المقالات
الصين أمام مفترق طرق
- يوليو 18, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
مصطفى أحمد مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
بدأ الحزب الشيوعي الحاكم في الصين “الجلسة الكاملة الثالثة”، وهو اجتماع كبير يعقد مرة كل خمس سنوات للتداول بشأن وثيقة سياسية رئيسية بشأن تعميق الإصلاحات ودفع تحديث الصين، حيث تعقد اللجنة المركزية للحزب سبع جلسات مكتملة يحضرها جميع أعضائها، وفيما تركز الجلسات العامة الأولى والثانية والسابعة عادة على انتقال السلطة بين اللجان المركزية، فإن الجلستين الرابعة والسادسة تركز عمومًا على أيديولوجية الحزب، في حين ارتبطت الجلسة المكتملة الخامسة بالمداولات الخاصة بخطط التنمية الخمسية للبلاد، بينما تركز الجلسة المكتملة الثالثة على الإصلاحات السياسية والاقتصادية طويلة الأجل[1].
وكان من المفترض أن تعقد الجلسة المكتملة الثالثة في خريف عام 2023، لكن تم تأجيل الاجتماع دون تفسير رسمى، ويمكن إرجاع الأمر الى حملات مداهمة الفساد المستمرة داخل الحزب الشيوعي، والتردد بشأن الإصلاحات اللازمة لضخ الزخم في الاقتصاد، وكذلك لأن القيادة أرادت الانتظار للإعلان عن إصلاحات جديدة بعد اتخاذ عدة إجراءات فيما يخص سوق العقارات الذي يمثل مفتاح لفهم التحديات الاقتصادية المستمرة التي تواجهها الصين، فقبل جائحة كوفيد-19، كان قطاع العقارات يمثل ما يقرب من 30% من النشاط الاقتصادي و70% من ثروة الأسر.
ونظراً لدور الصين المتزايد الأهمية على الساحة العالمية باعتبارها أكبر مساهم في النمو العالمي، فقد اجتذبت الجلسة المكتملة الثالثة اهتمامًا واسع النطاق، حيث يتطلع الكثيرون إلى إجراءات إصلاح رئيسية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقد ألقى الرئيس الصيني، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، تقرير عمل نيابة عن المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وشرح مسودة قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن مواصلة تعميق الإصلاح بشكل شامل ودفع التحديث الصيني في ظل تحول بعض الاقتصادات المتقدمة إلى العزلة وتحولها إلى تدابير حمائية.
جدول أعمال الجلسة:
تحرر الاقتصاد الصيني من قيود كوفيد-19 في أواخر عام 2022، لكنه واجه مشكلات عدة مثل أزمة العقارات، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع التوترات التجارية وهو ما حمل تأثيرات سلبية على معدلات النمو الاقتصادي، في وقت يركز فيه الرئيس شي جين بينج على التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الخضراء على أمل أن توفر أساسا أكثر استدامة للازدهار في المستقبل، وهو نهج يتلخص في “التنمية عالية الجودة”، وقد استخدم شي هذا المصطلح لأول مرة خلال مؤتمر رئيسي للحزب في عام 2017، وأكد أن الاقتصاد الصيني ينتقل بعيدا عن “مرحلة النمو عالي السرعة” ليركز على تنمية أكثر كفاءة واستدامة.[2]
ومن المقرر أن يتناقش كبار مسؤولي الحزب حول مسودة قرار اللجنة المركزية للحزب بشأن مواصلة تعميق الإصلاح بشكل شامل ودفع تحديث الصين، وقالت وكالة أنباء شينخوا التي تديرها الدولة إنه من المتوقع التباحث بشأن مشاكل رئيسية مثل الركود في العقارات، وانخفاض الاستثمار الأجنبي في الصناعات غير التحويلية، وزيادة تكاليف الضمان الاجتماعي، مثل المعاشات التقاعدية والرعاية الطبية، كذلك يرى مراقبون أن من غير المرجح أن تتطرق الجلسة إلى الإصلاح السياسي، وفي المقابل يمكن أن تقدم عدة إجراءات لعكس مسار الانكماش الاقتصادي في البلاد مثل إصلاح الأنظمة المالية والضريبية، وقد تشمل التدابير المحددة نقل ضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة المضافة من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية.
ومن الضروري متابعة إذا كانت الحكومة ستتبع توجيهات الحزب، فقد حدث في عام 2013، أن بعض التوجيهات قد توقفت خلال مرحلة التنفيذ، ورغم افتراض كثيرين أن الابتعاد عن أجندة شي جين بينج الإصلاحية “الشاملة” لن يحدث إلا بالتزامن مع تراجع مركزيته السياسية، وبالتالي فإن الإصلاحات الرئيسية الموجهة نحو السوق غير محتملة، إلا أن المؤشرات المبكرة تذهب إلى أن بكين تسعى إلى تثبيت ثقة السوق لتعزيز أجندتها الإصلاحية الأوسع[3]، ففي مايو الماضي، التقى شي مع رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد، وسبقه اجتماع مع المديرين التنفيذيين الأمريكيين وقادة الصناعة في 27 مارس، عندما قال الزعيم إن الصين “ستواصل بناء بيئة أعمال موجهة نحو السوق وقانونية ودولية من الدرجة الأولى، وتوفير فرص أوسع للشركات من جميع أنحاء العالم”.
كذلك كان قد أصدر مجلس الدولة مؤخراً تقريراً حول “تعزيز تنمية الاقتصاد الخاص”، مشيراً إلى أن “الاقتصاد الخاص يشكل القوة الرئيسية في تعزيز تحديث الصين”. ويأتي هذا في أعقاب القرار الذي اتخذه شي في الخريف الماضي بتكليف اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بإنشاء مكتب جديد لتنمية الاقتصاد الخاص.
المناخ السياسي الدولي للجلسة:
البيئة الدولية حول الصين متوترة، وهو ما قد يحمل تأثيرات علي مخرجات الجلسة، فقد أعلنت الصين إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا على طول ساحلها الجنوبي عقب قمة لحلف شمال الأطلسي في واشنطن[4]، التى شهدت استخدام لهجة عدائية موجهة ضد الصين أقوى مما كانت عليه في القمم السابقة، حيث توصف بكين الآن بأنها “العامل التمكيني الحاسم” لحرب روسيا في أوكرانيا[5].
وفي وقت يتطلع فيه الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات ضد المنافسين الصينيين لحماية صناعة رقائق السيارات القوية في أوروبا، وقد يفتح هذا ساحة معركة جديدة في حرب تجارية متصاعدة مع بكين، مما يزيد من التوتر بشأن رسوم استيراد الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية الصينية، حيث يتخوف المسؤولون في الاتحاد الأوروبي من أن الشركات الصينية المدعومة تسعى إلى استهداف الصناعة الأوروبية.
ومع ذلك، يخشى القائمون على صناعة الرقائق أن يؤدي الإجراء الأوروبي ضد الشركات الصينية إلى تشويه سلاسل توريد الرقائق. ويقول الرئيس التنفيذي لشركة ASML الهولندية العملاقة لصناعة الرقائق الدقيقة، إن أوروبا تحتاج إلى الرقائق المنتجة في الصين فأوروبا لا تستطيع تلبية نصف الطلب الخاص بها.[6]
مسار التحديث:
وأمام ذلك، هناك توجهان جديدان من المتوقع مناقشتهما [7]، الأول هو “القوة الإنتاجية الجديدة ذات الجودة”، بحيث تكون الصين رائدة في ابتكار التكنولوجيات الجديدة وتحقيق الاعتماد على الذات من أجل تحقيق القدرة على الصمود في وجه الاحتواء الاستراتيجي الذي تفرضه الولايات المتحدة، ويمثل إدخال هذا المصطلح تغييراً جذرياً في الإدارة الاقتصادية بعد أن كانت السياسات الاقتصادية والصناعية التي تنتهجها بكين تعتمد إلى حد كبير على تسريع التقدم في اللحاق بالتكنولوجيات القائمة وتوسيع حصة صادرات الصين في السوق العالمية.
أما التوجه الأخر فهو “النظام الوطني الجديد”، ويشير هذا إلى توزيع الموارد الوطنية مع سيطرة مركزية أقوى، وتخصيص رأس المال للقطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية، والتركيز الأساسي هنا ليس على الاقتصاد بل على الجغرافيا السياسية.
ومن الواضح أن هذين التوجهين الجديدين يحققان إدارة اقتصادية أكثر مركزية في عهد الرئيس شي، والتي تركز على التكنولوجيا بدلا من تعظيم نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال التوسع في البنية التحتية والعقارات.[8]
وبينما يركز الاجتماع عادةً على مثل هذه القضايا طويلة المدى، فإن المستثمرين يترقبون ما إذا كان الحزب سيعلن عن أي إجراءات فورية لمحاولة مواجهة الانكماش في القطاع العقاري وتراجع معدلات النمو مؤخرا.
تحديات مسار التحديث:
إن تراجع ثقة المستهلك، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والبيئة الدولية المضطربة في السنوات الأخيرة، أدى بالفعل إلى تقييد خيارات بكين فيما يتعلق بالاستثمارات والحوافز المالية، لذا فمن الواضح أنه بدون الجهود المبذولة لإحياء ثقة السوق، فإن أجندة الإصلاح الأوسع في بكين قد تتعثر، فالتركيز على مركزية الحزب، وتقديم المسائل الأمنية على حساب الاقتصاد، والتنمية القائمة على التكنولوجيا، والتشكك في الشركات الأجنبية تمثل تحديات جدية لمسار التنمية، كذلك يرى مراقبون أن نموذج التحديث الصيني، الذي يعتمد على صادرات الصناعات التحويلية المتطورة لدفع الاقتصاد، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم النزاعات التجارية بين الصين والغرب[9].
وقد أدى التراجع في القطاع العقاري الى تهديد أهداف التنمية الحكومية من خلال ضعف الاستثمار الخاص، وتعثر الموارد المالية للحكومات المحلية، وخلق تأثير سلبي على الثروة، وتراجع معنويات المستهلكين.
ولإعادة هيكلة الاقتصاد بعيدًا عن العقارات، بدأت بكين في تضييق الخناق على وصول مطوري العقارات إلى الائتمان، وساعدت تدابير التقشف على استقرار أسعار العقارات وتصفية مئات المطورين المثقلين بالديون، وساعدت الحملة الصارمة في تحويل الائتمان من العقارات إلى قطاعات أكثر انسجاما مع استراتيجية التنمية التي تقودها التكنولوجيا وهي التصنيع المتقدم.
لكن هناك مشكلة رئيسية هي أن الحكومة الصينية لا تستطيع ببساطة تحويل الموارد من القطاع العقاري إلى القطاعات التكنولوجية دون التأثير على معدلات النمو بالسلب، فتظهر الأبحاث أن العديد من القروض الجديدة في الصين المصنفة كائتمان “صناعي” لم تذهب نحو مرافق التصنيع الجديدة، بل نحو إعادة تمويل القروض المتعثرة القائمة في قطاع العقارات، وبما أن الحكومات المحلية مسؤولة عن الحصة الأكبر من إنفاق السياسات الصناعية وتنفيذها، فإن الضغوط المفروضة على إيرادات الحكومات المحلية يمكن أن تعيق جهود بكين لتوليد مجالات جديدة من النمو الاقتصادي، خاصة أن التدابير المالية والنقدية والتنظيمية التي اتخذتها بكين غير كافية لاستعادة ثقة الشركات والمستهلكين، وواصلت أسعار المساكن انخفاضها في مايو بعد أن دخلت حزمة الإنقاذ التي أقرها مجلس الدولة حيز التنفيذ.[10]
نتائج الجلسة:
أنهى الحزب الشيوعي اجتماعه بتأييد سياسات تهدف إلى بناء القوة التكنولوجية للبلاد وتعزيز أمنها القومي، لكنه لم يوضح على وجه التحديد مسارات العمل واكتفى بقرارات وإرشادات عامة تشير إلى أن بكين ستواصل إعطاء الأولوية للاستثمار في التقنيات وتشجيع الشركات على تحديث معداتها ومعرفتها بما يتماشى مع دعوة الزعيم شي جين بينغ إلى “تطوير عالي الجودة”.
ويتم توضيح البيان الناتج عن الجلسة بعد أيام من خلال تقرير أكثر تفصيلاً، ومن المرجح أن تأتي السياسات المحددة التي تستمد إشاراتها من الجلسة المكتملة من الاجتماع الذي سيعقد هذا الشهر للمكتب السياسي الصيني المكون من 24 عضوا، والذي يركز عادة على القضايا الاقتصادية لبقية العام، ويري متابعون أن بيان الجلسة المكتملة يمكن أن يلمح إلى إجراءات لدعم الموارد المالية للحكومة المحلية، وتقديم صياغة قوية بشأن تعزيز الاستهلاك يمكن أن تترجم إلى إصلاح ضريبي.
المصادر:
What is China’s ‘third plenum [1]’?… https://n9.cl/bulaq4
[2] Why China’s Xi Is Pushing ‘High-Quality Development’.. https://n9.cl/njhz0
[3] CPC Central Committee starts third plenary session, showing unwavering commitment to reform, opening-up ..https://n9.cl/j1xtg
[4] الصين تجري مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا عقب قمة “الناتو”.. https://n9.cl/1r5sj
[5] The 2024 NATO Washington Summit: A Pre-Storm Gathering?.. https://n9.cl/7dv4p
[6] EU opens new front with China over car chips… https://n9.cl/goejz
[7] China’s third plenum marks a sea change in growth model.. https://n9.cl/yuvlmm
[8] China’s Communist Party will signal its approach to the country’s challenges.. https://n9.cl/k1f3dx
[9] European experts expect economic measures, military personnel changes… https://n9.cl/mr4d7
[10] With or Without Opening? Previewing China’s Third Plenum Reforms… https://n9.cl/f3yen