المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > السد الإثيوبي: بين مُخطَّط التنمية الواهية والتهديد الوجودي لمصر السودان
السد الإثيوبي: بين مُخطَّط التنمية الواهية والتهديد الوجودي لمصر السودان
- أكتوبر 14, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: دينا لملوم
منسق وحدة الشؤون الأفريقية
يُعَدُّ السدُّ الإثيوبيُّ أحدَ أبرز وأكبر التحديات التي تواجه مصر والسودان، فهو لا يُشكِّلُ تهديدًا مائيًّا فحسب، بل يُعبِّرُ أيضًا عن صراعات جيوسياسية مُعقَّدة في منطقة القرن الأفريقي، كما يأتي هذا المشروع في ظلِّ سعْي إثيوبيا لتعزيز مكانتها الإقليمية وتحقيق استقلالية في إدارة مواردها المائية، متجاهلةً المصالح المائية الحيوية لدولتيْ المصبِّ، وضرب العديد من القوانين والأعراف الدولية المنظمة لتنمية واستغلال مياه الأنهار الدولية عرْض الحائط، هذا وقد أدَّى افتتاح السد الذي تم تدشينه، 9 سبتمبر الماضي، إلى ارتفاع منسوب مياه النيل؛ مما أدَّى إلى وقوع فيضانات في بعض المناطق بمصر واتسع مداها في دولة السودان، وتُثار التخوُّفات من التأثيرات المستقبلية المحتملة على أمن واستقرار المنطقة، الذي دوْمًا ما تحاول الحكومة الإثيوبية العبث به.
السد الإثيوبي: ذريعة لمحاولات الصعود السياسي
1- إجراءات أحادية:
لقد شرعت أديس أبابا في تدشين مشروع سدٍّ على نهر النيل منذ 14 عامًا، دون تشاور ودون الوضع في الاعتبار مصالح دول المصب، لا سيما مصر والسودان، بل لم تُقدِّمْ دراساتٍ وافيةً عن المخاطر أو الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الناجمة عن هذا المشروع، وواصلت عملية الملْء والتشغيل بشكلٍ أُحاديٍّ؛ ضاربًة بكافَّة القوانين والأعراف الدولية المُنظمة للمياه، -كإعلان المبادئ المُوقَّع عام 2015- عرْض الحائط، كما أن هذه الممارسات الأُحادية جاءت مخالفة لبيان مجلس الأمن، الصادر في سبتمبر 2021[1]، إلى أن وصل الأمر إلى مرحلة الافتتاح الرسمي للسدِّ، وما أعقبه من تداعيات وخيمة على مصر والسودان، ليس ذلك فحسب، بل يُتوقع أن يتفاقم الخطر مستقبلًا، فخُطَى الحكومة الإثيوبية خلال الفترة القادمة لن تكون إلا استكمالًا لسلسلة التعنُّت التي بدأتها منذ ولادة فجر السد، ومع ذلك؛ قد تتغير دفَّة الأمور ويتمُّ التوصُّل لحلٍّ مُرضٍ لدولتيْ المصبِّ ومراعاة حقوقهم في مياه النيل، إضافةً إلى ضمان عدم تعرُّضهم لمشاكل بيئية كالفيضانات التي شهدتها أماكن متفرقة من كلا البلديْن.
2- خطط التنمية الواهية:
في الوقت الذي ادَّعت فيه إثيوبيا إقامة السدِّ من أجل إحداث التنمية وتوليد الطاقة الكهربائية؛ داعمةً ذلك بتركيبها 13 توربين، إلا أنها لم تُركِّبْ سوى 8 توربينات، لم يعمل منها إلا 5 فقط، ليس بكامل طاقتها أو بشكلٍ منتظمٍ[2]؛ مما يثبت نوايا رئيس الوزراء الإثيوبي، بأن تدشين السدِّ لم يكن لغرض التوسُّع الحقيقي للتنمية، إنما لأهداف أخرى، أبرزها:
محاولة إثبات النفوذ وسيطرة إثيوبيا الإقليمية عبْر السدِّ الإثيوبي، الذي هو عبارةٌ عن مشروعٍ رمزيٍّ يُعزِّزُ مكانتها كقوة إقليمية، خاصَّةً في مواجهة مصر ومحاولة تضييق الحصار المائي عليها.
استخدام السدِّ كأداة ضغط سياسي على مصر والسودان، والتحكُّم في تدفُّق مياه النيل لتحقيق مكاسب جيوسياسية، وليس فقط لأغراض التنمية الاقتصادية.
تهديد أمن واستقرار دولتيْ المصبِّ عبْر ممارسات إدارة السدِّ الأُحادِيَّة التي أدَّت إلى فيضانات متكررة وخسائر للمزارعين والمجتمعات في السودان؛ مما يدل على عدم احترام متطلبات الاستخدام المنصف والعادل للمياه.
3- استغلال الحرب السودانية:
استغلت إثيوبيا أحداث السودان المضطربة والهشاشة الأمنية في البلاد، على وقْع الحرب التي شهدتها أبريل 2023، وعملت على تسريع ملْء السدِّ والقيام بالتخزين الرابع له، رغم اعتراض مصر والسودان، وواصلت ملْء السدِّ بشكلٍ أُحاديٍّ، وأعلنت إتمام الملْء الرابع في سبتمبر [3]2024، هذا التوجه جاء في سياق سعي أديس أبابا لتحقيق استقلالية أكبر في إدارة مياه النيل، وفرْض واقعٍ مائيٍّ جديدٍ، هذا الأمر يُزيد من التوتًّر الإقليمي حول ملف المياه، ويجعل الحلول السياسية أكثر تعقيدًا، في ظلِّ غياب آليات تنفيذية دولية مُلْزِمَة لإدارة هذا النزاع، بل ومواصلة حكومة آبي أحمد الإضرار بجيرانها دون العبْء بالآثار السلبية الناجمة عن مثل هذه التصرُّفات أُحادية الجانب.
4- إدعاء السَّعْي لتحقيق السلام:
دومًا ما تسعى الحكومة الإثيوبية إلى إثبات ذاتها على أنها راعي السلام في المنطقة؛ لحشْد دول الجوار الإقليمي وتعزيز مكانة أديس أبابا في المنطقة، واتضح ذلك في الآتي:
عقْد مفاوضات بشأن السد الإثيوبي عدة مرات: عقدت جولات مفاوضات عديدة على مدار أكثر من 13 عامًا بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن السد الإثيوبي، لكنها فشلت؛ بسبب تعنُّت أديس أبابا وإصرارها على المُضيِّ قُدُماً في بناء وتشغيل السدِّ من جانبٍ واحدٍ، وهو ما أعلن عنه آبي أحمد بشكلٍ متكررٍ، بأنه يُمثِّلُ نهْج إثيوبيا للاستفادة من مواردها المائية رغْم الاعتراضات المصرية والسودانية، إلى أن دَخَلَ السدُّ فِعْلِيًّا حيِّزَ التشغيل؛ ليبدأ مسلسلٌ جديدٌ من التوتُّر وتصاعُد المخاوف بشأن التأثير على دولتيْ المصبِّ، لا سيما بعد ارتفاع منسوب مياه النيل في مصر، وحدوث فيضانات جرفت مناطق متفرقة من السودان.
استضافة الفرقاء السودانيين ومحاولة التوسُّط في الأزمة السودانية: منذ اندلاع الحرب في السودان، تدخل رئيس الوزراء الإثيوبي على خطِّ الأزمة؛ لإثبات حضوره تِجَاه الأحداث الداخلية في البلاد، عبْر إظهار نفسه كراعٍ لجهود المصالحة ودعْم سُبُل السلام في الأزمات الأفريقية؛ سعْيًا للحصول على مقْعدٍ بيْن الأقطاب الدولية والإقليمية في عمليات التسوية السياسية، هذا التحرُّك جاء ضمن سلسلةٍ من التحرُّكات المماثلة التي ينتهجها آبي أحمد في العديد من النزاعات، مثلما الحال في التوتُّر الأخير بين الصومال وكينيا، إضافةً إلى أن ذلك يأتي تتويجًا لمسارات الدبلوماسية الوقائية تِجَاه الأزمات التي تعجُّ بها المنطقة؛ لتجنُّب التأثير على الأوضاع الداخلية، واتساع دائرة العُنْف وتوتُّر الداخل الإثيوبي.[4]
جائزة نوبل للسلام: في ضوْء المصالحة التي أجراها آبي أحمد مع إريتريا، سبتمبر 2018؛ لينهي بذلك نزاعًا داميًا استمر أكثر من عشرين عامًا، قامت اللجنة النيرويجية بمنْحِهِ جائزة نوبل للسلام عام 2019؛ على خلفية مساهمته في إرساء السلام وفْق تصوُّرهم، ولكن سُرْعانَ ما أعقب ذلك حرْبٌ ضاريةٌ اندلعت عام 2020 على أراضي إقليم التجراي الإثيوبي؛ ما أسفر عن وقوع مئات الآلاف من القتلى والنازحين وخلْق أزمة إنسانية حادة؛ لتُثبت أن تحرُّكاته جاءت متناقضةً مع قِيَم السلام التي كان يُروِّج لها، ويدَّعِي أنه من رُعَاتِها.[5]