المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية: الدلالات والدوافع
الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية: الدلالات والدوافع
- نوفمبر 20, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: عبد الرحمن محمد
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في خطوة من شأنها أن تثير مخاوف الغرب، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت 9 نوفمبر الجاري، على قانون للتصديق على معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية، وذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” أن المعاهدة كان قد تم توقيعها في بيونغيانغ في 19 يونيو 2024، وأحالها بوتين إلى مجلس الدوما الروسي للتصديق عليها في 15 أكتوبر.
وتنص ديباجة المعاهدة على أن الوثيقة تلبي المصالح الأساسية لشعبي روسيا وكوريا الشمالية “وتسهم في ضمان السلام والأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي”، وبشكل خاص، تنص المعاهدة على تقديم المساعدة العسكرية وغيرها بشكل فوري في حال تعرض أي من الطرفين لهجوم مسلح، وذلك وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تهدف الاتفاقية إلى تطوير شراكة شاملة تستند إلى مبادئ الاحترام المتبادل لسيادة الدول وسلامة أراضيها، والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وبشكل عام، يوجد علاقة استراتيجية مهمة تجمع الدولتين؛ فعلى مدار السنوات الماضية عززت موسكو وبيونغ يانغ الروابط العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية بينها، مما أدى إلى رفع مستوى التعاون بين البلدين إلى أعلى مستوياته، وتوجت تلك العلاقة بتوقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية بينهم، وتأتي هذه الشراكة في سياق دولي يحمل دلالات وردود أفعال وأهداف من الجانبين وانعكاسات على تلك الشراكة من شأنها أن تحدث تحركات في مختلف الدول على مستويات شتى العسكري منها والدبلوماسي.
دلالات التوقيت
يأتي التوقيع على هذه المعاهدة في وقت بالغ الأهمية للجانبين، وخاصة بالنسبة لروسيا التي تكبدت خسائر فادحة في الحرب المستمرة، لاسيما بعد الهجوم الأوكراني الأخير على كورسك. وفي هذا السياق، يمكن تحديد عدة دلالات لتوقيع المعاهدة في الوقت الراهن على النحو التالي:
أولًا: استمرار تصاعد القتال بين القوات الأوكرانية والروسية، مما أسفر عن خسائر كبيرة في صفوف الجانبين. وقد أعلنت كل من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية أن كوريا الشمالية قد أرسلت نحو 11 ألف جندي لدعم الجيش الروسي في الحرب، وهي خطوة نادرة في التاريخ الحديث، حيث تعد هذه المرة من المرات القليلة التي تقبل فيها موسكو دخول قوات أجنبية للدفاع عن أراضيها.[1]
ثانيًا: يكتسب التوقيت الحالي أهمية خاصة لما يحمله من دلالات تتعلق بالضعف والتأثر الكبير للجيش الروسي، الذي يعاني من الإرهاق نتيجة الاستنزاف الميداني في الحرب، خاصة بعد الهجوم الأوكراني الأخير على كورسك الذي أسفر عن خسائر كبيرة للجيش الروسي، فضلاً عن سيطرة القوات الأوكرانية على مناطق واسعة من الإقليم في أغسطس الماضي. إضافة إلى ذلك، فقد تجاوزت الخسائر البشرية الروسية 200 ألف جندي قتيل، مما دفع موسكو إلى طلب الدعم من حليفتها الاستراتيجية، كوريا الشمالية، في محاولة للتخفيف من حدة هذا المأزق.[2]
ردود الأفعال الدولية
تسببت الاتفاقية في ردود أفعال متعددة بعد توقيعها، ومن المرجح أن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية ستؤثر بشكل كبير على توازن القوى في شمال شرق آسيا، مما يثير قلق كل من كوريا الجنوبية واليابان بشكل خاص. يمكن عرض هذه الردود على النحو التالي:
كوريا الجنوبية واليابان؛ أعربت كل من كوريا الجنوبية واليابان عن قلقهما البالغ من هذه الاتفاقية، خاصة في ظل احتمالية تقديم روسيا أسلحة متطورة ودقيقة إلى كوريا الشمالية، مما يعزز من قدراتها العسكرية في شبه الجزيرة الكورية. علاوة على ذلك، قد تقدم روسيا الدعم في حال تعرضت كوريا الشمالية لأي هجوم مستقبلي. ما يثير مخاوف اليابان بشكل خاص هو دعم روسيا للبرنامج النووي والصاروخي الكوري الشمالي، مما يسهل على كوريا الشمالية استهداف اليابان والقواعد العسكرية الأمريكية في حال حدوث أي نزاع مستقبلي. ومن المتوقع أن تشمل المساعدات الدفاعية الروسية إلى كوريا الشمالية تعزيز الردع النووي، في وقت تسعى فيه اليابان وكوريا الجنوبية لتعزيز الردع الأمريكي والتعاون العسكري مع واشنطن.[3]
في السياق ذاته، قام وزير الخارجية الياباني، تاكيشي إيوايا، بزيارة نظيره الأوكراني أندريه سيبيها في 16 نوفمبر للتأكيد على دعم اليابان لأوكرانيا في مواجهة روسيا، كما أعلن عن فرض المزيد من العقوبات عليها. وأشارت وزارة الخارجية اليابانية إلى أن قلق طوكيو البالغ بشأن الاتفاقية بين موسكو وبيونغ يانغ يشكل أولوية رئيسية في عملها الدبلوماسي.[4]
من جهة أخرى، صرحت كوريا الجنوبية بعد نشر كوريا الشمالية قوات في كورسك بأنها على استعداد لإرسال قواتها إلى أوكرانيا أيضًا.[5]
حلف الناتو؛ قال “مارك روته” الأمين العام لحلف الناتو” إن تعاون روسيا مع كوريا الشمالية وإيران والصين يشكل تهديداً لأوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ”،[6] ويستعد الناتو إلى فترة أخرى جديدة ستكون مليئة بالتحديات بعد أصبحت كوريا الشمالية على مقربة كبيرة منهم ما يشكل تهديد خطير على أمن دول الحلف الذين يخشون من مواجهة مستقبلية خصوصا في ظل التردد الأمريكي من الحلف بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، هذه السياسة التي أقدمت عليها كوريا الشمالية في روسيا فتحت الباب أمام مخاوف من الغرب بإن تتدخل بيونغ يانغ في أي صراعات متوقعة مستقبلا على غرار الصراع بين الصين وتايوان، وذلك بإعتبار أيضا أن بيونغ يانغ وبكين لديهم معاهدة دفاع مشترك يعود تاريخها إلى عام ١٩٦١.[7]
من المحتمل أن تتعامل دول الناتو مع هذا التحالف على أنه شرارة حرب باردة جديدة وليس مجرد تحالف عابر بين دولتين، حيث سيجعل ذلك من كوريا الشمالية خصم جديد ومنافس منضم إلى روسيا والصين، وعدم التعامل معها مستقبلا بسياسات منعزلة، بل سيكون ذلك في إطار سياسات موجهة ومدروسة لمواجهة روسيا والصين وكوريا الشمالية كلهم معًا، حيث بدأت أن تصبح كوريا الشمالية في نفس درجة تهديد روسيا والصين بالنسبة للناتو والاتحاد الأوروبي بإعتبارها قوة نووية أصبحت تشكل خطراً على أمن هذه الدول.[8]
الولايات المتحدة الأمريكية؛ فعلى هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “أبيك، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، التعاون بين كوريا الشمالية وروسيا بـ”التعاون الخطير المزعزع للاستقرار”، وذلك خلال لقائه رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في ليما عاصمة البيرو. وفي ذات السياق، أشاد الرئيس الأميركي بالتعاون المتزايد بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والذي يأتي كرد على المخاوف بشأن العلاقات العسكرية المتزايدة بين بيونغ يانغ وموسكو.[9]
دوافع المعاهدة بالنسبة للدولتين كوريا الشمالية وروسيا
يوجد عدة دوافع مختلفة وراء توقيع الشراكة الاستراتيجية، يمكن عرضها بالشكل الاتي:
بالنسبة لكوريا الشمالية:
شهد التقارب الروسي الكوري تقدم في السنين الأخيرة خاصة بعد فشل زعيم كوريا الشمالية كيم في عقد صفقة مع الرئيس الأميركي المنتخب ترامب في ولايته الأولى، عرض خلالها كيم صفقة تقتضي بإلغاء جزء من برنامجه النووي مقابل ضمانات أمنية ورفع بعض العقوبات على بيونغ يانغ، ولكن سرعان ما فشلت المحادثات بين الطرفين واتجهت كوريا الشمالية من تلك اللحظة لتلبية احتياجاتها من روسيا والصين، وأضحت العلاقات مع روسيا منذ ذلك الوقت على رأس أولويات السياسة الخارجية لكوريا الشمالية، وسرعان ما توطدت تلك العلاقات التي تطورت إلى ما وصلت عليه أخيرا بتوقيع معاهدة دفاع مشترك.[10]
تأمل بيونغ يانغ في أن تقوم موسكو بنقل التطورات التكنولوجية العسكرية إليها، وذلك يعد من أهم ما ستقدمه روسيا لكوريا الشمالية من خلال ذلك الارتباط، بخلاف سعيها لتطوير مصانع الأسلحة والسلع الاستهلاكية في كوريا الشمالية، كما تخشى معظم الدول المعادية لروسيا من تلك العلاقة لأن كوريا الشمالية من المحتمل أن تحصل على دعم تكنولوجي مكثف من موسكو يعزز برنامجها النووي.[11]
أكسبت هذه الخطوة كوريا الشمالية مكانة كبيرة لدى روسيا التي ستعتمد عليها كثيراً كحليف قوي في التحديات المقبلة، كما كسبت كوريا الشمالية حليف استراتيجي مهم وعضو دائم في مجلس الأمن بالإضافة إلى الصين، ما سيؤدي إلى تعزيز قدراتها ومكانتها الدولية بعلاقتها مع موسكو.
بالنسبة لروسيا:
تعد الاتفاقية منقذ لموسكو من الخسائر الهائلة التي تكبدتها في عمليتها العسكرية مع أوكرانيا، حيث فقد الجيش الروسي عناصر بشرية كثيرة منذ بداية الحرب ما دفعها لتسريع عملية التصديق على المعاهده والاستعانة بكوريا الشمالية في حربها ضد أوكرانيا.[12]
تستغل موسكو انشغال الإدارة الأمريكية الحالية بتسليم ونقل السلطة إلى الحكومة الأمريكية الجديدة، محاولة بهذه الخطوة أن تفرض واقع جديد في الصراع الحالي من شأنه أن يعزز قوة روسيا إذا حققت نتائج ميدانية إيجابية، نظرا لإشتراط روسيا أن يكون الواقع الميداني في الحرب الجارية أساس يُستند عليه في أي عملية تفاوض مستقبلية لتسوية الحرب.[13]