المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > الذكاء الاصطناعي والمفاوضات حول السد الإثيوبي: استراتيجية مصرية لمواجهة الأحادية الإثيوبية
الذكاء الاصطناعي والمفاوضات حول السد الإثيوبي: استراتيجية مصرية لمواجهة الأحادية الإثيوبية
- فبراير 16, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
يشهد العالم تحولًا جذريًا في كيفية إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد من الأدوات الأساسية التي يمكن توظيفها لضمان التوزيع العادل للمياه وتعزيز الحوكمة البيئية. وفي هذا السياق، يواجه نهر النيل تحديات غير مسبوقة، مع استمرار التوترات السياسية والفنية حول سد النهضة الإثيوبي، وتأثيره المباشر على تدفقات المياه إلى مصر والسودان.
وفي ظل هذه التحديات ومع توقف المفاوضات، يمكن لمصر إعادة صياغة استراتيجيتها التفاوضية من خلال توظيف التكنولوجيا المتقدمة، وذلك عبر إنشاء منصة علمية محايدة لمراقبة تدفقات مياه النيل، تعتمد على الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية لضمان الشفافية في إدارة الموارد المائية. لا يقتصر دور هذه المنصة على تقديم بيانات دقيقة فقط، بل يمكن استغلالها كأداة دبلوماسية لجذب اهتمام القوى الكبرى مثل الصين، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، مما يحوّل القضية إلى ملف دولي تتداخل فيه المصالح العلمية والاقتصادية مما يجبر إثيوبيا على التعاون.
يستعرض هذا التقرير كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لدعم الموقف المصري في مفاوضات سد النهضة، مع تقديم نماذج دولية ناجحة في إدارة المياه المشتركة، وطرح توصيات عملية لاستقطاب الشركاء الدوليين، وتعزيز الجهود المصرية لضمان حقوقها المائية.
محاور الخلاف الرئيسية حول سد النهضة:
يشكل سد النهضة الإثيوبي أحد أكبر التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية في حوض النيل، حيث يتمحور الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول كيفية تشغيل السد، تقاسم المياه، والالتزام القانوني بالاتفاقيات الدولية، وتسعى كل دولة إلى حماية مصالحها المائية والتنموية، مما أدى إلى تباين واضح في المواقف حول القضايا الرئيسية المرتبطة بالسد.
تشدد مصر على ضرورة التنسيق بين سد النهضة والسدود المصرية والسودانية لتجنب حدوث نقص حاد في المياه، خاصة خلال فترات الجفاف، وترفض الملء الأحادي الذي تقوم به إثيوبيا دون اتفاق مسبق، لما له من تأثير سلبي على الأمن المائي المصري. في المقابل، تصر إثيوبيا على الملء وفق جدول تحدده بشكل منفرد، دون التزام باتفاق قانوني، وترى أن تشغيل السد مسألة سيادية لا يجب أن تخضع لقيود خارجية. وتعتمد إثيوبيا على معايير هيدرولوجية داخلية لتحديد كمية المياه التي ستطلقها، بدلاً من الالتزام بمعدلات محددة مسبقًا. ويبرز هنا التناقض بين الموقفين، حيث تسعى مصر إلى التزام قانوني واضح، بينما تصر إثيوبيا على حرية اتخاذ القرار دون قيود أو تعهدات واضحة.
جانب آخر من النزاع يتعلق بتعريف الجفاف الممتد وآلية التعامل معه، حيث تطالب مصر بأن يشمل الاتفاق تعريفًا دقيقًا للجفاف الممتد، بحيث يتم تقليل ملء سد النهضة خلال سنوات الجفاف لتجنب انخفاض التدفقات المائية إلى مصر والسودان بشكل كبير. وتقترح أن يكون هناك حد أدنى مضمون من التدفقات بحيث لا تقل الكمية الواصلة إلى دول المصب عن 39 مليار متر مكعب سنويًا خلال فترات الجفاف. في المقابل، تقترح إثيوبيا أن يكون تعريف الجفاف الممتد عند 35 مليار متر مكعب أو أقل، مما يعني أنها لن تكون ملزمة بإطلاق المزيد من المياه إلا إذا وصل التدفق إلى هذا الحد الأدنى. كما ترفض وضع التزامات محددة لإطلاق المياه خلال الجفاف، معتبرة أن ذلك يحد من قدرتها على توليد الكهرباء وإدارة السد وفق احتياجاتها الداخلية. هذا التباين في التعريف يبرز نقطة خلاف رئيسية، حيث ترغب مصر في اتفاق يضمن التزامات واضحة بإطلاق كميات مائية تعكس احتياجاتها الفعلية من المياه ويأخذ في الاعتبار التوازن المائي التاريخي، بينما تسعى إثيوبيا إلى الاحتفاظ بالمياه لأطول فترة ممكنة دون قيود.
كما يمثل الالتزام القانوني للاتفاق أحد المحاور الجوهرية للنزاع. تطالب مصر بأن يكون الاتفاق ملزمًا قانونيًا وفقًا للقوانين الدولية المتعلقة بإدارة الأنهار العابرة للحدود، وترى أن عدم وجود التزام قانوني يعني أن إثيوبيا يمكنها تغيير سياسات تشغيل السد في أي وقت دون الرجوع لدول المصب. في المقابل، ترفض إثيوبيا أي اتفاق يكون مُلزِمًا لها قانونيًا، وتفضل إطارًا استرشاديًا غير مُلزم يمنحها حرية التصرف في تشغيل السد. وتعتبر أن الاتفاقات السابقة حول مياه النيل، مثل اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، غير عادلة، وتسعى إلى الاحتفاظ بحرية التصرف في مياه النهر دون قيود قانونية صارمة. هذه النقطة تعد من أكثر القضايا حساسية، حيث ترى مصر أن الإطار القانوني الملزم ضروري للحفاظ على حقوق جميع الأطراف، بينما تعتبره إثيوبيا عائقًا أمام استقلالية قراراتها بشأن إدارة السد.
أما فيما يخص تأثير السد على حصص المياه لمصر والسودان، فتخشى مصر أن يؤدي تشغيل سد النهضة إلى تقليل كميات المياه الواردة إليها بشكل خطير، مما يهدد القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة، فضلاً عن تأثيره على استهلاك المياه للسكان. وترى أن أي انخفاض في التدفقات قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة وتهديد مباشر للأمن المائي والغذائي. من جانبها، تؤكد إثيوبيا أن السد لن يؤثر على حصص مصر والسودان، بل سيعمل فقط على تخزين المياه لتوليد الكهرباء دون تقليل التدفقات على المدى الطويل. وتعتبر أن المياه المخزنة في السد هي حق طبيعي لإثيوبيا، حيث ترى أن النظام الحالي لتقاسم المياه غير عادل، إذ لا يمنحها حصة رسمية من مياه النيل. وبالتالي، فإن مصر ترى أن السد سيقلل التدفقات المائية، خاصة في سنوات الجفاف، مما يؤثر على أمنها المائي، بينما تقول إثيوبيا إن تأثيره سيكون محدودًا على المدى الطويل.
في المجمل، فإن الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة لا يقتصر فقط على المسائل التقنية المتعلقة بكمية المياه المتدفقة عبر النهر، بل يمتد إلى قضايا استراتيجية تتعلق بالحقوق المائية، السيادة، والاستقرار الإقليمي. فمصر تسعى إلى إطار قانوني ملزم يضمن الحفاظ على حصتها من مياه النيل، بينما ترغب إثيوبيا في الاحتفاظ بحرية تشغيل السد وفقًا لمصالحها الخاصة. وبما أن الحلول الوسط لا تزال بعيدة المنال، فإن تحقيق اتفاق عادل ومستدام يتطلب توافقًا دوليًا وإطارًا قانونيًا يضمن حقوق جميع الأطراف، مع مراعاة مبادئ الإدارة العادلة للمياه العابرة للحدود.
دوافع التعريف الإثيوبي للجفاف الممتد:
لم تعتمد إثيوبيا هذا الرقم (35 مليار متر مكعب) بشكل عشوائي، بل استندت إلى اعتبارات استراتيجية وتقنية وسياسية تهدف إلى تعزيز موقفها في مفاوضات سد النهضة وتقليل التزاماتها تجاه دول المصب. يمكن تلخيص هذه الاعتبارات في النقاط التالية:
-
الدوافع السياسية والتفاوضية
تقليل التزاماتها تجاه مصر والسودان: تحديد الجفاف عند مستوى 35 مليار متر مكعب يعني أن إثيوبيا لن تكون مطالَبة بتعديل سياسات تشغيل السد إلا إذا وصلت التدفقات إلى هذا الحد أو أقل، وهذا يمنحها مرونة كبيرة في إدارة المياه وفقًا لأولوياتها الداخلية، دون الحاجة إلى التنسيق مع دول المصب، كما أن هذا التعريف يسمح لها بتخزين كميات أكبر من المياه في السد حتى خلال فترات الجفاف المعتدل، بحجة أن التدفقات لم تصل إلى الحد الأدنى المحدد للجفاف الممتد.
وفي حال تم رفع تعريف الجفاف إلى مستويات أعلى، فسيكون على إثيوبيا تعديل سياسة تشغيل السد بشكل أكثر صرامة، مما سيؤثر على خططها لملء الخزان أو توليد الكهرباء. تحديد 35 مليار متر مكعب يمنحها مرونة تفاوضية، حيث يمكنها الادعاء بأنها لا تمنع المياه عن مصر والسودان إلا في “الظروف القاسية جدًا”، مما يجعل موقفها أكثر قبولًا على المستوى الدولي.
ومن خلال تبني هذا الرقم، تسعى إثيوبيا إلى التأثير على الرأي العام الدولي بحيث يتم الاعتراف به كحد مقبول للجفاف الممتد. إذا تم قبول هذا التعريف من قبل المنظمات الدولية مثل البنك الدولي أو الأمم المتحدة، فقد تستخدمه إثيوبيا كأساس قانوني في أي نزاع مستقبلي، مما يقلل من قدرة مصر والسودان على الاعتراض على سياساتها المائية.
-
تقليل الضغط الداخلي والخارجي
تعتمد إثيوبيا بشكل كبير على سد النهضة لتوفير الطاقة الكهرومائية، مما يجعلها بحاجة إلى الحفاظ على حد أدنى من المياه في السد لضمان استقرار إنتاج الكهرباء. تحديد 35 مليار متر مكعب كتعريف للجفاف يتيح لها الاحتفاظ بالمياه الكافية لتشغيل التوربينات حتى في الظروف القاسية، وهو أمر ضروري لنجاح مشروعها اقتصاديًا وسياسيًا، خاصة أن السد يعد رمزًا قوميًّا في الداخل الإثيوبي.
إذا اعترفت إثيوبيا بأن الجفاف يبدأ عند مستويات أعلى، مثل 40-45 مليار متر مكعب، فستكون ملزمة بإطلاق المزيد من المياه إلى مصر والسودان حتى خلال فترات الجفاف المعتدل. وهذا قد يؤدي إلى تقليل قدرة السد على توفير المياه الكافية لتوليد الطاقة، مما يحد من العوائد الاقتصادية التي كانت تأمل إثيوبيا في تحقيقها من المشروع.
لذلك، فإن تحديد الجفاف عند 35 مليار متر مكعب يمنح إثيوبيا القدرة على الاحتفاظ بالمياه لفترات أطول وتأخير إطلاقها إلى أقصى حد ممكن، دون أن تواجه انتقادات قانونية أو سياسية كبيرة.
اعتراضات مصر على التعريف الإثيوبي:
-
احتياجاتها الفعلية: مصر تعتمد على حصة مائية ثابتة تقريبًا (55.5 مليار متر مكعب) وفق اتفاقيات دولية، وأي انخفاض دون هذا المستوى يعتبر أزمة مائية خطيرة تؤثر على الزراعة، والشرب، والصناعة.
-
عدم مراعاة الاحتياطي المائي: التعريفات التقنية للجفاف قد تأخذ فقط متوسط التدفقات السنوية دون احتساب قدرة السد العالي على التعامل مع الأزمات، بينما ترى مصر أن التعامل مع الجفاف لا يمكن أن يكون مجرد أرقام حسابية بل يعتمد على استراتيجيات إدارة المياه المخزنة.
-
التأثير على الأمن المائي: تحديد عتبة الجفاف عند 35 مليار متر مكعب قد يعطي مبررًا لإثيوبيا لملء وتشغيل سد النهضة وفق خططها الخاصة دون الالتزام بآلية واضحة لتقاسم المياه خلال فترات الجفاف الممتد، وهو ما تعتبره مصر خطرًا على استقرار مواردها المائية.
لجان فنية محايدة:
فيما يتعلق بمشاركة اللجان الفنية الدولية في دراسة تأثيرات سد النهضة، تجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا وافقت في البداية على تشكيل لجنة خبراء دولية تضم ممثلين من مصر والسودان وإثيوبيا، بالإضافة إلى خبراء دوليين، لدراسة تأثيرات السد. قدمت هذه اللجنة تقريرها في عام 2013، والذي أوصى بإجراء دراسات إضافية لتقييم التأثيرات المحتملة للسد على دولتي المصب.
لاحقًا، تم الاتفاق على اختيار مكاتب استشارية دولية لإجراء هذه الدراسات، وتم التوصل إلى اختيار شركتين فرنسيتين، “بي. أر. أل” و”أرتيليا”، لتنفيذ الدراسات الفنية. ومع ذلك، واجهت هذه العملية تأخيرات وخلافات، حيث انسحبت إحدى الشركات الهولندية المقترحة سابقًا بسبب خلافات حول منهجية العمل.
بالإضافة إلى ذلك، رفضت إثيوبيا مقترحات بوساطات دولية، مثل تدخل مجلس الأمن، وفضلت أن تظل المفاوضات في إطار الاتحاد الأفريقي. هذا الموقف الإثيوبي أدى إلى تعقيد الجهود المبذولة لإجراء دراسات فنية محايدة وشاملة لتقييم تأثيرات السد.
بناءً على هذه التطورات، يمكن القول إن إثيوبيا لم تمنع بشكل صريح اللجان الفنية الدولية من دراسة تأثيرات سد النهضة، لكنها اتخذت مواقف وإجراءات أدت إلى تعقيد وتأخير هذه الدراسات، مما أثر على التقييم الشامل لتأثيرات السد على دولتي المصب.
حلول ممكنة:
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تلعب دورًا مهمًا في تحسين عمليات التفتيش ومراقبة مشاريع الطاقة الكهرومائية، من خلال تحليل البيانات المستمدة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد، ويساعد ذلك في الكشف المبكر عن أي تغيرات هيكلية قد تؤثر على كفاءة السدود، كما يوفر معلومات دقيقة حول معدلات الترسيب وجودة المياه، مما يساهم في تحسين استراتيجيات إدارة الموارد المائية. [1]وعلى هذا الأساس، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم “تعريف علمي” للجفاف الممتد، عبر تحليل بيانات الأقمار الصناعية والنماذج الهيدرولوجية. وتوفر بيانات الأقمار الصناعية التابعة لوكالة ناسا (مثل GRACE وMODIS) والوكالة الأوروبية (Sentinel-2 وSMOS) رؤى دقيقة حول مستويات المياه الجوفية ورطوبة التربة وتغيرات تدفقات الأنهار. كما تتيح نماذج مثل Drought Monitor وSPEI تقييمًا دقيقًا لحالة الجفاف بناءً على معدلات الهطول والتبخر وتدفقات الأنهار.
وعليه، يمكن إنشاء منصة علمية محايدة تعتمد على بيانات الأقمار الصناعية، والنماذج المناخية، وأرصاد التدفقات النهرية.
تجربة سابقة:
يمكن لمصر الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد المائية المشتركة، ومن أبرزها: تجربة الولايات المتحدة وكندا في إدارة نهر كولومبيا.
نهر كولومبيا يمتد عبر الولايات المتحدة وكندا، وكان مصدرًا لنزاعات تاريخية حول تقاسم المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية، وأنشأت الولايات المتحدة وكندا نظامًا مشتركًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد تدفقات المياه وإدارة السدود بشكل متوازن، ويستخدم النظام البيانات المناخية والتنبؤات الهيدرولوجية لضبط تصريف المياه بشكل يحقق التوازن بين إنتاج الطاقة والاحتياجات المائية، ويوفر بيانات لحظية لكل من الطرفين، مما قلل النزاعات وعزز التعاون المستدام.
خلق دافع للاهتمام الدولي:
يمكن لمصر توظيف المنصة العلمية المحايدة لمراقبة تدفقات مياه النيل كأداة لجذب القوى الكبرى، مثل الصين، أوروبا، وأمريكا، من خلال تقديمها كساحة تنافس علمي وتقني، وليس فقط كجزء من النزاع السياسي، ستكون هذه المنصة آلية لمراقبة تأثيرات سد النهضة، مما يجعلها محل اهتمام الدول التي تسعى إلى تعزيز نفوذها في إفريقيا من خلال الحلول التكنولوجية.
نظرًا لمشاركتها في مشاريع البنية التحتية الإفريقية، فإن الصين قد تدفع إثيوبيا للتعاون مع المنصة حتى تحافظ على نفوذها الإقليمي، خاصة أن الصين لديها شركات رائدة في الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد مثل Huawei وSenseTime، مما يجعل دعمها للمنصة فرصة لإبراز تقنياتها عالميًا، كما يمكن الإغراء بدمج المنصة ضمن مشاريع “الحزام والطريق”، بحيث تصبح جزءًا من الحلول الذكية التي تقدمها الصين في إدارة الموارد المائية.
أما الولايات المتحدة تعتبر الأمن المائي جزءًا من استراتيجيات الاستقرار الإقليمي، خاصة مع صعود الصين كلاعب رئيسي في إفريقيا، ويمكن تقديم المنصة كأداة يمكن أن تساعد في تطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المياه والجفاف، وهو مجال تحاول أمريكا قيادته عالميًا. ويمكن الترويج للمنصة كوسيلة لموازنة النفوذ الصيني في إفريقيا، مما يجعلها تتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
الاتحاد الأوروبي يسعى إلى توسيع دوره في الحوكمة البيئية العالمية، ويضع تنظيم الموارد المائية ضمن أولوياته، ويستثمر في “الذكاء الاصطناعي الأخلاقي”، حيث تروج لفكرة الشفافية والحوكمة الرشيدة في التكنولوجيا. ويمكن تقديم المنصة على أنها جزء من جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز الذكاء الاصطناعي في القضايا البيئية.
الأثر الاستراتيجي لاستقطاب القوى الكبرى
-
تحويل ملف سد النهضة من أزمة إقليمية إلى قضية دولية تتداخل فيها المصالح التكنولوجية والبيئية، ما يعني أن أي قرارات إثيوبية أحادية الجانب ستواجه معارضة دولية، وليس فقط مصرية أو سودانية.
-
يمكن لمصر التنسيق مع المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لربط أي تمويلات مستقبلية لمشاريع المياه في إثيوبيا بقبولها إشراف المنصة على تدفقات النيل.
-
تحويل المنصة إلى “أداة ضغط دبلوماسي”، حيث يصبح من الصعب على إثيوبيا رفض النتائج العلمية التي تقدمها، وستواجه إثيوبيا صعوبة في الحصول على تمويل دولي لمشاريعها المائية إذا رفضت الالتزام بنتائج المنصة.
-
إذا أظهرت المنصة العلمية أن تشغيل سد النهضة يؤثر سلبيًا على السودان أو دول حوض النيل الأخرى، فقد يؤدي ذلك إلى تحرك جماعي من هذه الدول ضد إثيوبيا.
خاتمة
يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة غير مسبوقة لتعزيز قدرة مصر على إدارة مواردها المائية وحماية حقوقها التاريخية في مياه النيل. فبدلاً من الاعتماد فقط على الآليات الدبلوماسية التقليدية، أصبح من الممكن تقديم أدلة علمية موثوقة تستند إلى بيانات الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد، مما يجعل الموقف المصري أكثر قوة وتأثيرًا في المحافل الدولية.
كما أن إنشاء منصة علمية محايدة لمراقبة تدفقات المياه ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو تحول استراتيجي يضع مصر في قلب المنافسة العالمية على التكنولوجيا المائية، ويجعلها قادرة على استقطاب قوى دولية تدعم رؤيتها لإدارة الموارد المائية بشكل أكثر عدالة واستدامة.
ومع تصاعد الاهتمام العالمي بقضايا الأمن المائي والتغير المناخي، يصبح من الضروري تعزيز الشراكات الدولية مع قوى كبرى مثل الصين، الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، مما يمنح مصر نفوذًا أكبر على الساحة الدبلوماسية. إن نجاح هذه الاستراتيجية سيؤدي إلى تحقيق توازن جديد في المفاوضات حول سد النهضة، حيث تصبح التكنولوجيا والبيانات الدقيقة أحد أقوى أدوات التأثير السياسي والدبلوماسي.
المصادر:
[1] How AI enhances inspections at hydropower and dam projects.. https://2u.pw/hzqTwevW