إعداد: جميلة حسين محمد
“ما دامت الأرض محتلة، ظلت المقاومة قائمة”، ذلك المبدأ هو الأساس الشرعى والطبيعى للمقاومة الفلسطينية بشكل خاص التى أخذت مشروعيتها من استمرارية جرائم وانتهاكات الاحتلال ضد الشعب الفلسطينيى وحقوقه، تلك العلاقة الارتباطية التى شهدت منذ نكبة 1948 صعودًا وهبوطًا، وتحولات فى التكتيكات والأساليب فيما يخص نهج وعمليات المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة على حد سواء ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلى وصولًا إلى العملية الأخيرة للمقاومة “عملية طوفان الأقصى” التى بدأت تطرح تساؤلًا بشأن ماذا عن مستقبل المقاومة الفلسطينية داخل أراضى فلسطين المحتلة؟
الجذور الأولى
بدأت إرهاصات المقاومة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى للمشروع الاستيطانى الصهيونى بعد الحرب العالمية الأولى وصدور “وعد بلفور” فى نوفمبر 1917، والتى بدأت معها سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة، وشراء الأراضى، وكان الهدف المعلن متمثلًا فى إنشاء “بيت وطنى يهودى”، وعلى إثر تلك السياسية انطلقت الثورة العربية فى فلسطين عام 1936 بعد أن أطلق الشرارة الأولى لها الشيخ (عز الدين القسام)، وقد عُرفت لاحقًا بـ «الثورة الفلسطينية الكبرى»، وهدفت تلك الانتفاضة الوطنية ضد الإدارة البريطانية للولاية الفلسطينية واستمرت حتى انتهت عام 1939 بعقد مؤتمر الطاولة المستديرة وتراجع بريطانيا عن بعض سياستها لإحداث فقد قدر من الهدوء النسبى داخل فلسطين تمهيدًا لما سيحدث فى عام 1948.
سمات المقاومة: تميزت المقاومة الفلسطينية فى تلك المرحلة بالتوحد نحو هدف أساسى يتمثل فى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتغير الحكومة البريطانية لسياستها، وهو ما عبرت عنه الثورة الكبرى من خلال التضحية والفداء والمصابرة والإصرار على الحقوق دون مهانة أو ضعف، وكانت أبرز السياسات التى استعملتها المقاومة الإضراب العام وإشعال الثورة والقدرة على التنظيم، ولكن ما أضعف همتهم هو افتقارهم إلى القيادة العسكرية والسياسية الفعالة القادرة على تحدٍ يفوق الخصم بعد القضاء على عدد من القيادات المهمة.
مرحلة الصحوة حتى هزيمة 1967
بعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحدوث النكبة الكبرى التى شملت احتلال معظم أراضى فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد مئات الآلاف من الفلسطينين وتحويلهم إلى لاجئين، وتنفيذ العديد من المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية وغيرها من الأعمال الوحشية.
بدأت المقاومة تتخذ شكل الكفاح المسلح باعتباره السبيل الوحيد لتحرير الوطن والتخلص من العدو المغتصب لأراضيه، ونشأت المقاومة تحت لواء يعرف بحركة التحرير الوطنى الفلسطينى أو ما اشتهرت بحركة “فتح”، والتى تعود جذور نشأتها إلى آوخر عام 1957 على يد خمسة مؤسسين أهمهم (ياسر عرفات)، ولكنها أعلنت انطلاقها فى يناير 1965 وحظيت بتأييد شعبى واسع مع إعلان هدفها المتمثل فى “تحرير فلسطين، وأن تشكل الأراضى الفلسطينية المحتلة ساحة الكفاح المسلح الرئيسية”، واعتبرت أن المقاومة المسلحة سترفع معنويات الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة وتشجعهم على البقاء فى أرضهم ليتحول الفلسطينى من لاجئ أو مشرد أى فدائى يحمل السلاح فى وجه العدو.
وعلى إثرها تأسست منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة سياسية شبه عسكرية وممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى، والقدرة على طرح قضية فلسطين كقضية العرب الأولى، وإدراجها على رأس قضايا التحرر الوطنى فى العالم، وإعلاء شأن الكفاح المسلح وضمت تحت لوائها حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالإضافة إلى عدد من الفصائل والأحزاب الفلسطينية.
المواجهة المضادة للعدو: واجهت السلطات المحتلة والجيش الإسرائيلى حركة “فتح” وحركات المقاومة الأخرى بحملة أمنية واسعة، وفرضت نظام حظر التجوال فى عدة مناطق، الأمر الذى أسفر عن استشهاد واعتقال المئات من الفدائيين والمناصرين، وعن انحسار ظاهرة العمل الفدائى المسلح فى الضفة الغربية وتراجع إمكانية بناء قواعد للمقاومة المسلحة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967 وما نتج عنها من احتلال مزيد من الأراضى داخل وخارج فلسطين، خاصة بعد قرار مجلس الأمن رقم 242 الذى صدر فى نوفمبر 1967، وتحوّل الهدف العربى من “تحرير فلسطين إلى مجرد إزالة آثار العدوان الإسرائيلي”.
مرحلة الخمول النسبى حتى الانتفاضة الأولى
بعد تحول الأهداف الرئيسية للمقاومة وتراجع همتها فى الداخل الفلسطينى بدأت تتحول نحو الدول العربية المجاورة كمحاولة لاستكمال مسيرتها ولعل أبرز ما ساعدها فى هذه الخطوة ما حدث فى الأردن حيث “معركة الكرامة” عام 1968 بين القوات الإسرائيلية ومجموعة مشتركة من مقاتلين فلسطينيين وجنود الجيش الأردنى، مما أسفر عن تكبيد الجيش الإسرائيلى خسائر فادحة نسبيًا، مما كان له تداعيات على الصعيد العربى فى صفوف المقاومة حيث بدأت دول كمصر والسعودية والأردن بمساعدة حركة “فتح” على المستوى المادى واللوجيستى والمعنوى.
وعلى إثره تم انتخاب (ياسر عرفات) رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما شجع حركة “فتح” ومنظمات المقاومة الأخرى على نيل الاعتراف العربى والدولى بها ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطينى، وصارت تشعر بالمزيد من المسؤولية عن مواقفها، ورفعت شعار “الدولة الفلسطينية الديمقراطية” فى مذكرة وجهتها إلى هيئة الأمم المتحدة أى قيام دولة ديمقراطية علمانية على أرض فلسطين التاريخية لليهود الإسرائيليين ولكل الفلسطينيين على قدم المساواة.
ما أفقد المقاومة رهاناتها فى تلك المرحلة بعد الدعم العربى لها هو أن الشعار الذى قدمته فيما يخص قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية لم يلق رواجًا فى الداخل الإسرائيلى خاصة بعد انتصاره الساحق فى حرب 1967، كذلك الصراعات التى داخلها منظمة التحرير الفلسطينية فى السبعينيات مع عدد من الدول العربية، أبرزهم مصر بعد عقد معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل وتشكك المقاومة فى إسناد الرئيس الراحل (محمد أنور السادات) للقضية، فضلًا عن تشتت قوات منظمة التحرير الفلسطينية فى أعقاب الغزو الإسرائيلى للبنان عام 1982 وانتقال قيادة المنظمة إلى تونس البعيدة جغرافيًا عن فلسطين.
مرحلة العودة النوعية حتى اتفاقية أوسلو
مع اندلاع الانتفاضة الشعبية فى الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين فى ديسمبر عام 1987 بدأت المقاومة من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باستعادة عملها الفدائى واعتمادها على المقاومة المدنية وأسلوب الكفاح الشعبى من إضرابات وتظاهرات فى ظل غياب مقومات العمل العسكرى فى الداخل الفلسطينى، وكان أبرز رموزها “الحجر” و”السكاكين” حتى عُرفت “بانتفاضة الحجارة”، وبدأت عمليات إتلاف المنشآت الزراعية والصناعية الإسرائيلية.
نتج عن تلك الانتفاضة دخول منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة (ياسر عرفات) فى سلسلة من المفاوضات المكثفة السرية والعلنية مع الجانب الإسرائيلى، نتج عنها “اتفاقية أوسلو” عام 1993 وهى اتفاقية سلام وقعتها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتى اعتبرها البعض اتفاقية مجحفة للحق الفلسطينى حيث على إثرها اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل على 78% من أراضى فلسطين – أى كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة – فى مقابل إقامة حكم ذاتى للفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية، ولكن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية والهيمنة الاقتصادية، وبطبيعة الحال كانت لهذه الاتفاقية تداعيات سلبية أثرت فى تاريخ المقاومة الفلسطينية طوال فترة التسعينيات من القرن الماضى.
مرحلة التراجع والخذلان
مع قيام السلطة الفلسطينية الجديدة بالتنسيق الأمنى مع صفوف العدو وفقًا لما أقرته اتفاقية السلام المنعقدة بينهم، دخلت المقاومة الفلسطينية فى طور من التخاذل والإحباط بعد خفض السلاح والتراجع فى مقاومة العدو، ولكن مع بداية الألفية الجديدة وانهيار مفاوضات السلام في”كامب ديفيد-2″، وانسحاب الجيش الإسرائيلى من لبنان بفعل ضربات المقاومة اللبنانية، لم ينجح (ياسر عرفات) فى الحصول على تنازلات ذات معنى من “إسرائيل” كان يتوقعها نظير تعاونه وخدماته.
وتم إطلاق “الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى” فى سبتمبر عام 2000 بعد قيام (أرئيل شارون) وأعضاء من حزبه وعدد كبير من الجنوب بالتجول فى ساحات المسجد الأقصى، وسرعان ما تحولت تلك الانتفاضة إلى موجة كبيرة من العمليات الاستشهادية القوية والمؤثرة للجانب الفلسطينى، أما على الجانب الإسرائيلى استطاعت فصائل المقاومة المختلفة “فتح – حماس – الجهاد الإسلامى” إسقاط العديد من الجنود الإسرائيليين واستخدام أسلحة متنوعة ضدهم، على الرغم من الاجتياح الإسرائيلى لمناطق السلطة الفلسطينية، ومجزرة مخيم جنين، ومحاصرة ياسر عرفات، إلا أن الروح كانت قد انبعثت فى تنظيمات الكفاح المسلح.
ولكن مع وفاة (ياسر عرفات) عام 2004، ووصول خليفته ( محمود عباس أبو مازن) ضعفت السلطة الفلسطينية، لتحدث نقطة تحول فى مسيرة “حركة فتح” التى ظلت لعقود تمثل الرمز الأقوى للمقاومة الفلسطينية بأكملها، لتشهد انتفاضة الأقصى توقف فعليًا فى فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذى عقد فى قمة شرم الشيخ بين الرئيس الفلسطينى المنتخب حديثًا (محمود عباس) ورئيس الوزراء الإسرائيلى (أرئيل شارون).
مرحلة الصحوة الثانية للمقاومة
بعد إخلاء الحكومة الإسرائيلية للمستوطنات ومعسكرات الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة و4 مستوطنات أخرى متفرقة فى شمال الضفة الغربية بعد الهدنة، زادت قوة فصائل المقاومة خاصة حركة حماس التى كان لها دور لا يستهان به فى الانتفاضة الثانية.
وبالرجوع إلى حركة المقاومة الإسلامية المعروفة بحركة “حماس” التى برزت فى أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة” عام 1987 ساعية لوضع بذرة لجيل جديد من المقاومة الفلسطينية، لتعلن بعدها تأسيس جناحًا عسكريًا لها يُعرف بكتائب القسام، ومشاركتها فى السلطة الفلسطينية بعد فوزها بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية عام 2006، الأمر الذى مثل صدمة بالنسبة لحركة “فتح” لم يتقبله المحتل والدول الداعمة له كالولايات المتحدة وبعض دول الغرب الذين طالبوا الحركة بوقف العنف واعترافها بدولة إسرائيل قبل تولى السلطة، ليأتى عام 2007 وتقوم حماس بالسيطرة العسكرية على قطاع غزة وتطرد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ليبدأ طور جديد للكفاح المسلح الفلسطينى.
مقومات وتكتيكات المقاومة:
عمدت حماس على تأسيس ما يشبه بالجيش النظامى بما يتضمنه من ألوية وأقسام وشؤون عسكرية عبر جناحها العسكرى “كتائب القسام”، وبجانب الدعم الإيرانى من ناحية عبر ميليشياتها الموجودة فى الشرق الأوسط، بدأت المقاومة فى صناعة السلاح بقطاع غزة محليًا مع بداية الانتفاضة الثانية، وتطوير المنظومة العسكرية خاصة منظومة الصواريخ التى أصبحت أشهر إنتاجات القسام، الأمر الذى جعل الجيش الاحتلال الإسرائيلى يشعر بالقلق الشديد مما يجرى فى غزة وبرنامج التصنيع العسكرى فيها وتطور قدرات فصائل المقاومة، ليعلن فى مارس 2011 عن ما يُعرف “بالقبة الحديدية”، وهى سلاح لاعتراض صواريخ المقاومة والتى طورها فيما بعد عام 2017 لتتمكن من التصدى لقذائف الهاون والطائرات المسيرة.
ولكن فى عام 2014 نجحت المقاومة فى إطلاق صواريخ من داخل غزة أصابت أهدافها فى الكيان الإسرائيلى، واستطاعت إدارة المشهد بطريقة جديدة فى الانتفاضة الفلسطينية الثالثة أو “انتفاضة القدس”، وسُميت أيضًا بـ “انتفاضة السكاكين” فى 2015، وتمثلت فى احتجاجات شهدتها الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، وعليه حاولت إسرائيل بذل كل جهدها للقضاء على القدرات اللوجيستية والكفاءات القيادية التى تتمتع بها المقاومة، ولكن عادت قدرات المقاومة تظهر من جديد فى معركة “سيف القدس” حيث استطاعت زعزعة الكيان الإسرائيلى من خلال إعادة مشهد عام 2014، حيث إطلاق عدد من الصواريخ التى أصابت العمق الإسرائيلى والمدن البعيدة عن غزة، لتخفق القبة الحديدية لإسرائيل فى التصدى لصواريخ المقاومة ليجد الجيش الإسرائيلى نفسه أمام قوة رادعة تتنوع فى مقوماتها العسكرية وتستطيع إلحاق قدر من الخسائر المادية والبشرية بها.
وتجدر الإشارة إلى تعدد الفصائل والحركات المسلحة فى قطاع غزة والضفة الغربية إلا أن معظمها لم يدم استمراره بعد قيامه بتنفيذ عدد من العمليات ضد إسرائيل خلال السنوات الماضية، ومن أبرز تلك الفصائل “سرايا القدس” والتى تعتبر ثانى أكبر قوة عسكرية فى قطاع غزة، و”ألوية الناصر صلاح الدين” التى تأسست فى أعقاب الانتفاضة الثانية، و”كتائب الأنصار”، و”كتائب شهداء الأقصى”، و”كتائب المجاهدين”، و”التوحيد والجهاد”، و”كتائب المقاومة الوطنية” وغيرها من الفصائل الأخرى.
تباينات المرحلة الحالية
مع إطلاق المقاومة الفلسطينية متمثلة فى “حركة حماس” وذراعها العسكرى “كتائب القسام” عملية “طوفان الأقصى” فى يوم 7 أكتوبر الماضى فى قطاع غزة من أجل وضع حد لانتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلى، اخترقت من خلاله الحاجز الذى يفصل غزة عن إسرائيل فى أماكن متعددة، وأظهرت مدى امتلاك حركة حماس لعدد من الإمكانيات الجديدة كسلاح المظلات والطائرات المسيرة وتطويع الآليات المدنية للاستخدامات العسكرية.
حيث أطلقت صواريخ وطائرات بدون طيار تحمل اسم “أبابيل1” ضد العمق الإسرائيلى وتمكنت من أسر عدد من الإسرائيليين، وأعلن جيش الاحتلال إطلاق عملية مضادة “السيوف الحديدية” ضد حماس، لتدخل المقاومة فى اشتباكات دامية وعنيفة مع جنود الاحتلال فى عدة مناطق داخل القطاع، ليذهب ضحيتها الآلاف من الشعب الفلسطينى وتسقط على إثرها العديد من المبانى فى القطاع وتستمر حلقة استهداف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، ليشرعن بذلك العدوان الإسرائيلى سياساته التعسفية ضد الشعب الفلسطينى باعتباره حقًا له للدفاع عن نفسه ضد المقاومة، التى وصفت أعمالها بالإرهابية والتخريبية التى تضر إسرائيل ومصالحها.
رؤى مغايرة
بتتبع تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ بداية الاحتلال حتى اللحظات الراهنة يمكننا الوقوف إلى بعض الملاحظات:
- تحطيم مقولة الجيش الذى لا يُقهر: تلك المقولة لم يتم القضاء عليها فى العملية الأخيرة، ولكن حاولت دومًا المعارك التى دخلتها المقاومة ضد إسرائيل كشف الغطاء عن جوانب ضعف للطرف الإسرائيلى، على الرغم من انتهاء تلك الانتفاضات بمخرجات لصالح العدو، إلا أنها تحفز المقاومة على قدرتها بإلحاق الضرر والعديد من الخسائر الإسرائيلية.
- الاعتماد على أسلوب حرب العصابات: لكى تستطيع المقاومة وخاصة حركة حماس مواجهة ما لدى العدو من قوة هائلة فضلًا عن المساندات الغربية له، فيحاول مواجهته بالإمكانيات التى على الرغم من محاولته لتطويرها باستمرار إلا أنها ما زالت غير متكافئة مع الطرف الآخر، بالإضافة إلى طبيعة الأرض المكشوفة التى تتمركز فيها القوات الإسرائيلية، ومن ثم يصبح هذا الأسلوب هو الأنسب لتحقيق نوعًا من توازن الردع بين الجانبين.
- تجميد السلطة الفلسطينية: تواجه منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الأولى “فتح” أزمة منذ مشروع أوسلو وتداعياته المشوهة لحقوق الشعب الفلسطينى وللسلطة الفلسطينية متمثلة فى أزمة قيادة، وأزمة مسارات، وأزمة برنامج وطنى، وأزمة مؤسسات تمثيلية وتنفيذية، الأمر الذى وقف حائلًا أمام انقسام المقاومة بين الضفة وقطاع غزة ومنعها من تحقيق إنجازاتها بشكل حقيقى تتكاتف فيه ضد العدو الأول.
- تحويل الدفة للصالح الإسرائيلى: بعد أى معركة دامية بين المقاومة والجيش الإسرائيلى، يحاول العدوان حصر مصادر للتمويل والدعم الفلسطينى من خلال السلطة الفلسطينية التى يوجهها لصالحه، وتفريغ إنجازات المقاومة من محتواها من خلال تحجيم التأييد الشعبى والسياسى لها على عديد من المستويات، فضلًا عن إشعال غزة وحصارها والعودة بالانشغال بملفات إعادة الإعمار ليعود الوضع إلى أسوأ ما كان قبل عملية “طوفان الأقصى”.
ختامًا:
تثبت لنا المقاومة الفلسطينية حقيقة مفادها أن المقاومة مبدأ ثابت فى وجه شريعة العدوان، تلك الفكرة على الرغم من تعرضها للعديد من السياسات لإخمادها، وكذلك التحولات التى عاصرتها القضية خاصة مع استمرارية النهج الأوسلوى وتراجع الدور القوى “لحركة فتح” نحو “حركة حماس” المستمرة فى تطوير قدراتها وإمكانياتها التى أثبتت قوة صواريخ المقاومة وضعف منظومة الردع الإسرائيلية، وأيضًا أثبتت عبث بعض الدول الإقليمية والدولية لصالح أجندات وأهداف سياسية تخرج عن عباءة القضية برمتها، إلا أن المقاومة استطاعت فى مراحل عديدة أن تتسبب فى إلحاق نوعٍ من الرعب والخوف فى نفوس العدو المحتل وستبقى كذلك كنهج ثابت مهما بلغت التضحيات.