المقالات
الشرع يزور باريس: قراءة في دوافع ودلالات التقارب الفرنسي السوري في عهد الإدارة الجديدة
- مايو 9, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في زيارة رسمية هي الأولى له إلى القارة الأوروبية، توجه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، يوم الأربعاء 7 مايو 2025، إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث التقى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وذلك بناءً على دعوة وجهها الأخير إلى الرئيس السوري في فبراير الماضي.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت شديد الحساسية بالنسبة لسوريا، وذلك على خلفية الأوضاع الأمنية المحتدمة التي شهدتها الساحة السورية مؤخرًا، مما يثير تساؤلات عديدة حول الدلالات والدوافع الكامنة وراء هذه الزيارة، ومستقبل العلاقات الفرنسية السورية في عهد إدارة الرئيس أحمد الشرع، فضلًا عن التحديات التي قد تعوق التقارب بين باريس ودمشق:
أولًا؛ فعاليات ومخرجات اللقاء السوري الفرنسي:
عقد الرئيس السوري أحمد الشرع، والوفد المرافق له والذي ضم كلًا من وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير إدارة الكوارث رائد الصالح، جلسة محادثات موسعة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناولت عددًا من القضايا؛ منها: مستقبل العلاقات السورية الفرنسية، ملف إعادة الإعمار، أفاق التعاون الاقتصادي، التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السيادة السورية، والعلاقات مع دول الجوار وخصوصًا لبنان، وفي ختام الجلسة تم التأكيد على المخرجات التالية[1]:
-
ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية؛ دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الولايات المتحدة إلى الإسراع في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكدًا أن بلاده ستعمل على رفع العقوبات الأوروبية تدريجيًا عن سوريا، لأن ذلك سيسهم في إعادة إعمار البلاد، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، فيما أشار الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أن استمرار العقوبات الاقتصادية على دمشق لم يعد مبررًا بعد سقوط حكم بشار الأسد.
-
التعهد بنبذ الطائفية ومنع تكرار أحداث الساحل السوري؛ حيث دعا ماكرون الرئيس السوري إلى ضمان حماية جميع السوريين من دون استثناء، مشددًا على ضرورة ملاحقة ومحاكمة مرتكبي أعمال العنف الطائفية التي شهدها الساحل السوري في مارس الماضي. ومن جانبه؛ أكد الشرع على أن سلامة السوريين أولوية قصوى بالنسبة له، مشيرًا إلى استمرار عمل لجنة التحقيق الدولية في الهجمات الطائفية التي شهدتها البلاد، مشددًا على أنه “لا مكان للفتن الطائفية في مستقبل سوريا”.
-
رفض الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي سوريا وسيادتها؛ ندد الرئيس الفرنسي بالضربات والتوغلات الإسرائيلية في سوريا، مؤكدًا أنها لن تضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل، وكاشفًا عن وجود مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل عبر وسطاء دوليين، تهدف لتهدئة الأوضاع وإنهاء الانتهاكات الإسرائيلية، داعيًا إسرائيل إلى زيادة مستوى التعاون، لافتًا إلى أن الرئيس السوري مستعد للدخول في محادثات مباشرة.
-
ضرورة تسوية وضع المقاتلين الأجانب المتواجدين في سوريا؛ أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن بلاده قدمت ضمانات لجميع الدول بشأن التزام المقاتلين الأجانب بالقانون السوري، وعدم إلحاق الضرر ببلدانهم الأصلية، موضحًا أن الدستور الجديد، الذي قيد الإعداد، هو ما سيحدد معايير منح الجنسية لهؤلاء المقاتلين ولعائلاتهم، في حال توافرت بهم شروط منح الجنسية السورية التي ستقرها القوانين.
-
مواصلة جهود مكافحة تنظيم داعش الأرهابي؛ شدد الرئيس ماكرون على أن تنظيم داعش لا يزال تهديدًا قائمًا، داعيًا نظيره السوري إلى مواصلة مكافحة أعمال التنظيم وغيره من الفصائل المتطرفة، مؤكدًا أنه يسعى لإقناع واشنطن بتأجيل سحب قواتها من سوريا لضمان الاستقرار.
-
ضمان العدالة الانتقالية لجميع أطياف الشعب السوري؛ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الإطاحة بالنظام السوري السابق، تلاقي ترحيبًا واسعًا من المجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن بلاده تشارك الشعب السوري تطلعاته نحو دولة عادلة ومستقرة، ولذلك؛ تأمل باريس أن تضمن المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا حاليًا، العدالة لجميع السوريين، وأن تسير الإدارة السورية الجديدة في مسار الإصلاح والانفتاح كما تعهدت.
وجدير بالذكر أن؛ هذه الزيارة تأتي في إطار سلسلة خطوات متتالية اتخذتها فرنسا في طريق الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، مما يجعلها الدولة الأوروبية الأكثر رغبة في تطبيع العلاقات مع دمشق، حيث سبق وأن قامت باريس بـ[2]:
-
إرسال عدة دبلوماسيين إلى دمشق لغرض إقامة أول اتصال مع السلطات الجديدة.
-
إعادة رفع العلم الفرنسي على السفارة الفرنسية في العاصمة السورية المغلقة منذ 14 عامًا.
-
استضافة مؤتمر “دعم الشعب السوري”، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، في 13 فبراير 2025.
-
اتصال الرئيس ماكرون بنظيره أحمد الشرع في 28 مارس الماضي، وذلك في أعقاب زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون الرسمية إلى باريس، حيث بحث الاتصال ملف الحدود والهجرة بين لبنان وسوريا.
-
الدفع بدول الاتحاد الأوروبي نحو رفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.
ثانيًا؛ جدلًا واسعًا يشوب زيارة الشرع إلى فرنسا:
أثارت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس، جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية والحقوقية، وخاصةً الفرنسية، وذلك نظرًا لأنها تتزامن مع مجموعة الانتقادات التي شابت الزيارة؛ ومنها:
1- سخط اليمين المتطرف الفرنسي من دعوة الشرع إلى باريس؛ وجهت أحزاب المعارضة وخصوصًا المحسوبة على تيار أقصى اليمين، انتقادات حادة ولاذعة للرئيس ماكرون، على خلفية دعوته واستقباله للرئيس السوري أحمد الشرع؛ حيث[3]:
– رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الجمهوريون اليميني التقليدي لوران فوكييه؛ وصف دعوة الشرع لزيارة فرنسا بأنها “خطأ جسيم”.
– زعيمة اليمين المتطرف ممثلًا بحزب التجمع الوطني مارين لوبن؛ وصفت الشرع بأنه “الجهادي الذي انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية “القاعدة””، فيما أكدت أن دعوة ماكرون للشرع، تبرهن عن عدم مسؤولية، وتسيء إلى صورة فرنسا، وتقوض مصداقية باريس أمام حلفائها فيما يخص مكافحة “الإسلاموية”، مشددة على أن الزيارة خطوة استفزازية من الرئيس الفرنسي.
– رئيس حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” إيريك سيوتي؛ وصف زيارة الشرع إلى فرنسا بأنها “زلة جسيمة”، خاصةً وأنها تأتي في وقت تتعرض فيه الأقليات السورية للاضطهاد والإسلاموية.
– التجمع الفرنسي – العلوي؛ نظم احتجاجًا مناهضًا للرئيس السوري في وسط باريس في نفس يوم الزيارة، كما استبق التجمع نفسه، الزيارة برفع شكوى قانونية في 11 أبريل الماضي إلى المدعي العام في باريس، ضد الشرع وبعض الوزراء السوريين، بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية مقتل مئات من العلويين في منطقة الساحل بغرب سوريا في مارس الماضي.
2- المخاوف التي طالت الأوضاع الأمنية في سوريا بعد أعمال العنف الطائفية التي شهدتها البلاد مؤخرًا؛ تزامنت الزيارة مع مجموعة من التحديات الأمنية الطائفية التي أثارت شكوكًا كبيرة لدى الأوروبيين حول مصداقية تعهدات الرئيس السوري بالتعامل مع كل السوريين بنهج واحد، ومنها أحداث الساحل السوري التي أودت بحياة 1700 شخص معظمهم من العلويين، وكذلك الاشتباكات المسلحة التي دارت بين عناصر الأمن العام ومسلحين من الطائفة الدرزية.[4]
فقد أدت تلك الأحداث إلى إثارة مخاوف غربية من أن ينتقل الحكم في سوريا من استبداد أقلية، أي العلوية في عهد الأسد، إلى طغيان الأكثرية، السنة في عهد الشرع، على حساب الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان.
3- استمرار العقوبات الدولية المفروضة على الشرع؛ لا يزال الرئيس السوري، والذي كان زعيمًا لهيئة تحرير الشام المنبثقة من تنظيم القاعدة السابق في سوريا، يخضع لحظر سفر فرضته الأمم المتحدة، ولذلك ما كان له أن يصل إلى مطار باريس إلا بعد أن حصلت فرنسا من مجلس الأمن الدولي على استثناء.[5]
ولكي يتم رفع اسم الشرع من لائحة منع السفر، يحتاج لقرار دولي، ولكن حتى اليوم، لم تتقدم أي دولة بطلب كهذا إلى الأمم المتحدة، كما يبدو أن لا نية للإقدام على خطوة كهذه في المدى القريب، أو الإقدام على رفع العقوبات المفروضة على الدولة السورية، إلا بعد أن يثبت الشرع أنه قادر على حماية الأقليات، والسيطرة على أوضاع البلاد الأمنية، إلى جانب حمايته لحقوق الإنسان، واعتماده على نهج يساوي بين كل أطياف الشعب السوري في الحقوق والحريات، ويضمن أن يكون هناك عدالة في المرحلة الانتقالية الراهنة.
ثالثًا؛ دوافع ودلالات التقارب الفرنسي السوري:
يبدو من الزيارة التي قام بها الرئيس السوري إلى فرنسا، ومما سبقها من خطوات انفتاح وتقارب أبدتها باريس تجاه الإدارة السورية الجديدة، أن هناك رغبة حثيثة من قبل باريس في تطبيع العلاقات مع دمشق، والتي قابلت الود الفرنسي بإيجابية مماثلة، ولا شك أن الرغبة المتبادلة في التقارب بين الجانبين، تأتي مدفوعة بأهداف ودلالات عديدة، تختلف من فرنسا إلى سوريا، حيث:
1- الدوافع السورية:
أ. على الصعيد السياسي؛ أراد الرئيس أحمد الشرع من خلال زيارته إلى فرنسا، التأكيد على اكتسابه شرعية خارجية، واعترافًا دوليًا يتخطى حدود الجوار السوري سواء العربي أو الإقليمي، كما أراد أن تسهم هذه الزيارة، التي هي الأولى إلى أوروبا، في تطوير العلاقات الخارجية للدولة السورية، وتساعدها في استعادة مكانتها الدولية، لأن استقباله في دولة بحجم فرنسا، يعني احتمالية دخول دمشق إلى الجماعة الدولية من بوابة باريس، وذلك من خلال قيام دول أوروبية أخرى بتوجيه دعوات مماثلة إلى الرئيس السوري للقيام بزيارتها أيضًا.[6]
وما يزيد من أهمية الزيارة إلى الرئيس أحمد الشرع؛ أنها جاءت قبل أيام معدودة من القمة العربية التي تستضيفها العاصمة العراقية بغداد، والتي سيشارك بها الرئيس السوري أيضًا، وذلك بعد جدلًا كبيرًا أُثير حول حضوره القمة من عدمه.
ب. على الصعيد الاقتصادي؛ أراد الشرع من هذه الزيارة، الحصول على دعمًا فرنسيًا فيما يخص ملف العقوبات الاقتصادية، والتي تحول دون وصول المساعدات إلى السوريين، وتعوق الاستثمارات الأجنبية، وتعرقل عملية إعادة الإعمار بالبلاد، وهو ما تحقق فعلًا من خلال تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل رفع العقوبات المفروضة على دمشق في يونيو المقبل، وكذلك دعوته إلى واشنطن لإنهاء عقوباتها على دمشق سريعًا.[7]
ج. على الصعيد الأمني؛ رغب الرئيس السوري من خلال الزيارة، في الحصول على حشدًا دوليًا ضد الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، وبالفعل تحقق ذلك أيضًا، من خلال التنديد المباشر بانتهاكات تل أبيب لسيادة الدولة السورية، والذي أكد عليه الرئيسان في ختام الزيارة.
2- الدوافع الفرنسية:
أ. على الصعيد الأمني؛ رغم الانتقادات التي طالت الزيارة من قبل الداخل الفرنسي، إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون أصر على إتمامها؛ وذلك لخدمة مجموعة من المصالح الأمنية التي تهم بلاده، ولمعالجة عدد من التحديات التي قد تصل إلى أوروبا على خلفية ما يحدث من توترات أمنية في سوريا مؤخرًا، وعلى رأسها[8]:
-
مكافحة خطر تنظيم داعش الإرهابي، والذي استعاد جزء غير قليل من قوته، استغلالًا لحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها الدولة السورية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في الـ8 من ديسمبر 2024، ويُستدل على ذلك من دعوة الرئيس الفرنسي إلى الولايات المتحدة بتأجيل الانسحاب من سوريا، وكذلك من تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بأن “عدم الانخراط في حوار مع السلطات الانتقالية السورية، سيكون بمثابة بسط السجادة الحمراء تحت أقدام داعش”.
-
مكافحة تدفقات الهجرة إلى الدول الأوروبية؛ حيث أن استمرار الوضع الأمني الحالي في سوريا، قد ينتج عنه موجة هجرة جديدة للسوريين نحو أوروبا على غرار ما حدث في أعقاب الثورة السورية عام 2011، وذلك على عكس آمال دول الاتحاد الأوروبي في أن يعود اللاجئين السوريين المتواجدين بها إلى بلدهم مرة أخرى بعد التخلص من نظام بشار الأسد، خاصةً وأن اللاجئين باتوا عبئاً كبيرًا على الدول الأوروبية في ضوء الأوضاع التي يمر بها الاقتصاد العالمي، وخصوصًا بعد أزمة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
-
ضبط الحدود السورية اللبنانية؛ والتي تشهد فوضى أمنية غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، هذا إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية التي قد يشهدها لبنان على خلفية ما يحدث في سوريا وخاصةً فيما يخص الطائفة الدرزية، ولذلك تقود فرنسا مساعي حثيثة من أجل ضبط الحدود بين دمشق وبيروت، من خلال ترسيم الحدود البرية والبحرية بينهما، وتسوية وضع اللاجئين السوريين المتواجدين في لبنان، إلى جانب مكافحة تجارة وتهريب السلاح والمخدرات بين البلدين.
ب. على الصعيد السياسي؛ تحاول فرنسا كسب زخمًا دبلوماسيًا في منطقة الشرق الأوسط، والاحتفاظ ببعض أوراق النفوذ في الإقليم، وذلك من خلال لعب دورًا فاعلًا في سوريا ولبنان، اعتمادًا على الارتباط التاريخي الذي جمع باريس بكلا الدولتين؛ إذ كانتا تحت الانتداب الفرنسي مسبقًا.[9]
كما تسعى فرنسا لاكتساب هذا النفوذ من خلال لعب دور الوسيط بين الأكراد ودمشق على مدى الأشهر القليلة الماضية، اعتمادًا على العلاقة الجيدة بين الأكراد وباريس، ومن شأن ذلك أن يظهر فرنسا بمظهر الدولة الساعية إلى دعم استقرار دمشق، وحماية وحدة الدولة السورية من تهديدات التقسيم والانفصال، وكل ذلك سيعزز نفوذها في سوريا، كما ينعكس إيجابيًا على المصالح الفرنسية في لبنان، باعتبار أن بيروت شديدة التأثر بما يحدث في سوريا.
ج. على الصعيد الاقتصادي؛ ترغب فرنسا في أن تحصل على بعض الامتيازات والمكاسب الاقتصاية في سوريا، وخاصةً فيما يخص ملف إعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية التي قد تُقام في الدولة السورية، ولذلك تبدي انفتاحًا على إدارة أحمد الشرع، وتؤيد مطالب دمشق في رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا.
ويبدو أن فرنسا قد حصدت أول مكاسبها الاقتصادية في سوريا، وذلك من خلال توقيع شركة “سي إم جي سي جي إم” الفرنسية، في فبراير الماضي، عقدًا مع الحكومة السورية مدته 30 عامًا، لتطوير وتشغيل محطة الحاويات بميناء اللاذقية، وقد نص الاتفاق على التالي[10]:
-
تحديث البنية التحتية لمرفأ اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، ورفع قدرته التشغيلية ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تأهيل المرافئ التجارية في البلاد.
-
ضخ استثمارات مباشرة بقيمة 30 مليون يورو في السنة الأولى، تليها استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو خلال السنوات الأربع التالية.
-
إنشاء رصيف بحري جديد بطول 1.5 كيلومتر وعمق 17 مترًا، مما يمكن الميناء من استقبال السفن العملاقة التي لم يكن بالإمكان رسوها سابقًا.
-
تطوير وتجديد البنية التحتية والفوقية لمرفأ اللاذقية، إلى جانب صيانة وتأهيل الأرصفة، واستبدال أو تحديث المعدات الحالية، بما يتوافق مع المعايير العالمية، وهو ما من شأنه رفع كفاءة إدارة الحاويات، وتسريع عمليات المناولة، وتحسين القدرة التنافسية للمرفأ على مستوى الإقليم.
-
في حال تم تشغيل مرفأ اللاذقية بكامل طاقته ودمجه في الشبكة الملاحية العالمية للشركة الفرنسية؛ فقد تصل عوائده السنوية إلى ما بين 700 و800 مليون دولار، أغلبها من رسوم الحاويات وخدمات التخزين والمناولة، استنادًا إلى عمليات الشركة التي تشمل أكثر من 624 سفينة و150 خطًا ملاحيًا دوليًا.
وجدير بالذكر أن؛ يتمتع مرفأ اللاذقية بأهمية اقتصادية حيوية، خاصةً مع تعثر عمل مرفأ بيروت بعد الانفجار الذي شهده عام 2020، وإلغاء التعاقد مع شركة روسية لإدارة مرفأ طرطوس خلال يناير الماضي، ومن مؤشرات تلك الأهمية:
-
يُعد ميناء اللاذقية من أقدم المرافىء السورية التي تأسست على شاطئ البحر المتوسط، كما يتم عن طريقه استيراد وتصدير معظم حاجات البلاد غير النفطية.
-
تطوير مرفأ اللاذقية من شأنه أن يغير موقع سوريا اللوجستي على خارطة المنطقة، من خلال تحويل المرفأ إلى مركز إقليمي للترانزيت يربط شرق المتوسط بدول الجوار مثل العراق والأردن، خاصةً مع تحسين الكفاءة التشغيلية واستقدام خطوط ملاحية جديدة.
-
كما يتمتع الميناء بأهمية ذات طابع غير اقتصادي؛ تتمثل في كونه نقطة مراقبة استراتيجية للوجود الروسي في المياه الدافئة، وبالتالي يتيح لفرنسا تحييد النفوذ الروسي تدريجيًا في هذا الشريط الساحلي الهام.
وإجمالًا؛ تشهد العلاقات الفرنسية السورية قدرًا ملحوظًا من التحسن بعد سنوات طويلة من القطيعة، ويبدو أن هذا التحسن يأتي مدفوعًا بمجموعة من الأهداف والمصالح التي تسعى إليها كلًا من فرنسا وسوريا، ولكن هذا لا يعني أن مستقبل العلاقات بين البلدين لا يواجهه العديد من العراقيل والتحديات، سواء كانت ترتبط بالداخل السوري وما يشهده من فوضى أمنية تهدد وحدة واستقرار دمشق، أو ترتبط بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه الإدارة السورية الجديدة، التي لا تزال تعاني من سياسة العقوبات والعزلة.
وهذا الوضع يفرض على فرنسا أن توازن بين الانفتاح على النظام السوري الجديد، وبين إلزامه بتنفيذ تعهداته المتعلقة بالعدالة السياسية وحماية حقوق الإنسان والمساواة بين كل أطياف الشعب السوري وخاصةً الأقليات، فيما يفرض على إدارة الرئيس أحمد الشرع أن تتخذ خطوات ملموسة، تثبت التزامه بمطالب الجماعة الدولية، مما يمكنه من اكتساب شرعية دولية كاملة، تحقق له كل المصالح الأمنية والاقتصادية التي يرغب بها.
المصادر:
[1] في أول زيارة رسمية إلى فرنسا: مؤتمر مشترك بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الفرنسي ماكرون، وكالة شام الإخبارية السورية، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://shaam.org/news/syria-news/%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D
[2] الشرع في باريس… أول عاصمة غربية يزورها منذ وصوله إلى السلطة، صحيفة الشرق الأوسط، 6/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
[3] زيارة الشرع إلى باريس تثير جدلا سياسيا واسعا، ميدل ايست أونلاين، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://www.middle-east-online.com/%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8
[4] الأمل السوري «معلّق بخيط رفيع»، صحيفة الشرق الأوسط، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%
[5] الإليزيه يفتح أبواب أوروبا أمام الشرع، صحيفة الشرق الأوسط، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[6] حفصة علمي، الشرع في باريس.. فرنسا تقود المبادرة الدبلوماسية بدعم سوريا الجديدة، الجزيرة القطرية، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2025/5/7/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8
[7] زيارة الشرع إلى باريس.. اختبار للشرعية الدولية أم بداية تحول في المشهد السوري؟، موقع اتحاد العالم الإسلامي، 6/5/2025، متاح على الرابط: https://www.unitedmuslimworld.com/34825
[8] عمر كوش، ماذا يريد ماكرون من الشرع؟، الجزيرة القطرية، ترك برس، 7/5/2025، متاح على الرابط: https://www.turkpress.co/node/105561
[9] الشرع في باريس… أول عاصمة غربية يزورها منذ وصوله إلى السلطة، الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[10] فرنسا تطرق بوابة سوريا البحرية.. استثمار لوجستي أم تموضع سياسي؟، موقع الشرق الإخباري، 4/5/2025، متاح على الرابط: https://asharq.com/politics/134131/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7