الذئابُ المنفردةُ: تنامى ظاهرة “إرهاب الأفراد” فى أوروبا

إعداد: جميلة حسين

منسق برنامج الإرهاب والتطرف

نجحَ عددٌ من التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتهم تنظيمُ داعش من اجتذاب قاعدةٍ عريضةٍ من المؤيدين لأفكارهم من خلال حملات الدعاية الضارية التى يشنّوها، مما انعكس بدوره على الهجمات الإرهابية التى شهدتها عددٌ من الدول الأوروبية والآخذة فى التصاعد ونفذها إرهابيون بشكلٍ فردى، واتخذت ما عُرفَ بنمطِ “الذئاب المنفردة” أولئك الذين لا ينتمون إلى الجماعات الإرهابية ولكنهم تجمعهم اتصالاتٌ غيرُ مباشرةٍ وتوجهاتٌ ايدولوجية وفكريةٌ متطرفة مع تلك التنظيمات وتطرفوا من تلقاء أنفسهم متأثرين بالخطاب الدعوى والفكر المتطرف الذى يوجههم نحو تنظيم العمل العنيف وتنفيذه.

فى ضوء تلك الفكرة طرح المعهد الألمانى للشؤون الدولية والأمنية/ مؤسسة العلوم والسياسة تقرير تحت عنوان “The Individualization of Islamist Terrorism”^[1]، من أجل الوقوف على ماهية الهجمات التى يشنُّها إرهابيون منفردون فى أوروبا وكيف تطورت مع تفشّىِ التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود ناهيك عن الأسباب التى ساهمت فى الاعتماد على نمط الذئاب المنفردة التى لا يترتب عليها أضرارٌ بالغةٌ ولكنها مؤثرةٌ وتُحدثُ اضطراباتٍ أمنيةً فى ذات الوقت، وذلك فى إطار طرْح عددٍ من الأفكار والتى سيلى عرضها وتحليلها فيما بعد:

• مراحلُ تطور نمط الذئاب المنفردة.

• سماتُ هجماتِ الذئاب المنفردة.

• محفزات انتشار النمط الفردى فى ممارسة الإرهاب.

• معضلةُ مكافحةِ الإرهاب الفردى.

أولًا: مراحلُ تطورُ نَمطِ الذئاب المنفردة:

بدأ الباحثُ تقريره مستعرضاً مراحل تطور إرهاب الذئاب المنفردة فى أوروبا وقسّمهم إلى 3 مراحل أساسية بدأت المرحلة الأولى فى فترة هيمنةِ تنظيم القاعدة وتحديداً منذ صعوده القوى بعد أحداث 11 سبتمبر والتى استمرت حتى عام 2012 وحاول خلال تلك الفترة تنفيذَ بعض هجماته من خلال بعض الأفراد المرسلين من باكستان وأفغانستان إلى بعض الدول الأوروبية، بينما استرسلت المرحلة الثانية إبان ذروةِ تنظيم داعش عام 2014 وحتى مجابهتهِ فى العراق وسوريا عامى 2017 و2019،  بجانب إرساله لعناصرَ إرهابية  إلى أوروبا لشنِّ بعض العمليات، دعا التنظيمُ أتباعه فى الخارج إلى تنفيذِ هجماتٍ عديدةٍ باستخدام وسائل بسيطة لاسيَّما فى فترةِ انهزامه العسكري فى الشرق الأوسط، فى حين اتضحت المرحلة الثالثة منذ  الرُبع الأخير لعام 2020 الذى شهد ارتفاعاً ملحوظاً فى نسبة العناصر الإرهابية الفردية أو ما أسماهم الباحث “الجناة الأفراد” معتمدين فى عملياتهم على وسائل مثل السكاكين وإطلاق النيران وقد تركزتْ أكثرُ الهجماتِ بصورةٍ متتاليةٍ فى ألمانيا وفرنسا والنمسا، ومن ضمن الأمثلة التى ذُكرت فى التقرير الهجومُ الذى وقع فى مدينة “دريسدن” الألمانية واستهدف رجلين مثليين بسكين فى يوم 4 أكتوبر عام 2020 قام به شخصٌ يحملُ الجنسيةَ السورية وأسفر عن سقوط أحدهما وإصابة الآخر، وفى هجومٍ آخر قى مدينة “فيينا” عاصمة النمسا قامَ شخصٌ مزدوجُ الجنسية نمساوى مقدونى بإطلاق النار على 4 أفراد أثناء دخولهم لحفل موسيقى فى أحد الكنائس الواقعة وسط المدينة.

وفى السنوات الأخيرة، استمرتْ تلك الهجماتُ الإرهابية بصورةٍ مماثلةٍ وتأثرت دولٌ أخرى بتلك الأنشطة العنيفة مثل بلجيكا  والنمسا وبعض الدول الاسكندنافية، وظلت فرنسا وألمانيا فى مقدمة الدول الأوروبية التى تأثرتْ بشكلٍ خاص بالعمليات الجهادية التى اتخذت الدين ستاراً لها، واستطرد التقرير ولفتَ النظرَ إلى الأحداث الإرهابية التى شهدتها ألمانيا فى شهر أغسطس المنصرم الواقعة فى مدينة “سولينجن” حيث استخدمَ ثلاثةُ أشخاص سكينًا في حفل موسيقي وأصابوا ثمانيةً آخرين، وتلاها مدينة “ميونيخ” وعلى الرغم من تبنّى تنظيم داعش تلك الهجمات إلا أنه لا تُوجد سوى أدلةٍ قليلةٍ على اتصالهم المباشر بالتنظيم.

ثانيًا: سماتُ هجماتِ الذئاب المنفردة:

اتسمتْ مراحلُ تطور  ظاهرة الذئاب المنفردة فى أوروبا بعددٍ من الخصائص المشتركة التى تضمنتها غالبية الهجمات الإرهابية، واهتمَ الباحث بالتركيز على أبرزها مثل:

طبيعةُ المستهدف: تركزَ التخطيط لاستخدام العنف من قِبلِ مجموعةٍ من الأفراد ذات التوجه العقائدى المتطرف نحو مجموعة من المدنيين ذوى المعتقدات المختلفة المخالفة لعقائدهم الدينية مثل توجيه تهديداتٍ بالقتل ضد المثليين جنسياً أو ضد رسامى الكاريكاتير المسيئةِ للرسل والأديان وخاصةً الدينَ الإسلامى، أو الهجمات على الأعيان المدنية مثل دور العبادة “الكنائس” والحفلات الموسيقية للتمكن من استهدافِ أكبر عددْ ممكن من الأشخاص ناهيك عن العمليات الموجهة ضدَّ المقارِ الحكوميةِ للدفع نحو تبنى سياسات معينة أو التخلى عن سياسات أخرى.

خصائصُ الفاعلين: نوّهَ التقرير الى التحول الذى انتابَ الجُناةَ الأفراد لاسيما فى المرحلة الثالثة من تطور الظاهرة من حيث مصدر هؤلاء الإرهابين ففى السابق كان هؤلاء مرسَلين من مناطقِ الحرب الجهادية مثل سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها ولكن مع التطور التكنولوجى والطفرة التى انتابتْ وسائلَ التواصل الاجتماعى وموجات الهجرة التى شهدتها الدول الاوروبية من منتصف العقْدِ الماضى بسبب الأزمات العاصفة فى بعض دول الشرق الأوسط وأفريقيا تمكّنَ ممن لديهم معتقداتْ جهاديةٌ الذين وصفهم الباحث بأنهم “الجيل الأول” من الإرهابيين الإسلاميين هؤلاء من اتباع الشعارات والنداءات الموجهة لهم من التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وتنفيذها فى بلدانهم الأصلية أو المضيفة بدلاً من الانضمام المباشر لتلك التنظيمات وفروعها المختلفة، وأشار التقرير أن ألمانيا واحدةٌ من أكثرِ الدولِ الأوروبية التى استقبلت عددًا كبيرًا بشكلٍ خاص من اللاجئين ذوى التوجهات السابق ذكرها وعليه فإنها غالبًا ما تتأثر بشكلٍ كبير بالتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية وعنيفة.

ثالثًا: محفّزاتُ انتشارِ النمط الفردى فى ممارسة الإرهاب:

شهدَ المشهدُ الجهادىُ العالمىُ قدراً من التحولات التى جعلته مقسّماً إلى حدٍ كبير وينتابه قدرٌ من الخمول فى بعض الأوقات التى جعلته غيرَ ناجحٍ في تنظيم هجماتٍ كبيرةٍ في العالم الغربي، ويستدل علي ذلك بضعْفِ تنظيم القاعدة منذ أواخر عام 2010 وصعود تنظيم داعش وانتشار صيتهِ فى عددٍ من البلدان وتغيرِ استراتيجيتهِ نحو استهداف “العدو القريب” بدلا من “العدو البعيد” ولكنه لم ينفكْ وشهد هزيمةً عسكريةً فى العراق عام 2017 وسوريا عام 2019،  الأمر الذى أثّر  على هيكلِ الإرهاب الدولى وساهم فى الانقسام الكبير بين هذين التنظيمين وصعودِ الإرهابيين الفرديين كبديلٍ عن هجمات الجماعات الإرهابية المنظمة، ولخص التقرير  ذلك المشهد فيما يلى:

تَراجعُ تنظيم القاعدة:

اكتسبَ تنظيمُ القاعدة شهرةً واسعةً باعتباره الجهادية المهيمنة فى الساحة الدولية لاسيما منذ أحداث 11 سبتمبر الشهيرة وساهمت بتشكيلِ شبكةٍ من الفروع الإقليمية الموالية لها بجانب مقرها الرئيسى فى باكستان وأفغانستان بدايةً من العراق “قاعدة الجهاد/ الدولة الإسلامية فى العراق” والجزائر واليمن “القاعدة فى شبه الجزيرة العربية” ومالى وغيرها من الدول وتبنّت تلك الفروعُ إستراتيجيةَ التنظيم الرئيسية وأجندته الموجهة نحو ضرْبِ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ومصالحهم، ولكن بمرور الوقت تمَّ تحجيمُ هذا الدور المتصاعد بفعل التباين بين تلك الفروع التى أصبحت مستقلةً إلى حدٍ كبيرٍ عن المقر المركزى للتنظيم بحيث لم يتمكنْ إلا من ممارسة سيطرةٍ محدودةٍ على الولايات التابعة له، ووصولاً إلى عام 2011 تمكنت الولايات المتحدة من قتْلِ قادةِ تنظيم القاعدة الرئيسيين في باكستان ومن أبرزهم الزعيم (أسامة بن لادن) و(أنور العولقى) وغيرهم من خلال ضربات الطائرات بدون طيار واستخدام القوات الخاصة، ولهذا السبب بدأ الوسط الجهادي فى التفتّتِ بسرعةٍ ولم يتمكنْ تنظيم القاعدة من تنفيذ هجمات كبيرة على أهدافٍ غريبةٍ، ويُستدلُ على ذلك عندما أصدرَ تنظيمُ القاعدة شريطَ فيديو دعائى فى يونيو 2011 دعا خليفة بن لادن (أيمن الظواهرى) وغيره من قيادات الصف الأول من التنظيم مؤيديهم وأتباعهم فى جميع أنحاء العالم إلى تنفيذ هجمات منفردة.

وعلى الرغم من محاولات قيادة التنظيم لإعادة تموضعها فى مناطقَ أخرى إلا أنها انعكفتْ على الداخل فقط وأثبتت عدمَ  قدرتها على التخطيط لهجماتٍ دوليةٍ ، على سبيل المثال سعيها فى عام 2013، مستغلةً الحربَ الأهلية السورية، لإنشاء مقرٍ جديدٍ فى سوريا عُرف باسم “تنظيم جبهة النصرة” بقيادة (أبو محمد الجولانى) وقاتلَ بضراوةٍ ضد النظام السورى إلا أنها انفصلت عن تنظيم القاعدة فى عام 2017، وأعادت تسمية نفسها تحت مسمى “هيئة تحرير الشام”، ومنذ ذلك الحين اقتصر نشاطها على القتال فى سوريا. وفى اليمن تمكنَ فرعُ التنظيم من إحداث تأثيرٍ ذات يوم وكما أشار التقرير إلى مجلة فرع شبه الجزيزة العربية المحلية التى  كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على الشباب الجهادي في جميع أنحاء العالم ولكنه تعرض للتحجيم ولم يلعبْ سوى دورٍ ثانوىٍ فى الجنوب اليمنى. وبالانتقال إلى أفريقيا هناك “حركة الشباب الصومالية”، التي تمَّ قَبولُ انتمائها في شبكة القاعدة عام 2012، ناهيك عن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، والتي تُعتبرُ حاليا أنجحَ فرعٍ لتنظيمِ القاعدة والأكثر تأثيراً، وتعملُ بشكلٍ أساسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

الهزيمةُ العسكرية لتنظيم داعش:

تعرضَ تنظيم داعش بعد إعلان الخلافة فى سوريا والعراق لضغوطٍ كثيرةٍ منيّته العديد من الهزائم والانحسار على المستوى العسكرى حيث خسرَ الأراضىَ التى أعلن عننها فى خلافته عام 2014 وفقدَ آلافَ المقاتلين والقادة وأثرت بدورها على القيادة المركزية للتنظيم حيث فقد زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) بعد تعقّب الولايات المتحدة له ثم استهداف 3 من زعمائه بشكلٍ متتالى بداية بالزعيم (أبو إبراهيم الهاشمي القرشي) ثم (أبو الحسن الهاشمي القرشي) وأخيرا (أبو الحسين الحسيني القرشي)، وبالتزامن مع تلك المجابهة حاولَ التنظيمُ الانتشارَ عبر إنشاء فروعٍ فى دولٍ مختلفة وفى ضوء اللامركزية والالتزام بالمبادئ التوجيهية الأيديولوجية والاستراتيجية للتنظيم تم إنشاء ” الإدارة العامة للولايات” بدايةً من نوفمبر عام 2014 لضمان السيطرة المركزية على فروع داعش خارج العراق وسوريا على المستوى المالى واللوجيستى ناهيك عن تأسيس مكاتب إقليمية بحيث تكون تابعةً للإدارة العامة للمحافظات مثل “مكتب الصادق” في جنوب آسيا وأفغانستان وإيران، و”مكتب الفاروق” في القوقاز، ومكتب “الفرقان” في غرب أفريقيا، ومكتب “الكرار” فى الصومال وأجزاء أخرى من أفريقيا. ونظراً لضعف قدرة التنظيم المركزى على إرسال مقاتلين مدربين من الشرق الأوسط إلى العالم الغربي لتنفيذ هجماتٍ ذات تأثيرٍ اعتمدت على الأداة الدعائية فى جذْبِ وتوجيه التخطيط لهجماتٍ إرهابيةٍ لاسيما لدى قطاع المراهقين على مواقع التواصل الإجتماعى والتطبيقات المشفرة.

صعودُ داعش خراسان فى أوروربا و”الهجمات الموجهة”:

منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فى عام 2021 تمكنَ تنظيم داعش “ولاية خراسان” من ترسيخ نفسه كجماعةٍ جهاديةٍ فى المنطقة وحاولت مراراً توسيع مناطق عملياتها  وتنفيذ هجمات فى الدول المجاورة لأفغانستان وصولاً إلى الدول الأوروبية عبر استخدام ما أسماه الباحث أسلوب “الهجمات الموجهة” من خلال توجيه الأفراد والمجموعات الصغيرة في أوروبا لتنفيذ الهجمات، لاسيما بعد تمكّنِ حركةِ طالبان من تسجيل العديد من النجاحات في القتال ضد ولاية خراسان، مستفيدةً من وجود عددٍ كبيرٍ من الأتباع بين الشباب المتطرفين فكرياً خاصة الإرهابيين الذين  يأتون إلى أوروبا مع موجات اللاجئين من عام 2014 وحتى عام 2016 من آسيا الوسطى والقوقاز، وكان آخرهم من طاجيكستان والشيشان، واستند الباحث على الخبر الذى صرّحتْ به السلطاتُ الأمنيةُ فى النمسا وألمانيا فى ديسمبر المنصرم عن وجود تهديدٍ أمنىٍ بعدما  ألقتْ وحداتٌ نمساويةٌ خاصة القبض على عدة أشخاص في فيينا وألقي القبض على شخص آخر بألمانيا يحملون الجنسبة الطاجيكية والشيشانية وقيل إنهم خططوا من أجل تنفيذ هجمات على كاتدرائية “كولونيا” فى شمال الراين وكاتدرائية “سانت ستيفن” في فيينا.

رابعًا: معضلةُ مكافحة الإرهاب الفردى:

تسببتْ هجماتُ الذئابِ المنفردة فى إحداث معضلةٍ وقلقٍ أمنىٍ للسلطات الأمنية خاصة فى ألمانيا وفى أوروبا بشكلٍ عام، وذلك فى ضوء صعوبة تتبّع منبع تلك الهجمات الفردية خاصة وأن معظم الجناة من اللاجئين، ذوى التوجهات المتطرفة منهم، وفقاً لإشارة الباحث وعلى الرغم من جهودِ القواتِ الأمنية لوضْعِ سياسةٍ أمنيةٍ منضبطةٍ للحيلولة دون وقوع وتكرار تلك الهجمات إلا أنها تجدُ صعوبةً فى وضْع سياساتٍ لوقف تردد المجموعات المتطرفة التعرف على المجموعات السكانية التى تحوى عناصر إرهابية حتى تتمكنَ من الكشف المبكر على الجناة الإرهابيين الأفراد. وعلى صعيدٍ آخر ذكرَ التقريرُ ضرروة قيام السلطات الأمنية الأروربية بمحاربةِ التنظيمات الجهادية عسكريًا في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا وأفريقيا من خلال بعثاتٍ أجنبيةٍ من أجل منْعِ تعزيزها وشنِّ هجماتٍ على أوروبا ولكن أصبح هذا الأمر يمثل تحدياً فى السنوات الأخيرة نتيجةً للانسحابات العسكرية المتتالية من أفغانستان ومالي والنيجر، لذلك اقترحَ الباحثُ أهميةَ اتخاذ الدول الأوروبية لإجراءات عسكرية وأجهزة سرية ضد الإرهابيين خارج نطاق القارة الأوروبية مستقبلاً بجانب الحفاظ على قدراتها العسكرية وتوسيعها في مجال النقل الجوي واستخدام القوات الخاصة. ناهيك عن المواجهة الفكرية للتنظيمات الإرهابية وحماية النشء من الانسياق وراء توجهات وخطابات التنظيمات الملهمة للبعض لاسيما الذين يعانون من انحرافٍ فكرىٍ وأيدلوجى، وتتبّعِ ومراقبة قنوات الاتصال بين تلك التنظيمات وأتباعهم فى أوروبا فضلاً عن تطوير بعض البرامج الإكترونية للتصدى التهديدات فى الفضاء الألكترونى والتى تساهمُ في الانتشار السريع للمحتوى الإرهابى والترويج للأفكار المتطرفة.

تَأْسِيسًا لما تم عرضه فيما سبق؛

ساهمتْ الدراسةُ التى طرحها المعهد الألمانى للشؤون الدولية والأمنية فى تتبّع نمط إرهاب الذئاب المنفردة الذى سجل حضورًا واسعًا فى أوروبا مع زيادة هجمات الطعن بالسكاكين والقتل بالرصاص دون أن يكونَ لتلك الهجمات الفردية هيكلٌ تنظيمى متبّع، وتصاعد منذ العقْد الماضى وتحديداً أواخر عام 2020 مع نجاح قوات التحالف الدولى فى تحييد التنظيمات العابرة للحدود  ويمثل حالياً أحد أبرز التحديات للدول الأوروبية، وانبثقت من الرؤية المطروحة عددٌ من الملاحظات الهامة يمكن التطرق إليها كما يلى:

الملاحظة الأولى: تنوعتْ خصائصُ الجناة القائمين على هذا النمط الإرهابى حيث كانوا فى كثير من الأحيان من الشباب المراهقين المتأثرين أيدلوجياً بنداءات التنظيمات الجهادية وممن لديهم دوافعُ سياسيةٌ ونفسيةٌ أو اجتماعيةٌ ناهيك عن الرغبة فى تحقيق هدفٍ أيديولوجى، وآخرين كانوا ضمن ما عرفوا بالعائدين من القتال وكانوا من ذى قبل جزءاً من تلك التنظيمات ولاسيما داعش وعادوا بعد الهزيمة العسكرية التى لحقت به فى سوريا والعراق  ويعملون على تنفيذ هجمات فردية فى بلدانهم الأصلية.

الملاحظة الثانية: استمراريةُ ممارسة الإرهاب بالرغم من الأزمات التى عصفت بالمشهد الجهادى، حيث لجأت بعضُ التنظيمات كاستراتيجية تعويضية عن التحديات التى أثرت على هيكل الإرهاب الدولى، حيث ساهمت فى توجيه واستقطاب المجموعات والأفراد بصورةٍ غير مباشرة نحو تبنّى التوجهات الأيديولوجية والاستراتيجية لهم وتخطيط وتنفيذ الهجمات عبر اللجوء إلى وسائل الدعاية الإلكترونية وتطور وسائل الإعلام وشنِّ حملات تحريضية الأمر الذى ساهم فى الارتفاع المطرد فى أعداد الذئاب المنفردة فى أوروبا.

الملاحظة الثالثة: يمثلُ تتبعُ التحركات الفردية التى لا تعتمد على أى غطاءٍ تنظيمى تحدياً بالغ الصعوبة ويتطلب تعزيزًا شاملاً لمجابهة انتشار النمط الفردى فى ممارسة الإرهاب لا يعتمد فقط على الحد من عمليات الهجرة إنما  يلزمُ تطويرُ أجهزةِ الاستخباراتِ لاسيما فى مجال مراقبة الاتصالات والقطاع التكنولوجي، واستمراريةِ الإجراءاتِ التأمينيةِ والاحترازية المتبّعةِ فى ظل حالة الاستنفار الأمنى للتصدى لمثل تلك العمليات.

المصدر:

^[1] Guido Steinberg, “Die Individualisierung des islamistischen Terrorismus”, Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP), Berlin, 6 November 2024, Available on:

https://www.swp-berlin.org/en/publication/die-individualisierung-des-islamistischen-terrorismus