطلوبِ الذي أخفقَ فيه حزبُ المحافظينَ، وتتمثلُ أبرزُ تلك التحدياتِ فيما يلي:
أولًا التحدياتُ الاقتصاديةُ:
يأتي الملفُ الاقتصاديُ على أولِ قائمةِ التحدياتِ التي تواجهُ الحكومةَ الجديدةَ، إذ تعتبرُ أزمةُ الدينِ العامِ واحدةً من أهمِ التحدياتِ الاقتصاديةِ التي تواجهُ المملكةَ المتحدةَ، وفقاً لما تشكلُه من تهديدٍ كبيرٍ للاستقرارِ الماليِ ونموِ الاقتصادِ، حيث تصاعدَ الدينُ العامُ بشكلٍ ملحوظٍ خاصةً في الفترةِ الأخيرةِ بسببِ ما تضمنتهُ من زيادةِ الانفاقِ الحكوميِ على البرامجِ الخدماتِ الاجتماعيةِ والبنيةِ التحتيةِ من ناحيةٍ، والأزماتِ الاقتصاديةِ العالميةِ كجائحةِ كورونا من جهةٍ أخرى، فضلاً عن تكلفةِ خروجِ لندن من الاتحادِ الأوروبِي، والحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ والارتفاعِ المتزايدِ في أسعارِ الطاقةِ والغذاءِ، ولذلك تحتاجُ الحكومةُ الجديدةُ إلى اتخاذِ كافةِ الإجراءاتِ الفعالةِ لتخفيضِ مستوياتِ الديونِ وضبطِ الانفاقِ الحكوميِ من دونِ التأثيرِ السلبِي على النموِ الاقتصاديِ والخدماتِ الأساسيةِ للمواطنينَ.[7]
ثانيًا التحديات الاجتماعية:
تتصدرُ ارتفاعُ معدلاتِ الفقرِ وعدمِ المساواةِ أبرزَ التحدياتِ الاجتماعيةِ التي تقفُ في وجهِ الحكومةِ الجديدةِ، كما عانتْ لندن كثيراً من أجلِ النموِ والخدماتِ الصحيةِ والتعليميةِ، ولكن لا يوجدُ في الموازنةِ الماليةِ سوى حيزٍ ضئيلٍ للتغلبِ على تلك التحدياتِ، لذلك يتعينُ على ستارمر وضعُ سياساتٍ فعالةٍ بهدفِ تحسينِ المعيشةِ للأسرِ ذاتِ الدخلِ المنخفضِ، بالإضافةِ إلى توفيرِ الخدماتِ الأساسيةِ للمواطنين كالتعليمِ والصحةِ، وعلى الجانبِ الآخرِ يتعينُ على حزبِ العمالِ التعاملُ بفاعليةٍ مع قضايا الإسكانِ بحيث يتمكنُ المواطنونَ من الحصولِ على سكنٍ ملائمٍ وبأسعارٍ معقولةٍ، كما يأتي ملفُ الهجرةِ ضمنَ أبرزِ الأولوياتِ أمامَ حكومةِ ستارمر، خاصةً بعد أن فشلتْ سياساتُ المحافظينَ المتعاقبةُ في تخفيضِ معدلاتِ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ، لذا سيكونُ من الضروري
تتصدرُ التحدياتُ الأمنيةُ على قائمةِ جدولِ أعمالِ الحكومةِ الجديدةِ، حيثُ يأتيِ في مقدمةِ تلك التحدياتِ قضايا التنظيماتِ الإرهابيةِ، ولذلك تسعي بريطانيا دائماً بكافةِ الطرقِ لمكافحةِ الإرهابِ والتصدي للمشكلاتِ الأمنيةِ من خلالِ عقد اتفاقياتٍ ثنائيةٍ في المجالِ الأمنيِ مع العديدِ من الدولِ، ومن ناحيةٍ أخري يمثلُ الأمنُ البحريُ وسلامةُ المسطحاتِ المائيةِ من أهمِ المتغيرات التي تهتمُ بها لندن، وبالتاليِ لابد من الحكومةِ الجديدةِ أن تتحركَ وفقَ استراتيجياتٍ واضحةٍ للتعاملِ مع المشكلاتِ الأمنيةِ وتأمينِ الحدودِ البريةِ والبحريةِ من خلالِ تأسيسِ بناءٍ استخباراتيٍ قويٍ لمتابعةِ أنشطةِ عصاباتِ الجريمةِ، وحفظِ الأمنِ السيبرانىِ بما يحققُ أمنَ وسلامةَ البلادِ.
ختامًا:
يمكنُ القولُ، أن الانتخاباتِ العامةَ في المملكةِ المتحدةِ لعامِ 2024 شكلتْ نقطةَ تحولٍ جوهريةٍ في المشهدِ السياسيِ البريطاني، حيث أظهرَ الناخبون رغبةً واضحةً في تغييرِ القيادةِ وإعادةِ توجيهِ السياساتِ نحوَ مسارٍ جديدٍ، فوز حزبِ العمالِ بقيادةِ كير ستارمر بفارقٍ كبيرٍ يعكسُ عدمَ رضا الشعبِ عن السياساتِ المتبعةِ من قبلِ حزبِ المحافظين خلالَ الأعوامِ الأربعةَ عشرَ الماضيةِ، ويعبرُ عن تطلعهِم إلى رؤيةٍ مستقبليةٍ أكثرَ استقراراً وازدهاراً، كما تواجهُ الحكومةُ الجديدةُ تحدياتٍ كبيرةً تتطلبُ جهودًا جبارةً وتخطيطًا استراتيجيًا محكماً، على صعيدِ الهجرةِ، يحتاجُ كير ستارمر وفريقهُ إلى صياغةِ سياساتٍ متوازنةٍ تعالجُ مشكلةَ الهجرةِ غيرِ الشرعيةِ وتوفرُ حمايةً كافيةً للاجئين، مع تعزيزِ الهجرةِ الشرعيةِ التي تلبي احتياجاتِ الاقتصادِ البريطانيِ. أما في مجالِ العلاقاتِ مع أوروبا، فستكونُ إعادةُ بناءِ الثقةِ والتعاونِ مع الاتحادِ الأوروبيِ خطوةً محوريةً لإعادةِ الانتعاشِ الاقتصاديِ وتخفيفِ تبعاتِ خروجِ بريطانيا من الاتحادِ
وفي سياقِ الحربِ الأوكرانيةِ الروسيةِ، تقعُ على عاتقِ الحكومةِ الجديدةِ مسؤوليةُ تحديدِ دورِ بريطانيا في دعمِ أوكرانيا، مع الحفاظِ على توازنٍ بين التدخلِ المباشرِ والدعمِ الدبلوماسيِ. كما أنَّ الأزمةَ في غزة تتطلبُ من الحكومةِ اتخاذَ موقفٍ متوازنٍ يسهمُ في تحقيقِ السلامِ والاستقرارِ، مع تعزيزِ حقوقِ الإنسانِ في المنطقةِ. أما بالنسبةِ للعلاقاتِ مع الصين، فعلى الحكومةِ البريطانيةِ أن تتبنَى سياسةً تجمعُ بين التعاونِ الاقتصاديِ والحفاظِ على القيمِ الديمقراطيةِ، مع تعزيزِ الشراكاتِ الدوليةِ لمواجهةِ التحدياتِ المشتركةِ.
في الاخيرِ تعتبرُ هذه الانتخاباتُ بدايةَ فصل جديد في تاريخ المملكة المتحدة، حيث يواجه حزب العمال اختباراً حقيقياً لتحقيقِ التغييرِ الذي وعدَ به، قدرةُ الحكومةِ على معالجةِ التحدياتِ المتعددةِ وتنفيذِ السياساتِ الفعالةِ ستكونُ العاملَ الحاسمَ في تحقيقِ تطلعاتِ الشعبِ البريطانيِ نحو مستقبلٍ أكثرَ إشراقاً واستقراراً.
المصادر:
[1] وكالة الأنباء القطرية، فوز حزب العمال بـ412 مقعداً في النتائج شبه النهائية للانتخابات البريطانية، 5 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/o6705qJJ
[2] مونت كارلو الدولية، أول قرارات الحكومة البريطانية الجديدة: تعليق ترحيل المهاجرين إلى رواندا وخطط للتنمية، 7 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/sm6vPXi9
[3] الشرق للأخبار، من الاتحاد الأوروبي إلى الشرق الأوسط.. تحولات سياسية بريطانية منتظرة في ظل حكومة العمال، 5 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/ENr6lO7f
[4] DW، هل يتمكن حزب العمال من استعادة مكانة بريطانيا في العالم؟، 6 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/XHLFhQDE
[5] جريدة الشرق الأوسط، كيف ستبدو السياسة الخارجية للحكومة البريطانية الجديدة؟، 5 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/SbbidUiR
[6] مرجع سابق، هل يتمكن حزب العمال من استعادة مكانة بريطانيا في العالم؟، متاح على الرابط: https://2u.pw/XHLFhQDE
[7] إيمان صلاح، تحديات اقتصادية على طاولة الحكومة البريطانية الجديدة، الهيئة الوطنية للإعلام، 5 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/DhU93nEV
[8] سكاي نيوز عربية، بريطانيا.. ما هي أبرز التحديات التي تواجه “حزب العمال”؟،5 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/d1VYiOv3
