قامت الصين بتبنِّي سياسة خارجية فعَّالة تجاه منطقة الخليج، مُنْذُ تولِّي الرئيس تشي الحكم، عام 2013، وحدوث صعود صيني سياسي واقتصادي متنامي، وفي ظل النمو الخليجي السريع، توجَّهت دول الخليج نحو التعاون مع بكين وإنشاء علاقات ثنائية وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي؛ ما أدَّى إلى تطور العلاقات على المستوى الاقتصادي والسياسي في العقود الأخيرة، والذي يأمل أن يتوج بتوقيع معاهدة التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين، وتأتي هذه العلاقة في إطار وعي الجانبين بحتمية ضرورة التعاون والانفتاح بما يعود على اقتصاداتهم بالنفع.
وفي ظل الفترة الثانية الحالية لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الامريكية، تأتي علاقة دول الخليج بالصين مُحمَّلة بالتحديات المختلفة؛ نظرًا لسياسات ترامب الاقتصادية الحمائية التي تعتزم فرض جمارك باهظة على الصين؛ ما سينعكس على موقف الخليج تجاه الصين اقتصاديًّا، وفيما يأتي، يمكن استعراض بعض مظاهر التعاون “الصيني – الخليجي” ودوافع هذا التعاون، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهم التحديات التي يمكنها عرقلة هذا التقارُب.
مظاهر التعاون “الصيني – الخليجي”: –
تُعدُّ دول مجلس التعاون الخليجي أحد أهم الشركاء التجاريِّين الأساسيِّين للصين في الشرق الأوسط، ولا يقتصر التعاون بينهم على الجوانب الاقتصادية وإن كانت هي الأهم، ولكن أصبحت الصين تلعب دورا سياسيًّا وعسكريًّا أيضًا في المنطقة الخليجية، وفيما يأتي يمكن استعراض أبرز أوْجه التعاون بينهم.
تاريخيًّا:
بدأت العلاقات الصينية مع الدول الخليجية منذ سنوات طويلة؛ حيث أقامت دول مجلس التعاون الخليجي الذي تأسَّس في 25 مايو 1981، علاقات دبلوماسية مع الصين على فترات مختلفة، فأقامت الكويت علاقات دبلوماسية عام 1971م، وتُعدُّ هي أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في المجلس، وتلتها سلطنة عمان عام 1978، والإمارات عام 1984، وقطر 1988، والبحرين 1989، وجاءت السعودية كآخر دولةٍ تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في المجلس عام 1990.
سياسيًّا:
زيارات عديدة: على مستوى الدور الدبلوماسي للصين في المنطقة أحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ، مُنْذُ تولِّيه الحكم في عام 2013، طفرةً في السياسة الخارجية الصينية؛ حيث أعلن عن إستراتيجية ” التوجُّه نحو الغرب”، وبالفعل شهدت العلاقات “الخليجية – الصينية” تناميًا متزايدًا على المستوى السياسي؛ حيث قام الرئيس الصيني بزيارات عديدة إلى الشرق الأوسط وقام بزيارة المملكة العربية السعودية في عام 2016، وعام 2022، كما يتشارك الطرفان في منتدى التعاون “العربي – الصيني” الذي يعزز بدوره الحوار السياسي بين الدول العربية بما فيهم دول الخليج، وأبرز آلية للتعاون في المنتدى هو الاجتماع الوزاري الدوري الذي يتمُّ عقده بانتظام كل سنتيْن.
المصالحة “السعودية – الإيرانية”: لعبت الصين دور الوسيط في المصالحة “السعودية – الإيرانية”، وتُعدُّ هذه الخطوة نجاحًا دبلوماسيًّا صينيًّا مهمًا مكَّنَها من طرْح نفسها كقوةٍ سياسيةٍ في المنطقة ذات تأثير فعَّال ونوايا سياسية حسنة، ولم تكن هذه الخطوة هي مجرد خطوة عشوائية، بل أتت في إطار حرص بكين على الانخراط في المنطقة وموازنة النفوذ الأمريكي، عن طريق توفير لدول المنطقة بديلًا أكثر احترامًا وموثوقيةً من النموذج الأمريكي.[1]
دبلوماسية القمم: كما اعتمدت الصين في تعزيز علاقاتها السياسية مع دول الخليج على “دبلوماسية القمم”؛ حيث حضرت ودعت إلى عقد عدة قمم هدفت إلى تعزيز العلاقات مع دول المجلس وتسريع اتفاقية التجارة الحرة بينهم؛ حيث عقدت الصين ثلاث قمم في الرياض، قمتان خاصَّتان بالدول الخليجية وأخرى على المستوى العربي، أسهمت القمم الثلاث في رفع مستوى الحوار والعلاقات الدبلوماسية بين الجانبيْن، كانت القمة الأولى “الخليجية – الصينية” المنعقدة في المملكة العربية السعودية، بتاريخ 9 ديسمبر 2022 على رأسهم، بالإضافة إلى الاجتماع الوزاري (6+1) بين وزراء الاقتصاد والتجارة في دول مجلس التعاون، ووزير التجارة من جمهورية الصين الشعبية، الذي انعقد في أكتوبر 2023.[2]
توافق سياسي متبادل: تدعم دول الخليج مبدأ الصين الواحد فيما يتعلق بالأزمة “الصينية – التايوانية”، وعلى هذه الشاكلة، تتبنَّى الصين موقفًا سياسيًّا مؤيدًا لوجهات النظر الخليجية؛ فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وتدعم الرُّؤية السعودية الأخيرة الرافضة لدعاوي ترامب، بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن وإلى السعودية، فيشكل هذا الموقف السياسي الصيني أهميةً إستراتيجية وسياسية كبيرة للسعودية؛ حيث تقدر الرياض دعم عضوٍ دائمٍ في مجلس الأمن الدولي لها في قضايا الشرق الأوسط التي تهمين على تحديد مصيرها واشنطن.
اقتصاديًّا:
يُعدُّ التعاون الاقتصادي هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات “الصينية – الخليجية”؛ حيث أشار الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي، على هامش انعقاد اجتماعات وزراء التجارة والصناعة في دول مجلس التعاون والصين، بمدينة غوانزو بالصين، في أواخر عام 2023، أن “العلاقات بين الجانبيْن قويةٌ على كافَّة الأصعدة، وبالأخص العلاقات الاقتصادية والتجارية، وفيما يأتي يمكن استعراض بعض المؤشرات على تطوُّر العلاقات الاقتصادية بين الجانبيْن.
التبادل التجاري: تزداد قيمة التبادل التجاري بين الصين ومجلس التعاون الخليجي في العقديْن الأخيريْن تدريجيًّا؛ حيث بلغ في عام 2014 تقريبًا 182 مليار دولار، وارتفع إلى 228 مليار دولار بحلول عام 2021، فيما بلغ 287 مليار دولار عام 2023، تحتلُّ السعودية في هذه النسبة 40% من إجمالي التبادل التجاري مع الصين، وتُعدُّ تجارة النفط هي التجارة الغالبة بين الجانبيْن.[3]
وقد أشار وزير التجارة والصناعة القطري محمد بن حمد آل ثاني في وقتٍ سابقٍ، أن “العلاقات المتميزة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين انعكست على حجم التبادل التجاري بين الجانبين”، وقد تضاعف في الفترة من (2015 – 2022) بنسبة 140% ليبلغ نحو 316 مليار دولار في عام 2022.[4] ، وتُعدُّ الصين أكبر شريك تجاري لقطر؛ حيث ازداد حجم التبادل التجاري “القطري – الصيني” في بدايات عام 2024 بنسبة 3.7%، وكان قد وصل إلى 23.7 مليار دولار عام 2023.[5]
الاستثمار: شهدت السنوات الماضية عمليات تدفُّقٍ كبيرةٍ للاستثمارات الصينية في دول الخليج في عددٍ كبيرٍ من القطاعات، وقد عُقِدَ منتدى التعاون الصناعي والاستثماري بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين في مدينة شيامن الصينية خلال الفترة بين 23 و24 مايو 2024 تحت شعار “التطلُّع إلى المستقبل والتعزيز المشترك للتنمية عالية الجودة للتعاون الصناعي والاستثماري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي”؛ تأكيدًا على هذه الرغبة المتبادلة.[6]
وتجمع الصين بالمملكة العربية السعودية شراكة استثمارية كبيرة؛ حيث بلغت استثماراتها المباشرة في المملكة نموًّا بنسبة 5.1% في العام 2022، ونموًّا بنسبة 37.3% مقارنةً بالعام 2018، كما تستثمر في بعض المشاريع المحلية الخليجية ومنها مشروع “نيوم” السعودي.[7]
الطاقة: وتُعدُّ دول الخليج واحدةً من أهم موردين الغاز الطبيعي المسال إلى الصين خاصَّةً قطر؛ حيث لا يمكن لبكين الاستغناء عن واردات الطاقة من الدول الخليجية لاستكمال مشاريعها التنموية، كما قامت بكين بتعزيز شراكتها مع السعودية عبْر استثمارات وصلت إلى 30 مليار دولار في قطاعات الطاقة والموانئ، في حين أصبحت الإمارات مركزًا إقليميًّا للشركات الصينية باحتضانها 6000 شركةٍ صينيةٍ، وتبادل تجاري يفوق 80 مليار دولار سنويًّا.[8]
وقد أشار سابقًا وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو، أن الصين ترغب في تعزيز التعاون في مجال النفط والغاز، بالإضافة إلى مجال صناعة سيارات الطاقة الجديدة وصناعاتها المختلفة على شاكلة بطاريات الطاقة وأكوام الشحن الذكية.
مبادرة الحزام والطريق: تسعى الصين لتعزيز التعاون الصيني الخليجي بما يعزز هذه المبادرة؛ حيث تقع شركتَي “أكوا باور” السعودية و”مصدر” الإماراتية ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، وصرَّح السفير عبد الرحمن بن أحمد الحربي، سفير المملكة العربية السعودية لدى الصين قائلًا: “إن هناك الكثير من القواسم والاهتمامات المشتركة وأوْجه التشابه بين مبادرة “الحزام والطريق” ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، وأشار إلى أن البلديْن يكملان بعضهما البعض لتنويع الاقتصاد، وتعزيز التجارة، والمشاركة بشكلٍ أكبر في الاقتصاد الدولي، وبناء شراكةٍ ناجحةٍ مع الصين.[9]
عسكريًّا:
تُعدُّ الدول الخليجية هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط في عملية شراء الأسلحة؛ حيث أصبحت بكين من أكبر خمسة مصدرين للأسلحة لدول الخليج العربي، كما تجري تدريبات بحرية مشتركة مع كُلٍّ من السعودية والإمارات، وقامت السعودية بتطوير صواريخ باليستية، بمساعدة الصين في عام 2022؛ حيث وقعت شركة ACES السعودية المتخصصة في أنظمة الاتصالات والالكترونيات لنقل خبرة تصنيع الطائرات بدون طيار بمساعدة مجموعة تكنولوجيا إلكترونيه صينية مملوكة للدولة تعرف باسم تكتل دفاعي صيني، وشاركت السعودية في مناورات عسكرية مع الصين سُمِّيت “بالسيف الأزرق”، فيما قد أعلنت الصين والسعودية عن خططٍ لإنتاج طائرات مسيّرة بشكلٍ مشتركٍ، وتشير التقارير من عام 2021 إلى أن السعودية كانت تنتج صواريخ باليستية بدعم تكنولوجي صيني.
دوافع التعاون بين الجانبين: –
تتنوع دوافع الخليج في التعاون مع الصين والعكس؛ نظرًا لما يتمتع به الطرفان من مكانة تنامت كثيرًا على السَّاحة الدولية خاصَّةً في الجوانب الاقتصادية، وفيما يأتي يمكن تناول أهم الدوافع المحفزة للطرفين.
بالنسبة إلى الصين: –
احتياج بكين إلى الطاقة:
تحتاج الصين للنفط الخليجي في استكمال عملية التنمية ولسدِّ احتياجاتها الصناعية؛ لذا تضع بكين مجال امدادات الطاقة كأولوية قصوة في علاقاتها مع دول الخليج، فتُعدُّ صادرات النفط الخليجي إلى الصين هي أكبر محفز لها؛ لرغبتها بتعزيز التعاون مع الخليج، وتنظر الصين إلى الموقع الإستراتيجي لمنطقة الخليج الذي يحتوي على عدة ممرَّات مائية في غاية الأهمية لها؛ ما يمكن لبكين حماية خطوط الملاحة البحرية والموانئ التي يعبر منها البترول إليها، بالإضافة إلى تأمين التواجُد على المضايق ذات الأهمية الجيوستراتيجية، مثل مضيق باب المندب ومضيق هرمز.
استكمال اتفاقية التجارة الحرة:
بدأت محادثات إبرام اتفاقية التجارة الحرة في عام 2004، على هامش توقيع الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والاستثماري والفني الموقعة بين دول المجلس والصين، وقد واجهت هذه الاتفاقية تحديات عدة إلى أن تجاوزتها الأطراف المعنية؛ إيمانًا منهم بأهمية الاتفاقية، وكان قد تمَّ توقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين في عام 2010، وتوفر هذه الاتفاقية إلغاء الرسوم الجمركية بين الدولتيْن؛ ما يتيح الفرصة أمام دول الخليج لتصدير مختلف المنتجات المحلية، في سوق يُعدُّ هو الأضخم في دولة تبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، وهو كذلك بالنسبة للصين التي تسعى لعقْد هذا الاتفاق مع مجلس التعاون منذ عقديْن، فقد أخذت مفاوضات التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج وقتًا أطول مما كان يتوقعه الطرفان؛ لذا تسعى الصين جاهدة لاستكمالها.[10]
تحدي النظام العالمي أُحاديّ القُطْب:
تسعى الصين لإحداث تغييرات على ثوابت النظام العالمي أُحاديّ القطب الذي تقوده الولايات المتحدة منفردةً، والاتجاه نحو نظام عالمي جديد أكثر عدالةً تجاه دول العالم الثاني والثالث قائم على التعددية القطبية، وتنظر الدول الخليجية إلى هذا التوجُّه “الصيني – الروسي” نظرةً إيجابيةً، يرونها تهدف إلى خلْق بيئة دولية أكثر اتزانًا؛ بما يمكن لدول العالم من العيش في سلام ورفاهية، ولا يضعها رهينة رغبة قوة عالمية أو توجُّهات أيديلوجية لا ترى مصالح الطرف الآخر أو الطرف الأضعف، وهو ما يجري الآن في غزة التي يعجز العالم عن الدفاع عنها؛ نظرًا للدعم غير المحدود الأمريكي إلى الاحتلال الإسرائيلي.
يتميز التعاون “الصيني – الخليجي” أنه تعاون اقتصادي تجاري في المقام الأول قائمٌ على المصلحة المتبادلة بين الطرفيْن بدون التدخُّل في الشؤون السياسية الداخلية او الخارجية للدولة؛ حيث تقوم العلاقات بينهما على أساس متوازن لا يكون فيه طرف ذو سلطة أعلى من الطرف الآخر؛ بما يُخوِّلُ له فرْض رؤيته السياسية أو الاقتصادية على الطرف الأضعف، على عكس النموذج الأمريكي الذي يتدخل بشكلٍ سافرٍ في شؤون الدول الداخلية والخارجية، ويحاول أن يفرض رؤيته على غالبية دول العالم، على غرار ما يفعله ترامب من الضغط على الأردن ومصر من أجل ترحيل الفلسطينيِّين في قطاع غزة إليهم، وتصريح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بأن تقوم المملكة العربية السعودية باستقبال الفلسطينيِّين، وهو ما أثار غضب الرياض وغالبية الدول العربية، على رأسهم مصر وباقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
بالنسبة لدول الخليج: –
تقليل اعتماد الخليج على الولايات المتحدة:
تسعى الدول الخليجية إلى خلْق تحالفات جديدة وأكثر تنوُّعًا، بعيدًا عن الاعتماد الكُلِّيِّ على الولايات المتحدة؛ فالدول الخليجية في العقْد الأخير، شهدت طفرةً ونموًّا سريعًا؛ ما جعل منهم قوى إقليميةً تلعب دورًا كبيرًا في المشهد السياسي في المنطقة، وظهر ذلك واضحًا في دورها الفعَّال عقب عملية “طوفان الأقصى”، وكان للدوحة نصيبٌ كبيرٌ من التوسُّط لوقْف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؛ ما جعل منها دولة ذات سياسة خارجية فعَّالة وفاعلة، كما تتمسك الرياض بموقفٍ ثابتٍ رغم الضغوطات الأمريكية على أنه لا تطبيع مع إسرائيل بدون إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، وترفض مقترح ترامب لتهجير سكان غزة بشدة أو مجرد التفاوض بشأنه، وتعطي تلك المواقف رسالةً، بأن الدول الخليجية باتت تشعر بثقلها الاقتصادي والسياسي بالحدِّ الذي يجعلها تختلف مع واشنطن ولا تنصاع لرغباتها.
وعلى الرغم من توقيع الإمارات والبحرين كدول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي على اتفاقيات إبراهام، والموافقة على التوجيهات الأمريكية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن الإمارات تتبنَّى موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية، كما أنها عضوٌ في البريكس الذي تراه الولايات المتحدة تنظيمًا متحدِّيًا لها ولهيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، بالإضافة إلى توجُّههم للتعاون مع الصين على غرار باقي دول المجلس.
تعزيز قدرة الخليج التكنولوجيا:
تقوم بكين بتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في الدول الخليجية، وتشهد الصين طفرةً هائلةً في القطاع التكنولوجي ومتوقعًا له نموٌّ بارزٌ وسريعٌ خلال السنوات المقبلة، وتضع الولايات المتحدة بعض القيود على الدول الخليجية للحدِّ من النفوذ الصيني المتنامي، خاصَّةً فيما يتعلق بمجالات التكنولوجيا والاتصالات، وترغب الدول الخليجية في أن تقوم بتنويع شراكاتها وتحالفاته؛ إيمانًا منها بأن ذلك مرتكزًا من مرتكزات التطوير، خاصَّةً في مجال التكنولوجيا؛ حيث تعرَّضت لضغوط أمريكية في وقتٍ سابقٍ؛ لمنعها من استخدام شبكات الجيل الخامس 5G في بنيتها التحتية، ولكن تواصل الدول الخليجية السعْي نحو تنمية قطاع التكنولوجيا بالتعاون مع بكين، وقد فتحت شركات صينية في داخل الأراضي السعودية والإماراتية؛ ما يعزز من الروابط “الصينية – الخليجية”، ويتواجد بالإمارات تقريبًا ما يصل إلى 6000 شركةٍ صينيةٍ، العديد منهم مختص في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وتشمل اتفاقية التجارة الحرة التي تسعى بكين لإبرامها مع مجلس التعاون الخليجي قطاعات حديثة، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والروبوتات، بالإضافة إلى التعاون لتطوير البنية التحتية؛ بما يعزز تعاون الطرفين غير النفطي في القطاعات الأخرى.
الخليج بين الصين والولايات المتحدة في ظل وصول ترامب:
يعتزم ترامب شنَّ حربٍ تجاريةٍ على الصين، بفرْض جمارك باهظة على المنتجات الصينية، في الوقت الذي تقوم فيه الدول الخليجية بتعميق التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري مع الصين؛ بما يضع الدول الخليجية في موقفٍ يضطرها إلى حسْم مصيرها، إما بالعودة إلى حليفتها الإستراتيجية القديمة الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاستمرار في رفْع مستوى العلاقات والتعاون مع الصين، وعلى الرغم من التقارب الحالي، إلا أنه قد أعلنت السعودية، أنها ستقوم باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وجاء ذلك بعد مطالبة ترامب المملكة بالاستثمار في واشنطن، كما اجتمع ترامب خلال احتفالات رأس السنة في مار إيه لاغو بحسين سجواني رجل الأعمال الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة “داماك العقارية” التي يقع مقرُّها في دبي، في سعْي ترامب لتحقيق مكاسب استثمارية، من خلال الشرق الأوسط؛ حيث حصل على مركز بيانات بقيمة 20 مليار دولار.
وهناك احتمالية لتجميد الخليج لاتفاقية التجارة الحرة مع الصين، في ظل فترة ترامب الحالية، الذي كان على وفاقٍ وعلاقاتٍ جيِّدةٍ مع دول الخليج في فترته الأولى، على غرار تجميد الاتحاد الأوروبي لاتفاقيات استثمارية مع الصين بعد تولِّي الرئيس السابق جو بايدن الحكم، في 2020؛ نظرًا لما بينهم من توافق سياسي واقتصادي، ولكن سيتطلب اتخاذ مثل هذه الخطوة من قِبَلِ الدول الخليجية خطوةً أمريكيةً تسبقها، يقوم من خلالها ترامب بتقديم مقابل لدول الخليج ومزايا تجعلهم يتخلون بشكلٍ أو بآخر عن علاقاتهم المتحسنة تدريجيًّا مع الصين، وأن يُركِّزُوا استثماراتهم فقط مع واشنطن، أمَّا الاحتمالية الأخرى، هي أن تقوم دول الخليج بتبنِّي سياسة متزنة بين القوتين المتنافستين، وتستمر في مرحلة تعزيز علاقاتها مع الصين، التي تعززت بالفعل بشكلٍ كبيرٍ في السنوات الماضية، وفي الوقت ذاته، تحافظ على علاقات جيدة مع إدارة ترامب؛ ما سيُمكِّنُها من خلْق توازنٍ بين قوتيْن اقتصاديتيْن هم الأقوى عالميًّا.
وختامًا:
تشهد العلاقات “الصينية – الخليجية” تطوُّرًا ملحوظًا، ويستمر الجانبان بالتقدُّم نحو تعميق الروابط السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية والعسكرية فيما بينهم، بما يمكن أن يؤدي في المستقبل القريب إلى شراكةٍ شاملةٍ بين الطرفين، او استكمال اتفاقية التجارة الحرة وتوقيع اتفاقيات شراكةٍ أخرى تُعزِّزُ من علاقات دول مجلس التعاون بالصين، ولكن على الرغم من ذلك، يتمثل التحدِّي الأهم لدول الخليج هو نهْج ترامب الاقتصادي الحمائي وسياسات أمريكا أولًا التي تتجاهل مصلحة الحلفاء على حساب مصلحة واشنطن؛ لذا من المحتمل أن تحمل الشهور المقبلة ظهور بعض ملامح نوايا الخليج في التعامُل مع هذه المعضلة.
المصادر:
[1] دانة جبريل” الاتفاق بين إيران والسعودية: الصين تحقق اختراقاً في خلاف شائك منذ سنوات”، بي بي سي نيوز، 11 مارس 2023
[7] اقتصادي / وزير الاستثمار يؤكد في منتدى التعاون الصناعي والاستثماري الخليجي الصيني التطور المتسارع في العلاقات وتنوع أوجه التعاون، وكالة الانباء السعودية.
