المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > “السلام بالقوة”… أبعاد الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية
“السلام بالقوة”… أبعاد الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية
- يونيو 22, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في تطور عسكري من شأنه أن يضع أمن منطقة الشرق الأوسط على المحك؛ نفذت الولايات المتحدة فجر اليوم الأحد 22 يونيو 2025، ضربة عسكرية مفاجئة على منشآت البرنامج النووي الإيراني، في واحدة من أخطر مراحل التصعيد بين واشنطن وطهران، مما يهدد باتساع رقعة الصراع الإقليمي، ويثير كثير من التساؤلات حول أشكال وحدود الرد الإيراني على الضربة الأمريكية:
1- تفاصيل عملية “مطرقة منتصف الليل” الأمريكية:
أعلن الرئيس دونالد ترامب أن الهجوم الأمريكي شمل 3 منشآت نووية في إيران وهم؛ فوردو ونظنز وأصفهان، مؤكدًا أن المواقع المستهدفة الثلاث تم تدميرهم بالكامل، وموضحًا أن الضربة الأمريكية هدفت إلى “تدمير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، ووقف التهديد الذي تشكله الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم”.[1]
كما حذر ترامب من تبعات الرد الإيراني الانتقامي، مطالبًا طهران بالاستجابة إلى دعوته للسلام، قائلًا “لا يمكن أن يستمر هذا الوضع، إما أن يتحقق السلام، وإما تقع مأساة لإيران أكبر بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية”.
وفي إحاطة حول كيفية تنفيذ الضربة الأمريكية؛ والتي سُميت بعملية “مطرقة منتصف الليل”، أوضح رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال دان كين، التفاصيل التالية[2]:
استخدمت القوات الأمريكية في الهجوم ما يقرب من 75 سلاحًا موجهًا بدقة؛ فيما شاركت 125 طائرة أمريكية في هذه المهمة، بما في ذلك القاذفات الشبحية “بي 2″، ومقاتلات الجيل الرابع والجيل الخامس، وعشرات من ناقلات التزود بالوفود جواً، وغواصة صواريخ موجهة، ومجموعة كاملة من طائرات المراقبة والاستطلاع الاستخباراتية.
شملت العملية سبع قاذفات من طراز “بي 2 سبيريت”، والتي انطلقت شرقًا من قاعدتها في ميسوري إلى إيران، وقد تطلبت هذه الرحلة، التي استغرقت 18 ساعة، عدة عمليات تزود بالوقود جوًا.
التقت القاذفات بطائرات مقاتلة أمريكية، وطائرات دعم، وذلك فور تحليقها فوق اليابسة في الشرق الأوسط، في مناورة معقدة ودقيقة التوقيت.
قبيل دخول الطائرة المجال الجوي الإيراني؛ أطلقت غواصة أمريكية أكثر من 24 صاروخ من طراز “توماهوك كروز” على أهداف في موقع أصفهان.
مع اقتراب الطائرات من أهدافها، استخدمت الولايات المتحدة عدة أساليب خداع؛ بما في ذلك توجه عدد من تلك الطائرات إلى المحيط الهادئ، فيما حلقت الطائرات المقاتلة في المجال الجوي أمام القاذفات، بحثًا عن طائرات معادية وصواريخ أرض – جو.
حينما اقتربت المقاتلات من قاعدتي فودو ونطنز، أسقطت قاذفات “بي 2” قنبلتين من نوع “جي بي يو 57” على أول نقطة من عدة نقاط في فوردو، وأصابت القاذفات الأخرى أهدافها بإجمالي 14 قذيفة، وتم ضرب جميع أهداف البنية التحتية النووية، وضرب أصفهان بصواريخ “توماهوك”.
2- إدانات إقليمية ودولية للهجوم الأمريكي على إيران:
نظرًا للخطورة الشديدة التي يعنيها الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، فقد لاقى إدانات إقليمية ودولية واسعة، حيث حذر الجميع من تبعات هذا الأمر وتطوراته، والتي من شأنها أن تزيد من تعقيد المشهد، وتحول الصراع إلى حرب إقليمية أوسع، وفيما يلي أبرز ردود الفعل[3]:
أ. إيران:
وزير الخارجية عباس عراقجي؛ أكد أن الضربات الأمريكية تُعد انتهاكًا خطيرًا لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، ومعاهدة حظر الانتشار النووي، مشددًا على أنه سيكون لها تداعيات دائمة، وأن إيران تحتفظ بكل الخيارات للدفاع عن سيادتها، مضيفًا التالي:
نسفت الولايات المتحدة وإسرائيل، خيار الدبلوماسية، فواشنطن هي من بدأت الحرب على إيران، وذلك في خضم العملية الدبلوماسية.
الصمت أمام هذا العدوان الصارخ، يعرض العالم لخطر شامل وغير مسبوق.
يجب بقاء باب الدبلوماسية مفتوحًا، ولكن إيران سترد أولًا على الهجمات التي تعرضت لها من باب الدفاع عن نفسها، وتدعو طهران، مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طاريء، لبحث هذا العمل غير القانوني، واتخاذ إجراءات لإدانته.
الحرس الثوري الإيراني؛ أكد أن الضربات الأمرييكة هي انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والمبادئ الأساسية لاحترام السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول، مشددًا على أن أي هجوم يستهدف التكنولوجيا النووية الإيرانية، لن ينجح في تدميرها.
ب. إسرائيل:
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ رحب بالهجوم الأمريكي، مؤكدًا أنه يمثل منعطفًا تاريخيًا، سيقود الشرق الأوسط إلى “السلام”، وإلى مستقبل من “الرخاء والسلام”، مضيفًا:
تؤيد تل أبيب مبدأ “السلام من خلال القوة”؛ فأولًا تأتي القوة، ثم يأتي السلام.
تم تدمير المنشآت النووية الإيرانية كما تعهدت إسرائيل في بداية حربها.
ج. ردود الفعل الإقليمية:
وزارة الخارجية المصرية؛ أعربت عن رفضها لأي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الدولي، وشددت على ضرورة احترام سيادة الدول، مؤكدة أن الحلول السياسية والمفاوضات الدبلوماسية، وليس الحل العسكري، هي السبيل الوحيد نحو الخروج من الأزمة، وتحقيق التسوية الدائمة.
وزارة الخارجية السعودية؛ أدانت الهجمات على الأراضي الإيرانية، مؤكدة موقفها الثابت برفض أي تدخلات تنتهك سيادة الدول، داعية إلى بذل الجهود كافة لضبط النفس والتهدئة وتجنب التصعيد، مشيرة إلى أن تفاقم الأوضاع في هذا التوقيت الحساس، يهدد أمن المنطقة واستقرارها.
وزارة الخارجية القطرية؛ طالبت بضرورة وقف العمليات العسكرية، والعودة فورًا للحوار والمسارات الدبلوماسية لحل القضايا العالقة، محذرة من أن التوتر الخطير الذي تشهده المنطقة في الوقت الحالي، سيقود لتداعيات كارثية على المستويين الإقليمي والدولي.
المتحدث باسم وزارة الخارجية العُمانية؛ أدان الهجوم الأمريكي، داعيًا إلى خفض التصعيد الفوري والشامل، مؤكدًا أن ذلك الوضع يهدد بتوسيع رقعة الحرب، ويشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة، وانتهاك السيادة الوطنية للدول وحقها المشروع في تطوير برامجها النووية للاستخدامات السلمية.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي؛ أكد أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة، سيزيد من حدة التوترات ويؤثر على الأمن والاستقرار بالمنطقة، مشددًا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وبذل الأطراف كافة جهودًا مشتركة للتهدئة، واتخاذ نهج الدبلوماسية سبيلًا فعالًا لتسوية النزاعات، والتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحروب.
الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي؛ يمثل استهداف المنشآت النووية الإيرانية تهديدًا خطيرًا للأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط، ويعرض الاستقرار الإقليمي لمخاطر جسيمة، مضيفًا:
تشدد بغداد على أن الحلول العسكرية لا يمكن أن تكون بديلًا عن الحوار والدبلوماسية.
استمرار الهجمات من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد خطير، ستكون له عواقب تتجاوز حدود أي دولة، وتمس استقرار المنطقة والعالم.
يدعو العراق إلى التهدئة الفورية، وفتح قنوات دبلوماسية عاجلة؛ لاحتواء الموقف والعمل على نزع فتيل الأزمة.
رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام؛ دعا إلى التمسك بالمصلحة الوطنية العليا، والتي تقضي بتجنيب توريط لبنان أو زجه بأي شكل من الأشكال في المواجهة الإقليمية الدائرة، وذلك لمواجهة التصعيد الخطير في العمليات العسكرية، ومخاطر تداعياتها على المنطقة بأسرها.
د. ردود الفعل الدولية:
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ وصف الهجمات الأمريكية بأنها تصعيد خطير، وتهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين؛ لأنها قد تؤدي إلى خروج الصراع عن السيطرة، مما يسبب عواقب كارثية على المدنيين والمنطقة والعالم، داعيًا إلى خفض التصعيد وتجنب الفوضى، مؤكدًا أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد للحل.
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا؛ دعا جميع الأطراف إلى ضبط النفس واحترام القانون الدولي والسلامة النووية، مشددًا على أن الدبلوماسية لا تزال السبيل الوحيد لإحلال السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط.
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي؛ أعلن عدم رصد أي زيادة في مستوى الإشعاعات بعد الضربات الأمريكية على المنشآت النووية في إيران، مؤكدًا أن مجلس محافظي الوكالة سيعقد اجتماعًا طارئًا غدًا الأثنين 23 يونيو 2025، لبحث تطورات الوضع في طهران.
3- قراءة في الضربة الأمريكية على طهران:
يُعد هذا الاستهداف هو الأول من نوعه من جانب الولايات المتحدة لمنشآت البرنامج النووي الإيراني، فهو أمر غير مسبوق، حتى أنه لم يحدث في أقصى فترات التوتر الإيراني الأمريكي والتي أعقبت انسحاب واشنطن بشكل منفرد من الاتفاق النووي في العام 2018، وهذا ما يجعل هذا التطور شديد الحساسية والخطورة، ويشير لكثير من الدلالات والأبعاد التي يحملها في طياته، والتي من بينها:
أ. محاولة أمريكية لتخفيف القصف الإيراني على إسرائيل؛ جاءت الضربة الأمريكية في وقت يتعرض فيه الداخل الإسرائيلي إلى خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة جراء القصف الصاروخي الإيراني، مما أدى إلى إثارة سخط شعبي تجاه حكومة نتنياهو مؤخرًا بعد أن اشتدت الضربات والخسائر التي تتكبدها تل أبيب، هذا إلى جانب تآكل واهتزاز صورة الردع الدفاعي الإسرائيلي الذي فشل بكل إمكاناته أن يتصدى للصواريخ الإيرانية، يُضاف إلى ذلك الحديث عن اقتراب نفاذ الصواريخ الاعتراضية التي تمتلكها تل أبيب للتصدي إلى القصف الصاروخي الإيراني المتكرر، ولهذا؛ يبدو أن واشنطن، وفي لحظة شعرت بخطر حقيقي على أمن إسرائيل، قررت إسناد ودعم حليفتها عن طريق تنفيذ هذه الضربة.
ولكن يبدو أنها كانت محاولة غير مجدية؛ إذ بعد الضربة الأمريكية بساعات قليلة، شنت طهران الموجة الـ20 من عملية الرد الصادق 3، واستهدفت تل أبيب وحيفا بـ40 صاروخ من طراز “خيبر-شكن”، والذي استخدمته لأول مرة ضد تل أبيب، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات، إلى جانب إحداث دمارًا هائلًا.
ب. ضربة تمهد الطريق للتفاوض بالقوة وليس لبدء حرب أوسع؛ يبدو من بعض المعطيات أن الرئيس ترامب يحاول إخضاع إيران بكل الطرق حتى تستسلم وتقبل بشروطه، فهو غير راغب أو ساعي لبدء حرب نووية في المنطقة، خاصةً وأن حدوث أمر كهذا يضر بمصالح واشنطن، وحلفاءها من دول المنطقة، قبل أن يضر بإيران نفسها، ولهذا قد تكون ضربة مضرة ولكنها ليست قاسمة أو قاضية مثلما يصور الجانب الأمريكي، ومن المؤشرات التي ترجح هذا الاحتمال:
أعلن نائب مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية حسن عابديني، أن إيران أخلت المواقع النووية المستهدفة منذ فترة، موضحًا أنه تم نقل معظم اليورانيوم عالي التخصيب في فوردو إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأمريكي، كما تم تقليص عدد الأفراد في موقع فوردو إلى الحد الأدنى.
أفادت صحيفة “واشنطن بوست”، بأن صور الأقمار الصناعية أظهرت نشاطًا غير عادي للشاحنات في منشأة فوردو قبل يومين من الضربة الأمريكية، مما قد يؤكد تصريحات عابديني.
أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أنه لا خطر على السكان المقيمين في محيط المواقع النووية المستهدفة، وأنه لا مؤشرات على أي تلوث بعد الهجمات الأمريكية، مما يعني عدم حدوث تسرب إشعاعي، وهو ما يدل على عدم وقوع أضرار كبيرة في المنشآت المستهدفة، وذلك على عكس تصريح ترامب بأن المنشآت الثلاثة تم تدميرهم بالكامل.
كشفت صور الأقمار الاصطناعية لمنشأة فوردو بعد الضربة الأمريكية وجود أضرار سطحية، لكن دون تأكيدات قاطعة حول اختراق التحصينات العميقة للموقع أو انهيار أساسي للمبنى تحت الأرض، مما قد يعني أن الضربة قد تكون استهدفت البنية التحتية السطحية للموقع دون أن تحدث دمارًا شاملًا في المنشآت المحصنة تحت الأرض، وهو ما كانت أكدته وكالة فارس الإيرانية، والتي أفادت بأن “منشأة فوردو النووية لم تتعرض لضرر بالغ نتيجة الضربة الأمريكية، فمعظم الضرر في المنشأة على الأرض فحسب، وهو ما يمكن إصلاحه”.
وبناءًا عليه؛ فإن الضربة الأمريكية ما هي إلا وسيلة ضغط عسكري، أرادت منها الولايات المتحدة أن تجبر إيران على قبول الشروط الأمريكية التي سبق وأن قدمتها لها خلال جولات التفاوض الخمس السابقة، وهذا ما قصده ترامب بعد الضربة قائلًا “لقد حان وقت السلام، يجب على إيران أن تقبل بتحقيق السلام”، حيث تشير كلمة السلام إلى عودة التفاوض من جديد، والتساؤل الأهم هنا؛ إذا كان البرنامج النووي قد دُمر تمامًا كما قيل، فعلى ماذا سيتم التفاوض الذي تحدث عنه الرئيس ترامب.
ج. تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة؛ ما يحدث منذ 13 يونيو الجاري وحتى الآن، يؤكد مما لا يدع مجالًا للشك أن قواعد الاشتباك وموازين الردع التي حكمت العلاقة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة لسنوات طويلة، تغيرت ملامحه كثيرًا، إذ أصبحت تميل إلى ثلاث ملامح جديدة؛ وهي: الردع الاستباقي، والذي يشير إلى الاعتماد على الفعل وليس رد الفعل، الردع المباشر الذي يعتمد على المواجهة المباشرة وليس حروب الظل أو الوكالة، والردع العسكري القائم على القوة وذلك بدلًا من سياسة الضغط الأقصى والعقوبات الاقتصادية التي أثبتت فشلها في إيقاف البرنامج النووي الإيراني.
ولكن؛ مهما تغيرت قواعد الاشتباك، سيظل هناك حرص دائم من الدول الثلاث على ألا تصل الأمور إلى نقطة الحرب الموسعة الكبرى، لأنهم يعلمون جيدًا أن تكلفتها ستكون باهظة على الجميع، ولذلك؛ دائمًا ما سيحافظون على ترك مساحة للعودة إلى باب التفاوض مجددًا.
د. حصار إيران بين خيار الاستسلام غير المشروط أو الرهان على خسارة كل شيء؛ الهجوم الأمريكي يضع طهران بين خيارين كلاهما مر ومكلف؛ إما قبول الشروط الأمريكية والخضوع للرغبة الأمريكية، أو المقاومة والاتجاه إلى مزيد من التصعيد، وبالتالي؛ دخول إيران في حرب مكلفة وخاسرة لمدة طويلة.
ولذلك؛ أي هجوم إيراني على القواعد الأمريكية في المنطقة وخاصةً المتواجدة في دول الخليج العربي، يعني أن طهران ستفقد جوارها الخليجي مرة أخرى، وتعود إلى حالة العزلة التي عانت منها سنوات طويلة، كما أنه يعني خسارتها إلى الموقف الخليجي الرسمي الداعم لها لأول مرة ضد الضربات الإسرائيلية.
وكذلك الأمر بالنسبة للملاحة في مضيق هرمز؛ قرار البرلمان بإيقاف الملاحة في مضيق هرمز، سيضر إيران قبل غيرها، وسيضعها في مواجهة كل دول العالم، كما أنه من الناحية الفعلية والجغرافية، لا يمكن لطهران تنفيذ القرار على أرض الواقع؛ لأن الجزء الأكبر منه يقع أمام سواحل عُمان والإمارات، وبالتالي؛ هي محاولة بائسة هدفها إثارة بعض المخاوف، وحفظ ماء الوجه بعد الضربة الأمريكية.
وبناءًا عليه؛ يجب أن تفكر إيران جيدًا في حسابات اللعبة هذه المرة، وتعلم أن قواعد الاشتباك تغيرت كثيرًا، ويجب أن تتعاطى معها بقدر أكبر من الحكمة، وتعود إلى سياسة الصبر الاستراتيجي مرة أخرى حتى لا تخسر كل ما حققته خلال السنوات الأخيرة، خاصةً فيما يخص تحسن علاقاتها والانفتاح العربي عليها.
هـ. مغامرة انتخابية من الرئيس الأمريكي؛ الرئيس دونالد ترامب الذي تعهد بعدم الدخول في حروب كبرى بمنطقة الشرق الأوسط، شن أول هجوم أمريكي على إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، وهو الأمر الذي أثار انقسامًا حادًا في الداخل الأمريكي؛ حيث:
بالنسبة للجمهوريين؛ أشادوا بالضربات التي وجهها الرئيس ترامب للمنشآت الإيرانية النووية، معتبرين أن قرار الهجوم على طهران، كان قرارًا مدروسًا وسليمًا، مؤكدين أنه كان السبيل الوحيد لمنع إيران من تطوير وامتلاك سلاحًا نوويًا، بعدما رفضت جميع السبل الدبلوماسية للسلام.
أما بالنسبة للديمقراطيين؛ فقد اعتبروا أن القرار يُعد انتهاك صارخ للدستور الأمريكي، بعدما تفرد به الرئيس دونالد ترامب دون الرجوع إلى الكونجرس، مؤكدين أن ترامب ورط البلاد في حرب ليس من الشأن الأمريكي، مما يعرض القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة للخطر، ويفتح باب التصعيد في الإقليم، كما حملوه المسؤولية الكاملة حول عواقب وتبعات الضربة الأمريكية.
ويبدو من هذا الانقسام أن ترامب قرر أن يغامر بالتصعيد ضد طهران، وهو ما يضعه بين احتمالين؛ إما خضوع طهران للشروط الأمريكية وبالتالي تحقيق ما أسماه ترامب “الاستسلام غير المشروط”، ومن هنا توافق طهران على وقف التخصيب ومن ثم؛ تفكيك البرنامج النووي الإيراني وتأخير أي تقدم كان محتمل بالنسبة لإنتاج طهران سلاحًا نوويًا، وهذا يعني الظهور بصورة رجل السلام الذي استطاع حل المعضلة النووية الإيرانية، وهو ما يعني ضمان فوز الجمهوريين في الانتخابات الفصلية.
أما في حالة التصعيد والرفض من الجانب الإيراني؛ فسوف تؤول الأمور إلى مزيد من التصعيد الواسع طويل الأمد، وقد تتكبد واشنطن بعض المتاعب حول أمن وسلامة قواعدها وقواتها في المنطقة، وبالتالي؛ الخسارة في المغامرة الانتخابية لصالح الديمقراطيين، لأنه سيظهر بمظهر رجل الحرب لا السلام كما وعد مسبقًا.
ولكن أي السيناريوهين أقرب للواقع، فإن ذلك يتوقف على الرد الإيراني وحدوده وشكله خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة، وما إن كانت ستميل إلى التصعيد أم لا.
و. تحرك أمريكي يدفع إيران إلى السلاح النووي بشكل أكبر؛ يوفر الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، تبريرًا قانونيًا ومنطقيًا لإيران حتى تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، إذ ينص البند العاشر من المعاهدة على أنه “لأي عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، الحق في الانسحاب من المعاهدة، إذا رأى أن أحداثًا استثنائية عرضت المصالح العليا لبلاده للخطر”.
وفي أعقاب الهجوم؛ لوحت طهران بهذه الورقة بالفعل، حيث صرح رئيس لجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني عباس جولرو، بأن “لطهران الحق القانوني في الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بموجب المادة العاشرة منها”.
وفي حال استطاع النظام الإيراني الصمود أمام الضغط الأمريكي- الإسرائيلي، والخروج بأقل الخسائر في برنامجه النووي، فلا شك أنه سيقوم بالانسحاب من المعاهدة، وبتطوير سلاحًا نوويًا في أقرب وقت ممكن، لأن ذلك بات الضمان الوحيد لبقاءه، كما أنه بات آلية الردع الوحيدة التي ستمنع تكرار الضربات الأمريكية والإسرائيلية على الداخل الإيراني فيما بعد، ولكن في حال حدوث ذلك بالفعل، فإن المنطقة ستكون على موعد مع سباق تسلح نووي غير مسبوق وخطير للغاية، يضع أمن جميع دول العالم على المحك.
وإجمالًا؛ المشهد الحالي يحمل كثير من التحديات، وباتت السيناريوهات جميعها مطروحة، مما يجعل أمن المنطقة على المحك، وهو أمر سيكون كارثي على الجميع، ولكن مهما كان الوضع الذي ستؤول إليه الأمور؛ هناك حقيقة واحدة وهي أن الخيار العسكري لم يكون الحل للمعضلة النووية الإيرانية، لأن منشآت إيران النووية المتقدمة، وقدرات التخصيب التي تمتلكها، باتت معطيات أمر واقع يجب القبول بها والتعامل معها، ضربها بات أخطاره أكبر من فوائده، فضلًا عن أنه إذا تم تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، كيف يمكن تدمير التراكم المعرفي الذي بات لدى طهران في هذا المجال، ومن هنا يمكن القول أن الضربة الأمريكية هي ضربة تعطيل وليس تدمير للبرنامج النووي الإيراني.
المصادر:
[1] ترمب: دمرنا المنشآت النووية الإيرانية «بشكل تام وكامل»، الشرق الأوسط، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8
[2] «مطرقة منتصف الليل»… تفاصيل عملية خداع وتضليل عسكري، الشرق الأوسط، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/5157162-%E2%80%8B%D9%85%D8%B7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%85%D9%8
[3] بعد الضربات الأميركية على إيران: قلق أممي ودعوات للتهدئة، صحيفة الشرق الأوسط، 22/6/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5156991