المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > الرئيس الإيراني الجديد يحدد الخطوط العريضة لسياسته الخارجية… فهل بإمكانه تحقيق تعهداته؟
الرئيس الإيراني الجديد يحدد الخطوط العريضة لسياسته الخارجية… فهل بإمكانه تحقيق تعهداته؟
- يوليو 17, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
مُنْذُ أن أصبح الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران، في ختام الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي عُقِدَت في الخامس من يوليو الجاري، ليخلف بذلك الرئيس المحافظ الراحل إبراهيم رئيسي، والأنظار جميعها مُوجَّهةٌ إليه؛ انتظارًا للسياسات الداخلية والخارجية التي سيتبنَّاها بزشكيان، ومدى اتّساق تلك السياسات مع تعهُّداته الانتخابية، والأهم من ذلك؛ هل سيكون لديه الفرصة لتحقيق التغييرات التي تعهَّد بها للشعب الإيراني، في ضوْء السيطرة المحكمة التي يتمتع بها المرشد الأعلى على البلاد؟
أولًا: رسالة مسعود بزشكيان للعالم الجديد:
حدَّد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الخطوط العريضة لسياسته الخارجية، ونهْج علاقاته مع مختلف دول العالم، في بيانٍ حَمَلَ عنوان “رسالتي إلى العالم الجديد”، والذي نُشِرَ في صحيفة طهران تايمز الحكومية، يوم 13 يوليو الجاري، وقد جاءت تلك السياسات على النحو التالي[1]:
النَّهْج العام لإدارته؛ شدَّد على أن إدارته ستجعل في سُلَّم أولوياتها؛ الحفاظ على كرامة إيران الوطنية ومكانتها الدولية في كُلِّ الظروف، وعلى أن تستند سياسة إيران الخارجية إلى مبادئ العزة والحكمة والمصلحة، من خلال اغتنام الفرص وخلْق التوازن في العلاقات مع كُلِّ البلدان، على نحْوٍ يتفق مع المصالح الوطنية الإيرانية، والتنمية الاقتصادية، ومتطلبات السلام والأمن الإقليمي والعالمي.
العلاقات مع الولايات المتحدة؛ انتقد بزشكيان انسحاب الولايات المتحدة الأُحادي في 2018 من الاتفاق النووي الإيراني، مُشدِّدًا على ضرورة اعتراف واشنطن بالواقع، وأن تفهم – مرَّةً واحدةً وإلى الأبد – أن إيران لا ولن تستجيب للضغوط.
الاتفاق النووي الإيراني؛ أكَّد بزشكيان على أن إيران قد دخلت الاتفاق النووي بنوايا حسنة، وأوْفت بجميع التزاماتها بالكامل، لكن الولايات المتحدة انسحبت بشكلٍ غير قانوني من الاتفاق؛ بسبب المشاحنات والانتقامات المتعلقة بسياساتها الداخلية، وفرضت عقوبات أُحادية تتجاوز الحدود الإقليمية، كبَّدت الشعب الإيراني خسائر ومعاناة وأضرارًا لا حصْر لها، وسبَّبت خسائر اقتصادية بمئات المليارات من الدولارات.
– تؤكد إيران مرَّةً أُخرى، أن عقيدتها الدفاعية لا تتضمن الأسلحة النووية، ولا تسعى لامتلاكها، وتدعو الولايات المتحدة للتعلُّم من أخطاء الماضي واتخاذ سياسة جديدة، وفقًا لذلك.
– وفي هذا الشأن؛ تتعهَّد طهران بتخفيف حِدَّة التوتُّر بشأن المفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
العلاقات مع دول الجوار؛ تعهّد بوضع تعزيز العلاقات مع دول الجوار على رأس الأولويات، وبالعمل على إرساء أُسُس منطقة قوية؛ لأن الدول المجاورة والشقيقة ينبغي ألا تهدر مواردها في منافسات استنزافية، أو سباقات تسلُّح، أو تقييد بعضها بعضًا بلا داعٍ، بل يجب أن يكون هدفُها خلْقَ بيئةٍ تُمكِّنُ الدول من تخصيص مواردها لتحقيق التقدُّم والتنمية في المنطقة لصالح الجميع.
– تعاني المنطقة مُنْذُ فترةٍ طويلةٍ من الحرب والتوتُّرات الطائفية والإرهاب والتطرُّف وتهريب المخدرات ونقْص المياه وأزمة اللاجئين والدمار البيئي والتدخُّلات الأجنبية، ولكن قد حان الوقت لمعالجة التحديات المشتركة بين الدول في المنطقة لمستقبل أفضل، ولهذا؛ سيكون التعاون من أجل التنمية والازدهار الإقليميين، المبدأ التوجيهي لسياسة طهران الخارجية.
– ستبادر إيران إلى التعاون مع تركيا والسعودية وسلطنة عُمان والعراق والبحرين وقطر والكويت والإمارات، والمنظمات الإقليمية؛ لتعميق العلاقات الاقتصادية، وتعزيز العلاقات التجارية، وزيادة الاستثمار المشترك، ومعالجة التحديات المشتركة، والمُضيّ قدمًا نحو إنشاء إطارٍ إقليميٍّ للحوار وبناء الثقة والتنمية.
العلاقات مع الدول الأوروبية؛ أوضح أن العلاقات مع أوروبا شهدت الكثير من التذبذبات؛ حيث انتهكت الدول الأوروبية جميع التزاماتها الـ11 التي كان من المفترض العمل بها من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، والتي من بينها؛ ضمان المعاملات المصرفية الفعَّالة، والحماية الفعَّالة للشركات من العقوبات الأمريكية، وتشجيع الاستثمار في إيران.
– على الرغم من هذه الخطوات الخاطئة التي اتخذتها الدول الأوروبية، تتطلع إيران إلى الدخول في حوارٍ بنَّاء مع دول أوروبا؛ بهدف وضْع العلاقات على المسار الصحيح؛ استنادًا إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة.
العلاقات مع روسيا والصين؛ أوضح بزشكيان، أن روسيا والصين كلاهما صديقتان دائمتان، ووقفتا إلى جانب طهران خلال الأوقات الصعبة، مُعْرِبًا عن تقديره لهذه الصداقة.
– روسيا حليفٌ استراتيجي وجارٌ مهم لإيران؛ لذا ستظل إيران ملتزمةً بتوسيع التعاون معها وتعزيزه، وخصوصًا في أُطُرٍ مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ولكن في الوقت ذاته؛ تتمنى طهران السلام لشعبيْ روسيا وأوكرانيا، وأن تكون حكومتا الدولتيْن على استعدادٍ لدعم المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، والتي ستدعمها إيران بقوة.
– خريطة الطريق التي أبرمتها إيران مع الصين، والتي تمتد على مدى 25 عامًا، تُمثِّلُ خطوةً مهمةً نحو إقامة شراكةٍ استراتيجيةٍ شاملةٍ مفيدةٍ للطرفيْن، وتتطلع إيران إلى التعاون على نطاقٍ أوسعَ مع بكين، مع التقدُّم نحو نظامٍ عالميٍّ جديدٍ.
الحرب الإسرائيلية في غزة؛ أكَّد بزشكيان أن إدارته ستحُثُّ – كإجراءٍ أوَّليٍّ – الدول العربية المجاورة على التعاون والاستفادة من كل الوسائل السياسية والدبلوماسية؛ لإعطاء الأولوية لتحقيق وقْف إطلاق نارٍ دائمٍ في القطاع؛ بهدف وقْف المذبحة الإسرائيلية ومنْع اتساع الصراع، مُشدِّدًا على أنه يجب العمل بعد ذلك على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي دمَّر حياة 4 أجيال من الفلسطينيين.
– الكثير من الشباب في الدول الغربية أدركوا صحة موقف إيران المستمر مُنْذُ عقودٍ تجاه إسرائيل، ولهذا تؤكد طهران مُجدَّدًا على أن الاتهامات الموجهة إليها بمعاداة السامية بسبب موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية، خاطئة تمامًا ولا أساس لها من الصحة.
العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية؛ أكَّد بزشكيان أنها راسخة، وسيتم الحفاظ عليها وتعميقها بشكلٍ وثيقٍ؛ بهدف تعزيز التنمية والحوار والتعاون في كل المجالات؛ إذ توجد إمكانات أكبر بكثير للتعاون بين إيران ودول أمريكا اللاتينية، مقارنةً بما يتم تحقيقه حاليًا.
ثانيًا: الحقائق العملية لملفات السياسة الخارجية الإيرانية؛
رغم التعهُّدات والآمال العديدة التي حدَّدها الرئيس الإيراني الجديد في بيانه، إلَّا أن وقائع الأمور تتابين في مدى توافقها أو اختلافها مع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي أوضحها مسعود بزشكيان على النحو السالف ذكره؛ حيث[2]:
بالنسبة للعلاقات «الإيرانية – الأمريكية»؛ يبدو أن آمال بزشكيان التي عبَّر عنها، مختلفة كثيرًا عن واقع الأمر؛ حيث استعادت كُلٌّ من واشنطن وطهران خطاب المواجهة الذي كان معتادًا بينهما في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؛ إذ يبدو أن واشنطن تتمسك بسياسة العقوبات التي لطالما اتبعتها في مواجهة طهران.
حيث فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات جديدة على شركة “حكيمان شرق” للأبحاث، والتي يقع مقرُّها في مدينة أصفهان الإيرانية؛ لمشاركتها في أبحاث وتطوير الأسلحة الكيميائية لصالح إيران، وقد أوضحت الوزارة أن العقوبات تأتي على خلفية مشاركة الشركة، أو محاولة مشاركتها في أنشطة أو معاملات تُسْهِمُ ماديًّا في انتشار أسلحة الدمار الشامل لدى طهران.
وكذلك صرَّح نائب الممثل الأمريكي الخاص للشؤون الإيرانية أبرام بيلي، بأن “طهران لم تُزِل المخاوف المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، ولا تفِي بالتزاماتها”، مُشدِّدًا على أن بلاده ستستخدم جميع الأدوات المتاحة لمواجهة جهود إيران لتوسيع برنامج الأسلحة الكيميائية.
بالنسبة للاتفاق النووي الإيراني؛ تتناقض الأقاويل بين إيران والولايات المتحدة، بشأن ما يحدث الآن في المفاوضات النووية الرامية لإحياء الاتفاق النووي؛ حيث:
اكد القائم بأعمال وزير الخارجية في إيران علي باقري كني، يوم 11 يوليو الجاري، أن بلاده تُجري محادثات نووية غير مباشرة مع الولايات المتحدة، عبْر سلطنة عُمان، مُشدِّدًا على أن عملية التفاوض سرية، ولا يمكن الحديث عن تفاصيلها.
من جانبه، صرَّح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، أن واشنطن لا تتوقع أيَّ تغيير في سياسة إيران بعد انتخاب بزشكيان، وأن هذا التطوُّر لا يُعزِّزُ احتمالات استئناف الحوار؛ لأن القرارات الأساسية في هذا الشأن، تُتَّخذ من قِبَلِ المرشد الأعلى علي خامنئي.
وبينما قال ميلر: إن الدبلوماسية هي أكثر الطُّرُق فاعليةً للتوصُّل إلى حلٍّ فاعلٍ ومستدامٍ فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، أكَّد المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في عهد مسعود بزشكيان.
النسبة لعلاقة إيران بدول جوارها في منطقة القوقاز؛ يتَّسق نهْج العلاقات بين طهران وهذه الدول، مع ما تحدَّث عنه بزشكيان في بيانه، من حيث تعزيز ودعم العلاقات مع دول الجوار؛ حيث:
أعلن مدير عام أوراسيا بوزارة الخارجية الإيرانية مجتبى ديميرجي لو، أنه سيتم إعادة فتْح سفارة جمهورية أذربيجان في طهران خلال الأيام الـ15 إلى 20 يومًا القادمة، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين إيران ودول المنطقة، من حيث التاريخ والحضارة والثقافة والدِّين والعِرْق والمصالح المشتركة في المجاليْن الإقليمي والدولي، وأنَّ أيَّ حكومة في إيران مهتمةٌ بتنمية الصداقة بين البلديْن. وجدير بالذكر، أن باكو كانت قد سحبت بعثتها الدبلوماسية وأخْلت سفارتها في طهران، عقب هجومٍ استهدفها، مطلع يناير 2023، وذلك بعدما اعتبرت إيران مسؤولة عن الهجوم.
ولكن يبدو أنه قد يكون هناك انفراجةٌ وشيكةٌ في العلاقات بين طهران وأذربيجان، خاصَّةً أنه بعد انتخاب مسعود بزشكيان، أجرى الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، اتصالًا هاتفيًّا بالرئيس الإيراني الجديد؛ لتهنئته برئاسة البلاد، ودعوته لزيارة باكو، ومن جانبه؛ قِبَلِ بزشكيان الدعوة وقدَّم مثيلتها إلى علييف.
أما بالنسبة لأرمينيا؛ فقد هنَّأ رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، بفوْزه في الانتخابات الرئاسية، خلال اتصالٍ هاتفيٍّ أجراه يوم 10 يوليو الجاري، مُعْرِبًا عن أمله في أن تظل العلاقات بين البلديْن ودية بالفترة المقبلة، وأن تقوم على أساس المصالح المشتركة.
ومن جانبه؛ أكَّد الرئيس الإيراني، أن بلاده تحترم وحدة أراضي جميع الدول، وتعارض أيَّ تغيير في الحدود الدولية، مُشدِّدًا على دعم طهران لمحادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان.
بالنسبة للعلاقات «الإيرانية – الروسية»؛ فقد أصبحت موسكو وطهران أقرب إلى بعضهما البعض سياسيًّا وعسكريًّا بعد الحرب «الروسية – الأوكرانية»؛ حيث كانت إيران أحد الداعمين الرئيسيِّين لروسيا في حربها، ويبدو أن هذا النَّهْج مستمرٌ في عهد بزشكيان كما تعهَّد، خاصَّةً بعد انضمام إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وكذلك الاجتماع الذي جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني بالإنابة محمد مخبر، في 4 يوليو الجاري، والذي تمَّ التأكيد خلاله على ضرورة الحفاظ على العلاقات «الروسية – الإيرانية».
ثالثًا: هل بإمكان بزشكيان تحقيق تعهداته؟
يتضح مما سبق، أن السياسات الخارجية التي تعهَّد بها الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، لا تتوافق مع بعض وقائع الأمور التي يسير عليها المشهد الإقليمي والدولي الراهن، وهو ما يثير تساؤلًا رئيسًا، وهو ما إذا كان بإمكان بزشكيان تخطِّي العقبات الحالية وتحقيق تعهُّداته السياسية التي أكَّد عليها أكثر من مرَّةٍ.
وبالنظر إلى وضْع النظام السياسي الإيراني الداخلي، والتحديات الإقليمية والدولية الحالية، يبدو أن هناك العديد من القيود التي قد تعرقل ما تبنَّاه الرئيس الإيراني من سياسات في بيانه؛ ومن أهمها[3]:
هيمنه المرشد الأعلى على مختلف السلطات في البلاد؛ لا شكَّ أن الاختلال الواضح في النظام السياسي الإيراني لصالح المرشد الأعلى علي خامنئي، هو التحدِّي الأبرز الذي يواجه أيَّ رئيس إيراني، خاصَّةً لو كان من الإصلاحيين أو المعتدلين؛ حيث يكفل الدستور الإيراني الكثير من السلطات لفرد المرشد؛ ومنها:
المرشد الأعلى، وفْقًا للدستور، هو أعلى سلطة ولديه صلاحيات واسعة تشمل الإشراف على القوات المسلحة والسياسات الخارجية والقضائية؛ حيث تنُصُّ المادة 110 على أن “المرشد الأعلى قائد الثورة الإسلامية ومقام ولاية الفقيه هو الذي يرسم الاستراتيجية الكبرى للبلد، داخليًّا وخارجيًّا، وهو القائد العام للقوات المسلحة وكل القوى العسكرية والأمنية تحت إشراف المرشد الأعلى”.
كما يتم تعيين الوزارات السِّت الرئيسية في الحكومة الإيرانية، بعد إعطاء خامنئي موافقته عليها، وهي: الخارجية والدفاع والمخابرات والداخلية والعدل والاقتصاد.
يرأس المرشد الأعلى مجموعة المؤسسات التي تصنع القرار بالدرجة الأولى في إيران؛ وهي موقع القائد الوليّ الفقيه في الدستور والصلاحيات، ومجلس الأمن القومي الإيراني، ويأتي معهم مجلس الشورى، ولاحقًا مجلس تشخيص مصلحة النظام، إضافةً إلى وجود مؤسسات تؤثر في صناعة القرار أيضًا، مثل الحرس الثوري الإيراني، والذي يتبع المرشد أيضًا.
السياسة الخارجية المتعلقة بالقضايا الحسَّاسة، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة والملف النووي، والقضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب، لا بُدَّ من الرجوع إلى المرشد الأعلى، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة.
أما الرئيس؛ فهو يعتبر رئيس السلطة التنفيذية فقط، فوفْقًا للدستور الإيراني، يُعَدُّ الرئيس هو الرجل الثاني بعد المرشد، والذي يمسك بالملفات الاقتصادية والمالية وتعيين السفراء والملفات الاجتماعية والثقافية؛ أيْ أن الرئيس يعمل ضمن إطار النظام الذي يُحدِّدُه المرشد الأعلى والمؤسسات المرتبطة به.
ومن ثمَّ؛ لن يستطيع أيُّ رئيس – سواء بزشكيان أو غيره – إحداث فرْق أو تحوّل في السياسات الخارجية، سواء كان حول البرنامج النووي أو الفصائل المسلحة المدعومة إيرانيًّا في الشرق الأوسط؛ لأن السلطة النهائية والكلمة الأخيرة في القرارات المِفْصليّة والشؤون العليا للدولة عائدة للمرشد فقط؛ أيْ تظل صلاحيات الرئيس في إيران، مرهونةً برضا علي خامنئي والحرس الثوري، ومدى مساحة المراوغة المسموح بها له.
ضغوط البرلمان الواقع تحت سيطرة المحافظين؛ يبدو أنه من أوائل التحديات التي قد تواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، هو تمرير تشكيلته الوزارية عبْر البرلمان الذي يسيطر عليه الأصوليون؛ وقد يزداد الأمر تعقيدًا في حال كانت الحكومة التي ينوي بزشكيان تشكيلها، تضُمُّ جزءًا كبيرًا من الإصلاحيين والمعتدلين.
وبالفعل؛ بدأ الكشف عن هذا التحدي سريعًا؛ حيث بعدما أفاد موقع “جماران” التابع لمؤسسة الخميني، بأن حملة بزشكيان شكَّلت مجلس سياسات لتحديد مسار حكومته الجديدة، لتضم وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، والمتحدث باسم حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني علي ربيعي، ووزير الاقتصاد الأسبق علي طيب نيا، أُثيرت ضغوطٌ من بعض النواب تطالبه بالامتثال لتوصيات المرشد علي خامنئي، بشأن تشكيل حكومةٍ ثوريةٍ تواصل نهْج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
حيث أكَّد عضو لجنة الأمن القومي أبو الفضل ظهره وند، أن “البرلمان لن يمنح الثقة لوزراء؛ مثل وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، وأصحاب النزعة الغربية في محيط بزشكيان”، كما قال النائب كامران غضنفري: “امتثالًا لتوصيات المرشد، يجب على بزشكيان ألَّا يستخدم المثيرين للجدل، خاصَّةً أولئك الذين كانوا في حكومة الرئيس روحاني”.
الضغط من قِبَلِ الحرس الثوري الإيراني؛ خاصَّةً من خلال تدخُّلاته في السياسة الخارجية الإيرانية، وهو الأمر الذي سبق وأن انتقده وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، وذلك على اعتبار أن سلطة الحرس الثوري تأتي في المرتبة الثانية بعد المرشد الأعلي الإيراني، إلى جانب النفوذ والسيطرة على كافَّة مفاصل البلاد، والتي من المرجح أن تستمر كما هي حتى في وجود الرئيس الإصلاحي الجديد.
الحالة المتردية للاقتصاد الإيراني؛ فمن ضمن التحديات التي قد تعيق مخططات بزشكيان، هي الحالة الاقتصادية المتردية في الداخل، من حيث ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتراجع العُمْلة المحلية لتصل إلى 60 ألف تومان مقابل كل دولار؛ ووصول مُعدَّل التضخُّم إلى 46.2% منذ بداية العام الحالي 2024، وهي نسبة تضع إيران في مقدمة الدول الأعلى تضخُّمًا في العالم، وكل ذلك يفرض عليه مسؤوليةً كبيرةً أمام الناخبين، وكذلك يفرض عليه اتّباع سياسةٍ خارجيةٍ معينةٍ، قائمة بالأساس على التخلُّص من عِبْء العقوبات الغربية في أسرع وقت، وجذْب الاستثمارات الخارجية، خاصَّةً الخليجية؛ حيث سبق أن أوضح بزشكيان، أن إيران بحاجةٍ إلى استثمارات أجنبية تصل لــ200 مليار دولار.
احتدام التوتُّرات في المنطقة؛ يتولَّى بزشكيان رئاسة إيران في وقتٍ حسَّاسٍ للغاية؛ إذ تستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما تبعها من تصعيد في جبهاتٍ أُخرى في لبنان والبحر الأحمر، مما يرجح أن يستمر انخراط إيران في أزمات المنطقة؛ وبالتالي تدخُّلها في شؤون بعض دول المنطقة، ومن ثمَّ؛ عرقلة كل ما تعهَّد به الرئيس الإيراني في شأن تعزيز العلاقات مع دول الجوار العربي.
ويستدل على ذلك؛ من التهديد الأخير الصادر عن عبد الملك الحوثي، باستهداف موانئ ومطارات ومنشآت نفطية وبنوك سعودية، فمن شأن تهديدٍ على هذا النحو، أن يدمر كل ما تحقَّقَ من خطوات إيجابية، سواء في العلاقات «الإيرانية – السعودية» التي عادت بوساطةٍ صينيةٍ، في مارس 2023، أو في الملف اليمني، وبالتالي عودة التوتُّر من جديدٍ في العلاقات «الإيرانية – الخليجية» بشكلٍ عامٍ.
زيادة التوقُّعات بفوْز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة؛ خاصَّةً بعد حادث محاولة اغتياله مؤخرًا، ولا شكَّ أن مثل هذه العودة ستعرقل كثيرًا من تعهُّدات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، سواء فيما يخُصُّ الاتفاق النووي الإيراني، أو علاقات واشنطن وطهران.
فإذا عاد ترامب للسلطة الأمريكية، فلا مجال لأيِّ حديثٍ عن العودة لاتفاق عام 2015 النووي، بل من المتوقع أن تزداد العقوبات الأمريكية على إيران، وتتعقد العلاقات «الإيرانية – الغربية» أكثر بكثير.
المساعي الأوروبية لتصنيف الحرس الثوري منظمةً إرهابيةً؛ تحدث مسعود بزشكيان، عن رغبته في بدْء حوارٍ بنَّاء مع الدول الأوروبية، يُعيد العلاقات بين الجانبيْن إلى مسارها الصحيح، ولكن هذه الرغبة تقف أمامها العديد من التحديات؛ منها:
مساعي بعض الدول الأوروبية، إدراج الحرس الثوري على قوائم المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد إقرار البرلمان الأوروبي هذا التصنيف، في يناير 2023؛ الأمر الذي سيؤثر في علاقات طهران بدول الاتحاد الأوروبي.
صعود عِدَّة أحزاب قومية متطرفة للحكم في عددٍ من دول القارة الأوروبية؛ مثل فرنسا وإيطاليا والمجر، وهو ما يُنْذِرُ بحدوث تصعيدٍ في سياسات هذه الدول تجاه إيران.